يرى المحللان الأمريكيان جلين شافيتز، وجون سيفر، أنه لكي نفهم هوس روسيا الحالي بأوكرانيا، من المهم أن ندرك أن روسيا لم تكن أبداً دولة بالاستخدام الشائع للمصطلح.

فعلى عكس الدولة التركية الحديثة، التي خرجت من رحم الامبراطورية العثمانية، أو بريطانيا العظمى، التي امتلكت امبراطورية وفقدتها، فإن روسيا لم يكن لديها هوية منفصلة عن امبراطورية، وكما أوضح المؤرخ البريطاني جيفري هوسكنغ "بريطانيا امتلكت امبراطورية، ولكن روسيا كانت امبراطورية".



وقال سيفر، الذي عمل في الخدمة السرية لوكالة المخابرات المركزية لمدة 28 عاماً، وهو الآن زميل رفيع المستوى غير مقيم في المجلس الأطلسي ومؤسس مشارك لشركة سباي كرافت انترتاينمنت، وشافيتز الذي يتمتع بأكثر من 30 عاماً من الخبرة في الحكومة والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص، أن تاريخ روسيا على مدار ألف عام والمصدق عليه رسمياً أسطورة تم نسجها وإدامتها ذاتياً، وروج لها أجيال من الديكتاتوريين الروس لتبرير توسعهم في الخارج وقمعهم في الداخل. وبدلاً من ذلك، فإن ما نفكر فيه اليوم كروسيا بدأت كمجموعة فضفاضة من دول مدن مستقلة شملت نوفجورود وبسكوف وسمولينسك وتفر وموسكو، واكتسبت الأخيرة أهمية خاصة نهاية حكم المغول قبل أكثر قليلاً من 500 عام.

Modern Russia remains an empire and does not see itself as a Great Power unless it dominates its neighbors, write Glenn Chafetz and @john_sipher in #UkraineAlert.

It will continue to absorb its neighbors until the West acts collectively to contain it.https://t.co/ZsoVW0h5PO

— Atlantic Council (@AtlanticCouncil) August 14, 2023 العصر المغولي 

ولم تكن كييف جزءاً من روسيا عندئذ مثلما هي الآن. ولم تكن هناك لغة مشتركة أو إدارة مشتركة أو هوية مشتركة. وفي حقيقة الأمر، مرت قرون قبل أن يحاول حكام إمارة موسكوفي (الاسم القديم لروسيا) تأكيد سيطرتهم على كييف وأراضي أوكرانيا الحالية.

وكانت حقبة حكم المغول، وليس إرث دولة كييفان روس، هي التي مهدت الطريق أمام صعود الإمبراطورية الروسية. وإبان حكم إيفان الثالث (الأكبر)، رسخت إمارة موسكو وضعها كأقوى الدول المدن تنبثق عن العصر المغولي، وأطلق إيفان على نفسه "قيصر كل روس"، ولكنه كان في الواقع أشبه كثيراً بعمدة موسكو الكبرى.

وكان إيفان هو الذي بدأ في توسيع رقعة موسكوفي، حيث شرع في ما أطلق عليه "تجميع الأراضي الروسية". وتبنى رؤيته التوسعية بالفعل كل حاكم جاء بعده لموسكوفي والإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي والاتحاد الفيدرالي الروسي، ويستمر مسعى إيفان الثالث للاستيلاء على أراض جديدة، غالباً تحت ستار "إعادة توحيد أراضي روس القديمة" حتى هذا اليوم، وأن ذلك له تأثير عميق على تاريخ العالم.

الامبراطورية الروسية

وقال المؤرخ ستيفين كوتكين: "بدءاً من حكم إيفان الرهيب في القرن الـ 16، استطاعت روسيا أن تتوسع بمعدل 50 ميلاً مربعاً في المتوسط في اليوم على مدار مئات السنين، مما يغطي في نهاية المطاف سدس مساحة كوكب الأرض"، واعتبر عدد قليل من الشعوب، التي كانت تسكن على الأراضي التي زعم ملكيتها إيفان الثالث وأسلافه، أنفسهم روس على الأقل ليس قبل أن يتم "تجميعهم سوياً".

وفي وقت وفاة إيفان الثالث، كانت إمارة موسكوفي تغطي أقل من خمس منطقة روسيا الحالية: وخصوصاً أنها لم تشمل أراضي أوكرانيا الحديثة وبيلاروسيا والقوقاز أو كل صربيا، ولم تكن شبه جزيرة القرم التي يتحدث عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحماس، جزءاً من الإمبراطورية الروسية حتى استولت عليها الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية من خانات القرم في عام 1783.

وإذا كان بوتين معنياً بتصحيح الأخطاء التاريخية، فإنه يتعين عليه أن يعيد القرم إلى تتار القرم، وأنه لن يفعل ذلك، بالطبع لأن ديناميكيات الغزو الإمبريالي وعملية الروسنة عنصر رئيسي للشرعية لبوتين مثلما كانت بالنسبة لكل حكام روسيا تقريباً (باستثناء بوريس يلتسين وميخائيل جورباتشوف جزئياً).

وتتوسع روسيا لأن حكامها يحتاجون لتهديد خارجي لتبرير استبدادهم. وكان هذا الأمر صحيحاً بالنسبة لإيفان الرهيب وبطرس الأكبر وكاترين الثانية العظيمة، وتتحسر روسيا تحت قيادة بوتين على خسارة المجد الإمبريالي، ولم تتصالح أبداً مع ماضيها القمعي. و مفارقة التوسع - والأمن، التي تعد القوة الدافعة للسياسات الخارجية والداخلية الروسية، حلقة مفرغة يدور فيها كل الأباطرة بدرجة أو بأخرى.

توسع حدودي 

ويخلق الاستحواذ تهديدات داخل الأراضي التي تم الاستيلاء عليها حديثاً وعند الحدود التي تتمدد للإمبراطورية الآخذة في النمو. ويتطلب التوسع عملية الروسنة والقمع الداخلي، والمزيد من التوسع الخارجي، وقالت الإمبراطورة كاترين الثانية العظيمة "ليس لدى أي وسيلة للدفاع عن حدودي سوى توسيع نطاقها".

ويمكن أن تنتهي هذه الديناميكية بطريقتين، إما من خلال الاحتواء الخارجي أو تطبيق الديمقراطية في الداخل. وأثبتت الأخيرة أنها تمثل مشكلة للشعب الروسي ولا تعد شيئاً يجب أن تعول جارات روسيا على حدوثه في أي وقت قريب. ونجح الاحتواء الخارجي من قبل، خلال الحرب الباردة.

ومازالت روسيا الحديثة إمبراطورية لا تعتبر نفسها قوة عظمى ما لم تسيطر على جاراتها. وبالتالي فإن روسيا سوف تواصل تهديد جاراتها ومهاجمتهم واستيعابهم حتى يتحرك الغرب بشكل جماعي لاحتوائها، وسوف تشتكي روسيا والمدافعون عنها من أن الاحتواء يتجاهل مخاوف روسيا الأمنية المشروعة. وهذا كذب لأن مخاوف روسيا الأمنية تتزايد باستمرار.

وفي الحقيقة، ليس لدى الزعماء الروس على الإطلاق أي شيء يقلقون عليه إذا عادوا إلى حدود بلادهم لعام 1991 المعترف بها دولياً، واختتم المحللان تقريرهما بالقول إن "الغرب يحترم دائماً هذه الحدود، وأن روسيا هي التي لم تحترمها، ومن غير المحتمل أن يتغير ذلك، قبل أن تتجاوز روسيا الحديثة هويتها الإمبريالية المتجذرة بعمق فيها".

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان النيجر مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني روسيا أوكرانيا فلاديمير بوتين لم تکن

إقرأ أيضاً:

عائدات قياسية لشركات الأسلحة.. كيف غيّرت الحرب الروسية على أوكرانيا خريطة الصناعات الدفاعية؟

جاءت الزيادة في إيرادات شركات الأسلحة داخل الاتحاد الأوروبي مدفوعة بالحرب الروسية على أوكرانيا وتصاعد الشعور بالتهديد من روسيا.

بلغت عائدات بيع الأسلحة والخدمات العسكرية لدى أكبر شركات السلاح في العالم مستوى قياسيًا مرتفعًا، بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية، إذ سجّلت ارتفاعًا بنسبة 5.9% لتصل إلى 679 مليار دولار (583 مليار يورو) في عام 2024، وهو أعلى مستوى يتمّ تسجيله على الإطلاق، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).

ويُعزى هذا الارتفاع في إجمالي عائدات الأسلحة بصورة أساسية إلى الزيادات الكبيرة التي حققتها الشركات العاملة في أوروبا والولايات المتحدة.

ما لا يقل عن 65% من شركات الأسلحة الأوروبية الواردة في قائمة أكبر 100 شركة عام 2024 كانت تعمل على توسيع طاقتها الإنتاجية بمستويات مختلفة.

وباستثناء روسيا، حقّقت الشركات الست والعشرون الأوروبية المدرجة ضمن أكبر مئة شركة لصناعة الأسلحة نمواً في إجمالي إيراداتها بنسبة 13.4%، لتصل إلى 151 مليار دولار.

وسجّلت شركة تشيكوسلوفاك التشيكية أعلى زيادة مئوية في عائدات الأسلحة ضمن قائمة أكبر 100 شركة عام 2024، إذ ارتفعت إيراداتها بنسبة 193% لتبلغ 3.6 مليارات دولار.

ويعود هذا النمو إلى إطلاق مبادرة الذخيرة التشيكية، وهو مشروع تقوده الحكومة لتوريد قذائف مدفعية إلى أوكرانيا.

في العام الماضي، كان أكثر من نصف إيرادات الشركة من الأسلحة مرتبطًا بأوكرانيا.

في عام 2024، بلغت عائدات الأسلحة للشركات الفرنسية الأربع المدرجة ضمن قائمة أكبر 100 شركة 26.1 مليار دولار، مسجّلة ارتفاعًا بنسبة 12% مقارنة بعام 2023.

وسجّلت شركات تاليس وسافران وداسو نموًا مضاعفًا في عائدات الأسلحة بين عامي 2023 و2024.

وفي الربع الأول من عام 2025، حققت تاليس أيضًا نموًا في إجمالي مبيعاتها بلغ 5 مليارات يورو، بزيادة نسبتها 9.9% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت عائدات الأسلحة للشركتين الإيطاليتين المدرجتين ضمن أكبر 100 شركة بنسبة 9.1%، لتصل إلى 16.8 مليار دولار في عام 2024.

أما شركة ليوناردو لصناعة الطيران، وهي ثاني أكبر شركة أسلحة أوروبية في قائمة أكبر 100 شركة، فقد رفعت إيراداتها من الأسلحة بنسبة 10% لتصل إلى 13.8 مليار دولار.

في عام 2024، أسست ليوناردو مشروعًا مشتركًا مع شركة راينميتال الألمانية لتطوير دبابة قتال رئيسية ومركبة مشاة قتالية جديدة للقوات المسلحة الإيطالية.

Related "يتحدثون كثيرًا ولا ينجزون شيئًا".. ترامب ينتقد قادة أوروبا ويدعو أوكرانيا لتنظيم انتخاباتترامب تحدث مع ماكرون وميرتس وستارمر بشأن أوكرانيا.. وزيلينسكي: هذا الأسبوع قد يحمل أخبارا سارةألمانيا تحث الصين على استخدام نفوذها مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا

كما كانت أربع شركات مقرّها ألمانيا ضمن أفضل 100 شركة، وقد ارتفعت إيراداتها من الأسلحة مجتمعة بنسبة 36% لتصل إلى 14.9 مليار دولار.

وسجّلت شركة Diehl الألمانية أكبر زيادة سنوية في عائدات الأسلحة، إذ ارتفعت بنسبة 53% لتبلغ 2.1 مليار دولار.

وفي عام 2024، وفي إطار جهود ألمانيا لدعم أوكرانيا، قامت شركة Diehl بتسليم عتاد شمل أنظمة دفاع جوي أرضية.

هشاشة سلاسل الإمداد

على الرغم من ارتفاع عائدات التسلح في أوروبا، فإن القارة تعتمد بشكل كبير على مواد خام حيوية مثل الكوبالت والليثيوم.

ويجعل ذلك صناعة الدفاع الأوروبية عرضة للتقلبات الجيوسياسية وتقلبات الأسعار، إضافة إلى مخاطر النقص المحتمل.

فعلى سبيل المثال، كانت شركة إيرباص الأوروبية وشركة سافران الفرنسية تلبّيان قبل عام 2022 نصف احتياجاتهما من التيتانيوم من الواردات الروسية، واضطرتا لاحقًا إلى البحث عن موردين جدد، وفقًا لتقرير معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام.

وقالت جاد غيبرتو ريكارد، الباحثة في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن شركات الأسلحة الأوروبية تستثمر في طاقة إنتاجية جديدة لتلبية الطلب المتزايد، غير أن تأمين المواد قد يتحول إلى تحدٍّ متصاعد، خصوصًا أن الاعتماد على المعادن الأساسية سيعقّد خطط إعادة التسلح الأوروبية.

Related بوتين متحدياً الضغوط الأميركية بعد لقاء مودي: نفط روسيا سيصل إلى الهند بلا انقطاعأوكرانيا تؤكد سعيها لـ"سلام حقيقي" مع روسيا وبوتين يُعلن شروطه لإنهاء الحربقبل المحادثات بين كييف وواشنطن.. روسيا تشن هجومًا واسع النطاق على أوكرانيا

في بداية هذا الشهر، قدّم الاتحاد الأوروبي خطة عمل جديدة تهدف إلى خفض مستوى الاعتماد بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2029.

ويستثمر الاتحاد الأوروبي في استخراج المعادن محليًا، مثل مشروع شركة فولكان لاستخراج الليثيوم في ألمانيا، وكذلك مشروع مالمبدينوم مالمبجيرج التابع لشركة جرينلاند ريسورسز.

كما يضع التكتل خططًا استثمارية خاصة مع أوكرانيا وغرب البلقان ودول شرق وجنوب المتوسط، بهدف بناء سلاسل إمداد متكاملة للمواد الخام الحيوية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة

مقالات مشابهة

  • الكرملين: روسيا ترفض أي هدنة مؤقتة مع أوكرانيا
  • روسيا: لم نتلق بعد النسخة المعدلة من خطة التسوية في أوكرانيا
  • صادرات النفط الروسية تهبط إلى أدنى مستوياتها منذ بدء الحرب في أوكرانيا
  • روسيا تعلن السيطرة الكاملة على مدينة سيفيرسك شرقي أوكرانيا
  • بلجيكا: استخدام الأصول الروسية المجمدة أصبح حتميا لدعم أوكرانيا
  • ارتفاع وتيرة العمليات النوعية التي تنفذها أوكرانيا ضد روسيا
  • روسيا: عضوية أوكرانيا في الناتو غير مقبولة
  • الدفاع الروسية : إسقاط 287 مسيرة أوكرانية فوق أراضي روسيا خلال الليلة الماضية
  • عائدات قياسية لشركات الأسلحة.. كيف غيّرت الحرب الروسية على أوكرانيا خريطة الصناعات الدفاعية؟
  • المستشار الألماني: أوكرانيا وحدها من تقرر شكل التسوية الإقليمية التي تقبل بها