تشريح النسيان .. قراءة في رواية «البيرق - هبوب الريح» لشريفة التوبي
تاريخ النشر: 25th, December 2024 GMT
الرواية العمانية والذاكرة
الجزء الثالث من ثلاثية البيرق ( 2025 – دار ناشرون وموزعون- الأردن) بدا مختلفًا عن جزئيه السابقين، وكأن الكاتبة فتحت نافذة على الخارج هذه المرة، والخبرة التي استفادتها من الجزئين السابقين ساعدتها في التعبير السلس عن مرحلة تاريخية حذرة، كما نضجت أيضا ـ في ذلك الطريق ـ مراوحات الرواية من وصف وتوزيع للأدوار وسبر للنفسيات.
إذن كان ثمة (ريح) سحبت بـ(هبوبها) الجميع في خفتها وغبار لواقحها، ريح حركت العقول في طريق التغيير. وكثيرا ما طُرح سؤال حول سبب اهتمام الرواية العمانية ـ التي تشهد حاليا حضورا عربيا وازنا، حيث نالت إشادات وجوائز ـ عن سبب اهتمامها بتسريد الفترة الماضية من الحياة العمانية، وكان الجواب الذي يتبادر بداهة هو أن التاريخ العماني السياسي لم يسجل أو لم يهتم به بسبب موانع رقابية، لذلك استثمرت الرواية هذا الكنز المدفون وبنت عليه متخيلها. وأظن أن ثمة سببا أكثر إقناعا يمكن طرحه ومناقشته وهو أن هذا التراث العماني، بكل بساطة، يريح كاتب الرواية أكثر في التعامل معه، وذلك نظرا لثراء ساحته، ولأنه تاريخ طويل في ظلماته ولكثرة المآسي التي اعترته فترات طويلة من الزمن، ما أدى إلى نشوب المظلم: الجهل والجوع والمرض؛ وهي بئر أو مستنقع عريض عاشت فيه عمان طوال عقود، والذاكرة ما زالت تحتفظ بشيء منه خاصة أولئك الذين شهدوا ثم حكوا عن أحوال عمان بين الحربين (العالميتين) وما أورثت تلك النزاعات دول الهامش والبعاد من انعكاسات اجتماعية يسهل اصطيادها كمادة ثرية للسرد. إلى جانب الثراء الميثلوجي والبيئي والطبيعي وتنوعه وتناقضاته التي توفرها ذاكرة المجتمع أكثر من حاضرها، والرواية كونها من بنات الحكي في أحد جوانبها، والحكي بدوره ابن الذاكرة، لذلك يمكن أن تتعامل الرواية مع هذه الذاكرة وعطاياها من زوايا كثيرة يصعب حصرها، وستظل هذه الذاكرة إلى أجل غير منظور مادة خصبة للرواية والقصة وأيضا للبحث التاريخي العماني. فالرواية في علاقتها بالتاريخ تمتلك هذه الميزة الخاصة ـ كما يقول بول ريكور ـ والتي من شأنها أن تحول شخصيات التاريخ من (أشباح) لا نعرف إلا القليل عن صفاتها وملامحها، إلى كائنات من لحم ودم يمكن تخيل تفاصيل حياتها بناء على معطيات وبيئة ووقائع ذلك الزمن القديم. وهو ما فعلته الرواية العمانية وما فتئت تغترف وتمتح من بحره اللجي، واصطياده من أعماق الذاكرة، في القلب من ذلك ما حركته الريح بهبوبها، كما سنرى مع مسك ختام ثلاثية شريفة التوبي.
شخصيتان رئيسيتان وآخرون وراءهما
تحرك فضاء الرواية شخصيتان وكل ما يرتبط بهاتين الشخصيتين هو من معطيات محيطهما الخاص والعام الملتصق انطلوجيا بهما، والشخصيتان هما حمود بن سيف ومبارك بن مرهون. الأول تبدأ حياته وزمنه في الرواية من القاهرة، حين كان يقضي وقته للدراسة قادما من السعودية، وفي القاهرة يشهد حفلة لأم كلثوم في نادي الضباط ويقرأ كتبا في مجالات شتى، فتهب عليه ريح التغيير وتفعم فضول الصبي الحالم فيه، لتحوله إلى أحد التيارات القومية التي كانت سائدة في مصر الستينيات. وهناك يلتقي بالرفقاء الذين شكلوا نواة ما عرف لاحقا بالجبهة الشعبية لتحرير ظفار، لينتقل بعدها من مصر إلى البحرين ثم العراق للتدريب ثم صلالة للقتال العملي. وعلى ضفاف هذه الرحلة المكثفة يلتقي بمجموعة من «رفاق السلاح» وكان من ضمنهم الفتاة «طفول» التي شكلت أيقونة للتحرر في أدبيات اليسار العماني، ولكنها تظهر هذه المرة من طبقة مسحوقة، حيث يعمل والدها بالسخرة مع شيخ من شيوخ ظفار، الأمر الذي يجعلها تهرب من طوقها الضاغط إلى سهوب الجنوب الخضراء كغزالة تنشد الحرية وقد وجدت بين الرفاق ساحة واسعة لأحلامها. بينما تظهر طفول في أعمال سردية أخرى في حالات مختلفة كطبيعة أي أيقونة يمكن التعامل معها من أكثر من زاوية، ولأن التعامل هنا مع رواية متخيلة تستند إلى التاريخي دون أن توثقه حرفيا، فإن هذا الأمر يتيح للكاتبة أن تلعب لعبتها الروائية كما تشاء، شريطة إقناع القارئ وتعيين حدود هذه اللعبة وأحداثياتها تعيينا واقعيا ملموسا، وهذا ما وفقت فيه الرواية، إلى الدرجة التي يمكن معها طرح السؤال الساذج: هل هذه الرواية حقيقية؟ ويمكن أن يأتي هذا السؤال حتى من سائل مطلع وقارئ للكتب والروايات.
في حين ظهرت شخصية حمود بن سيف جادة ملتزمة مهتمة بالقراءة ومعرفة الجديد وحالمة ومصرة على تحقيق حلمها بأي ثمن ومشدودة بإصرار إلى مبادئها، تظهر ـ بالمقابل ـ شخصية مبارك بن مرهون منذ البداية مستهترة ذات ميل شهواني إلى المتعة السريعة، لذلك أوجدت الرواية مبررا لسلوكها اللاحق. بينما ظلت شخصية حمود - بدافع من طبيعتها أيضا - حلمية متشبثة بموقفها حتى نهاية الرواية وغير مستعدة للتنازل وحتى للهروب، إلى أن تم إعدامه رميا بالرصاص.
لقد وثق حمود بابن طفولته وحارته مبارك، ونتيجة لصغر سنه وعدم خبرته بطبائع ونفسيات البشر قام بـ«تعبئته» وضمه إلى قائمة «جبهته» كما فعل مع آخرين تحت ضغط القيادة الخفية التي تطلب منه أن يتحرك في ضم آخرين للجبهة استثمارا للوقت. ليجد مستعدين لأن ينضووا إلى ساحة التنظيم، الذي لا يمكن إخفاء أهداف بسطائه الوطنية وغيرتهم على بلدهم وهم يرون بلدان العالم وقد ازدهرت وتنورت بينما العمانيون يعيشون في ظروف لا تنتمي إلى القرن العشرين، وكان للإنجليز بوصفهم بنية استعمارية ضاربة السبب المباشر في حالة التمرد الثوري التي تسكن ضمائر وصدور معظم شخصيات الرواية شبابا وشيبانا. حارة الوادي الصغيرة المحدودة تغدو بذلك نموذجا وعينة لأحلام العمانيين في ذلك الوقت، من جموح التمرد والبحث عن كوى الضوء والاستعداد لتقبلها من أي مكان تأتي، وهذا ربما ما يبرر الانتقال السريع لحمود من حركة الإمامة إلى الجبهة الشعبية دون أن يحفل بتناقض طبيعتيهما طالما أن كليهما ينشد التحرر من ربقة البؤس. كما سنرى أن حمود المتهم بأنه شيوعي متمرد نراه في تفاصيل حياته أنه الأكثر حرصا على عبادته والاهتمام بمشاعر والديه، وتتلخص عنده الفكرة الثورية فقط في حلم التحرر من الظلم والجهل والخوف أكثر من كون أن الفكرة ذات بعد أيدلوجي توسعي ومدفوعة وممولة من قوى كبرى وجدت في حاجات الناس وظروفهم الضاغطة مرتعا. وما نراه الآن من أفعال للصهيونية المتطرفة في القتل المجاني لأهلنا في غزة مدعات لأن يضعها ضمن هذه الحركات التاريخية المتطرفة والقاتلة الممولة من القوى الكبرى، والآيلة في النهاية إلى زوال طال الزمن أم قصر.
أدوار متعددة لشخصيات الرواية
تثري الرواية (التي اقتربت من 600 صفحة) بعدد وافر من الشخصيات المساندة، وكل منها يشكل حياة مستقلة وأحلاما ورؤى، لم (تقصر) الرواية في إيفاء كل شخصية من الشخصيات المساندة حقها من التعريف لمختلف جوانبها المعيشية والنفسية، وهي شخصيات تدور في محور ومجال الشخصيتين الرئيسيتين حمود ومبارك. مثل شخصية نفافة زوجة حمود، ووالده سيف ووالدته زهرة التي تفيض أمومة وقلقا على ولدها خاصة بعد أن تأخرت نفافة في الإنجاب. والشخصيات التي تدور حول مبارك أيضا أعطيت حقها من التعريف خاصة والده مرهون المزواج صاحب دكان القرية ووالدته مبيوعة القلقة وزوجته سلامة. هناك أيضا الشخصيات التي قام حمود بتجنيدها وإخفاء السلاح معها، هي الأخرى وجدت حظها في مساحات الرواية، بالإضافة إلى وصف البيئة العمانية وما تزخر به الرواية من حوارات للشخصيات حيث إن الحوارات في السرد وسيلة لكي تعبر الشخصيات عن دواخلها وأسرارها. والملاحظ أن الحوارات في هذه الرواية يجري معظمها همسا، وذلك نظرا لخطورة الوضع في زمن الرواية. حيث يمكن للإنسان أن يسجن عشر سنوات من أجل كلمة، أو حتى من أجل قصيدة كما حدث للأعمى ناصر بن صالح الذي حكم عليه بعشر سنوات بعد أن وشى به مبارك بأن (في رأسه) قصائد ومشاعر تسير مع أحلام الثورة.
بعد الطواف
شكلت رواية «البيرق» في جزئها الأخير «هبوب الريح» وثيقة لتفاصيل الماضي من ذاكرتنا، وتوثيقا لبيئة عمانية بكل ما اعتمل فيها من أحلام ونوازع وسماء يحوم تحت سحبها الموت بدون انقطاع، بيئة حذرة قاسية يصعب فيها التنقل ويسودها القلق والرعب الخفي والتوجس من المجهول، وذلك عبر شخصيات واقعية حتى في تخيلها، منزوعة نحو التغيير والحلم بحياة أفضل للجميع كما عند حمود، ومصائر تتصارع في هذه الحلبة دون سكون. وكثرة الصفحات في هذه الرواية يبررها الموضوع التاريخي المفعم بتفاصيل واسعة وممتدة يصعب تجاوزها أو المرور عليها.
محمود الرحبي كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
1006 موضوعات وبلاغات تلقتها العمانية لحقوق الإنسان خلال العام الماضي
كتبت - غالية الذخرية / تصوير: هدى البحرية -
قالت اللجنة العمانية لحقوق الإنسان إن عدد الموضوعات والبلاغات التي تلقتها ورصدتها خلال عام 2024م (1006) موضوعات، منها (47) شكوى و(22) موضوعا تم رصده و(937) موضوعا تم تقديم الدعم الحقوقي فيها، وشملت هذه الموضوعات مختلف الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والتنموية، بالإضافة إلى حقوق الفئات الأولى بالرعاية، جاء ذلك خلال اللقاء الإعلامي الذي عقدته اللجنة اليوم استعرضت فيه تقريرها السنوي وأبرز الجهود التي قامت بها خلال عام 2024م، ودورها في رصد وتلقي الشكاوى، والرد على التقارير الإقليمية والدولية، والأنشطة والفعاليات الداخلية، بالإضافة إلى الأنشطة والفعاليات الخارجية.
وأكد الدكتور راشد بن حمد البلوشي، رئيس اللجنة العمانية لحقوق الإنسان على مواصلة اللجنة دورها الوطني في حماية وتعزيز حقوق الإنسان، مستندةً إلى اختصاصاتها المحددة بموجب نظامها المرفق بالمرسوم السلطاني رقم (57/ 2022)، وإلى القيم والمبادئ التي يؤكدها النظام الأساسي للدولة والمواثيق الدولية التي انضمت إليها سلطنة عُمان، مبينا أن اللجنة تعمل على دراسة البلاغات والتواصل مع الجهات المختصة لمعالجتها وفق آليات تضمن الاستجابة الفعالة والسريعة، وقامت بتنفيذ زيارات ميدانية إلى السجن المركزي ومراكز التوقيف، لمتابعة أوضاع النزلاء والتأكد من التزام المؤسسات المعنية بالمعايير الوطنية والدولية في معاملتهم والمرافق والخدمات المقدمة لهم. كما امتدت الزيارات إلى مؤسسات اجتماعية وصحية وتعليمية؛ وذلك للتأكد من توافقها مع متطلبات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى دور اللجنة في الرد على التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية، سواء كانت صادرة عن الحكومات أو المنظمات غير الحكومية، أو استبانات المقررين الخاصّين؛ حيث قامت اللجنة بدراسة وتحليل هذه التقارير، والتنسيق مع الجهات المعنية للتحقق من المعلومات الواردة فيها، وإعداد ردود تستند إلى القوانين الوطنية والجهود الحكومية في تعزيز حقوق الإنسان، والمعايير الدولية في إعداد هذه الردود.
وأضاف أن اللجنة نظمت سلسلة من المحاضرات والندوات التوعوية استهدفت مختلف الفئات المجتمعية، من طلبة المدارس والجامعات والموظفين في المؤسسات الحكومية والخاصة، والمؤسسات العسكرية والأمنية، وتناولت هذه المحاضرات مواضيع متنوعة مثل حقوق الطفل، وحقوق المرأة، وحقوق العمال، وحرية التعبير، وآليات تقديم الشكاوى، وغيرها من القضايا الحقوقية المهمة؛ وذلك مساهمةً من اللجنة في تعزيز وترسيخ المواطنة ونشر ثقافة احترام الحقوق والواجبات في المجتمع، ويأتي ذلك إيمانًا منها بأهمية نشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيز الوعي المجتمعي، وغرس روح المواطنة انطلاقًا من دورها في تنفيذ رؤية عُمان 2040، كما أكد التزام اللجنة بمواصلة تطوير آليات عملها.
كما قامت اللجنة بالتعاون مع شرطة عمان السلطانية، بزيارات ميدانية إلى السجن المركزي وإدارات التوقيف التابعة لشرطة عمان السلطانية؛ للتأكد من أن حقوق النزلاء والموقوفين مصانة وأن الخدمات المقدمة إليهم تليق بكرامتهم الإنسانية، وعبّرت اللجنة عن ارتياحها للتقدم الذي أحرزته شرطة عمان السلطانية في الخدمات المُقدمة للنزلاء والموقوفين، والتي شملت الخدمات الصحية، والتعليمية، والقانونية، والرياضية، والتدريب، والترفيه، وممارسة الهوايات.
حرية الصحافة
وحول حرية الصحافة، أشار إلى أن اللجنة رصدت تحقيق سلطنة عُمان تقدما بـ18 مركزا في حرية الصحافة لعام 2024م الصادر من منظمة مراسلون بلا حدود مقارنة لعام 2023م، حيث يقيّم هذا المؤشر في 180 دولة سنويا، ويستخدم (5) مقاييس لتقييم حرية الصحافة تشمل السياق السياسي والإطار القانوني والسياق الاقتصادي والسياق الاجتماعي والثقافي والسلامة.
دعم حقوقي
كما ساهمت اللجنة في تقديم الدعم الحقوقي لـ(937) موضوعا تلقتها اللجنة خلال هذا العام تساعد أصحابها في تسوية قضاياهم وفق الأطر القانونية الصحيحة مستعينة بالإجراءات والتدابير والأنظمة الواردة في القوانين السارية، والاتفاقيات الدولية التي انضمت/ صادقت عليها سلطنة عُمان، حيث شمل هذا الدعم الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحقوق البيئية والتنموية.
الرعاية الصحية
وأضاف أنه في إطار اختصاصات «اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان» ومسؤولياتها، وتأكيدا للتعاون الدائم بين اللجنة والجهات المختصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، قامت اللجنة بعدد من اللقاءات الميدانية مع المؤسسات العاملة في مجال الحق في الرعاية الصحية منها المستشفى السلطاني ومستشفى خولة؛ وذلك لمناقشة التحديات والفرص في تحسين جودة الخدمات وضمان سهولة الوصول للجميع، خاصة الأشخاص ذوي الإعاقة.
الحقوق العمالية
وأفاد الدكتور رئيس اللجنة عن دور اللجنة في متابعة الجهود المبذولة في معالجة قضية المسرحين والباحثين عن العمل بالتنسيق مع صندوق الحماية الاجتماعية، ونفذت اللجنة زيارة ميدانية لمنطقة الدقم الصناعية، واطلعت على الخدمات والرعاية العُمالية المقدَّمة للعاملين في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، والالتزام بمعايير الحماية والبيئة المناسبة للعمل، وتوافق المرافق المستخدمة بشكل عام مع تدابير السلامة والصحة المهنية، والمعايير الدولية الخاصة بالسكنات العُمالية، وأعرب الفريق القائم بالزيارة عن ارتياحه بعد الزيارة للمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، واطلاعه على التجمعات العُمالية، وسكنات العمل في المنطقة، ولقاء العاملين بها، وشملت الزيارات الميدانية التي نفَّذها فريق اللجنة مخيم العمال برأس مركز التابع للشركة العُمانية للصهاريج، ومساكن قرية النهضة العُمالية، ومساكن مخيم شركة كروة للسيارات؛ حيث اطلع الوفد على الخدمات المقدَّمة للعمال، وتابع الأوضاع الصحية والبيئية التي يعملون بها، وتأكد من خدمات الأمن والسلامة ومطابقتها للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وخلال الزيارة، قابل الوفد العديد من العمال، واستمع إلى وجهات نظرهم، وناقش معهم عددًا من الموضوعات المتعلقة بحقوقهم، وعرَّفهم على عمل اللجنة، وآلية الرصد وتلقي الشكاوى، ووسائل التواصل المتاحة للمواطنين والمقيمين على حدٍ سواء.
كما قامت برصد ودراسة «الإشارات التحذيرية للمكفوفين في الأماكن العامة»، حيث رفعت اللجنة نتائج الدارسة إلى بلدية مسقط، ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني، وحصلت على رد من بلدية مسقط بأنه سيتم الأخذ بالدراسة، وتضمينها في المشاريع المستقبلية للبلدية، كما حصلت اللجنة على رد من وزارة الإسكان والتخطيط العمراني بأنه سيتم إدراج معايير خاصة ضمن المعايير الوطنية للتخطيط العمراني الواردة في مخرجات الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية، بالإضافة إلى إدراج الدراسة في دليل اشتراطات ومواصفات البناء في سلطنة عُمان.
استراتيجية وطنية
وبين أن مشروع "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" ستُدشّن في الـ10 من ديسمبر القادم، وتشمل مختلف الجوانب وتسعى لتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سلطنة عُمان، وفق ما يقضي به النظام الأساسي للدولة، والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت سلطنة عُمان إليها والقوانين السارية.
كما تم تشكيل فريق للمشاركة في إعداد الخطة الخمسية الحادية عشرة مع وزارة الاقتصاد والمشاركة في جميع المحاور والأولويات ذات العلاقة بحقوق الإنسان والتي تترابط مع أهداف رؤية عُمان 2040م وذلك لضمان وجود مبادرات ومؤشرات اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان ضمن عناصر جميع الجهات المشاركة ذات علاقة.
وخلال العام الحالي نظمت اللجنة وضمن مشروع الاستراتيجية، حلقات عمل لتحليل الوضع الراهن للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سلطنة عُمان لمدة ثلاثة أسابيع غطت مجموعة من الحقوق الأساسية شملت الحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والحقوق البيئية والثقافية، وحرية المشاركة في الحياة العامة، بالإضافة إلى محور خاص بالفئات الأولى بالرعاية، مثل المرأة، والطفل، وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، وقد تم تصميم الحلقات وفق منهجية تُتيح تقييمًا موضوعيًّا للواقع، وتدعم في الوقت ذاته وضع أهداف دقيقة ومحددة وقابلة للقياس، مع ربطها بالمؤشرات النوعية والكمية، وتنسجم هذه الجهود مع التوجهات الوطنية لرؤية عُمان 2040، حيث تم التنسيق المباشر مع وحدة متابعة تنفيذ الرؤية، ووزارة الاقتصاد لضمان مواءمة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان مع الخطط التنموية الشاملة، كما تم التأكيد على توافق الاستراتيجية مع النظام الأساسي للدولة، والمواثيق الدولية التي انضمت إليها سلطنة عُمان.
التقارير الدولية
قامت اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان بالرد على مجموعة من التقارير الدولية الحكومية وغير الحكومية واستبانات المقررين الخاصّين، وتابعت ما تم نشره عن أوضاع حقوق الإنسان في سلطنة عُمان، ورصدت الملاحظات في مجال حقوق الإنسان وقامت بالتنسيق مع الجهات المعنية للتحقق منها والرد عليها، وقامت اللجنة بإعداد التقرير الموازي المعني باتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة حيث ناقش عدة مواضيع ذات أولوية منها التطورات التشريعية المتعلقة بتنفيذ توصيات لجنة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والمساواة وعدم التمييز، وحقوق النساء ذوات الإعاقة، والأطفال ذوي الإعاقة، والتوعية والتثقيف بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والاعتراف أمام القانون والوصول إلى العدالة، بالإضافة إلى مناقشة التحديات العامة، كما قامت اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان بالرد على المواضيع الواردة في التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في سلطنة عُمان لعام (2022/ 2023)، وتطرق التقرير إلى عدة مواضيع منها حرية التعبير، وحرية الدين والمعتقد، وحقوق العمال والمهاجرين، وحقوق المرأة.
وردت اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان وأبدت ملاحظاتها على التقرير الأمريكي السنوي لأوضاع حقوق الإنسان في سلطنة عمان لعام 2023م، حيث تطرق التقرير إلى عدد من القضايا منها ما يخص حقوق بعض الأفراد، واحترام كرامة الإنسان، واحترام الحريات المدنية، وحرية المشاركة في الحياة السياسية، وموقف الحكومة من التحقيقات الدولية وغير الحكومية في الانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان، والتمييز والانتهاكات المجتمعية، وحقوق العمال، وردت اللجنة على مقال صحفي في "BBC Africa Eye" بعنوان: "كيف ساعدت مجموعة واتساب مالاوية في إنقاذ النساء اللاتي تم تهريبهن إلى عُمان"، وقد تضمن التقرير حالات لأكثر من 50 امرأة مالاوية تم تهريبهن إلى سلطنة عُمان للعمل في ظروف أشبه بالعبودية. وقد تحققت اللجنة العمانية من الحالات الواردة بالتنسيق مع الجهات المعنية ومن خلال التواصل مع المنظمة الدولية التي ذكرت في التقرير، تم توضيح الإجراءات التي تم اتخاذها تجاه تلك البلاغات.
وأضاف: رصدت اللجنة التقرير الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية حول مكافحة الاتجار بالبشر في سلطنة عُمان لعام 2023م، والذي تطرق إلى حالة مكافحة الاتجار بالبشر لعام 2022م، وقامت بتحليله والتحقق من المعلومات الواردة به من خلال التقصي وجمع البيانات وعقد اللقاءات مع الجهات المعنية، كما تضمن الرد على المعلومات الواردة مع استعراض جهود اللجنة العمانية لحقوق الإنسان والتحديات التي تواجهها والتوصيات المناسبة لتعزيز كل ما من شأنه مكافحة الاتجار بالبشر.
الاستبيانات
وأشار إلى قيام اللجنة بدور فاعل في المساهمة بالعديد من الاستبيانات والتقارير الدولية، وذلك من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان على الصعيدين الوطني والدولي، منها استبيان دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في النزاعات المسلحة بهدف إعداد دليل عملي للمؤسسات في دول آسيا والمحيط الهادي، وحقوق الإنسان وتغير المناخ لتوضيح آثار تغير المناخ في سلطنة عُمان والإجراءات المتخذة للتصدي لها، كما ساهمت في الاستبيان الوارد من الخبير المستقل المعني بتعزيز نظام ديمقراطي وعادل؛ لمناقشة التحديات والحلول لتعزيز الديمقراطية، وساهمت في التعليق العام بحقوق الأطفال في الوصول إلى العدالة لتقديم توصيات لتحسين وصول الأطفال إلى سبل الانتصاف الفعالة. بالإضافة إلى ذلك، أعدت اللجنة التقرير الموازي للجنة الميثاق العربي لحقوق الإنسان، بالتشاور مع مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة، مثل جمعية المرأة العمانية، وجمعية الصحفيين، والاتحاد العام لعمال سلطنة عُمان، وغيرها.
الفعاليات والأنشطة
وأضاف الدكتور البلوشي أن اللجنة نظّمت بالتعاون مع اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بدولة قطر، والشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، منتدى إقليميًّا حول دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان في التخطيط ومتابعة تنفيذ الرؤى الوطنية في المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان، وبمشاركة أكثر من 170 مشاركًا يمثلون أكثر من 50 مؤسسة، من بينها مؤسسات حكومية ومنظمات دولية وإقليمية وممثلو المجتمع المدني، ونظمت اللجنة احتفالًا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان تحت شعار "ركيزة الوطن: خطوات مستدامة لحماية وتعزيز حقوق كبار السن"؛ حيث ركز الاحتفال على تقدير دور كبار السن وإسهاماتهم في بناء المجتمع، كما نظمت اللجنة سلسلة من المحاضرات والندوات التوعوية استهدفت مختلف الفئات المجتمعية، من طلاب المدارس والجامعات إلى الموظفين في المؤسسات الحكومية والخاصة، والمؤسسات العسكرية والأمنية، وتناولت هذه المحاضرات مواضيع متنوعة مثل حقوق الطفل، وحقوق المرأة، وحقوق العمال، وحرية التعبير، وآليات تقديم الشكاوى، وغيرها من القضايا الحقوقية المهمة؛ وذلك مساهمةً من اللجنة في تعزيز وترسيخ ثقافة احترام الحقوق والواجبات في المجتمع.