منذ سقوط نظام المؤتمر الوطني في عام 2019، تبيّن أن الإسلاميين في السودان لن يتركوا الانتقال الديمقراطي يمضي في مأمن، إذ يرون فيه تهديدًا مباشرًا لهيمنتهم السابقة. هذا التيار، الذي حكم السودان لثلاثين عامًا بقبضة أمنية وسياسية محكمة، ما زال يسعى لاستعادة نفوذه عبر وسائل متعددة، تتراوح بين الصراع السياسي الداخلي واستغلال الأدوات العسكرية والمليشيات الإسلامية، وهو ما يظهر جليًا في تصريحات قياديين مثل أمين حسن عمر.


رؤية الإسلاميين للحرب والديمقراطية
تصريحات أمين حسن عمر الأخيرة، التي جاءت في مقابلة مع قناة الجزيرة مباشر، تكشف عن استراتيجية واضحة للتيار الإسلامي العريض. فهو يرى الحرب الجارية "عدوانًا" يجب وقفه بالقوة العسكرية لا عبر التسويات السياسية، مشددًا على أن الإسلاميين يمثلون القوة الحقيقية التي تحارب على الأرض، وليس الجيش وحده. مثل هذا الطرح لا يهدف فقط إلى تعزيز موقف الإسلاميين في الحرب، بل أيضًا إلى تقويض أي جهود انتقال ديمقراطي يرونها مهددة لنفوذهم.
أوضح أمين أن التسويات المقترحة عبر منابر مثل جدة وجنيف لا تخدم مصالحهم، مشبهًا المطلوب من الدعم السريع باستسلام ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. هذه التصريحات تعكس رفضًا قاطعًا لأي عملية سياسية تعيد تشكيل السلطة بعيدًا عن هيمنة الإسلاميين.
الصراع الداخلي بين الإسلاميين
رغم محاولات أمين حسن عمر الإشارة إلى وحدة التيار الإسلامي العريض، إلا أن الواقع يظهر انقسامات حادة بين الفصائل الإسلامية، لا سيما مع المؤتمر الشعبي. منذ وفاة زعيم الشعبي حسن الترابي، دخلت العلاقة بين التيارين مرحلة صراع مفتوح، حيث باتت قيادة المؤتمر الشعبي هدفًا لاتهامات متكررة من قيادات المؤتمر الوطني. يتمحور الهجوم حول وصف الشعبي بالخيانة نتيجة مواقفه الأكثر انفتاحًا تجاه قوى الحرية والتغيير، ما زاد من التوتر الداخلي بين الإسلاميين.هذا الصراع ليس جديدًا، لكنه تصاعد مع الحرب الحالية. فبينما يسعى المؤتمر الوطني للعودة إلى السلطة عبر القوة العسكرية، يتخذ المؤتمر الشعبي موقفًا أكثر ليونة تجاه التفاوض، مما يجعله هدفًا لانتقادات الإسلاميين المتشددين.
استغلال المليشيات الإسلامية
من أبرز أدوات التيار الإسلامي العريض في هذه المرحلة استغلال المليشيات الإسلامية المسلحة، التي تتبنى فكر السلفية الجهادية، مثل كتائب "البراء"، "أنصار الشريعة"، و"دولة الإسلام". تصريحات أمين حسن عمر أكدت وجود عشرات الآلاف من الإسلاميين المقاتلين على الأرض، الذين يُعتبرون السواد الأعظم من القوة العسكرية التي تواجه الدعم السريع. هذه المليشيات تعمل بشكل مستقل عن الجيش الرسمي، لكنها في الواقع تُدار لتحقيق أهداف الإسلاميين، وليس للدفاع عن الدولة.
هذا التحالف بين الإسلاميين والمليشيات الجهادية يهدد مستقبل أي عملية انتقال ديمقراطي في السودان، إذ يرسّخ ثقافة العنف كأداة لحسم الخلافات السياسية. علاوة على ذلك، فإن استخدام هذه المليشيات يُعقّد جهود أي وساطة دولية، حيث تفتقر هذه الجماعات إلى الانضباط أو الالتزام بأي اتفاقات سلام.
انعكاسات الموقف الإسلامي على المشهد السوداني
تؤدي استراتيجية الإسلاميين الحالية إلى تعميق الأزمة السياسية والعسكرية في السودان على عدة مستويات-هي إطالة أمد الحرب و رفض التسويات السياسية واستمرار استخدام القوة العسكرية يجعل الوصول إلى سلام مستدام أمرًا بعيد المنال. , تقويض الانتقال الديمقراطي: الإسلاميون يرون الديمقراطية تهديدًا مباشرًا، ولذلك يسعون لإفشال أي ترتيبات سياسية تضع السودان على مسار الاستقرار ,تصعيد الصراع الداخلي الهجوم على المؤتمر الشعبي وباقي الفصائل الإسلامية يخلق انقسامات تزيد من هشاشة التيار الإسلامي، لكنه في الوقت نفسه يزيد من حدة الصراع السياسي داخل السودان. وهم بصدد تعزيز العنف المسلح , من خلال استغلال المليشيات الجهادية يعزز من ثقافة العنف، ويضع السودان أمام تحديات طويلة الأمد تتعلق بتفكيك هذه الجماعات.
يظهر من تصريحات أمين حسن عمر وتحركات الإسلاميين على الأرض أنهم لن يتركوا الانتقال الديمقراطي في السودان يمضي بسلام. بل يسعون لاستغلال الحرب كوسيلة لاستعادة نفوذهم، حتى لو كان ذلك على حساب استقرار البلاد. في الوقت ذاته، يعكس صراعهم مع الفصائل الإسلامية الأخرى، مثل المؤتمر الشعبي، أن التيار الإسلامي نفسه يعاني من تصدعات داخلية عميقة. أمام هذا الواقع، يبقى مستقبل السودان مرهونًا بقدرته على كسر حلقة العنف وإعادة بناء مشروع سياسي وطني يتجاوز هيمنة الإسلاميين وتكتيكاتهم التخريبية.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التیار الإسلامی المؤتمر الشعبی القوة العسکریة أمین حسن عمر فی السودان

إقرأ أيضاً:

سناتور أمريكي يسعى للحد من صلاحيات ترامب في الحرب على إيران

واشنطن - رويترز

طرح عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي ينتمي للحزب الديمقراطي اليوم الاثنين تشريعا لمنع الرئيس دونالد ترامب من استخدام القوة العسكرية ضد إيران دون تفويض من الكونجرس، في وقت أثار فيه تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران مخاوف من نشوب صراع أوسع نطاقا.

ويحاول السناتور تيم كين، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا، منذ عدة سنوات استعادة سلطة الكونجرس في مسألة إعلان الحرب من البيت الأبيض.

وفي 2020 خلال فترة ولاية ترامب الأولى، طرح كين تشريعا مماثلا لكبح جماح ترامب فيما يتعلق بشن حرب على إيران وحظي بتأييد في مجلسي الشيوخ والنواب، بدعم من بعض الجمهوريين، لكنه لم يحصل على الأصوات الكافية ليتغلب على حق النقض (الفيتو) الذي استخدمه الرئيس.

وقال كين إن التشريع الأحدث الذي طرحه بشأن صلاحيات الحرب يؤكد أن الدستور الأمريكي يمنح الكونجرس وحده، وليس الرئيس، سلطة إعلان الحرب ويقضي بأن الدخول في أي أعمال قتالية مع إيران يجب أن يكون من خلال إعلان حرب أو تفويض محدد باستخدام القوة العسكرية.

وذكر كين في بيان "ليس من مصلحة أمننا القومي الدخول في حرب مع إيران إلا إذا كانت تلك الحرب ضرورة لا مفر منها للدفاع عن الولايات المتحدة. يساورني قلق بالغ من أن أحدث تصعيد في الأعمال القتالية بين إسرائيل وإيران سرعان ما سيجر الولايات المتحدة إلى صراع آخر لا نهاية له".

وبموجب القانون الأمريكي، تحظى تشريعات صلاحيات الحرب بأولوية النظر، وهو ما يعني أن مجلس الشيوخ سوف يكون ملزما بالبت في المسألة والتصويت عليها على الفور.

وبدأ الجيش الإسرائيلي هجمات على إيران يوم الجمعة بهدف معلن هو القضاء على برامجها النووية وبرامج الصواريخ الباليستية. وردت إيران، التي تصر على أن برنامجها النووي مخصص لأغراض سلمية، بهجمات صاروخية على إسرائيل.

وواصلت الدولتان تبادل الهجمات، مما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين وأثار مخاوف بين زعماء العالم المجتمعين في كندا هذا الأسبوع من أن أكبر مواجهة بينهما قد تؤدي إلى صراع أوسع في المنطقة.

وأشاد ترامب بالهجوم الإسرائيلي في حين نفى اتهامات إيرانية بمشاركة الولايات المتحدة فيه وحذر طهران من توسيع نطاق ردها ليشمل أهدافا أمريكية.

وقبل مغادرته إلى كندا أمس الأحد لحضور قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، سُئل ترامب عما يبذله لتهدئة الوضع، فقال للصحفيين "آمل أن يكون هناك اتفاق. أعتقد أن الوقت حان للتوصل إلى اتفاق... أحيانا يضطرون إلى القتال لحسم الأمر".

مقالات مشابهة

  • عاجل| الجيش الإسرائيلي: قتلنا رئيس أركان الحرب في إيران
  • الحرب المقدسة في الجغرافيا الملتهبة: صراع الرايات والخرائط!
  • منظمة العنف، والاستبداد، والانتقام بالحرب على المدنيين والثورة
  • بريطانيا تطلب من العراق إبعاد الحشد الشعبي عن الحرب الإيرانية الإسرائيلية
  • سناتور أمريكي يسعى للحد من صلاحيات ترامب في الحرب على إيران
  • السفارة الأمريكية:الحشد الشعبي وراء ارتفاع العنف في العراق
  • الحرب ليست لعبة صراع الجبابرة
  • دعوة إسرائيلية لإنهاء حرب غزة واستغلال الحشد الدولي لضرب إيران
  • الشريعة الإسلامية في السودان .. من الشعار إلى التطبيق
  • أعضاء مجلس الأمن يعربون عن قلق عميق إزاء تصاعد العنف في السودان