إبراهيم سليم (أبوظبي)

أخبار ذات صلة 26 مشروعاً تشغيلياً وتطويرياً لأصول الحدائق تنفذها «بلدية أبوظبي» اشترى علف «الجت» وامتنع عن السداد

دعت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، أصحاب المزارع إلى تطبيق برنامج «الإدارة المتكاملة لآفات النخيل»، والذي يختص بمكافحة آفات النخيل، وأكدت الهيئة أن المكافحة المتكاملة تحد من انتشار الآفات التي تصيب النخيل، مع مراعاة الأخذ في الاعتبار أن يكون استخدام المبيدات الحل الأخير.


 وشددت الهيئة على تكثيف جهودها في السيطرة على آفات النخيل من خلال تطبيق أفضل النظم والتقنيات الحديثة التي تتبناها في سبيل مكافحة الآفات التي تصيب أشجار النخيل والحد من تأثيرها البيئي والاقتصادي على المزارع، حيث تطبق الهيئة برنامج نظم المكافحة المتكاملة للآفات الذي يستهدف السيطرة على آفات النخيل الرئيسة بما في ذلك سوسة النخيل الحمراء، وحفارات ساق النخيل ذات القرون الطويلة، وحفار العذوق، والحميرة وحلم الغبار. 
ودعت الهيئة أصحاب المزارع إلى المتابعة المستمرة وعدم الإهمال في مراقبة المزرعة، ومكافحة الآفات أولاً بأول.. جاء ذلك خلال لقاء الهيئة مع المزارعين عبر«تيمز».
وأوضحت الهيئة أن الإدارة المتكاملة للآفات تشمل برامج الحقن والرش لمعالجة النخيل المصاب بسوسة النخيل الحمراء والحفارات، والمسح والرش للمزارع المصابة بالحميرة، والمسح والرش للمزارع المصابة بحلم الغبار، وقلع وفرم النخيل اليابس والميت وشديد الإصابة للنخيل المصاب بسوسة النخيل الحمراء والحفارات، والتعفير بالكبريت الزراعي كإجراء علاجي ووقائي من آفات قمة النخلة، والمراقبة لكثافات أعداد الحشرات باستخدام المصائد (الصيد المكثف لسوسة النخيل الحمراء باستخدام المصائد الفرمونية، ومراقبة حشرة الحميرة، والصيد المكثف للحفارات باستخدام المصائد الضوئية)».
وبينت الهيئة خلال الورشة أن «سوسة النخيل» تعد من أكثر الآفات التي تهدد المزارع، وبدأت في الظهور بالدولة عام 1985 ولديها قدرة كبيرة على الطيران لمسافات بعيدة، وعندما تستوطن مكاناً ما فإنها تضع ما بين 200 إلى 400 بيضة، وتعيش من 3 إلى 6 أشهر، وتخترق النخلة، وهي من الحشرات المجتمعية، بمعنى أنها تعيش في مجموعات، والمكافحة الحيوية للآفة تستغل ذلك، والطور اليرقي هو أكثر الأطوار ضرراً للنخيل. 
وأشارت إلى أسلوب حياتها إذ إنها تتغذى في ساق النخلة، وتخترقها عبر أنفاق داخل النخلة، ولا يمكن رؤيتها إلا من خلال الكشف المبكر، ولذا يجب على المزارعين، ملاحظتها بشكل دقيق، أما حفار الساق، فهو ينتشر في الأراضي ذات الملوحة العالية، وتستغل الحشرة ضعف النخلة التي تتأثر بالملوحة، وتخترقها وتضع بيوضها، ودورة حياتها 11 شهراً، وتؤدي إلى دمار النخلة، وخطورتها تكمن في الطور اليرقي.. وتعيش داخل النخلة.
أما الآفة الثالثة فهي حفار عذوق النخيل، والذي لا يقل خطورة عن الآفتين الأخريين.. ولوحظ أنها غيرت أسلوبها، ويظهر ذلك في وضع بيوضها على الكرب.. ولذا لابد من تكريب النخلة وعدم إهمالها خاصة في المناطق الرطبة والتي توجد في معظم المزارع.. وتؤذي النخل الصغير خاصة، وتستهدف عادة أصنافاً معينة خاصة بعد تنبيت النخلة.. ويجب النظر إلى مقاومتها كضرورة ورصدها بشكل دوري..
وحذرت الهيئة من إهمال المزارعين أعمال التكريب، حيث تواجه النخلة تحديات متنوعة من الآفات، داعية إلى حمايتها، مشددة على الحرص على السيطرة على الآفات..
وتناولت الورشة آفة الحميرة، والتي قد تؤدي إلى خسارة 60 % من المحصول.
وبينت أن أفضل طريقة لمواجهة الآفة من خلال الكيس الورقي المثقب، وتكييس الثمار بما يحفف من ضرر الآفة.. كما تناولت آفة حلم الغبار، والذي يتطلب القيام بالرش المبكر الاستباقي بالكبريت تجنباً لخسارة المزارع.. 
وتناولت الورشة طرق المكافحة، ومنها: الحجر الزراعي، حيث إن ضعف الحجر يؤدي إلى دخول الآفة، وعلى سبيل المثال في استراليا تفحص حتى النواة، علماً بأن دولة عربية خسرت نحو 10 ملايين نخلة دمرتها البيوض في إحدى الدول لضعف البيوض، وبعض الدول لديها حجر داخلي.. وضعف الحجر يؤدي إلى انتقال البيوض أو الآفات.
مصادر موثوقة
أشارت الورشة إلى الحرص على عدم تزاحم النخيل في المزرعة، وأن تكون المسافة 8 أمتار بين كل نخلة ونخلة، واختيار فسائل من مصادر موثوقة، باعتبارها من مقومات الأمن الحيوي، وكذلك التسميد، والري ونظافة النخلة وإزالة المتبقيات والمخلفات من حولها وبالمزرعة.. المتابعة المستمرة للمزرعة.
إذ إن ترك المخلفات يجعلها عرضة للإصابة.. وكذلك إزالة الكرب، وخف الفسائل، وتنظيف رأس النخلة، وإزالة العذوق والأشواك، بعد الحصاد، والحرص على الري الرشيد، وعدم الري المفرط، وضرورة تكييس العذوق.
وتناولت طرق المكافحة السلوكية، لوقاية الأشجار، واستخدام المصائد الفرمونية، ووضع مصائد حول المزرعة، وبعيدة عن النخلة بمسافة، وكذلك استخدام المصائد الضوئية، لأن هاتين المصيدتين يمكنهما الحد من الإصابة، وهذه الآفات لديها أعداد مهولة.
المكافحة الحيوية
أكدت الهيئة أن المكافحة الحيوية غير منتشرة في الدولة، موضحة أن هذه المكافحة تتضمن مكافحة باستخدام مفترسات لهذه الآفات، من الفطريات الممرضة، إذ إن المكافحة الحيوية تحتاج لمختصين، ولكن هناك بعض الدول تستخدم الطيور كالبط وغيرها.. أما المكافحة الكيميائية فتعتمد على تغطيس الفسائل قبل زراعتها، ومنها حقن الشجرة أو النخلة.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية أبوظبي النخيل آفات النخيل النخیل الحمراء آفات النخیل

إقرأ أيضاً:

مشروع الهيئة: أن تعرف ما تريد خلال الطريق

"المجزرة التي تُنسى محكوم عليها بالتكرار، النعمة التي تُنسى مصيرها الأفول"

((كتبت هذه المادة بناء على العديد من المقابلات التي أجراها الكاتب في سوريا وإضافة إلى الاطلاع على مصادر عدة، اختار صياغة هذا كله في قالب درامي، ووضع الخلاصات على لسان شخصية متخيلة تماما)).

 

نجلس هنا أسفل الجبل، قال لي -أبو دجانة- وهو يطلق بصره نحو جبل قاسيون.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الصليبي الأخير.. وزير الدفاع الأميركي الذي يكره جيشهlist 2 of 2بندقية في المحراب.. كيف صاغ التديّن جنود تحرير الشام؟end of list

قلت: ولماذا لا نصعد الجبل؟

صعود الجبل يحتاج إلى كلمة سر.

ظننته يمزح، فضحكت، لاحقًا تبين لي أن صعود الجبل فعلًا يحتاج إلى كلمة سر!

تجري فيه العديد من الإصلاحات، ويغلقه رجال هيئة تحرير الشام (الأمن حاليًّا) ولا يمكن عبور الحاجز إلا بكلمة سر شفاهية. بدا لي ذلك منسجمًا مع شخصية الجبل، كلمة سر تفتح لك الطريق.

قاسيون المهيب يجلس فوق دمشق وكأنه شاهد عليها، يحمل فوقه "الصخرة الحمراء" في "مغارة الدم"، أداة الجريمة الأولى في التاريخ، صخرة قابيل التي قتل بها شقيقه هابيل فشهق الجبل من هول الجريمة وتجمد فمه ناحتًا مدخل المغارة، هكذا تقول الأسطورة.

هذا البلد مثقل بالتاريخ إلى حدّ التعب، لا تخطو قدماك في مكان إلا وقد عبرته إمبراطوريات وقادة وعلماء، وهو كذلك محملٌ بالمستقبل (دابق، الأعماق، الغوطة.. أسماء مواجهات لم تأت بعد)، وهنا "المنارة البيضاء شرقي الجامع الأموي حيث موعدنا مع نزول سيدنا ابن مريم" قال القيم على الجامع الأموي وهو يحكي لنا مستقبل المكان أيضًا.

أما ضيفنا أبو دجانة فهو كالآخرين، تخلى عن كنيته "القاسية" ولبس بدلة أنيقة وربطة عنق، وكالآخرين أيضًا تعلم التحدث بلغة وزراء الخارجية "انطلاقًا من الأراضي السورية -الدول الشقيقة – دول الجوار – التنوع الثقافي في سوريا".. وهكذا، تحتاج أن ينقضي الجزء الأول من الحوار لكي تلج بعدها في أعماق كوادر الهيئة وربما (بل غالبًا) لا تفلح، فالطبقة التي تكثفّت على السطح من الخطاب تبدو متشابهة وكأنها تعميم مكتوب؛ تعد بحلم الدولة وتبشر بالاستقرار، وتتكلم وكأن هناك كاميرا خفية في مكان ما تصور الإجابات.

إعلان الحقائق الملثمة: في المفترقات

لا يأتي الحق على حصان أبيض، بل أحيانًا يستقل حافلة خضراء، يسلّم منطقة، ينسحب من أخرى ويقاتل رفاقه، أحيانًا يكون الحق ملثمًا، وفي مفترقات معينة يقف الباطل بعيدًا عن الحق مقدار خطوة واحدة، ثم يتمايز، أحيانًا أخرى يكون الخيار الوحيد بين باطل وباطل أقل، لكن المشكلة أن عليك أن تقرر قبل أن تفكر، الوقت الذي تقضيه في التفكير كافٍ لخسارة معسكر.

تهجير مقاتلين من المعارضة من الغوطة الشرقية 2018 (رويترز)

ليست الحقيقة بهذا الوضوح الذي نتوهمه، ولا مصممة على مقاس الشعراء كي يمدحوها، الفتنة دائمًا عمياء، وحين تكون في داخلها نادرًا ما تميّز طبيعة الشيء الذي تواجهه، حتى إذا أدبر أسفر لتتبين حينها موضع قدميك، وكثيرًا ما تزل قدمٌ بعد ثبوتها.

"تسألني عما تعلمته؟" قال أبو دجانة فيما يشبه الخلاصة. ثم أكمل بشيء من الأسى: "كم كنت أتمنى أن أعرف قبل أن أبدأ. كم كانت تصوراتنا مثالية وساذجة. كنا مع كل مفترق طرق نتخلى عن شيء من هذه المثالية ونتحلى بدرجة أعلى من الواقعية، لقد عبر بنا الشيخ (أبو محمد الجولاني) كل هذه المفاوز ولهذا نثق فيه اليوم، أنتم لا تعرفونه، نحن نعرفه. نعرفه جيدًا."

(الحقيقة ليست بالوضوح الذي تصوره برامج الكرتون وقصص الأطفال، هذا صحيح، لكنها ليست بالغموض الذي عادة ما يتذرع به، ذاك التذرع الذي يتوسع في كل مرة حتى يجد الإنسان نفسه يدوس الحقيقة بحثا عنها!)

وبدأ أبو دجانة يسرد القصة من البداية: "منذ دخل الشيخ أرض الشام أواخر عام 2011 بصحبة ستة مقاتلين من العراق (وخمسين ألف دولار شهريًّا من البغدادي) كي يؤسس جبهة النصرة، كان يحلم بفتح دمشق، ويبشّر بذلك اليوم، يتحدث عنه كأنه يراه واقعًا، كان يقرأ لنا رواية كتبها بنفسه عن فارس أنقذ التاريخ، فك وثاقه من آسريه الذين أحكموا تقييد يديه كي لا يكتب شيئًا، آمنّا أنه الوحيد القادر على فعل ذلك، وآمن هو أيضًا بذلك، وفعله حقًّا!"

"لم يكن هذا ليحدث بسهولة، لقد أعدّنا الله عبر مفترقات كثيرة وصعبة لهذا اليوم، مفترقات قاسية وأحيانًا كانت شديدة الالتباسات، حدّث المرء نفسه خلالها طويلًا وغمرته الشكوك، رغم أننا نادرًا ما كنا نجد وقتًا حتى للشك، في بيئة مثل التي أحاطتنا كان الانتظار يعني الموت."

إعلان المفترق الأول: إخوة الغلوّ

واجههم المفترق الأول في أبريل/نيسان عام 2013، حين أعلن أبو بكر البغدادي قيام دولة العراق والشام وحل جبهة النصرة، فقفز الجولاني إلى حضن تنظيم القاعدة، مستفيدًا من مظلتها في حماية تجربته الوليدة أمام زحف "الدولة"، خسر الكثير من الكوادر الذين فضلوا جاذبية الدولة على جبهة النصرة، وحتى يوليو/تموز 2014 بدت النجاة خطة كافية وقتها، كان تنظيم الدولة يلتهم الأراضي والفصائل، وشهدت دير الزور أشد المعارك التي قادها "أبو ماريا القحطاني" عن جبهة النصرة، الرجل القوي الذي سيُعذب لاحقًا في سجون الهيئة ثم يُقتل بتفجير يُعتقد أن تنظيم الدولة وراءه عام 2024.

قادة التنظيمين الذين اغتالتهم الولايات المتحدة (من اليمين): بن لادن، والبغدادي، والزرقاوي، والظواهري (الجزيرة + وكالات)

:تنظيم الدولة هو الذي انشق عنّا!"، قال أبو دجانة، "لقد ذهب بعيدًا في تطرفه، حينها اختبرت الالتباس الأول، لقد قاتلت إخوة بدؤوا معنا المسيرة بعد أن اختاروا الانضمام لتنظيم الدولة، لم يكن الأمر سهلًا بعض الفصائل تورّعت وتأخرت في قتالهم لذلك تمددوا سريعًا، فضلًا عن عقائدية المقاتل عند تنظيم الدولة، إنهم بالفعل طلاب موت، كادت تجربتنا تفنى حينما تدخلت أحرار الشام لمساندتنا، وعبر بنا الشيخ هذه الأزمة."

(ظهور تنظيم الدولة في سوريا كان حدثًا مزلزلًا، لقد أخذ المكونات السلفية في الفصائل وذهب بها لأقصاها، مُسببًا صدمة حقيقية تُنفّر اليوم من أي تشابه مع هذه المكونات، وبدلًا من البحث عن الوسط فإن ظهور غلو متشدد يمهّد لظهور غلو متساهل نقيضًا له، لاحقًا، يصبح التخويف من النموذج المتشدد تنظيرًا بحد ذاته وبرنامجًا للعمل).

– ما الذي ميز طريقة عملكم في البداية؟ سألتُه

"أسلوبنا وقتها كان العمليات العسكرية ضد نظام الأسد. تجنبنا حروب الاستنزاف ونموذج الرباط الذي يحتاج إلى مقاتلين كثر، ولم نجد أنفسنا مضطرين إلى المحافظة على مناطق محررة ثابتة.

بدلًا من ذلك، انصبّ تركيزنا على بناء قوات هجومية بعقيدة قتالية عالية وفاعلية عملياتية قادرة على إحداث فارق على الأرض، وركزّنا على آلية اختيار الكوادر بدقة، أصبحت شروطنا أقل حدة لصالح إدماج قطاع واسع من الفصائل الصغيرة معنا، وغيرنا أسلوبنا في العمل وفق ذلك.

وقتها، لم يكن "المشروع" قد تبلور في أذهاننا، كنا نظن أن ما نعتقده هو المشروع بحد ذاته وهذا كافٍ، لكنه لم يكن كذلك، لقد اتضحت الأمور مع الوقت."

(كلمة "المشروع" تتردد كثيرًا على ألسنة شباب الهيئة بوصفها رديفًا للـ"حكم"، لكن في الواقع الحكم بذاته وسيلة ضرورية لتبليغ "المشروع"، إذن -مجددا- ما هو المشروع؟ يجري الإحالة إلى ما في عقل الرجل أكثر من الإحالة إلى أفكار محددة، مما يشي بأن المشروع جرى اختصاره في شخص القائد)

المفترق الثاني: الأم العجوز

في الثامن والعشرين من يوليو/تموز 2016، كانت الحركة الأم "القاعدة" قد شاخت تمامًا، ولم تعد مظلّتها تمنع الأمطار بل هي نفسها أصبحت مصدرًا للبلل، لم تعد "القاعدة" جذابة وشيخها الظواهري أصبح بعيدًا معزولًا وغارقًا في الشعور بالخذلان، أعلن الجولاني بعد أن أماط اللثام عن وجهه فك الارتباط مع تنظيم القاعدة وولدت بذلك "جبهة فتح الشام"، لكن الكوادر التي ظلت وفية للقاعدة انشقت معلنة عن تنظيم "حراس الدين".

إعلان

كانت ضرورة، قال أبو دجانة، الكثير من الفصائل كانت تمتنع عن التحالف معنا بسبب عبء اسم "القاعدة" فهي كما تعلم مصنفة حركةً إرهابية دوليًّا، المهم في النهاية هو الأهداف وليس الوسائل، عليك أن تفكر في الأمر وكأنه سباق رالي طويل، كل مئة متر علينا أن نبدّل العجلات بأخرى أكثر ملاءمة للمرحلة القادمة، لذلك بعد سنة واحدة أسسنا "هيئة تحرير الشام" سعيًا لإدماج أكبر قدر من الفصائل التي نتفق معها، لقد قسمنا الفصائل وقتها إلى نوعين: نوع ليس لديه مشروع وهذا كان من السهل إدماجه وترتيب وضعه، ونوع لديه مشروع مغاير لا يصب في مصلحة الحالة الجهادية وهذا عرضنا عليه التحالف، ثم قاتلناه حين أصرّ على التمسك بخيار تفتيت الساحة.

(أعجبتني استعارة سيارة الرالي، وذهب فكري بعيدًا، ماذا لو غيرنا لون السيارة، جسمها، محركها، أقصد ما هو الشيء الذي إذا غيرناه لا تعود السيارة هي نفسها؟ يصعب أن يجيبك أحد عن هذا السؤال وذاك لأن الثوابت جرى حلّها بمحلول "السياسة الشرعية" فاستحال كل تجاوز قابل لإعادة التأويل والتبرير)

المفترق الثالث: إخوة الطريق

في 21 يوليو/تموز 2014 بدأنا بحملة "ردع المفسدين"، كان الفساد قد استشرى -للأسف- على يد فصائل الجيش الحر، وبدأ السكان يستنجدون بنا، لم يكن لدى هذه الكوادر انضباط فردي ولا مشروع للحكم.

الحملة طالت أحرار الشام التي حمتكم من تنظيم الدولة في إدلب، أليس كذلك؟. قلتُ مستدركا.

أسرع مجيبًا: "دعني أوضح لك، في النهاية يجب أن نلتف حول مشروع واحد، لقد عانينا طويلًا من تشرذم المشاريع، الكثير من الفصائل كان لديها ارتباطات دولية، وعدم وجود مشروع جامع كانت تكلفته باهظة.

لقد سبق هذه الحملة إطلاقنا أول تصور لمشروع إقامة إمارة إسلامية وتطبيق الشريعة، في هذه المرحلة بدأنا نفكر في ضرورة السيطرة على الجغرافيا، الانتقال من العمل الأمني وحرب العصابات إلى تجربة الإدارة والحكم. وانطلاقًا من ريف إدلب في جبل الزاوية تحديدًا بدأنا في تأسيس تجربة السيطرة على الجغرافيا وتفعيل القضاء الشرعي.

قاتلنا جبهة ثوار سوريا التابعة للجيش الحر، وخلال عامي 2014 و2016 تمدد مشروعنا وبدأنا نُحكم السيطرة على مناطق واسعة من ريف حلب وإدلب وحماة، في 2017 بدأت أحرار الشام تجمع حولها فصائل الجيش الحر، وشكلّت مشروعًا لإدارة المناطق المحررة، مما مثّل تهديدًا حقيقيًّا لنا، وفي ظل امتناعها عن الاتحاد معنا لم يكن معقولًا قبول أكثر من مشروع في نفس المنطقة، فقاتلناهم."

إعلان

كان قتالًا على مساحات النفوذ وتوحيد المشاريع وهذا في العمل السياسي يمكن فهمه، ولكن لماذا كنتم تصيغونه صياغات تكفيرية؟ لم يكن هناك تكفير لهذه الفصائل أبدًا.كان هناك مزاج عام يفضي إلى التكفير؟ بمعنى يكفي تعبيرات من نوع "هؤلاء يحالفون الكفار"، "لديهم تنسيق مع أجهزة مخابرات"، "يعملون ضد الدين"، حتى تتلقّاها القيادات الوسيطة والدعاة بوصفها مبررًا للتكفير لاحقًا (القضايا التي فعلتموها واحدة تلو الأخرى بعد تسلّم الحكم).

ابتسم الرجل، وأكمل حديثه بعيدًا عن هذه النقطة.

"لم تكن فترة سهلة، ولم يكن لدينا سيطرة على كل الخطابات داخل الجماعة، في النهاية أفضى هذا الاقتتال إلى ما فيه مصلحة الجميع، سيطرنا على باب الهوى (مصدر الدخل الأساسي للفصائل حينها)، ومن هذه اللحظة أصبح مشروع حكم إدلب ناضجًا، تشكلت حكومة الإنقاذ في عام 2017، استمرت الاشتباكات مع الفصائل حتى عام 2019 ، كان آخرها قتال أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي في ريف حلب الغربي، وبعدها بسط المشروع سيطرته، كانت فترة خسر فيها الجميع ما بقي من مناطق نفوذ خارج الشمال السوري، فأصبح ريف حلب وإدلب مركز التنافس الوحيد."

(ثم جاءت الحملة الروسية عام 2019 لتهز كيان من بقي من حاملي سلاح، وتهدد باقتلاع التجربة من جذورها. خسرت الفصائل نحو نصف مساحة سيطرتها، وجرى تثبيت خطوط وقف إطلاق النار باتفاق سوتشي بين الرئيسين أردوغان وبوتين في مارس/آذار 2020).

المفترق الرابع: إنه الحكم

(بذور الحكم بدأت عام 2017، (البعض يعتبرها بدأت قبل هذا التاريخ)، وتدريجيًّا كانت الوقائع تدفع "المشروع" تلك الكلمة الغامضة لتقمُّص شكل الطريق، حيث بدأت تقل قيمة الأدبيات، والروافد، والتوجهات الفكرية، ويحل مكانها كاريزما القائد وسلطة الإنجاز وشبكات المصالح، كانت الصيرورة تتكفل بصياغة الشكل، وكان الشكل نفسه يعيد صياغة الجوهر أيضًا).

بدأ أبو دجانة يشرح تفاصيل هذه المرحلة.

"في أسلوب الحكم، أخذت طريقة العمل في البداية طابعًا قريبًا من جبهة النصرة، يمتاز باللامركزية النسبية، وإتاحة صلاحيات واسعة للإدارة المحلية، وهذا نظام كان يصلح لتلك المرحلة. أسميناه نظام الكتل "القوات"، تخضع كل وحدة إقليمية لأمير وهو القائد العسكري ويصحبه "الشرعي" في حين كانت الأحكام المحلية متروكة بشكل كبير لتقدير القضاة المحليين وهم الشرعيون.

في عام 2018، ذهب الشيخ لتفكيك هذه البنى، فهذا النمط يصلح للتنظيمات العسكرية لكنه يتناقض مع بناء حكم مركزي موحد، حينها شكلنا ما يعرف بإدارة المناطق المكونة من 350 عضوًا مُنظّمين في أقسام محلية عبر مناطق إدلب السبع، التي كانت حلقة وصل بين "حكومة الإنقاذ" و"هيئة تحرير الشام"، وعوضت النقص الموجود في الحكومة وحلت مكان العصب القديمة في المناطق."

(هكذا أصبح هناك حكومة مقربة وحكومة ظل موالية، تعمل على سحب النفوذ تدريجيًّا من المكونات والعناصر الجهادية السابقة لتشكل طبقة حكم جديدة، لم تستوعب الوجهة الجديدة للمشروع. لقد حرصت تجربة إدلب على تخليص نفسها تدريجيًّا من أي مظاهر قد تفزع المانح الدولي أو المراقب العالمي الذي لديه قائمة قصيرة ومختزلة للمظاهر التي تشعره بالقلق.

على سبيل المثال سعت مؤسسة "سواعد الخير" و"الخلاص"، لبث سمت إسلامي عام في الأماكن العامة، بما في ذلك التضييق على الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، فأغلقتهما الهيئة. وحين بدأت مظاهر الانفتاح تكسو المدينة بعد 2020، حاول بعض الدعاة والهيئات تنظيم قانون ينظم هذا الوضع، لكن الهيئة لم تؤيد القانون ولم تعارضه بل جمدّته.كان التحول يسير تدريجيًّا نحو استجلاب شرعية خارجية ولكن بهدوء يضمن عدم انفلات الفئات المحافظة والمتدينة ضد "المشروع").

"لم نستفرد بإدارة البلد، كان نموذجنا تشاركيًّا" أوضح أبو دجانة، ثم أكمل "انضمت لحكمنا نخب التكنوقراط داخل الجسم الحكومي وأتحنا لمنظمات غير حكومية الدخول في قطاعات الصحة والتعليم، كان دعمنا يزداد بين النخب المحلية، من مهنيين ورواد أعمال وشخصيات قبلية، في حين كان السخط على التجربة يتصاعد من النشطاء والصحفيين وكوادر حزب التحرير.

إعلان

كيف جرى التعامل مع التوجه المعارض؟ كثيرًا ماكنا نسمع عن تعذيب في السجون مثلًا، إلى أي درجة جرى ضبط التغول الأمني على الناس؟انظر، لقد وقعت تجاوزات كثيرة، خصوصًا عندما تعرضنا لـ"فتنة خلية العملاء"، فتنة كادت تودي بنا، (وهنا صمت الرجل قليلا وسرقته الخيالات إلى مكان غامض من الذكرى) ثم قال: تخيل أن يُعتقل أكثر من 170 شخصًا بتهمة العمالة، بعضهم قيادات صف أول، لم يكن الأمر سهلًا، ثم لاحقًا يتبين أن ثمة مكيدة أو خطأ جرى داخل مسار التحقيق من البداية، لقد كانت فترة قاسية وشديدة الصعوبة، بل دعني أقل ربما كانت هذه أصعب محنة مررنا بها."

فضائل المأسسة

عملنا بجدّ على مأسسة أنفسنا، كنا نقرأ ما يحدث معنا، نتعلم من أخطائنا، من خصومنا، لكن كنا نفتقر إلى قوة التنظيم.

كانت الألوية تقاتل بدون فكر عملياتي، وأحيانا تنسحب بعض الكوادر من القتال إذا سقطت قُراهم، مشروع التحرير كان يشغل الشيخ لذا أردنا إعادة بناء كل شيء على أسس متينة، بدأنا بتوحيد القوات العسكرية عبر إطلاق برامج جديدة للتدريب بعقيدة قتالية موحّدة لكل القوات، وأنشأنا غرفة عمليات "الفتح المبين"، التي ساهمت في التنسيق العسكري بين الفصائل (من بينها أحرار الشام وفيلق الشام)، كما أسسنا أكاديمية عسكرية عملت على رفع الجنود إلى مصاف المقاتلين النظاميين القادرين على تشكيل نواة لعمل جاد وحقيقي.

عرض عسكري لجهاز الأمن الداخلي في منطقة حارم وقرى وبلدات جبل السماق في ريف إدلب
الوكالة العربية السورية للأنباء – سانا

كما أدخلنا العديد من التخصصات مثل: قوات النخبة "العصائب الحمراء"، ووحدات القتال الليلي التي جاءت استجابة لتحدي قتال النظام ليلًا عام 2019 مما أفقدنا الكثير من المناطق.

طورّنا مشروع مسيّرات شاهين، التي شكلّت رعبًا حقيقيًّا لقوات النظام حين بدأت عملية ردع العدوان، في حين كثفت أجهزة استخباراتنا عملها في جمع معلومات عن العدو.

إعلان

وحين حانت الظروف المناسبة للانقضاض على النظام كان الشيخ موجودًا ليقرر ذلك، ودعني أخبرك أن هذه إحدى أهم فضائله، الجرأة في موضعها، كان يمكن أن يفشل الهجوم، أن يحدث شيء آخر غير ما حدث، لم نكن على يقين من نجاح العملية لذلك أسميناها "ردع العدوان"، ولم يكن مداها في أكثر العقول خيالًا يتجاوز حلب، لكن الله وحده هو الذي منّ علينا بهذا الفتح.

(فات الرجل أن يقول إن فتح الجبهات كان أحد المطالب الأساسية التي رفعها "الحراك" الذي خرج ضد حكم الجولاني في إدلب قبل العملية بوقت قصيرة، وهو ما يعني أن المزاج الثوري والشعبي كان قد وصل لحالة من الغليان جعلت قرار المواجهة حتميًّا، وإن كانت كتابة التاريخ تخفي اليوم دور الفصائل والكتل والأفراد وتحصرها في قصة شخص)

ودّعت الرجل بعد مقابلة استمرت أربع ساعات ولم يعرف كلانا بأي انطباع خرج الآخر، نظر إليّ محاولًا الاستكشاف، وقال:

"القادمون من الخارج، يأتون على هيئة رجلين: الأول يريد أن يعرف هل تغيرنا حقًّا أم ما زلنا "وحوشًا" ليرفع تقارير للغربيين والجهات المانحة، والثاني يريد أن يعرف لأي درجة تغيرنا كي يعود إلى أمتنا ويطمئنها أننا لسنا خونة؟!".

مقالات مشابهة

  • توفير المبيدات.. رئيس مكافحة الآفات يتابع حالة الزراعات بكفر الشيخ
  • مشروع الهيئة: أن تعرف ما تريد خلال الطريق
  • ربطه على النخلة وخلص عليه.. إيداع المتهم بقتل عامل تلقيح النخيل بالشرقية بمستشفى الأمراض النفسية
  • ‏مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر
  • وفد من الإدارة الكردية في طريقه الى دمشق لبحث تطبيق الاتفاق مع السلطة
  • «تنمية أبوظبي» تطلق ورشاً تعريفية لجائزة «دمج»
  • حلقة عمل بدبا تناقش الإدارة المتكاملة لمكافحة سوسة النخيل الحمراء
  • إنطلاق موسم طناء النخيل في شمال الشرقية
  • أسماء جلال تدعو جمهورها لدعم تطبيق إلكتروني للمصابين بالتوحد
  • الآفات التي تصيب القمح وطرق مكافحتها.. دورة تدريبية في مركز بحوث ريف دمشق