بكل أسف لا نملك ترف حيرة اختيار موضوع المقالة هذه الأيام، فالصراعات السياسية نجحت في تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة «لصراع الجبابرة» وليس التشبيه هنا ببعيد إن تحرينا الدقة، حروب عبثية منطلقها المادة وهدفها السيطرة، وكأنها لعبة رقمية، غير أن اللعبة بأسلحة لا يمكن أن تقتل إلا هدوء ممارسيها ومحترفيها، أما هذه الحرب التي تشنها إسرائيل في المنطقة على جبهتين في فلسطين سعيا لسرقة الأرض وفي إيران سعيا للتفوق، فلم تترك لنا مساحة للهدوء أو فسحة للتفكير في تداعياها.
وفي الشرق الأوسط يتوزع الخاصة والعامة بين خصوم إسرائيل وخصوم إيران، ثم فرقة تعرف لإيران رغبتها التوسعية في الخليج العربي ولكنها تعرف لإسرائيل عداءها التاريخي وجبروتها الدموي وما كان من هؤلاء وفقا لمنطق «مع أخي على ابن عمي، ومع ابن عمي على الغريب» إلا الانتصار لإيران، ومنهم من لا علاقة لهم بهؤلاء أو أولئك لكنها الشماتة بإسرائيل المتغطرسة والإيمان بنهاية عهد سرقة الحق في الأرض وتهجير الشعب ولعل هذه الفئة من الأهمية بمكان لاستقطابها الواعي لا عقلاء العرب وحسب، إنما شريحة واسعة جدا حتى من الغربيين، بل ومن اليهود أنفسهم، بعدما وقع في يقينهم أن حرب إسرائيل في الشرق الأوسط ليست حربا دينية لكنها تتخذ الدين مبررا لعدوانها ودمويتها، وهو ما لم يقبله الكثير من اليهود الذين اختبروا التهجير وعاشوا التهميش وعانوا من العنصرية.
ومن عجب أن ثم فرقة مخدّرة مسكونة بالشكوى الأبدية من الروتين وسكون الحال تتوق للتشويق والرعب والإثارة حتى وإن تمثلت حربا ضروسا ميدانها أوطانهم، هؤلاء الكسالى هم أولئك المنشغلون بعالم الألعاب الرقمية الملأى بالعداوات والأسلحة وبقاء الأقوى دون أي معايير قيمية، أو ثوابت أخلاقية، المُحتفون بالحرب كأنهم يشهدون خروج شخصياتهم القتالية المتوحشة المصنوعة من الواقع الافتراضي إلى الواقع الفعلي.
من يظن أنه في مأمن فهو واهم، نعيش اليوم على صفيح ساخن تتقاذفه الأطماع فإن لم نكن ضحايا مستهدفة أو عشوائية لنيران هذه الحروب، فنحن ضحاياها على المدى الطويل لا محالة؛ صحيا حيث لا يمكن نفي تأثير كل هذه الأسلحة المستخدمة على سكان المنطقة، ولن نستغرب تزايد الأمراض السرطانية وغيرها مستقبلا، بَلهَ التأثير النفسي طويل المدى والتشتيت العقلي الذي لا يمكن معه الوصول إلى يقين في لعبة يتقنّع فيها جميع الساسة فضلا عن القادة موجهي مسارات هذه التصادمات المدمرة أرواح البشر ومقدرات الأوطان بأقنعة الوطنية والولاء والخبرة.
يصعب التكهن بما يحدث الآن فعليا، ولا ما سيحدث غدا: مدة الحرب وآثارها، إرهاصاتها ومآلاتها، مجرموها وضحاياها، لكن هنالك درس لا بد من تعلمه وهو أوضح من أن يخفى، (حتى قبل كشف الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، عن وجود اختراق عميق في قلب الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية، وذلك بعدما تبيّن أن رئيس الوحدة السرية المكلفة بتعقب عملاء الموساد الإسرائيلي داخل إيران، كان هو نفسه عميلاً للموساد!) الدرس هو أن الخيانات تدمر الأوطان أكثر من العداوات، كيف لا وهي الصداقات العدوة التي لا تؤمن بغير المال ولا تعرف انتماء أو إخلاصا لغير مصالحها الآنية ومنافعها الذاتية؟
لم يكن هذا التصريح صادما فكل تحليلات المواجهة بين إيران وأمريكا وإيران وإسرائيل تدرك ذلك تصريحا أو تلميحا أو حتى حسرة داخلية وغصة في القلب. وربما من الجيد الإشارة إلى تجاوز اختراق القيادات ومفاصل الدولة فعليا، بالاختراق الرقمي الذي تحتكره شركات تجارية تحركها الفائدة لصالح قوى عظمى بهدف السيطرة والنفوذ على جسر من الدماء والكوارث.
درس آخر لا يمكن تجاهله مع كل هذه النيران يتمثل في صرخة الرئيس المصري الأسبق: محمد حسني مبارك «المتغطي بالأمريكان عريان» وفيما يحدث اليوم كثير من الحجج المؤكدة قوله ليس آخرها إسقاط إيران ما تتباهى به أمريكا كأحدث معداتها الحربية!
ختاما: لا نملك إلا الدعاء بأن يحفظ الله وطننا العزيز وخليجنا ووطننا العربي من ويلات الحروب وشرور الفتن وأقنعة الخونة الملونة، كما أنه لا بد من التأكيد على التركيز على الأمنين الداخلي والمجتمعي اللذين يمثلان ترسا دفاعيا موثوقا ضد الهجمات الخارجية والخيانة الداخلية معا.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: لا یمکن
إقرأ أيضاً:
بلدية رمات غان الإسرائيلية: صواريخ إيران خلفت دمارا لا يمكن تصوره- (صور وفيديو)
#سواليف
قالت بلدية “ #رمات_غان ” وسط إسرائيل، إن #الصواريخ التي أطلقتها #إيران، على المنطقة خلفت “دمارا لا يمكن تصوره”، وسط تضرر عشرات المباني.
ويأتي ذلك بينما تفرض إسرائيل حالة من التعتيم على خسائرها عقب #رشقات_صاروخية أطلقتها إيران على منطقة تل أبيب الكبرى، وتحظر الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام نشر أي تفاصيل بهذا الخصوص.
رمات غان pic.twitter.com/QFNmzHiSPt
مقالات ذات صلة"مشهد غير مسبوق في إسرائيل".. لقطات توثق حجم الدمار في مدينة رمات غان قرب تل أبيب بعد تعرضها للقصف بصواريخ إيرانية pic.twitter.com/u8Z4OSo8Ot
— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) June 14, 2025وفي تصريح لإذاعة الجيش الإسرائيلي، وصف كارميل شاما هكوهين، رئيس بلدية رمات غان، تداعيات #الهجوم الصاروخي الإيراني على مدينته قائلا: “هذه ساحة دمار لا يمكن تصورها”.
وأوضح أن “العشرات من المباني تضررت، وفقدت مئات العائلات سقفها الذي يأويها في ثانية واحدة” جراء استهداف المدينة بالصواريخ الإيرانية.
منطقة رمات غان تحت الركام… هكذا يتم محو أسطورة الأمن و الأمان في #تل_أبيب pic.twitter.com/RZOWvZLSVM
— Dima Halwani (@DimaHalwani) June 13, 2025ومنذ فجر الجمعة، بدأت إسرائيل، وبدعم ضمني من الولايات المتحدة، هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، أسمته “الأسد الصاعد”، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين.
وقال الجيش الإسرائيلي إن الهجوم “استباقي” وجاء بتوجيهات من المستوى السياسي، فيما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن العملية “غير المسبوقة” تهدف إلى “ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية، ومصانع الصواريخ الباليستية، والعديد من القدرات العسكرية الأخرى”.
وفي مساء اليوم نفسه، بدأت إيران بعملية أسمتها “الوعد الصادق 3″، للرد على الهجوم بسلسلة من الضربات الصاروخية الباليستية والطائرات المسيّرة، بلغ عدد موجاتها 6، ما أدى – بحسب وسائل إعلام عبرية – إلى مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 172 آخرين بجروح متفاوتة، فضلا عن أضرار مادية كبيرة طالت مباني ومركبات.
وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن “حدث خطير جدا” في تل أبيب، عقب قصف إيراني استهدف موقعا استراتيجيا، دون الكشف عن تفاصيل إضافية بسبب الرقابة العسكرية الصارمة وتعليمات التعتيم المفروضة من قبل الجيش.
والهجوم الإسرائيلي الحالي على إيران يعد الأوسع من نوعه، ويمثل انتقالا واضحا من “حرب الظل” التي كانت تديرها تل أبيب ضد طهران عبر التفجيرات والاغتيالات، إلى صراع عسكري مفتوح يتجاوز ما شهده الشرق الأوسط منذ سنوات.