تباين تركي داخلي حول سياسات أنقرة تجاه سوريا
تاريخ النشر: 27th, December 2024 GMT
أنقرة- مع طيّ سوريا صفحة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، تعهدت تركيا بدعم جارتها الجنوبية في إعادة الإعمار وبناء المؤسسات اللازمة لتعزيز استقرار البلاد، إذ أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن "أنقرة ستقف إلى جانب سوريا الجديدة بكل إمكاناتها".
وأوضح أردوغان في خطاب، الأربعاء الماضي، خلال اجتماع الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية، أن تكلفة الدمار الذي خلفته الحرب في سوريا، وفقا لتقارير الأمم المتحدة، ناهزت 500 مليار دولار.
وشدد على أن بلاده ستدعم سوريا في جميع المجالات، من الطاقة والنقل إلى التعليم والصحة، والأمن والتجارة، وستساعد الإدارة السورية الجديدة على استجماع قواها، وتعزيز قدرتها المؤسسية، وتمكين الدولة من أداء مهامها الأساسية.
من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية التركية أنها ستفتتح مكاتب لدائرة الهجرة في سفارة تركيا بدمشق وقنصليتها في حلب، لتسهيل مشاركة السجلات ومعلومات الهوية والوثائق الرسمية الأخرى الخاصة بالسوريين في تركيا مع المؤسسات ذات الصلة في سوريا.
دعم رسميوستوفر تركيا الدعم لإنشاء وزارة داخلية سورية جديدة، بما يشمل دوائر النفوس وطباعة جوازات السفر، وتنظيم عودة اللاجئين السوريين بشكل سلس عبر تخصيص معابر حدودية وإجراءات مرنة لهم.
إعلانكذلك بينت وزارة التجارة أنها ستعمل على تسهيل عودة السوريين الراغبين في اصطحاب ممتلكاتهم الشخصية، بما في ذلك الأثاث المنزلي والسيارات. وأوضحت أنه سيتم استكمال الإجراءات الجمركية لنقل هذه الممتلكات بسهولة، مع تقديم تسهيلات إضافية تتعلق بالمجوهرات الثمينة والنقد الأجنبي، بحيث يُسمح بإخراجها دون الحاجة إلى إثبات شرائها داخل تركيا حتى نهاية عام 2025.
أما وزارة النقل والبنية التحتية، فقد بدأت العمل على إعادة إحياء مطار دمشق من قبل المديرية العامة لهيئة مطارات الدولة، وتعمل على ضمان ترميم السكك الحديد حتى دمشق، وإصلاح الجسور، وتحديد أوجه القصور بمجال الاتصالات وتقديم الدعم لتلبية احتياجاته، وعلى إحياء الموانئ.
وفي قطاع التعليم، أكدت وزارة التعليم أنها ستواصل العمل على إصلاح المدارس المتضررة وبناء أخرى جديدة، إلى جانب تحديث المناهج الدراسية بما يتماشى مع احتياجات الشعب السوري، كما تهدف إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب وأسرهم.
من جهتها، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس الخميس، دعمها الكامل لتأسيس "جيش سوري موحد تحت قيادة الإدارة السورية الجديدة"، مشددة على أهمية التعاون الدفاعي بين أنقرة ودمشق في المرحلة المقبلة.
وفي تصريح لمسؤول بالوزارة، أكد أن تركيا مستعدة لتقديم خبراتها في مجال الصناعات الدفاعية ومكافحة الإرهاب، قائلا إن البنية التحتية القوية للصناعات الدفاعية التركية، والخبرات المكتسبة من العمليات العسكرية ومكافحة الإرهاب، ستشكل ركيزة أساسية لدعم الجيش السوري الجديد وبناء هيكل أمني مستقر ومستدام للبلاد.
تباين داخليفي الأثناء، تشهد الساحة السياسية التركية تباينا بين الأحزاب في ما يتعلق بالوضع في سوريا بعد سقوط نظام الأسد؛ ففي حين تدعو بعضها إلى ضرورة التنسيق مع الحكومة الجديدة لتحقيق الاستقرار الإقليمي ومعالجة ملفات أمنية حساسة، مثل مكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين، تُبدي أحزاب المعارضة الرئيسية تحفظات تجاه سياسات الحكومة التركية في هذا الشأن.
إعلانوعلى رأس تلك الدعوات، جاء موقف دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية الذي طالب الحكومة "بإنشاء خط مقاومة حقيقي" ضد التدخلات الإسرائيلية في سوريا. كما أكد أهمية التعاون مع الإدارة السورية الجديدة، معتبرا أن التنسيق بشأن ملف حزب العمال الكردستاني و"أذرعه المسلحة هو خطوة ضرورية لضمان أمن المنطقة".
ورحب بهجلي بموقف الحكومة السورية الجديدة "في التفريق بين الأكراد كجزء لا يتجزأ من النسيج الوطني، وبين المنظمات الانفصالية التي تشكل تهديدا لأمن البلدين". وانتقد بشدة المعارضة التركية واتهمها بتبنّي "خطاب انهزامي وعقلية بعثية مما يزيد من تعقيد الموقف الداخلي تجاه سوريا".
بالمقابل، انتقد أوزغور أوزال، رئيس حزب الشعب الجمهوري، سياسات الحكومة التركية تجاه الإدارة السورية الجديدة، متهما إياها بالتعاون مع "تنظيمات جهادية ساهمت في تأجيج الفوضى". وقال "إذا استمرت الحكومة في تقديم دعم غير مشروط لهذه الجهات، فإننا سنواجه كارثة جديدة".
وفي رده على اتهامات أردوغان للمعارضة بدعم النظام السوري القديم، قال أوزال "لم نمجد الأسد كما فعل أردوغان ولم نغير موقفنا فجأة". ودعا إلى "تبنّي سياسات سلمية وعقلانية تضمن عودة اللاجئين السوريين سريعا، وتجنب موجات جديدة من المآسي".
رؤية جديدةحسب الباحث الأكاديمي في جامعة أنقرة جنك سراج أوغلو، تعكس السياسة التركية تجاه سوريا في المرحلة المقبلة تحولا إستراتيجيا يرتكز على تحقيق التوازن بين أمن تركيا القومي واستقرار سوريا الجديدة.
وقال للجزيرة نت إن سقوط نظام الأسد وقيام إدارة جديدة يمثلان فرصة لأنقرة لإعادة بناء علاقاتها مع دمشق على أسس تعاونية تهدف إلى معالجة الملفات المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى المناطق الحدودية.
وبرأيه، فإن التعاون مع الإدارة السورية الجديدة يعكس تطورا جوهريا في السياسة التركية، حيث لم يعد يقتصر على الجانب الأمني فقط، بل يشمل الإسهام في بناء مؤسسات سورية قوية تعزز من قدرة الإدارة الجديدة على تحقيق الاستقرار.
إعلانوأشار الباحث سراج أوغلو إلى أن ملف اللاجئين السوريين يمثل تحديا مركزيا في السياسة التركية، فمع تزايد الضغوط الداخلية أصبح إيجاد حل مستدام لهذه القضية أمرا ضروريا.
وأضاف "تركيا تعي أن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم تتطلب خلق بيئة آمنة ومستقرة، وهو ما تسعى لتحقيقه عبر دعم مشاريع إعادة الإعمار في سوريا الجديدة لتوفير أساس اجتماعي واقتصادي يضمن استدامة العودة ويمنع أي موجات نزوح مستقبلية".
ووفقا له، تنظر تركيا إلى سوريا كجزء من إستراتيجيتها الإقليمية لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. فمن خلال دورها المحوري في مرحلة إعادة الإعمار، تسعى أنقرة لتوسيع علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الإدارة السورية الجديدة، بما يعزز مكانتها كقوة إقليمية فاعلة.
وشدد سراج أوغلو على أن نجاح السياسة التركية في سوريا يعتمد على قدرتها على تحقيق توازن دقيق بين إدارة الملفات الداخلية مثل اللاجئين، ومصالحها الإقليمية والدولية "لتثبيت مكانتها كلاعب رئيسي في إعادة تشكيل مستقبل سوريا والمنطقة بأسرها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الإدارة السوریة الجدیدة اللاجئین السوریین السیاسة الترکیة عودة اللاجئین فی سوریا
إقرأ أيضاً:
جبهة أقليات جديدة تواجه الحكومة السورية بزعامة قسد
الحسكة- انطلقت -يوم الجمعة الماضية- في مدينة الحسكة السورية، فعاليات مؤتمر "وحدة الموقف لمكونات شمال وشرق سوريا" الذي تنظمه قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بمشاركة ممثلين عن المكونات العرقية والطائفية في البلاد.
المؤتمر شهد حضورا لافتا لشخصيات من خارج مناطق سيطرة قسد، حيث ألقى الشيخ حكمت الهجري، أحد شيوخ عقل طائفة الدروز في السويداء، كلمة مصوّرة عبر الإنترنت، أكد خلالها ضرورة وحدة الصف الوطني وحماية حقوق جميع السوريين.
كما شارك غزال غزال، رئيس المجلس الإسلامي العلوي الأعلى، الذي دعا إلى إقامة دولة مدنية، علمانية، تعددية ولامركزية، باعتبارها الضمانة الحقيقية لوحدة سوريا وحماية تنوعها.
وتُعد مشاركة زعماء من الطائفتين الدرزية والعلوية -اللتين ارتبطتا تاريخيا بدمشق– إشارة سياسية بارزة على مساعي قسد لتوسيع شبكة تحالفاتها مع الأقليات خارج نطاق سيطرتها، في محاولة لبلورة جبهة سياسية أوسع يمكن أن تلعب دورا مؤثرا في مرحلة ما بعد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
يأتي ذلك وسط تصاعد التوترات السياسية والأمنية، مما يعزز أهمية فتح قنوات للحوار بين مختلف المكونات لمواجهة التحديات المشتركة.
وجاءت مشاركة الهجري على خلفية أحداث دامية شهدتها محافظة السويداء في يوليو/تموز 2025، حيث اندلعت اشتباكات بين فصائل درزية وعشائر بدوية، أسفرت عن مقتل أكثر من 350 شخصا، -وبحسب مصادر مقربة من الهجري-، فإن هذه التطورات دفعت شخصيات بارزة إلى البحث عن تحالفات جديدة.
وأكد مصدر مقرب من الهجري للجزيرة نت أن مشاركته في مؤتمر الحسكة بتاريخ 8 أغسطس/آب 2025 جاءت لتعزيز الوحدة الوطنية في ظل التحديات الأمنية والسياسية المعقدة، خاصة بعد أحداث السويداء، وأوضح المصدر أن الهجري يرى في المؤتمر فرصة لفتح حوار شامل يدعم قيام دولة ديمقراطية لامركزية تضمن حقوق جميع المكونات، معتبرا أن التنوع السوري بما يشمله من الكرد والعرب والسريان والأيزيديين ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها.
إعلانوأشار المصدر (فضل عدم الكشف عن هويته) إلى أن أحداث السويداء الأخيرة تعكس غياب مؤسسات دولة عادلة، مما فاقم من حالة الانفلات الأمني وزاد التوترات بين المكونات، وشدد على أن الهجري يرفض اتهامات التحريض على الفتنة، ويؤكد أن هدفه حماية أبناء السويداء، مع الدعوة لإنهاء فوضى السلاح عبر مؤسسات شرعية.
كما لفت إلى أن الهجري يدعو إلى حلول سياسية بعيدة عن القمع أو الانفصال، ويرى في نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا خطوة نحو دولة سورية موحدة تحترم التنوع.
وأوضح المصدر أن مشاركة الشيخ غزال غزال، تأتي في سياق "تصاعد مخاوف الطائفة العلوية من استمرار الانتهاكات بحقها، خاصة بعد موجات من الاستهداف الطائفي خلال الأشهر الماضية"، لتدفع هذه المخاوف غزال إلى الدعوة لنظام سياسي لامركزي أو فدرالي، إلى جانب المطالبة بحماية دولية للمدنيين، كرد فعل على ضعف مؤسسات الدولة في توفير الحماية.
وقال مصدر مقرب من غزال -للجزيرة نت-، إن الشيخ يدعم تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات، ويرفض اللجان الحكومية التي "تغطي على الجرائم"-بحسب تعبيره.
وأضاف المصدر (فضل عدم الكشف عن هويته) أن دعوة غزال ذات طابع إنساني وتهدف لحماية جميع المكونات في سوريا بما ينسجم مع قيم السلام والتعايش.
وأشار إلى أن غزال يعتبر النظام اللامركزي أو الفدرالي وسيلة لضمان حقوق الأقليات من الكرد والدروز والمسيحيين ويخدم تشكيل حلف سياسي في مناطق سيطرة قسد للتفاوض مع دمشق، بهدف إعادة بناء الثقة ومنع تكرار الانتهاكات في مناطق مثل الساحل السوري.
وأكد المصدر التزام الشيخ غزال بالعدالة الانتقالية والشفافية، داعيا المجتمع الدولي للاستجابة لنداءاته من أجل إنهاء معاناة السوريين عبر حل سياسي شامل، مبينا أن رؤيته تمثل صوتًا للوحدة والصمود في مواجهة محاولات تمزيق النسيج الاجتماعي.
وتسعى قسد من خلال مؤتمر الحسكة إلى تعزيز شرعيتها على المستويين المحلي والدولي، خاصة بعد استبعادها من بعض جلسات الحوار الوطني، فيما أكد مصدر مقرب من قيادة قسد -للجزيرة نت- دعمها لتشكيل حلف سياسي يضم زعماء الأقليات بهدف توحيد مطالب الكرد والعرب والسريان/الآشوريين والتركمان، وتقديمها في حوار مع دمشق.
وشدد المصدر، الذي لم يكشف هويته، على التزام قسد بالتنوع العرقي والديني في شمال وشرق سوريا، وعلى تمثيل عادل لجميع المكونات بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
وأوضح أن الحلف الجديد يمثل وسيلة لتعزيز مكانة قسد محليا ودوليا، وأنها تدعم إقامة نظام حكم لامركزي يحافظ على وحدة سوريا ويمنح المناطق الشرقية استقلالية إدارية، مع استعدادها لدمج قواتها في الجيش الوطني بشرط الاحتفاظ بهيكليتها لحماية مكتسبات المنطقة من تهديدات تنظيم الدولة الإسلامية.
كما دعا المصدر إلى حوار وطني شامل بضمانات دولية، مؤكدا التزام قسد بالعدالة الانتقالية والتعاون مع لجان تحقيق دولية محايدة لمعالجة الانتهاكات المزعومة.
إعلانوطالب الولايات المتحدة وفرنسا بدعم الحلف السياسي في صياغة الدستور الجديد، مشددًا على استمرار قسد في حماية مناطقها من التدخلات التركية والعمل على بناء سوريا ديمقراطية.
تحذير حكومي
في المقابل، تعتبر الحكومة السورية أن تحركات قسد تهدد وحدة البلاد، وترى أن أي تحالفات خارج إطار الدولة والحوار الوطني هي محاولات لتقسيم سوريا ويعكس تصريح الباحث السياسي عبد الله الخير، المقرب من الحكومة، هذا الموقف، إذ اعتبر أن مؤتمر الحسكة محاولة لفرض أجندات انفصالية تخدم مصالح خارجية.
وأكد الخير في حديثه للجزيرة نت أن الحكومة ترفض أي تحالفات سياسية خارج الحوار الوطني، محذرا من أن مشاركة شخصيات مثل الهجري وغزال قد تُستغل لأهداف جيوسياسية. وشدد على التزام دمشق بحماية التنوع ضمن دولة موحدة، ورفض الحكم اللامركزي الذي يضعف السلطة المركزية.
وأضاف الخير أن أحداث السويداء الأخيرة تؤكد الحاجة إلى تعزيز وجود الدولة لمنع الفوضى، معتبرا أن دعوات قسد قد تؤجج التوترات الطائفية، كما حذر من أن الحلول السياسية التي تنطلق من مناطق معينة لن تُقبل على نطاق وطني، داعيا إلى صياغة دستور جديد برعاية الحكومة السورية.
وشدد على أن التدخلات الخارجية التي تستغل قضية الأقليات تمثل خطرا على وحدة البلاد، وأن الحكومة ماضية في إعادة بناء سوريا موحدة.