عربي21:
2025-05-25@00:42:57 GMT

سوريا الجديدة وحذاء سيدة صيدنايا

تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT

في مشهد يلخص ما يخالج مشاعر السوريين، ويعبر عن مكنون رفضهم الدفين لتعاطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مع مأساتهم، وهي مأساة مركبة، بين قتل، وتعذيب، واعتقال، واغتصاب، وعاهات مستدامة جسدية أو نفسية، وتهجير، وفقْد للأبناء والأزواج الأحباب والأقارب، وقطع للأرزاق، وهدم للبيوت، وتخريب للبنية التحتية؛ مآس بعضها فوق بعض ظلمات.

. ظهرت السيدة السورية التي ذهبت إلى سجن صيدنايا، كعادتها منذ تحرير سوريا للبحث عن أخيها أو أبناء عمومتها الاثنين الذين فقدتهم، لعلها يأتيها من الوثائق التي وجدت في السجن قبس، أو تجد في السجن هدى لمصيرهم.

حظ المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن يلقى هذه السيدة المكلومة، وهي ليست الوحيدة، فسمع منها ما لن يسمعه من السياسيين الذين اعتاد أن يلقاهم، ويلقاهم من سبقوه في الأمم المتحدة، في السنوات الثلاث عشرة الماضية، فأصحاب ربطات العنق الأنيقة، والذين عرفوا شكل الدولار، وعرفوا بعده الإقامة في الفنادق الخمس نجوم في أعرق بلاد الأناقة والرفاهية في أوروبا، لا يستطيعون أن يعبروا كما عبّرت سيدة صيدنايا لما يشعر به الشعب السوري أمام الخذلان الذي رأوه من المجتمع الدولي ومنظماته التي قامت لضمان ورعاية الأمن والسلم الدوليين، وصمته المريع أمام البراميل المتفجرة التي تسقط على رؤوس العزّل والسياط التي تسقط على أظهر المعتقلين.

حوَّل المبعوثون الأمميون الأزمة السورية من أزمة سياسية، متناسين المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الشعوب في تقرير المصير، ليختصروها في الملفات الإنسانية، مع فشل ذريع في فرض آليات ضغط جدية على النظام المخلوع وداعميه الروس والإيرانيين، لوقف المجازر، فيما لو اقتصرنا الأزمة في الملف الإنساني، ليتحول الملف الإنساني ويقلص إلى ملف إغاثي
منذ اندلاع الثورة السورية وعسكرتها كرها بإدارة النظام المخلوع ورغبته في جر الشعب للسلاح حتى يبرر القمع والقتل، والمجتمع الدولي بمنظماته المؤتمرة بأوامر أمريكا، والمعطلة بفيتو روسيا، في تبادل أدوار مفهوم؛ عاجز عن كف القتل والتنكيل الواقع على الشعب الذي طالب بالتغيير، متذرعين بتعقيد الأزمة، والتوازنات الدولية، لكن مجمل الأداء الأممي والدولي تجاه الأزمة السورية لم يكن باهتا، بل كان قاتما، سلبيا، تراوح ما بين المماطلة وعدم اتخاذ قرارات حاسمة، وبين الرغبة في إطالة أمد الحرب لإنهاك دولة كبيرة لمصلحة جارة الشؤم إسرائيل.

حوَّل المبعوثون الأمميون الأزمة السورية من أزمة سياسية، متناسين المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الشعوب في تقرير المصير، ليختصروها في الملفات الإنسانية، مع فشل ذريع في فرض آليات ضغط جدية على النظام المخلوع وداعميه الروس والإيرانيين، لوقف المجازر، فيما لو اقتصرنا الأزمة في الملف الإنساني، ليتحول الملف الإنساني ويقلص إلى ملف إغاثي، وتُوجه جهود الأمم المتحدة و"دول أصدقاء سوريا" إلى الحل الإغاثي. وحتى هذا لم يفلح مع تعنت الهارب بشار الأسد من ناحية، وإدراك المنظمة الدولية، وتجار الكوارث من الجمعيات المحلية لحقيقة ما يحتاجه الشعب، من ناحية أخرى. ونضرب في ذلك مثال داريا المحاصرة، والتي جوّعها النظام في 2016، وإذ بالمنظمة الدولية بدلا من أن ترسل الطعام لمن بقي على قيد الحياة، ولم يمت جوعا، ترسل لهم أدوات نظافة شخصية.

منذ أن عُهد لكوفي عنان في شباط/ فبراير 2012 مهمة متابعة الملف، وأصبح مبعوث الأمين العام إلى سوريا والأداء كان ضبابيا، فأطلق خطة من ست نقاط لوقف العنف، منها وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، لكن الخطة فشلت بسبب عدم وجود ضمانات دولية وإرادة تصحبها كما حدث في البوسنة، أو ليبيا، ليأتي بعده الأخضر الإبراهيمي منذ 2012 وحتى 2014 وكل مساعيه تنصب على جمع أطراف النزاع، ونجح الرجل في إطلاق مؤتمر جنيف، لتظهر طبقة جديدة من الثوار، أو من يتكلمون باسم الثوار من أصحاب الياقات البيض، وتبدأ عملية تبريد الثورة، ليأتي خلفه دي مستورا ليسير على نهجه، ويطلق مبادرات خفض التصعيد في جولات جنيف التي أطلقها سلفه، ليسلم الملف برمته طواعية وبأوامر أمريكية إلى روسيا، لتصبح الخصم والحكم!

ثم يأتي بيدرسون ليقول كلمته، ويدشن لجنة دستورية، ويدخل الجميع في معضلتين يحار فيهما الحكماء، الأولى تعريف ما جرى ويجري منذ اندلاع الثورة، ومن ثم تعريف الطرفين لأنفسهم؛ بشار يعرف نفسه جيدا.. حاكم مستبد ورث الحكم ويدافع عن إرث عائلته، لكن الأزمة في الطرف الآخر، هل هم ثوار أم معارضون؟ فلو كانوا ثوارا فماذا يعني أن ينخرطوا في دستور بإشراف أممي ومشاركة النظام الذي ثاروا لتغييره؟ ولو كانوا معارضين، فلماذا يتمسك هادي البحرة حتى الآن بقرار 2254 رغم سقوط بشار الأسد وهروبه؟!

صرخت سيدة صيدنايا في وجه بيدرسون: "بعد ماذا أتيتم؟ لا نريدكم بعد الآن"، قبل أن تلقي بحذائها على سيارة الأمم المتحدة.. صرختها لها رمزيتها ودلالتها، ففي ظل حالة التسامح التي حملها الثوار مع تحرير دمشق، والتي لا أرى لها محلا في كثير من المواضع
النصائح التي لا تتوقف منذ تحرير دمشق من كل ناصح، وأنا منهم، وكتبت في ذلك مقالا في يوم سقوط الأسد بعنوان "ماذا بعد فرحة سقوط بشار؟!"؛ لا يمكن إغفالها، ومن هذه النصائح للثوار، "لا تتركوا أحدا يقفز على الثورة"، في إشارة من أصحاب هذه النصيحة بألّا تجعلوا الجولاني يختطف الثورة، وكأن الجولاني لم يضحّ، وكأن الجولاني لم يوحّد الصفوف، ولم يقُدْ المشتتين.

ومع تحفظي ومخاوفي، إلا أننا جميعا علينا أن نحترم إرادة الشعب السوري واختياراته، ولأن هذه النصيحة تحمل وجهين، إحداهما مخلص يريد لسوريا أن تمر من هذا النفق بسلام من أجل بناء الجمهورية الجديدة المؤثرة صاحبة المكانة التاريخية، والوجه الآخر خبيث، يهدف إلى دق الإسفين في مفاصل الدولة الوليدة، لاستبعاد تيار شعبي عام صاحب أيديولوجية تقترب أو تبتعد عن أيديولوجية الجولاني، لكنها في إطاراته، ولا تختلف إلا في التفاصيل، وتحل بالمرونة والتقريب، لصالح تيار مقرب من الغرب وينتهج أفكاره.

صرخت سيدة صيدنايا في وجه بيدرسون: "بعد ماذا أتيتم؟ لا نريدكم بعد الآن"، قبل أن تلقي بحذائها على سيارة الأمم المتحدة.. صرختها لها رمزيتها ودلالتها، ففي ظل حالة التسامح التي حملها الثوار مع تحرير دمشق، والتي لا أرى لها محلا في كثير من المواضع، ومع ثلاثة عشر عاما من القتل والقهر والحرب والسياسية، والدبلوماسية، وإدارة المدن المحررة وتنظيم شؤون الناس في تلك المدن، فهل نضجت الثورة بما يكفي لكيلا تخضع؟ أصحاب المكايد وقادة الثورات المضادة على الربيع العربي يتربصون ويجتمعون، ويتلونون، فهل أنتم يا ثوار مستيقظون، وتصرخون كما صرخت سيدة صيدنايا؟

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صيدنايا سوريا الثورة سوريا الثورة صيدنايا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الملف الإنسانی الأمم المتحدة سیدة صیدنایا فی الملف

إقرأ أيضاً:

لماذا تحول الموقف الغربي تجاه الأزمة السودانية؟.. خبراء يجيبون لـ "الفجر"

 


شهدت مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية تجاه الحرب في السودان تحولًا جوهريًا خلال الفترة الأخيرة، مع تصاعد الأزمة الإنسانية وتفاقم انتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى تزايد التدخلات الخارجية في الصراع الدائر. هذا التحول تمثل في تبني سياسات أكثر حزمًا بعد سنوات من التردد والتجاهل.

عقوبات أمريكية بسبب "الكيماوي" واتهامات متبادلة

في 23 مايو 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السودانية، متهمةً الجيش السوداني باستخدام غاز الكلور ضد قوات الدعم السريع. القرار جاء بعد إعلان سابق في يناير وصفت فيه واشنطن قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور، مما أسفر عن فرض عقوبات على قائدها محمد حمدان دقلو "حميدتي" وشركات مرتبطة به.

لكن هذه الخطوة قوبلت بتشكيك واسع من داخل السودان. حيث قال السماني عوض الله، رئيس تحرير صحيفة "الحاكم نيوز"، في تصريحات لـ "الفجر"، إن القرار الأمريكي يحمل أبعادًا سياسية خطيرة ويهدف إلى كسر تقدم الجيش السوداني ميدانيًا.

السماني عوض الله 

وأضاف عوض الله: "الولايات المتحدة تحاول التغطية على ما وصفه بـ'الفضيحة الكبرى' بعد أن ضبط الجيش صواريخ أمريكية وأسلحة متطورة في أحد مخازن الدعم السريع"، مشيرًا إلى أن واشنطن سارعت بفرض العقوبات لصرف أنظار الكونغرس الذي بدأ عدد من أعضائه يطالب بوقف بيع الأسلحة خوفًا من تسربها للمليشيات.

وأوضح عوض الله أن "القرار محاولة لإحياء منبر جدة الذي انتهت فاعليته بعد تراجع مليشيا الدعم السريع ميدانيًا، كما أنه شكل من أشكال الابتزاز السياسي للضغط على الحكومة السودانية للجلوس إلى طاولة المفاوضات".

اتهامات بلا أدلة ومقارنات بالعراق

وفي السياق نفسه، اعتبر الطيب إبراهيم، رئيس تحرير صحيفة "الطابية"، في حديث لـ "الفجر"، أن اتهام الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيماوية هو "محاولة عبثية لتقويض انتصاراته"، مؤكدًا أن هذه المزاعم لا تستند إلى أي دليل ميداني أو قانوني.

الطيب إبراهيم 

وقال إبراهيم: "التحقيق في مثل هذه القضايا يجب أن يتم عبر منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، عبر فرق ميدانية، لكن الولايات المتحدة تجاهلت ذلك، واستندت فقط إلى تقرير منشور في نيويورك تايمز نقل عن مصادر مجهولة".

ولفت إلى أن هذا الأسلوب يعيد للأذهان سيناريو غزو العراق عام 2003، عندما تم تدمير البلد على خلفية معلومات خاطئة عن أسلحة دمار شامل. وأضاف: "السودان لا يمتلك هذه الأسلحة ولا يعرفها أصلًا، وهذه حيلة أمريكية معتادة".

الأزمة الإنسانية تتفاقم والمساعدات شحيحة

في موازاة التصعيد السياسي والعسكري، يعاني السودان من كارثة إنسانية متفاقمة، إذ تشير التقديرات إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد ملايين آخرين، بينما يعاني نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي.

وفي أبريل 2024، دعت الولايات المتحدة المجتمع الدولي إلى زيادة المساعدات، لافتة إلى أن الاستجابة لنداء الأمم المتحدة لم تتجاوز 5%، ما يسلط الضوء على عمق المعاناة.

القلق من التمدد الروسي والإيراني في البحر الأحمر

التغير الغربي تجاه السودان لا يرتبط فقط بالوضع الإنساني، بل ينبع أيضًا من مخاوف جيوسياسية متصاعدة. فروسيا تسعى لإنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، وتقدم مجموعة فاغنر دعمًا لقوات الدعم السريع، بينما تزود إيران الجيش السوداني بطائرات مسيرة، ما يزيد التوترات الإقليمية.

جهود أوروبية لتحريك المسار السياسي

في إطار التحركات الأوروبية، نظّمت المملكة المتحدة في أبريل 2025 مؤتمرًا دوليًا حول الأزمة السودانية، بحضور 20 دولة ومنظمة. ويهدف المؤتمر إلى إعادة السودان إلى دائرة الاهتمام الدولي، ووضع أسس لحل سياسي شامل ومستدام.

نحو ضغط دولي متصاعد

في ظل تداخل البعد الإنساني بالجيوسياسي، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد تصاعدًا في الضغوط الدولية على الأطراف السودانية، بغية دفعها نحو تسوية سياسية تُنهي النزاع وتفتح الطريق أمام استقرار السودان والمنطقة المحيطة.

مقالات مشابهة

  • لماذا تحول الموقف الغربي تجاه الأزمة السودانية؟.. خبراء يجيبون لـ "الفجر"
  • محللان: واشنطن تحاول ضم سوريا الجديدة للمعسكر الغربي
  • روما.. انطلاق خامس جولة مفاوضات نووية بين طهران وواشنطن
  • العلاقي: على المتظاهرين التوجه إلى مقر البعثة الأممية لأنها سبب الأزمة   
  • معهد واشنطن: داعش زاد من هجماته ضد الحكومة السورية الجديدة
  • وزارة الخارجية والهجرة ترحب بتعيين د. ياسمين فؤاد الأمينة التنفيذىة الجديدة لـاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر
  • الخارجية ترحب بتعيين ياسمين فؤاد الأمينة التنفيذية الجديدة لـ «اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر»
  • إيران: لسنا في عجلة لاستئناف العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة
  • الأمم المتحدة ترحب بالانفتاح الإقليمي تجاه سوريا
  • الجفاف يهدد الأمن الغذائي في سوريا وخطة حكومية طارئة لمواجهة الأزمة