الإعلامي وائل الإبراشي.. صوت الحقيقة الذي لا يغيب
تاريخ النشر: 9th, January 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يوافق اليوم ذكرى وفاة الإعلامي الكبير وائل الإبراشي، نستعيد ذكريات إعلامي لم يكن مجرد مذيع يطل على الشاشات، بل كان صاحب رسالة حملها بكل إخلاص وجرأة، وترك بصمة لا تُمحى على المشهد الإعلامي والمجتمعي في مصر.
النشأة والمسيرة الإعلامية
ولد وائل الإبراشي في مدينة شربين بمحافظة الدقهلية عام 1963.
برامجه المؤثرة
على مدار مسيرته الإعلامية، قدم الإبراشي العديد من البرامج التي شكلت علامة فارقة، أبرزها:
"العاشرة مساءً": البرنامج الذي صنع شهرته الأكبر، بعد أن ترك برنامج " الحقيقة " حيث ناقش فى العاشرة مساءا القضايا الاجتماعية والسياسية الشائكة بحرفية وشفافية، واستضاف شخصيات متنوعة، مما جعله منصة للحوار الوطني.
"كل يوم": واصل من خلاله تسليط الضوء على هموم المواطن المصري، وأثبت مرة أخرى أنه إعلامي يعبر عن صوت الناس.
أسلوبه الإعلامي
تميز وائل الإبراشي بأسلوبه الهادئ والمباشر، وحرصه على تقديم محتوى عميق ومؤثر. لم يكن مجرد ناقل للأحداث، بل كان جزءًا منها، متسلحًا بمبادئه في الدفاع عن الحق ومواجهة الفساد.
إرثه الإعلامي والمجتمعي
رغم رحيله المفاجئ في يناير 2022 متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا، فإن تأثير الإبراشي ما زال حاضرًا:
على المشهد الإعلامي: غيّر مفهوم برامج التوك شو، وجعلها منصة لمناقشة قضايا الشارع المصري.
على المجتمع: كانت برامجه نافذة يعبر خلالها المواطن البسيط عن معاناته، مما أكسبه ثقة الجمهور واحترامهم.
على الإعلاميين: أصبح قدوة ومصدر إلهام لجيل كامل من الإعلاميين الذين تعلموا منه الجرأة والمسؤولية الاجتماعية.
"رسالة لا تنتهي"
ترك وائل الإبراشي إرثًا يعكس إيمانه بدور الإعلام كقوة للتغيير الإيجابي. ورغم غيابه الجسدي، فإن بصماته ما زالت تُلهم وتوجه الإعلاميين نحو الالتزام بالمهنية والمسؤولية.
في ذكراه، نستذكر إعلاميًا عاش من أجل الحقيقة، ورحل تاركًا وراءه إرثًا لا يُنسى.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: وائل الابراشي روز اليوسف المواطن المصري ذكرى رحيل وائل الإبراشي وائل الإبراشی
إقرأ أيضاً:
المرأة والعلاقة خارج النسق .. قراءة في الأسطورة سليمة بنت غفيل بين الحقيقة والوهم المتخيل
عن الجمعية العمانية للكتاب والأدباء والآن ناشرون وموزعون، صدر للأديبة الشاعرة الأكاديمية الدكتورة سعيدة بنت خاطر الفارسية، كتابا بعنوان «الأسطورة سليمة بنت غفـيل بين الحقيقة والوهم المتخيل». تحوي الطبعة الأولى للكتاب 2024م (مقدمة، كلمة شكر وعرفان، وتمهيد، وفصلان: الفصل الأول (أماكن وجود الميدان)، والفصل الثاني (من هي بنت غفـيل سليمة المسكرية؟)، الخلاصة، الختام، فقائمة بالمصادر والمراجع، فالسيرة الذاتية للباحثة.
يتضمن الفصل الثاني أربعين صفحة، إذا ما قورن بعدد صفحات الفصل الأول البالغة أربعة وعشرين صفحة.
خطاب الحب لدى سليمة بنت غفـيل وشاعرات الهامش حين يخرج صوت امرأة من بيئة تقليدية محافظة ليعترف بحبٍ لم يكن داخل مؤسسة الزواج، بل فـي علاقة حرّة «غير مرخّصة» اجتماعيًا، فإننا أمام خطاب أدبي يتقاطع فـيه الوجد الشخصي والتمرد الثقافـي، ويتكثف فـي نصوص شفوية أو منسوبة لشخصيات غامضة مثل سليمة بنت غفـيل، الشاعرة العُمانية التي لا نعرف من حياتها إلا ما جاء على ألسنة الرواة.
سليمة بنت غفـيل، كما يشير أحد الحافظين لشعرها، أحبت شاعرًا نبطيا وساكنته، لأنه كان صاحبها لا زوجها. هذه العبارة البسيطة تحمل دلالات صادمة حين تُقرأ فـي إطار مجتمع يُعرف عنه التمسك بالعادات الصارمة، والتحفظ على العلاقة بين الجنسين. غير أن هذا «الخرق» لا ينبغي قراءته كقصة عاطفـية خارجة عن المألوف فحسب، بل كتمثيل لموقع المرأة فـي الثقافات الشفهية، ولقدرتها على إنتاج خطاب عاطفـي مقاوم، وإن ظل مهمشًا.
إننا هنا بإزاء ما يمكن تسميته بـ«أدب النساء المهمشات»، حيث تتحدث المرأة من موقع اللاسلطة، لكنها تنتج معنىً مختلفًا، مقلقًا للنسق، وراسخًا فـي الذاكرة الجمعية رغم كل محاولات التعتيم أو النسيان.
فـي المجتمعات الشفهية كالتي خرجت منها سليمة، لم تكن المرأة تملك أدوات التوثيق، لكنها كانت تملك القصيدة والمجلس واللحن، وهي أدوات كانت تتيح لها أن تعبر عن ذاتها، عن رغبتها، عن حنينها، وربما حتى عن تجاوزاتها، ولكن تحت غطاء شعري يسمح بالتمويه والتجلي معًا.
ولذلك، فإن العلاقة بين سليمة وصاحبها، كما وردت فـي الرواية، قد تكون واقعية كما قد تكون رمزية، تمثّل انحيازًا شعريًا إلى الحلم أكثر من التوثيق، لكن هذا لا يقلل من دلالتها: فسواء عاشت سليمة تلك العلاقة بالفعل، أو نُسبت إليها لتجسّد دور «الأنثى الجريئة»، فإننا نقرأ فـي هذا الموقف صيغة من التحرر الرمزي الذي تقترحه القصيدة الشعبية فـي مواجهة السلطة الاجتماعية.
هذا التوتر بين «الاعتراف» و«الكتمان»، بين «الرغبة» و«الضبط»، هو ما يجعل شعر النساء المهمشات، وفـي مقدمته الشعر الشعبي النسائي، وثيقة مزدوجة: فهي من جهة تحمل التجربة الصادقة، ومن جهة أخرى تمارس مكرًا لغويًا لتفادي القمع أو الوصم.
ولسليمة شبيهات كثيرات فـي التراث، وإن كنّ مجهولات. فـي المرويات الشفهية للنساء البدويات فـي نجد والحجاز، نجد قصائد تُنسب إلى نساء مجهولات الأسماء، يعبّرن فـيها عن حب لحبيب غائب، أو حنين لرجل لم يكن زوجًا: «يا راكبٍ عقب المطر فـي ظلاله سلّم على اللي ما نصيب فاله» فـي هذا البيت مثلًا، تتحدث المرأة إلى مسافر بعيد، وتستحضر ذكرى عاطفـية دون رابط شرعي. هذه القصائد لم تُستنكر شعبيًا كما قد يُتوقع، بل تداولتها المجالس، ما يعني أن المجتمع، رغم صرامته الظاهرة، كان يملك فضاءً «رماديًا» يسمح فـيه للمرأة أن تبوح، إذا كان البوح مغلفًا بالشعر.
وفـي الثقافة اليونانية القديمة، تقدم لنا سافو، الشاعرة من جزيرة لسبوس، مثالًا مشابهًا. فقد كتبت عن حب النساء، وعن الشغف الصريح، دون أن يكون لذلك إطار اجتماعي مألوف. وعلى الرغم من مرور قرون، لم يُعرف على وجه الدقة هل كانت علاقاتها حقيقية أم خيالية، لكن المهم أن صوتها الشعري نجا، وشكّل فـي ذاته اعترافًا بالحساسية الأنثوية المستقلة.
فـي الحالتين ــ سافو وسليمة ــ نجد أن الأسطورة تقوم بدور الحافظة، حينما تعجز الكتابة الرسمية عن الاحتفاظ بالسيرة الكاملة. فالغموض الذي يلف حياة سليمة، والتضارب فـي الروايات، ليس عيبًا فـي التوثيق بقدر ما هو جزء من آلية الحفظ الشفهي، حيث يُعاد إنتاج الشاعرة بما يتناسب مع حاجات الجماعة، وتصوراتها عن «المرأة الحرة»، ولو فـي ظل الغياب التاريخي.
ومن هنا، فإن العلاقة بين سليمة وصاحبها ــ التي وُصفت بـ«المساكنة» ــ يمكن أن تُقرأ بوصفها إعادة تمثيل شعري لمطلب الحب غير المشروط، وغير المؤطر بسلطة المجتمع، وهو ما يجعل هذا الأدب مهمًا فـي كشف الهامش، لا بوصفه انحرافًا، بل بوصفه بُعدًا آخر فـي فهم الذات والحرية والعاطفة لدى المرأة.
إن أدب النساء المهمشات لا ينتمي فقط إلى الظل، بل ينتمي إلى المسكوت عنه، إلى ما يُقال همسًا ويُردد سرًا، لكنه ينجو دائمًا بالشعر. وهذا ما يجعل دراسة شعر سليمة بنت غفـيل وسيرتها (أو أسطورتها) أكثر من مجرد بحث أدبي، بل هو كشف لطبقات كامنة فـي التاريخ العاطفـي للمرأة العربية، حيث الحكاية لا تنفصل عن القصيدة، والقصيدة لا تنفصل عن الجرح.
فـي النهاية، يهمنا أن نُعيد التفكير فـي مفهوم «المهمّش»، لا كشيء ثانوي أو زائد، بل كنافذة أخرى على الحقيقة، وعلى ما لم يشأ المجتمع أن يسمعه، لكنه تسلل إليه من خلال بيتٍ شعري، أو نغمةٍ حزينة، أو امرأة مثل سليمة، لم يُعرف عنها شيء ــ إلا أنها قالت: أنا أحببته ــ وسكنت معه.