سلفيون وعلمانيون ويساريون: انشغال بالقضايا الثانوية على حساب الأولويات الكبرى
تاريخ النشر: 10th, January 2025 GMT
إن التأمل في مسار قوى اليسار في الغرب وبعض التيارات السلفية وحتى الليبرالية في الشرق يكشف عن تشابه لافت في كيفية إدارة معاركهما الفكرية والسياسية والاجتماعية. وعلى الرغم من التباين الجذري في المرجعيات الأيديولوجية والدينية، إلا أن كلا منها أظهر ميلا نحو التركيز على قضايا يمكن وصفها بالثانوية، متجاهلا القضايا الأكثر أهمية التي تمسّ جوهر العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية والحقوق الأساسية.
اليسار في الغرب: من العدالة الاجتماعية إلى قضايا الهوية
لطالما كان اليسار الغربي في طليعة القوى الداعية للعدالة الاجتماعية والمساواة، حيث ركّز جهوده سابقا على تحسين ظروف العمل، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة، وتقليل الفجوة الاقتصادية بين الطبقات. مع مرور الوقت، تغيّرت الأولويات، وانتقل التركيز تدريجيا إلى قضايا رمزية أقل أهمية مقارنة بالتحديات الأساسية التي تواجه المجتمعات.
الانشغال بالقضايا الثانوية أدّى إلى تجاهل القضايا الملحة، مثل التغوّل الصهيوني في الأراضي السورية، واستمرار الإبادة في غزة، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. كما أسهم في إضعاف الخطاب السياسي، حيث يتم التركيز على قضايا جدلية تثير الانقسامات بدلا من توحيد الجهود لمعالجة التحدّيات المشتركة، مما أدى إلى تأخير الاستقرار والتنمية وصرف الانتباه عن القضايا الأساسية التي تحتاج حلولا عاجلة
على سبيل المثال، انشغل اليسار بقضايا مثل تحقيق المساواة التامة بين الجنسين في الأجور، دون مراعاة الاختلافات البيولوجية أو طبيعة بعض المهن. كما دفع نحو السماح باختلاط الجنسين في الرياضات التنافسية تحت شعار المساواة، متجاهلا الفروق البيولوجية التي قد تجعل التنافس غير عادل في بعض السياقات.
إن تحوّل اهتمام اليسار إلى قضايا مثل الإجهاض، والبيئة، والهويات الجنسية، والانشغال بها بشكل حصري، صرف انتباهه عن مواجهة تحديات أكثر جوهرية، مثل تزايد الفقر، وتراجع الحريات السياسية والاقتصادية، وتعاظم نفوذ رأس المال وأصحاب الثروات الهائلة. في هذه الأثناء، كان اليمين السياسي يوسع نفوذه بهدوء، متغلغلا في مفاصل الدولة ومسيطرا على الاقتصاد، والسياسة العامة، وسائل الإعلام، وحتى القضاء، بينما انشغل اليسار بمعارك رمزية لم تغيّر واقع الطبقات المهمّشة، والأسوأ أنه لم يكن يكاد يفرغ من معركة ثانوية حتى يدخل في أخرى.
التيارات السلفية: التركيز على المظاهر وتجاهل القضايا الملحة
بعد الربيع العربي عام 2011، انصرفت بعض التيارات السلفية إلى قضايا تتعلق ببعض المظاهر الدينية، مثل رفع الأذان داخل قبة البرلمان، وتقصير الثوب، واستخدام السواك، وعدم مصافحة النساء. أصبحت هذه المظاهر معيارا لتقييم المسؤولين، بغض النظر عن أدائهم في معالجة القضايا الوطنية الكبرى كالبطالة، الفساد، وتدهور الخدمات العامة.
القوى الليبرالية في الشرق: جدل المصافحة والحجاب وعمل المرأة
التركيز على هذه الأولويات سيُسهم في بناء مجتمعات أكثر استقرارا وعدالة، ولاحقا أكثر حرية وتعددية، ويعزّز من قدرة هذه التيارات والقوى على تحقيق طموحات وآمال الناس، ومن ثم كسب ثقتهم
في المقابل، انشغلت بعض القوى الليبرالية في الشرق بقضايا مثل جدل المصافحة بين الجنسين، والحجاب، وعمل المرأة. على سبيل المثال، أثار عدم مصافحة أحمد الشرع، قائد المرحلة الانتقالية في سوريا، لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، رغم أن هذا الموقف كان متفقا عليه مسبقا، ويمكن ترتيب ما يشبهه مستقبلا وفق البروتوكولات الدبلوماسية، لكنه في كل الأحوال ليس أكبر القضايا التي تستحق الاهتمام. هذا التركيز على قضايا رمزية يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من عدم الاستقرار، وتواجه تحديات اقتصادية حادة، حيث يكافح العديد من المواطنين لتأمين قوت يومهم.
النتائج والتداعيات: تجاهل القضايا الملحة وإضعاف الخطاب السياسي
هذا الانشغال بالقضايا الثانوية أدّى إلى تجاهل القضايا الملحة، مثل التغوّل الصهيوني في الأراضي السورية، واستمرار الإبادة في غزة، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية. كما أسهم في إضعاف الخطاب السياسي، حيث يتم التركيز على قضايا جدلية تثير الانقسامات بدلا من توحيد الجهود لمعالجة التحدّيات المشتركة، مما أدى إلى تأخير الاستقرار والتنمية وصرف الانتباه عن القضايا الأساسية التي تحتاج حلولا عاجلة.
دعوة لإعادة ترتيب الأولويات: نحو استقرار سياسي وتنمية اقتصادية
من الضروري أن تعيد هذه التيارات والقوى النظر في أولوياتها، وتوجيه جهودها نحو معالجة القضايا الجوهرية التي تمسّ حياة المواطنين، مثل تحقيق الاستقرار السياسي من خلال بناء مؤسسات قوية وشاملة، معالجة الأزمات الاقتصادية عبر تبنّي سياسات تنموية تسهم في تحسين مستوى المعيشة، ومواجهة التحديات الخارجية بالتصدي للاعتداءات والانتهاكات التي تمسّ سيادة الدول وحقوق الشعوب. إن التركيز على هذه الأولويات سيُسهم في بناء مجتمعات أكثر استقرارا وعدالة، ولاحقا أكثر حرية وتعددية، ويعزّز من قدرة هذه التيارات والقوى على تحقيق طموحات وآمال الناس، ومن ثم كسب ثقتهم.
instagram.com/adnan.hmidan
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليسار السلفية المجتمعات مجتمع علمانية يسار سلفية ايديولوجي سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضایا الملحة إلى قضایا
إقرأ أيضاً:
برلماني: قمة شرم الشيخ للسلام امتدادًا لدور مصر الريادي في دعم القضايا العربية
أشاد عمرو فهمي، عضو مجلس الشيوخ، بإعلان انعقاد قمة شرم الشيخ للسلام، اليوم الإثنين، برئاسة مشتركة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة، من بينها فرنسا، ألمانيا، المملكة المتحدة، الإمارات، قطر، الأردن، والسلطة الفلسطينية، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، مؤكداً أن هذه القمة تمثل نقطة تحول مهمة في مسار الجهود الدولية لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعكس المكانة المرموقة لمصر على الساحة الإقليمية والدولية باعتبارها صاحبة المبادرات الداعمة للسلام والاستقرار.
وقال فهمي في بيان اليوم، إن مصر تواصل دورها التاريخي كقوة داعمة للسلام، حيث تتحرك بدبلوماسية متوازنة تجمع بين التمسك بالثوابت الوطنية والإنسانية، والسعي الجاد لتحقيق الأمن الإقليمي، موضحاً أن اختيار مدينة شرم الشيخ لاستضافة القمة يؤكد أن مصر تظل منبرًا للحوار ومقرًا للسلام العالمي، مشيرًا إلى أن الرئيس السيسي يقود تحركًا حقيقيًا لإطلاق مرحلة جديدة من التفاهم الدولي تهدف إلى وقف نزيف الدم في غزة، وإعادة الإعمار، وإحياء عملية السلام العادل والشامل بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وأضاف عضو مجلس الشيوخ، أن القمة تأتي في توقيت دقيق يشهد تصاعدًا في معاناة المدنيين في قطاع غزة، مما يجعل التحرك المصري محوريًا في توحيد المواقف الدولية وخلق أرضية مشتركة لحل دائم للأزمة، مؤكداً أن الرئاسة المشتركة المصرية الأمريكية للقمة تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وتؤكد الثقة الدولية في القيادة المصرية وقدرتها على إدارة الملفات المعقدة بروح من المسؤولية والتوازن، بما يضمن مصالح الشعوب واستقرار المنطقة.
وأشار فهمي إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قرر إهداء الرئيس دونالد ترامب قلادة النيل، وهي أرفع وسام مصري، تقديرًا لإسهاماته البارزة في دعم جهود السلام، ونزع فتيل النزاعات، وآخرها دوره المحوري في وقف الحرب في غزة، ويعد هذا التكريم تقديرًا دوليًا للدبلوماسية التي تتبناها مصر، والتي تجمع بين المبادرة والتقدير المتبادل، في سبيل تحقيق الأمن والسلام العالمي.
واختتم النائب عمرو فهمي بيانه مؤكدًا أن قمة شرم الشيخ للسلام تأتي امتدادًا لدور مصر الريادي في دعم القضايا العربية والدفاع عن الحقوق الفلسطينية، مشددًا على أن الرئيس السيسي يقدم نموذجًا في القيادة الواعية التي تجمع بين الحكمة والحسم، مؤمنًا بأن السلام العادل هو الطريق الحقيقي لتحقيق التنمية والاستقرار لشعوب المنطقة، وأن مصر ستظل دائمًا صوت العقل والحكمة في عالم يموج بالتحديات.