جيروزاليم بوست: من بورقيبة إلى بن علي.. علاقات سرية بين تونس وإسرائيل وانتفاضة الأقصى أجهضت التطبيع
تاريخ النشر: 14th, January 2025 GMT
نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية مقالا مطوّلا عما قالت إنها تفاصيل تكشف طبيعة العلاقات السرية بين تونس وإسرائيل خلال فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وذلك بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لسقوط النظام وخلال فترة الاستقلال.
وقالت الصحيفة أن بن علي، الذي حكم تونس بقبضة حديدية لمدة 23 عاماً، اتبع سياسة مزدوجة تجاه إسرائيل: موقف علني معادٍ يتماشى مع المواقف العربية التقليدية، وعلاقات سرية هدفت إلى تحقيق مكاسب اقتصادية وتعزيز مكانة تونس الدولية.
وذكرت جيروزاليم بوست أنّه وخلافاً لدول أخرى في المنطقة، لم تقع تونس تحت تأثير حكومة إسلامية متطرفة وفق تعبيرها. إذ تُعتبر في الغرب دولة عربية معتدلة، تركز على القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية بدلاً من المعارك الأيديولوجية مع الغرب. ومنذ استقلالها عن فرنسا عام 1956، حافظت تونس على علاقاتها مع الولايات المتحدة، وفي القرن الحادي والعشرين، تحتفظ بروابط تجارية قوية مع الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا.
كما احتضنت تونس واحدة من أقدم الجاليات اليهودية المستمرة في العالم، حيث تسكن جزيرة جربة وتقول إن وجودها هناك بدأ منذ تدمير الهيكل الأول عام 586 قبل الميلاد. وأدى طرد اليهود من إسبانيا عام 1492 إلى موجة ثانية من الهجرة اليهودية إلى تونس، مما أدخل العادات السفاردية واللادينو إلى البلاد ورفع العدد الإجمالي لليهود بحلول أوائل الخمسينيات إلى 95,000.
خلال فترة الاستعمار الفرنسي، بين 1881 و1956، منح الفرنسيون الجنسية لأعضاء الجالية اليهودية، وبحلول وقت استقلال تونس، بلغ تعداد الجالية حوالي 105,000 شخص.
حدثت عدة موجات من الهجرة (وكذلك الهجرة إلى فرنسا)، وأبرزها بعد النكبة وقيام دولة إسرائيل عام 1948 وفي أعقاب حرب الخامس من حزيران عام 1967. أدت أعمال الشغب التي أعقبت احتلال إسرائيل للقدس الشرقية والضفة الغربية وغزة والجولان إلى مغادرة حوالي 40,000 يهودي تونس إلى الدولة العبرية بين عامي 1967 و1968. واليوم، يُقدر أن بضعة آلاف فقط من اليهود ما زالوا في البلاد.
معارضة تونس لإسرائيلقالت الصحيفة إنّ تونس التي تبعد عن إسرائيل أكثر من 2000 كم، كانت متجذرة باستمرار في حركة القومية العربية الأوسع، التي ظهرت خلال الحقبة الاستعمارية. وباعتبارها مستعمرة فرنسية سابقة، تزامنت فيها النزعة المناهضة للإمبريالية في تونس مع معارضة الصهيونية، التي اعتبرها أعداؤها مشروعاً استعمارياً في فلسطين. وترسخت هذه المشاعر خلال الحروب العربية الإسرائيلية في 1948 و1967 و1973، مما جعل تونس داعماً قوياً للقضية الفلسطينية.
وذكرت جيروزاليم بوست أيضا أنّ الحبيب بورقيبة، أول رئيس لتونس، الذي حكم من 1957 إلى 1987، تبنى نهجاً براغماتياً تجاه إسرائيل. وقد جرت اتصالات بين البلدين منذ عام 1956 عندما توجه التونسيون إلى المسؤولين الإسرائيليين في الأمم المتحدة لدعم طلب استقلالهم عن فرنسا. وفي خطاب ألقاه في أريحا عام 1965، اقترح بورقيبة بشكل مثير للجدل الاعتراف العربي بإسرائيل مقابل تنازلات إقليمية، تماشياً مع قرارات الأمم المتحدة.
وصرح بورقيبة: "إما سياسة 'الكل أو لا شيء'، فقد أدت بنا إلى الهزيمة في فلسطين وأوصلتنا إلى الوضع المحزن الذي نكافح معه اليوم."
هذا الموقف، رغم أنه جوبه بانتقادات واسعة في العالم العربي، عكس نهج تونس الأكثر اعتدالاً تجاه الصراع مع الدولة العبرية.
بدا أن هذا الموقف "المعتدل" قد تحول في عام 1982، عندما نقلت منظمة التحرير الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات و4,000 من المقاتلين، مقرها إلى تونس بعد الغزو الإسرائيلي للبنان بحجة محاربة المقاتلين الفلسطينيين. وعزز استضافة منظمة التحرير الفلسطينية مكانتها كداعم للمقاومة الفلسطينية.
أدى قصف مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس من قبل إسرائيل في عملية "الساق الخشبية" في أكتوبر 1985 إلى مقتل العشرات من الفلسطينيين والتونسيين، رغم نجاة عرفات. وفي عام 1988، نجحت عملية إسرائيلية ثانية في البلاد، بقيادة الموساد، في اغتيال خليل الوزير (أبو جهاد)، رئيس الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية آنذاك. هذه العمليات السرية، التي تمت دون علم التونسيين، أكدت الطبيعة المعقدة لموقف تونس من الفلسطينيين وعلاقاتها مع إسرائيل قبل صعود بن علي إلى السلطة.
وفي تصريحات خاصة للصحيفة، كشف يوسي بيلين، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، عن محادثات سرية جرت في بروكسل عقب توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993. وأشار بيلين إلى أن المسؤولين التونسيين أظهروا "إعجاباً خالصاً" بإسرائيل وكانوا "فخورين بالحديث عن الجالية اليهودية" في تونس.
وتُوجت هذه المحادثات بافتتاح مكاتب مصالح متبادلة في تونس وتل أبيب عام 1996، تحت مظلة السفارة البلجيكية، غير أن هذا التقارب لم يدم طويلاً، إذ أدى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 إلى تدهور العلاقات، ليتم إغلاق المكاتب نهائياً في 2002.
Relatedحكم قضائي جديد يدين عائلة بن علي في تونس: 20 عاماً سجناً ضد ليلى الطرابلسي وصخر الماطريالحكم غيابيًا بسجن الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي 8 سنوات بعد 22 عامًا في سجن غوانتانامو.. أمريكا تسلّم رضا اليزيدي إلى تونسوتقول الصحيفة إن المعارضة الشعبية القوية للتطبيع مع إسرائيل، إلى جانب ضغوط الدول العربية المجاورة، قيدت قدرة بن علي على متابعة العلاقات الدبلوماسية العلنية مع إسرائيل، وعاد الرئيس التونسي المخلوع إلى خطابه المعادي لإسرائيل علناً حتى سقوطه في يناير/كانون الثاني 2011 إثر احتجاجات شعبية أشعلت شرارة ما عُرف لاحقاً بالربيع العربي.
المصادر الإضافية • جيروزاليم بوست
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية تونس: المعارضة تحشد أنصارها للضغط على السلطة في ذكرى ثورة 14 يناير بزعم تراجع الحريات ناشطون يهاجمون مقر جامعة الدول العربية في تونس احتجاجا على موقفها من الحرب على فلسطين ولبنان قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون يواجه الهجرة غير الشرعية ويعزز التجارة عبر اتفاقيات جديدة إسرائيلتطبيع العلاقاتتونسالمصدر: euronews
كلمات دلالية: إسرائيل روسيا دونالد ترامب الشتاء الهند قطاع غزة إسرائيل روسيا دونالد ترامب الشتاء الهند قطاع غزة إسرائيل تطبيع العلاقات تونس إسرائيل روسيا الشتاء دونالد ترامب الهند قطاع غزة حركة حماس المملكة المتحدة اليابان الصين الحرب في أوكرانيا الهندوسية التحریر الفلسطینیة جیروزالیم بوست یعرض الآن Next فی تونس بن علی
إقرأ أيضاً:
السفير الأمريكي في إسرائيل ينتقد موقف فرنسا بشأن الدولة الفلسطينية ويعتبره تدخلا غير مقبول
شنّ السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، هجومًا حادًا على المسؤولين الفرنسيين، على خلفية دعوتهم المتكررة لدعم إقامة دولة فلسطينية، معتبرًا أن باريس “ليس لها الحق في مثل هذه الدعوات”.
وقال هاكابي في مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، إن التصريحات الفرنسية "غير مناسبة"، خصوصًا "في وقت الحرب"، منتقدًا بشدة تدخل الدول الأوروبية في الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، ومضيفًا: "ليس من حق أحد أن يملي على إسرائيل كيف تدير شؤونها، خاصة حين تكون في حالة قتال".
تصريح مثير للجدلتصريح هاكابي، الذي حمل طابعًا تهكميًا، أثار جدلًا في الأوساط السياسية والإعلامية، واعتُبر بمثابة تعبير واضح عن الموقف الأمريكي الرافض للضغوط الدولية المتزايدة من أجل الدفع نحو حل الدولتين، في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة.
ورغم نبرته الناقدة لفرنسا، لم يُنكر هاكابي ضمنيًا أن الولايات المتحدة تعمل بطريقتها الخاصة من أجل التوصل إلى تسوية تشمل إقامة دولة فلسطينية، لكنه لم يُفصح عن تفاصيل الدور الأمريكي بهذا الشأن.
في المقابل، واصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توجيه انتقادات لاذعة لإسرائيل، محذرًا من أن بلاده "ستُضطر إلى تشديد موقفها وتطبيق عقوبات"، إذا لم تتحرك تل أبيب بشكل فوري لمعالجة الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.
وخلال مؤتمر صحفي عقده في سنغافورة، تحدّث ماكرون عن زيارته الأخيرة إلى مصر، وتحديدًا إلى معبر رفح، حيث أشار إلى أنه رأى معاناة الجرحى في المستشفيات المصرية، وتابع: "شاهدتُ بأم عيني كيف تُمنع المساعدات الإنسانية من دخول غزة، رغم قدومها من كل أنحاء العالم، بسبب الجيش الإسرائيلي".
وفي تطور لافت، أعلن ماكرون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يعد مجرد التزام أخلاقي، بل بات ضرورة سياسية أيضًا، في إشارة واضحة إلى أن بلاده قد تنضم إلى قائمة الدول الأوروبية التي تدرس خطوات أحادية للاعتراف بفلسطين، في ظل ما وصفه بـ"الجمود السياسي والتصعيد العسكري غير المقبول".
وتأتي هذه التصريحات في وقت يتزايد فيه الضغط الأوروبي والدولي على حكومة بنيامين نتنياهو، بالتزامن مع تفاقم الأوضاع الميدانية والإنسانية في غزة، وارتفاع الأصوات المنادية بوقف الحرب، والعودة إلى مفاوضات سياسية جادة تفضي إلى حل الدولتين وإنهاء الاحتلال.