تساءل الكاتب الروائى والقصاص, والطبيب الدكتور «هشام قاسم» هل لحياة الزعيم الوطنى «سعد زغلول» فى الأعوام القليلة التى سبقت قيام ثورة 1919، والتى تقع فى فترة الحرب العالمية الأولى،علاقة بتلك الثورة؟ وأجاب عن تساؤله فى كتابه «سعد زغلول والأيام الأخيرة قبل الثورة» الصادر عن دار «لوتس» للنشر بالنفى.
قرأ الدكتور قاسم مذكرات سعد زغلول التى حققها ونشرها تباعا، قبل نحو عقدين من الزمان الدكتور «عبدالعظيم رمضان» فى اثنى عشر جزءا، ونقب فى صفحاتها، مستخرجا ما أراد إثباته، هو وكاتب المقدمة الصديق «محمد الشافعى» أن سعد زغلول كان في أثناء تلك الفترة رهين المحبسين «لعب القمار والرغبة فى تقلد السلطة!».
وسعد زغلول، كما ذكر الكتاب، فى واحدة من لحظات الشجاعة الأدبية التى تحلى بها ، وظهرت فى أكثر من موقع فى مذكراته، اعترف بآفة لعب القمار. وأنه قد تأسى وتعذب في أثناء محاولاته الفاشلة المتكررة للإقلاع عنه، وتجرع مرارة الأضرار الاجتماعية والسياسية التى لحقت به، حتى شفى منه، بالغم مما هو معروف علميا، أن القمار مرض خطير قد يدمر الحياة، وأنه إدمان مثله مثل المخدرات والمشروبات الكحولية، وأنه لم يخجل من الاعتراف به، وتملك من الوعى والإرادة ما ساعده للكف عنه.
كنت أتوقع أن يقدم الكتاب، تفسيرا سياسيا واجتماعيا لظروف الاحتلال التى سلبت المصريين كل حقوقهم، وأدخلتهم فى دوامات من اليأس والهدمية ـوجثمت على صدور من هم فى فى قامته وضغطت عليه، وعاقبته وحبسته لمساندته الثورة العرابية، غير أسباب أنه بلا أصدقاء وبلا أبناء، وتلك ظروف قادت كثيرين من النخب فى ظروف مغايرة ليس فقط للعب القمار، بل إلى الانتحار!
كان سعى سعد زغلول لتقلد المناصب الوزارية ذا فلسفة، تنظر إلى الأهمية القصوى لتولى أصحاب الكفاءات أمور الناس، لكى يحلوا مكان الانتهازيين والفاسدين، من أجل إصلاح أحوال الأمة. فهم من يمتلكون العلم والمعرفة والخبرة للتصدى والدفاع عن مصالح المواطنين، فى مواجهة سلطات الاحتلال المراوغة، وسلطات الحكم الضعيفة. وفى هذا السياق لعب سعد زغلول فى الوزارات التى تقلدها قبل الثورة، دورا مشهودا فى توحيد القضاء الأهلى والمختلط، والغاء الامتيازات الأجنبية الممنوحة للتدخل فى سن القوانين، ووضع قانون إنشاء مجلس النواب. وهو بذلك كما وصفه طارق البشرى، رجل دولة، عملى المنهج، يهتم بالقضايا التنفيذية، ويتخذ مواقفه فى سياق الملابسات الواقعية التى تحيط به، ومن خلال المواقف العملية والمسائل الجزئية.
اختصر كتاب دكتور هاشم سعد زغلول فى بعض مثالبه، ونزع عنه قدرته على زعامة أول ثورة وطنية ديمقراطية فى تاريخ مصر المعاصر. وتلك معالجة لوقائع التاريخ تفتقد التوازن، وتحاكمه بمعايير السياسة التى تفقده موضوعيته.
والكتاب بذلك، هو رؤية ليست جديدة، تخلط بين التاريخ والسياسة، وتخضع ذلك التاريخ لما فرضته أدوات الصراع السياسى فى فترات سابقة، ربما كان لها آنذاك ما يبررها، فقد تبناها التاريخ الرسمى لثورة يوليو وروج لها، وعبر عنها الميثاق الذى قدمه الرئيس عبدالناصر، للمؤتمر الوطنى للقوى الشعبية فى 21 مايو عام 1962، حينما ذكر أن موجة ثورية جديدة تفجرت سنة 1919، في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وأن سعد زغلول ركب قمة تلك الموجة الثورية ليقود النضال الشعبى!
أجبر الكفاح السلمى ضد الاحتلال البريطانى، الذى قاده سعد زغلول وأعجب به واحتذى به غاندى فى مقاومته له فى الهند، بريطانيا على إصدار تصريح 28 فبراير 1922 كأول اعتراف منها باستقلال مصر وسيادتها. كما اتخذت الحركة الوطنية من كلمته المجيدة الحق فوق القوة، ومصر للمصريين، شعارا لنضالها الثورى لتعزيز هذا الاستقلال.
أيقظت زعامة سعد زغلول روح الأمة، والتف حول زعامته المصريون فعرفوا -كما يقول العقاد – أنهم أمة «وعلموا أنهم مسلمون ومسيحيون، لكنهم أمة، وأنهم رجال ونساء ولكنهم أمة، وأنهم شيب وشبان ولكنهم أمة، وحضريون وريفيون ولكنهم أمة. فانبعثت للأمة حياة مماثلة إلى جانب كل فرد، وكل طبقة، وكل طائفة وكل جنس ودين». فيا لها من زعامة جبارة ملهمة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: على فكرة أمينة النقاش الحرب العالمية الأولى سعد زغلول
إقرأ أيضاً:
نحن (السودانيين) لنا قيمة و فائدة لهذا العالم
We (Sudanese) matter!
نحن (السودانيين) لنا قيمة و فائدة لهذا العالم
بكري الجاك
فى كثير من اللقاءات التى تجمعني مع العديد من بنات و أبناء بلادنا اتضح لي اننا كسودانيين فى اغلب الاحوال لا نتفق فى تعريف طبيعة حرب ١٥ أبريل كما و ايضا لا نتفق فى تحديد المسؤولية لما حاق ببلادنا من جراء هذه الحرب بحكم التباين فى تعربف طبيعة و جذور الحرب، و مع الاخذ فى الاعتبار حجم التضليل و آلة الدعاية المستخدمة فى الحرب وفى توظيف ما تفعله الحرب من تفعيل لغريزة الخوف و البقاء و من ثم إرجاع الناس الى انتماءاتهم الأولية من قبيلة و عقيدة، و مع الاخذ فى الاعتبار حقيقة ان الناس فى بلاد السودان ظلوا يتموضعون فى الموقف من الحرب و أطرافها وفق عدة عوامل اهمها ١) الموقع الاجتماعي( الاثنية و الجغرافية و الطبقة) و ٢) المصلحة المباشرة و ٣) تصورات من المتسبب فى الاذي و اخيرا الفكر و التجارب الحياتية بالاضافة الى عوامل اخري يصعب حصرها.
الا ان الحقيقة التى نتفق حولها جلنا كسودانيين فى ظنى ان العالم بكل تنوعه (الافريقي و العربي و الاسيوي و الأوروبي و الأمريكي) لا يبدو انه يكترث البتة لنا و لما حل بنا و لكارثتنا الإنسانية الأكبر فى العالم و للحرب الضروس التى قبل ان تدمر كل ماهو مادي فقد دمرت فكرة الوطن و الانتماء و المواطنة و الشعور بالفخر بأن يكون الفرد منا جزءا من كل و ها قد تفرق هذا الكل الي جماعات كعقد السكسك الذي انفرط و اصبح الاتفاق على بديهيات أمر عسير و يتطلب ورشة و مؤتمر.
الحقيقة الموضوعية بعيدا عن ما هو مادي من جغرافيا ان السودان بلد يربط شرق القارة بوسطها و غربها و شمالها بجنوبها و بعيدا عن قيمة المادي من ثروات من ذهب و يورانيوم و ثروة حيوانية و اراضي و موارد مائية و شواطي و غيرها من فرص للتبادل بين الشعوب، فعلي المستوي المعنوي، و فى ظني ان لا قيمة لما هو مادي ما لم يجد صيغة للتعبير عنه في صيغة ما هو معنوي، و للترجمة لا قيمة للثروات و المال ما لم يتم اعطاء معني للثروة و قيمة لها فى المخيلة الاجتماعية للمجموع البشري السائد فى ظرف ما فى مكان ما، و افضل مثال هو الذهب ذلك الشيء الأصفر القبيح شكلا فما هي قيمة الذهب سوي تصورات البشر التاريخية عن انه مخزون مادي للقيمة و الذي حلت محله النقود لاحقا و الأصول القابلة للتسييل من عقارات و اراضي و اسهم لاحقا. و هل سيكون للذهب قيمة اذا كان الانسان يواجه العطش فى الصحراء و لا يوجد مشتري او سوق بعرض و طلب او ان كان الانسان فى جب بئر و يبحث عن النجاة؟
نحن لنا قيمة معنوية فوق ارثنا المادي كشعوب فنحن وحدنا من يستطيع ان يمشي فى شرق أفريقيا و لا نشعر بأننا غرباء و نحن وحدنا ( وربما غيرنا) من نستطيع ان نذهب الي شمال أفريقيا و لا نشعر بأننا غرباء و نحن وحدنا من يتجول فى منطقة السهل و لا احد يسألنا عن من نكون و نحن من يستطيع ان نطبخ اللحوم بكافة انواعها من سلات فى شرقنا الحبيب الى كمونية دارفور ( ناس الوسط كمونية دارفور دي ما الكمونية البتعرفوها) بأكثر من ٤٠ طريقة كل له مذاق و شكل و لون و طعم.
و بخلاف قيمتنا و تقديرنا لذواتنا و هنا اعني ourself esteem و هى اقل درجات تقدير الانسان لذاته نحن صرة هذه القارة و حبلها السري، بلا ادني شك، اذا ما تدبرنا حالنا و رأينا انفسنا فى مراة الوجود، و لعل ما نجده من تعاطف و نظرة انكسار و حسرة للتعبير عن الاسي و الاسف من جل شعوب القارة حينما نمر بمطاراتهم و حينما نلتقي مثقفيهم و صناع الراي عندهم لما حل بنا لهو محل تقدير لنا و لتصورات هذه الشعوب عن من نكون و كيف يمكن ان نتصور مستقبلنا كأمة و كشعوب.
و لكن نظل نحن السودانيين و السودان كموطن و أرض و كثقافات و كجعرافيا و كمعبر و رابط لهذه القارة أناس لنا ما نقدمه للبشرية اكثر من الكوارث و الخراب و كل ما نرجوه من العالم (قريبه و بعيده) ان يقف معنا فى محنتنا التى من صنع ايدينا، و للأمانة هي من صنع اقلية منا قد لا تتجاوز اصابع الايدي و الارجل و لكنها طبيعة البشر و صيرورة الاشياء ان يمضي الحمقي فى تصوير جنونهم على انه محفل وطني و بكل اسف تتبعهم مالات الشعوب، و بكل تأكيد سوف لن يعدم الحمقي لفيفا من حارقي البخور و صانعي الاهازيج لتصوير ان خيارات الحمقي هى من لب مصالح الشعوب و عقيدتها و كينونتها و كهذا تعيد دوامة الجهل و العنف اعادة إنتاج تاريخ البشرية و نحن لسنا استثناء يا رفاق..
هذه مجرد ملاحظات من مئات اللقاءات و التقاطعات حول طريقة تعامل فاعلين سياسيين و اجتماعيبن و صناع رأي و اناس عاديين حين يسمعون عن ما يحدث فى بلاد السودان من خراب و موت جلهم لا يجد تقسير منطقي له فى جوهره و لمالاته و لصيرورته و انعكاس ذاك على أهلنا و ناسنا من غمار الناس الذين لا حيلة لهم و لا مأوي..
بكري الجاك
من مكان ما فوق الاطلنطي
١٢ الي ١٣ يونيو ٢٠٣٥
الوسومالسودانيين تحديد المسؤولية حرب 15 أبريل د. بكري الجاك قيمة و فائدة لهذا العالم