كيف فشلت إسرائيل في التصدي للطوفان؟.. قراءة في كتاب
تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT
الكتاب: الإخفاق الاستخباراتي والعسكري والسياسي الإسرائيلي في 7 أكتوبر، دراسات وتحليلات لخبراء وباحثين إسرائيليين
إعداد: رندة حيدر
الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية
أحدث هجوم السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) صدمة كبيرة في إسرائيل على جميع المستويات الشعبية والرسمية، قد تستمر تداعياتها لسنوات طويلة مقبلة.
بحسب ما جاء في مقدمة الكتاب يقول فادي نحاس، الباحث في شؤون الجيش والأمن القومي الإسرائيلي، أنه يمكن تلخيص النقاط الرئيسية والمشتركة للإخفاق الاستخباراتي في ثلاث جوانب أساسية هي فشل التقديرات الاستخباراتية، التي قللت من أهمية التهديدات العينية، واطمأنت إلى تقديرات مفادها أن "حماس" مردوعة. والتركيز على المهمات الدفاعية، وإخفاق أجهزة الاستخبارات في توقع الهجوم، فضلا عن ضعف التنسيق بينها.
إن الخطر القادم من الحدود والضفة لم يكن مهما بالنسبة لنتنياهو، لقد ركز على تحطيم الديمقراطية الإسرائيلية، ومأسسة مكانته كحاكم أعلى، وتحويل الموارد إلى الحريديم والمستوطناتأما على صعيد سياسي فقد عكست المقالات نزعة إلى تحميل القيادة السياسية المسؤولية الرئيسية عن الإخفاق، وركزت على تجاهلها للتحذيرات الاستخباراتية، وفشلها في اتخاذ إجراءات وقائية كافية. وفيما يتعلق بالإخفاق التكنولوجي تناولت المقالات فشل منظومة "العائق" الحدودي، وضعف وسائل المراقبة والإنذار، منتقدة الاعتماد المفرط على الوسائل التكنولوجية، والتركيز على "الأمن السائد بلا جنود" بدلا من الاعتماد على القوات البشرية. ويلفت نحاس إلى أن هؤلاء المحللين والكتاب حاولوا في الوقت نفسه التقليل من دور وقدرات حماس، ولم تناقش مقالاتهم الأداء العسكري للحركة، كما أنهم لم يشيروا إلى عنصر أساسي في فشل التقديرات الاستخباراتية والاستراتيجية الإسرائيلية، وهو تجاهل وجهة نظر الفلسطينيين، فالمقالات "لا تتعمق في فهم الدوافع والظروف الفلسطينية بصورة شاملة، بل هناك تركيز على الأحداث المباشرة..".
الشاباك أصيب بالعمى
يقول المحلل العسكري رونين برغمان أنه بحسب مصدران في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، تحدثا إلى صحيفة "نيويورك تايمز"، لاحظت الاستخبارات التحضير لشيء استثنائي، قبل وقت قصير من شن حماس لهجومها، ووجها تحذيرات إلى المقاتلين على الحدود مع غزة، لكن هذا لم يؤد إلى أي إجراء.. وبعد ذلك أرسلت حماس مسيّرات أوقفت عمل جزء من شبكة الاتصالات الخليوية وأبراج التنصت على الحدود، وعطّلت منظومة "يرى ـ يطلق النار" التي تفعلها وحدات الرصد عن بعد. لقد اعتقد المسؤولون في الجيش أن الدمج بين منظومة المراقبة عن بعد، والجدار الصلب والحاجز تحت الأرض لمنع الأنفاق التي تمر تحت الجدار، سيجعل اختراق الحدود غير ممكن، ويقلل الحاجة إلى عدد كبير من الجنود الموجودين في القواعد.
فضلا عن ذلك فقد صدق الإسرائيليون مسؤولي "حماس" عندما قالوا في شبكات الاتصالات الداخلية، التي تعلم الحركة أن الإسرائيليين يتنصتون عليها، إنهم لا ينوون خوض معركة. حتى أن رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي قال في مقابلة قبل الهجوم ب 6 أيام إن "حماس اتخذت قرارا بضبط النفس بصورة غير مسبوقة.. إنها مرتدعة جدا ل 15 عاما على الأقل".
ومن جهته يلفت المحلل السياسي أفنر برنياع إلى إنه استنادا إلى الكثير من المعلومات المنشورة، يتبين أن حماس كان لديها معلومات استخباراتية جيدة عن استعدادات الجيش الإسرائيلي، في الوقت الذي أصيب فيه جهاز الشاباك " بالعمى"، ولم يشاهد ما يجري في القطاع، وخصوصا بسبب النقص في المصادر البشرية وسط متخذي القرارات في حماس، وأيضا في الدرجات الأدنى في الحركة.
وثائق تحذيرية مهملة
يوضح المحلل العسكري إيتاي إليناي أنه في مطلع العقد الماضي أوقفت شعبة الاستخبارات العسكرية تشغيل عملاء في قطاع غزة، وأصبحت هذه المهمة موكلة إلى جهاز الشاباك وحده. وبناء على محادثات أجريت مع مسؤولين سابقين وحاليين في الشعبة، فقد تكشّف أثر نقص الاستخبارات البشرية لدى الشعبة، إذ تحوّلت إلى شعبة عمياء وصماء إزاء ما يحدث تحت ناظريها.
وبحسب مصدر سابق مسؤول عن الساحة الفلسطينية فإن هناك "تدهورا جنونيا في المنظومة حيال كل ما يتعلق بمعرفة دواخل العدو وخصوصا من ناحية اتقان اللغة العربية وفهم الثقافة العربية". بينما صرح مصدر آخر إلى أن هذه الشعبة تفتقد إلى التنوع، فالعاملين فيها "عصريون وغربيون، يرغب الكثير منهم إلى الانتقال إلى صناعة الهاي-تك، بعد تمضية فترة تجنيدهم في الشعبة. لا يوجد هناك أي درزي أو بدوي، أو آخرون من تنوعات المجتمع اليهودي.. لذلك يصعب عليهم أدراك أن العدو يفكر بصورة مختلفة عنا" ومثال ذلك هو المفهوم الرائج بينهم من الناحية الاقتصادية وهو أن "حماس لا ترغب سوى في المزيد من الراحة والمال.. وأن حماس آخذة في التجذر داخل الحكم، وبدأت بإدمان مزاياها الاقتصادية.. فجرى إغفال الدافع الأيديولوجي للقيام بعمل حربي".
يشير إليناي إلى وثائق "إيفخا مستبرا" التي يصدرها قسم الرقابة في الشعبة عدة مرات سنويا، الذي يتلخص دوره في نقض التصورات السائدة باستخدام مواد استخباراتية، ويذكر أن إحدى هذه الوثائق الصادرة في العام 2017 أشارت إلى إمكان أن تشن حماس هجوما كبيرا، لكن شعبة الاستخبارات تعاملت مع هذه الوثيقة كما الوثائق الأخرى في سنوات تالية "بقليل من الثقة". "وكان التصور السائد في القسم أن حماس حتى لو كان لديها مخططات فإنها غير ناضجة، أو عازمة على تنفيذها".
يقول إليناي إن رئيس شعبة الاستخبارات الجنرال أهارون حليفا قام بزيارة تفقدية إلى الجنوب قبل أربعة أيام فقط من هجوم حماس، وكرر في كلمته أنه مقتنع بأن حماس مردوعة، وبعد هذه الزيارة ذهب إلى إيلات في عطلة خاصة قبل الهجوم ب24 ساعة. وعندما بدأت الأخبار تتوالى بشأن نشاط مشبوه في غزة، تلقى حليفا تقريرا بهذا الخصوص، لكنه لم يقطع إجازته، ولم يشارك في الاجتماعات الهاتفية الليلية التي جرت بين رئيس هيئة الأركان ورئيس الشاباك وقائد المنطقة الجنوبية، والتي توصل المشاركون فيها إلى أن الحركة لا تخطط لعملية هجومية، بل خطوة محدودة الأثر.
ويضيف إليناي: "إزاء كل ما يتعلق بحماس، اتسقت الصورة الاستخباراتية التي عرضها الرجل(حليفا) تماما مع مصالح المستوى السياسي، وعلى رأسه نتنياهو، الذي فضل تمكين حكم حماس في القطاع لأسباب عديدة، بينها إضعاف مكانة السلطة، وبالتالي تلافي أي خطوات سياسية معها".
عاصفة مثالية
يصف رئيس تحرير صحيفة "هآرتس"، ألوف بن، الوثائق التحذيرية التي أرسلها رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، الجنرال تامير ساعر، إلى نتنياهو في شهري مارس ويوليو، بأنها الدليل الأكثر حسما على مسؤولية رئيس الحكومة عن "الكارثة" التي ضربت إسرائيل في السابع من أكتوبر. ويقول أن ساعر حذر نتنياهو من أن "أعداء إسرائيل ـ إيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ـ يشخصون ضعفا إسرائيليا وضررا في الردع، وذلك بسبب الأزمة الداخلية (الأزمة القضائية) التي تتعمق أكثر. لذلك هناك احتمال كبير لهبوب عاصفة مثالية وتصعيد أمني". لكن نتنياهو تجاهل التحذيرات وانشغل بتصفية حساباته مع يوآف غالانت لأنه تحدث عن هذه التحذيرات علنا.
في مطلع العقد الماضي أوقفت شعبة الاستخبارات العسكرية تشغيل عملاء في قطاع غزة، وأصبحت هذه المهمة موكلة إلى جهاز الشاباك وحده. وبناء على محادثات أجريت مع مسؤولين سابقين وحاليين في الشعبة، فقد تكشّف أثر نقص الاستخبارات البشرية لدى الشعبة، إذ تحوّلت إلى شعبة عمياء وصماء إزاء ما يحدث تحت ناظريها.يقول ألوف بن "إن الخطر القادم من الحدود والضفة لم يكن مهما بالنسبة لنتنياهو، لقد ركز على تحطيم الديمقراطية الإسرائيلية، ومأسسة مكانته كحاكم أعلى، وتحويل الموارد إلى الحريديم والمستوطنات". بل إنه أنكر تلقيه تحذيرات من شعبة الاستخبارات العسكرية والشاباك. والغريب أن محضر اجتماع عقدته لجنة رقابة الدولة في الكنيست في مارس 2017 يظهر أن نتنياهو قدم وصفا لهجوم تخطط له حماس من قطاع غزة، كان مطابقا تقريبا لهجوم طوفان الأقصى، غير أن رئيس الحكومة الإسرائيلية أكد في الاجتماع أن سياسات حكومته ردعت الحركة.
من جهة أخرى يرى ألوف بن أن شعبة الاستخبارات العسكرية لم تلتفت إلى الاستفزازات التي تقوم بها حكومة اليمين حيال الفلسطينيين، من توسيع للمستوطنات، والمقاطعة السياسية للسلطة الفلسطينية، وارتفاع أعداد اليهود الذين يقتحمون حرم المسجد الأقصى " الذي يشكل مبررا للعنف الفلسطيني منذ مئة عام.. وليس اعتباطا أن تمت تسمية الحملة التي شنتها حماس طوفان الأقصى". ويعتقد ألوف بن أن قمة هذا الاستفزاز كانت عندما أعلن نتنياهو نيته التوصل إلى سلام مع السعودية من دون مفاوضات مع الفلسطينيين.
وأهم من ذلك أن هناك "أزمة" في الرؤية الاستراتيجية لدى شعبة الاستخبارات، بحسب ما يقول ألوف بن، ذلك أنها ركزت على "الأعداء الأقوياء" (إيران وحزب الله) وتعاملت مع الفلسطينيين في الضفة وغزة باعتبارهم يشكلون خطرا أقل. متجاهلة حقيقة أن الفلسطينيين لديهم ميول أكبر إلى المخاطرة، وشرعية أكبر داخليا ودوليا، لضرب إسرائيل، مما لدى إيران أو لبنان.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب الفلسطينيين غزة فلسطين مقاومة غزة كتاب طوفان الاقصي كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شعبة الاستخبارات العسکریة فی الشعبة أن حماس
إقرأ أيضاً:
مقامرة نتنياهو الأخيرة في غزة لإنقاذ ائتلافه
في ظل حكومة أقلية لا تملك سوى 50 مقعدا بعد انسحاب الأحزاب الحريدية منها، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديدا غير مسبوق: ضمّ أجزاء من قطاع غزة تدريجيا، إذا لم توافق حركة حماس على اتفاق لوقف إطلاق النار خلال أيام معدودة.
وتأتي هذه التهديدات بينما يواجه نتنياهو ضغوطا داخلية غير مسبوقة تهدد بانهيار آخر أعمدة ائتلافه، وسط تصاعد الخلافات داخل حكومته حول إدخال المساعدات إلى قطاع غزة.
وقد وصفت صحيفة هآرتس هذا القرار الذي طرحه نتنياهو -المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة في غزة- بأنه لا يبدو مستندا إلى دوافع أمنية أو إستراتيجية بقدر ما هو محاولة مكشوفة لاسترضاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ومنع انهيار الائتلاف الحكومي الهش.
أبلغ نتنياهو وزراءه في المجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، يوم الاثنين 28 يوليو/تموز، بخطة تقضي بمنح حماس مهلة قصيرة للموافقة على وقف إطلاق النار، وإن لم تستجب ستباشر إسرائيل تنفيذ خطة ضم تدريجي لأراضٍ من قطاع غزة، تبدأ بالمناطق العازلة، ثم تمتد شمالا، وصولا إلى ضم كامل للقطاع.
ووفقا للقناة 12 الإسرائيلية، فإن الوزير للشؤون الإستراتيجية رون ديرمر عرض الخطة على وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وقد لاقت -وفقا لنتنياهو- دعما من البيت الأبيض. أما الرئيس دونالد ترامب، الذي كان في زيارة إلى أسكتلندا آنذاك، فلم يحضر الاجتماع الذي بحث فيه الموضوع.
ويبدو أن نتنياهو الذي لم يكن يوما متحمسا لخطط الضم حتى خلال ولايته السابقة -بحسب وصف هارتس- بات اليوم مستعدا لاستخدامها كورقة مساومة مع شركائه في الحكومة، خصوصا "بعد إعلان إدخال المزيد من المساعدات لغزة"، وهي خطوة أثارت غضب حزب "الصهيونية الدينية" الذي يتزعمه سموتريتش.
ووصف الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة مقترح ضم أجزاء من قطاع غزة بأنه ليس خطة أمنية مدروسة، بل ورقة مقامرة سياسية في يد رئيس وزراء بات رهينة ابتزاز شركائه اليمينيين المتطرفين، خاصة سموتريتش وبن غفير.
إعلانومن ثم فإن "الضم" المقترح -سواء أكان عبر خطوات تدريجية أو إعلانات رمزية- لا يمكن قراءته إلا في إطار سعي نتنياهو لتقديم "تعويض" لحلفائه يوازي فشلهم في تحقيق الحسم العسكري في غزة، ويُقايضهم به على حساب مسار المفاوضات"، وفقا لعفيفة.
من جانبه، يرى الباحث المتخصص في الشأن الإسرائيلي فراس ياغي أن خطوة الضم ليست مجرد أداة تهديد أو وسيلة ضغط على المقاومة، ويؤكد أن تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي "لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تفعيلا لمفاهيم إستراتيجية متفق عليها بين إدارة البيت الأبيض ونتنياهو".
واعتبر أن قطاع غزة لا يمكن فصله عن مجمل المشهد الإقليمي. فثمة، بحسب ياغي، قرار إستراتيجي لدى واشنطن ولدى "الصهيونية العالمية" التي يمثّلها نتنياهو بضرورة الحسم في الإقليم ككل، وليس فقط في ما يتعلق بالملف الفلسطيني.
وأضاف ياغي أن الحسم هنا يقع بين خيارين؛ فإما أن يكون هناك خضوع كامل للشروط الإسرائيلية ضمن مفهوم ضم جزئي وتهجير جزئي، ونفوذ كامل وحركة كاملة للجيش الإسرائيلي، بحيث يكون هناك إشراف أمني واستنساخ لما يحدث من التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في الضفة الغربية.
وفي حال لم يتم الخضوع الكلي للشروط الإسرئيلية، فالجميع أمام خيار آخر وهو خيار التقسيم على أسس إثنية وطائفية، ينتج عنه رسم جغرافيا جديدة تقوم على دويلات أو إمارات أو كانتونات داخل دول قائمة، تحظى بحماية أمنية إسرائيلية مباشرة، بحسب ياغي.
أداة ابتزاز ومساومةوفي رسالة داخلية بعث بها سموتريتش لأعضاء حزبه، قال: "نحن نقود خطوة إستراتيجية جيدة لا ينبغي الخوض في تفاصيلها حاليا، وخلال وقت قصير سنعرف إذا كانت ستنجح وإلى أين نتجه".
وبحسب مصادر سياسية مطلعة، نقلت هآرتس أن سموتريتش أبلغ نتنياهو صراحة بأنه "سيحكم على الأمور من خلال الأفعال"، وإذا نُفذت الخطة -التي وصفها بالإستراتيجية- بالفعل، فإنه "سيبقى في الحكومة في الوقت الراهن".
ويُفسر هذا التحول في خطاب سموتريتش، الذي هدد مرارا بالانسحاب من الحكومة إن استمر إدخال المساعدات من دون "حسم عسكري"، بأنه اختبار لولاء نتنياهو وفرصة أخيرة يتيحها له من أجل إرضاء قواعد اليمين المتطرف، في ظل سقوطه في الغالبية العظمى من استطلاعات الرأي التي أجريت في الحرب.
وصرح رئيس حزب "عوتسما يهدوت" إيتمار بن غفير "نحن بحاجة إلى احتلال كامل لقطاع غزة، وتشجيع الهجرة، وسحق حماس، ليس عن طريق صفقات استسلام، ولا صفقات تعيدنا إلى الوراء، بل فقط عن طريق النصر والاحتلال وتشجيع الهجرة".
وفي السياق ذاته، وجه عدد من الوزراء وأعضاء الكنيست من حزب الليكود، بالإضافة إلى جميع أعضاء حزب "عوتسما يهوديت"، نداء مشتركا لوزير الدفاع يسرائيل كاتس للسماح لهم بزيارة استكشافية على الحدود الشمالية لقطاع غزة.
وجاء في البيان: "قطاع غزة لم يعد منطقة جغرافية، بل هو القلب النابض لأرض إسرائيل.. وعودة الشعب اليهودي إلى هذه الأماكن ليست مجرد خطوة إستراتيجية، بل هي عودة إلى صهيون بالمعنى الأعمق والأكثر عملية".
كما دعا عضو الكنيست أميت هاليفي -من الليكود- إلى سيطرة إسرائيلية على غزة في حوار على إذاعة "103 FM" قائلا: "إذا سيطرتم على المنطقة، فلن يسيطر عليها أحد غيركم، وهل يُمكننا أن نحتل غزة؟ غزة تابعة لإسرائيل تماما كما أن تل أبيب تابعة لإسرائيل، بالقدر نفسه".
إعلانودعا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، أمس الأربعاء، إلى احتلال قطاع غزة بالكامل والتخلي عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في القطاع، مثيرا ردودا غاضبة من عائلات المحتجزين وقادة معارضين.
ونقلت صحيفة هآرتس عن وزير في الحكومة الإسرائيلية قوله إن فكرة ضم أراضٍ من قطاع غزة "ليست مطروحة على جدول الأعمال"، بينما عبّر مسؤول بارز آخر في الائتلاف عن تشككه قائلا: "أجد صعوبة في تصوّر حدوث ذلك، فالحكومة تحاول فقط تهديد حماس من خلال اللعب في أكثر المناطق حساسية، باستخدام ورقة الأراضي".
وفي السياق ذاته، انتقد الكاتب المتخصص في الشؤون الأمنية بصحيفة يديعوت أحرونوت، آفي يسسخاروف، هذا التهديد بشدة، واصفا إياه بأنه "واحد من أغبى التهديدات الفارغة التي سمعتها".
وأضاف "قولوا ببساطة إنكم تريدون بناء مستوطنات وانتهينا، لكن وفّروا علينا هذا الهراء. لا أحد في حماس سيتنازل بسبب هذا التهديد، والعالم سيسحقنا بسببه".
بعيدا عن الحسابات الداخلية، فإن مجرّد التلويح بضم أراضٍ من غزة، في وقت تعاني فيه هذه المنطقة من حصار منذ 20 عاما ومن حرب إبادة اقتربت من العامين مع مجاعة غير مسبوقة وتحت وابل القصف، يكشف عن تحوّل خطير في عقلية صناع القرار الإسرائيلي.
فبعد أشهر من الترويج لخطط "تدمير حماس"، تتحول الحرب إلى صراع على الأرض نفسها، لا على التهديدات الأمنية فقط.
ويرى المراقبون أنه لا يبدو أن مثل هذه الخطط ستؤدي إلى تحقيق أهداف إسرائيل، إذ إن السيطرة على أراضٍ مأهولة وسط الدمار والمقاومة المستمرة لن تكون إلا مكلفة عسكريا وسياسيا. كما أن مجرد الإعلان عن خطة الضم، حتى لو لم تُنفذ، يعطي حماس ورقة جديدة في المعركة الدبلوماسية أمام العالم.
واعتبر عفيفة خطة الضم في جوهرها إعلان هروب للأمام وفشل في تحقيق أهداف الحرب، لا سيما إسقاط حكم حماس أو استعادة الأسرى أو السيطرة الميدانية.
وأضاف أن حماس يمكنها -إن أحسنت التعامل- أن تُحوّل هذا التهديد إلى منصة دولية لفضح المشروع الاستعماري الإسرائيلي، ووسيلة لحشد دعم سياسي وشعبي واسع يضع الاحتلال في موقع المدان لا صاحب المبادرة.
ويعتقد المتخصص ياغي أن إسرائيل ذهبت باتجاه المخطط الذي وضعه نتنياهو والذي يهدف إلى الحصول على الأسرى عبر الخداع والتضليل بمفاهيم الصفقات الجزئية والمحافظة على حالة الحرب، والكل يتحدث عن بقائه السياسي وائتلافه الحاكم في حين ينفَّذ مخطط متفق فيه مع الأميركيين يشمل المنطقة ككل ضمن تغيير جيوسياسي شامل في داخل المنطقة.
وأضاف أن الهدف لم يكن قط هو القضاء على المقاومة في غزة بقدر ما كان الهدف هو السيطرة على قطاع غزة ككل، وبالتالي العمل في داخل القطاع وفق الرؤية الأميركية والإسرائيلية وحتى لو وافقت المقاومة ونزعت سلاحها وتم إبعاد قيادتها من غزة سيقومون بالسيطرة على جزء من قطاع غزة.
فإسرائيل، وفقا لياغي، تعمل على مفهوم الجغرافيا والديمغرافيا؛ فهي تريد تقليص مساحة القطاع إلى مساحة صغيرة، وما الخرائط التي قدمت للمفاوضات بإبقاء السيطرة على 40% من مساحة القطاع بأيدي الجيش الإسرائيلي إلا دليل على ذلك، إضافة إلى تغيير ديمغرافي ضمن مخطط لتهجير نحو نصف سكان القطاع.
ويشكك المراسل السياسي للقناة 12 عميت سيجال بقرار الضم ويعتبر الأهمية القانونية للضم دراماتيكية، وقال: "إذا قررت الحكومة ضم أراضٍ، حتى لو كانت صغيرة جدا، فلن يكون من الممكن التراجع عن هذه الخطوة من دون موافقة 80 عضوا في الكنيست أو استفتاء، وفقا لقانون صدر عام 2014".
ولم يُجر استفتاء قط في إسرائيل، لذلك ينتظر نتنياهو على أمل التوصل إلى اتفاق قبل أن يُجبر على اتخاذ قرار بشأن خطوة يكاد يكون من المستحيل التراجع عنها، وستكون لها آثارٌ وخيمة على علاقات إسرائيل مع حكومات أخرى في العالم.
ولكن التهديد بضم أراض من غزة يعيد إلى الأذهان محاولات إسرائيل ضم مناطق من الضفة الغربية في سنوات سابقة، لكنه في حالة غزة يبدو أكثر تعقيدا. فغزة، التي انسحبت منها إسرائيل بشكل أحادي عام 2005، لا تضم مستوطنات، ولا توجد فيها إدارة مدنية تابعة للحكومة الإسرئيلية، وهو ما يجعل أي خطوة ضم فيها سابقة قانونية دولية خطيرة.
إعلانوتأتي مقترحات الضم في ظل إعراب 9 دول -لم تُعلن بعد اعترافها بدولة فلسطين- عن عزمها الاعتراف قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون بشكل منفصل نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سبتمبر/أيلول القادم.
وفي بيان صدر مساء الثلاثاء 29 يوليو/تموز، نيابة عن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، جاء أنه أبلغ حكومته أن المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطينية في سبتمبر/أيلول، حتى قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما لم تتخذ الحكومة الإسرائيلية خطوات مهمة لإنهاء "الوضع المروع في غزة".
وقانونيا، أشار الباحث عفيفة إلى أن أي خطوة إسرائيلية لضم أراضٍ من قطاع غزة -سواء بشكل مباشر أو من خلال فرض "سيادة رمزية"- تُعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
فرغم انسحابها الأحادي من القطاع عام 2005، لا تزال إسرائيل تفرض سيطرتها على حدوده والمجال البحري والجوي، مما يُبقي غزة مصنفة قانونيا كأراضٍ محتلة. ومن ثم فإن أي إعلان بالضم لا يُغيّر من هذا الوضع القانوني، بل يضيف انتهاكا جديدا.
واعتبر ياغي أن خطط الضم الإسرائيلية لا تستند إلى أي أساس قانوني، سواء أكان محليا أو إقليميا أو دوليا، ومخالفة لكل القوانين الدولية، باعتبار أن هناك قرارا واضحا من محكمة العدل الدولية في لاهاي نصّ على أن الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية هي أراضٍ محتلة، وعلى الأمم المتحدة أن تعمل لإنهاء هذا الاحتلال وحددت سنة لتنفيذ القرار الذي لم يطبق بسبب موازين القوة الراجحة لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة.
وشدد ياغي على أن نتنياهو سيمضي في تنفيذ خطة الضم ما دام هناك ضوء أخضر أميركي كامل وصمت عربي رسمي، ما لم تبادر بعض الدول العربية والإسلامية إلى ممارسة ضغوط حقيقية على واشنطن، والتعامل مع أي خطوة من هذا النوع ليس فقط بوصفها جريمة حرب، بل كإعلان حرب على المنطقة بأسرها، الأمر الذي يستدعي اتخاذ إجراءات حاسمة في العلاقة مع الولايات المتحدة ومع كل من يدعم إسرائيل.
وفي سياق متصل، ترى الكاتبة رافيت هيخت في صحيفة هآرتس أن إسرائيل تبتعد عن الاتفاق المرحلي الذي كان يسعى نتنياهو للوصول إليه، وهو إطلاق سراح عدد محدود من الرهائن من دون الالتزام بإنهاء الحرب، وتزداد ابتعادا عنه مع مرور الوقت.
وأضافت أن "الصدمة العالمية من صور الدمار في غزة تُعزز موقف حماس وتدفعها إلى تشديد شروطها، في حين يواصل المجتمع الدولي -باستثناء الولايات المتحدة- تضييق الخناق على إسرائيل، وهو ما قد يتحول إلى حصار دبلوماسي شامل".
وتابعت أن "المفارقة الصارخة تبدو في أن حكومة اليمين المتطرف كأنها تنشئ الدولة الفلسطينية بيديها وسط ظروف دولية باتت أكثر عدائية تجاه إسرائيل".