الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني للمرة الثانية
تاريخ النشر: 24th, June 2025 GMT
يوم السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ تلقى الكيان الصهيوني إحدى أهم الهزائم في تاريخ مواجهاته منذ احتلال فلسطين عام ١٩٤٨. وكان ذلك اليوم كارثة عسكرية واستراتيجية ونفسية، وانتهاء لهيبة الكيان الصهيوني على أيدي المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس.
ورغم الإبادة الجماعية التي قام بها نتنياهو وحكومته المتطرفة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؛ إلا أن الكيان الصهيوني سجل فشلا كبيرا؛ حيث لم يستطع حتى استعادة الأسرى إلا من خلال المفاوضات، ولا يزال هناك أكثر من ٥٠ أسيرا إسرائيليا في قبضة المقاومة الفلسطينية.
ورغم الدعم الأمريكي والغربي للكيان الصهيوني على مدى ١٨ شهرا لم يستطع جيش الاحتلال أن يحقق أهدافه، وهو يواصل عملياته القذرة في قتل الأبرياء من المدنيين، وتدمير القطاع الصحي في قطاع غزة.
من هنا جاءت الهزيمة الاستراتيجية للكيان الصهيوني التي تحدثنا عنها في مقال سابق، وهذا يشير إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يستطيع أن يواصل حرب استنزاف مكلفة عسكريا واقتصاديا. وفي إطار همجية نتنياهو قام بالعدوان العسكري على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الثاني عشر من شهر يونيو الجاري بعد خطة متكاملة واستعداد على مدى عقدين -كما أشار إلى ذلك نتنياهو نفسه-، وكان الهدف الاستراتيجي للهجوم الإسرائيلي هو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية من خلال شل مفاصل الدولة، واغتيال كل مسؤولي الدولة من عسكريين ومدنيين، وخلق فوضى عارمة. هذا هو الهدف الاستراتيجي الأهم. أما مسألة القضاء على البرنامج النووي الإيراني فهو تحصيل حاصل بعد تغيير النظام، ووجود نظام موال للكيان الصهيوني.
ولا شك أن الهجوم الإسرائيلي على إيران كان كبيرا ومباغتا لكل المراقبين والدول، خاصة وأن المفاوضات الأمريكية - الإيرانية كانت متواصلة؛ حيث كانت الاستعدادات تجري لانطلاق الجولة السادسة في عاصمة الوطن مسقط، وكانت جهود الدبلوماسية العمانية كبيرة في تقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن، خاصة في الموضوع الأساسي وهي مسألة التخصيب. وأبدت إيران مرونة للدفع بنجاح المفاوضات، والتوقيع على اتفاق ملزم وعادل للطرفين، ويجنب المنطقة كوارث الحروب والصراعات التي عانت منها المنطقة لعقود. ويبدو أن الخطة الإسرائيلية الأمريكية كانت تدار في الغرف المغلقة في ظل رئيس أمريكي مهزوز لا يعي خطورة الحروب علاوة على تنفيذه أجندة الصهيونية العالمية من خلال دعم اللوبي الصهيوني في واشنطن؛ حتى يفوز في الانتخابات الأمريكية الأخيرة. ومع ذلك فإن مسار العلاقات الدولية ينبغي أن يبنى على قواعد السلوك السياسي القويم، واحترام مسار المفاوضات.
ومن هنا فإن الهجوم العسكري الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد ضرب مسار المفاوضات في مقتل. وتسبب سلوك ترامب في نشوب حرب بين الكيان الصهيوني والجمهورية الإسلامية الإيرانية وفق المخطط الإسرائيلي الأمريكي. وكانت تلك خطوة تقوض السلام والاستقرار في منطقة الخليج العربي.
وقد استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تستوعب الصدمة الكبيرة؛ حيث فقدت عددا من القيادات العسكرية والأمنية. ومع ذلك بدأ مسار الحرب يتخذ منحى مختلفا مع دخول الصواريخ الباليستية المعركة. وفي تصوري أن الكيان تلقى أكبر عملية تدمير خلال صراعه المرير مع العرب منذ عام ١٩٤٨؛ حيث التدمير الكبير لمدن الكيان الصهيوني الأساسية وهي تل أبيب وحيفا، وضرب المنشآت العسكرية والأمنية والاقتصادية، ومركز وايزمان للأبحاث العسكرية وهو أحد أهم المراكز للكيان. كما أن الاقتصاد الإسرائيلي ضُرب في مقتل. ولعل من أهم الخسائر التي سوف تبقى عالقة في الأذهان انتهاء هيبة جيش الاحتلال، والسردية التي تقوم على التفوق والسطوة الصهيونية في الشرق الأوسط.
لقد سقط مشروع الشرق الأوسط الذي روج له نتنياهو عند بداية الحرب على إيران، ولم تتحقق أهدافه. حتى موضوع الهجوم العسكري الأمريكي المتهور على المفاعلات الإيرانية حوله كلام كبير من المصادر الأمريكية والغربية. وعلى ضوء محددات أي حرب ونتائج ملامحها فإن الكيان الصهيوني تلقى هزيمة استراتيجية ثانية وفق المعطيات المشار إليها.
منظومة الصواريخ الباليستية لا تزال تواصل العمل حتى آخر لحظة قبل قرار وقف إطلاق النار. ويبدو لي أن ترامب شعر من خلال أجهزة الاستخبارات الأمريكية بأن قدرات الكيان الصهيوني لا تحتمل حرب استنزاف، وهذه مسألة في غاية الأهمية، علاوة على أن الهجرة المعاكسة لليهود تتواصل، كما أن الاقتصاد الإسرائيلي ضرب في مقتل خاصة بعد توقف مصفاة حيفا، وتوقف الميناء، وإغلاق مطار بن غوريون، وهذا يظهر هشاشة الكيان الصهيوني رغم الإمكانات العسكرية التي قدمتها وتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة للكيان الصهيوني منذ ١٩٤٨.
لقد سقطت مصداقية الإدارة الأمريكية ومصداقية ترامب، وأصبحت الصحافة الأمريكية تتحدث عن تناقضات الرجل، وتركيزه على الاستعراض، وعدم قدرته على استيعاب المشهد السياسي الإقليمي والدولي. ومن هنا فإن هناك دروسا كبيرة يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية الخروج بها لعل في مقدمتها وجود ثغرة أمنية خطيرة؛ وجود شبكات تجسس داخل إيران تعمل لصالح الكيان الصهيوني منذ سنوات، بل أصبحت لتلك المجموعات قواعد للطيران المسيّر، وأجهزة اتصالات ومراقبة، والقضاء على هذه الثغرة الأمنية الخطيرة يحتاج إلى جهود كبيرة. وأيضا من الدروس الكبيرة ليس فقط لإيران، ولكن لكل الدول المعرضة للمخاطر أهمية وجود قوة ردع جوي ودفاع جوي؛ لحماية الأجواء خلال الحرب، وهذه مسألة في غاية الأهمية، علاوة على الحرب السيبرانية التي في تصوري أن لإيران قدرات جيدة فيها من خلال أحداث الحرب؛ فهناك كوادر إيرانية يشار لها فيها بالبنان.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية محاصرة اقتصاديا وتقنيا منذ عام 1979، وفي تصوري أن أي دولة لن تتحمّل هذا الحصار والعقوبات الاقتصادية القاسية على مدى عقود خاصة وأن هناك عدد سكان كبيرا في إيران يقترب من ١٠٠ مليون إيراني، ومع ذلك فإن القدرات الوطنية لإيران، وإنتاجها المحلي، والصناعات المختلفة، والثروات الزراعية والسمكية خففت إلى حد ما من تلك العقوبات الاقتصادية القاسية التي نأمل أن تنتهي من خلال تواصل المفاوضات على أسس حقيقية بعيدا عن الخداع الاستراتيجي، والتضليل الصهيوني الأمريكي.
إن الصناعة العسكرية الإيرانية كانت واجهة إيجابية خاصة في مجال الصواريخ الباليستية التي روعت الكيان الصهيوني على مدى ١٢ يوما، وهذا درس كبير للدول العربية بضرورة الاهتمام بالصناعات العسكرية؛ لأن الحرب التي انتهت أمس بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني ليست آخر الحروب طالما خطط المشروع الصهيوني العالمي متواصلة، وطالما القضية الفلسطينية بقيت دون حل. ومن هنا فإن أخذ الدروس من الحروب هو أمر حيوي، ومن ضرورات الأمن الوطني. كما أن الكيان الصهيوني أثبت مدى عدوانيته، وكراهيته للسلام والاستقرار للمنطقة وشعوبها؛ حيث إن الكيان الصهيوني منذ قيامه غير القانوني عام ١٩٤٨ لا يعيش إلا في ظل الصراعات والحروب وإدخال المنطقة العربية في أتون التدمير والمشكلات، وهذه رسالة واضحة للدول المطبعة مع الكيان الإسرائيلي الذي أصبح مكروها حتى من داخل إسرائيل.
لقد أفشلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية المخطط الإسرائيلي في زعزعة استقرارها وأمنها، وهو الهدف الاستراتيجي الأهم لحكومة الكيان المتطرفة؛ حيث أثبت الإيرانيون صلابة وحدتهم الداخلية حتى الذين لهم آراء مخالفة للحكومة الإيرانية وقفوا مع وطنهم وهو يتهدده العدوان الصهيوني، وهذه هي قيمة الوطنية؛ فعندما تتهدد الأوطان يقف الجميع في خندق واحد. إذن الدروس كبيرة ومهمة لإيران والمنطقة، وإن الكيان الصهيوني لن يقف عند حد؛ حيث سوف تتواصل مخططاته الخبيثة لزعزعة أمن المنطقة، وزرع الفتن بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ومع ذلك فإن العلاقات الطيبة بين دول المنطقة على ضفتي الخليج هي علاقات تاريخية واجتماعية وإسلامية يجمع بينها الجغرافيا والدين والتاريخ المشترك والمصير الواحد.
وهذه دعوة صادقة لتجاوز آثار الحرب وتداعياتها، والتركيز على علاقات وشراكات خليجية إيرانية تجسد تلاحم دول الإقليم؛ لأن الكيان الإسرائيلي لا يريد خيرا بالمنطقة وشعوبها، وهو كيان تعوَّد على الكراهية، ويريد السيطرة وتسيّد المشهد السياسي والاقتصادي والاستخباراتي في المنطقة. وعلى ضوء ذلك تبقى المراجعات الوطنية مهمة لمثل أحداث كبرى كهذه لأخذ العبرة والدروس.
ولعل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ووقف الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني يكون إحدى نتائج هذه الحرب، وهذا يعتمد على الطرف الأمريكي الذي يستطيع أن يضغط على الكيان؛ لوقف المجازر اليومية التي تُرتكب بحق الأبرياء. لقد حققت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نصرا استراتيجيا على الكيان الصهيوني، وفشل المخطط الإسرائيلي والأمريكي لزعزعة الاستقرار في إيران. وتبقى هذه الحرب وما حدث فيها أسرارا سوف تكشف عنها الأيام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الجمهوریة الإسلامیة الإیرانیة للکیان الصهیونی الکیان الصهیونی جیش الاحتلال أن الکیان ومع ذلک على مدى من خلال من هنا
إقرأ أيضاً:
علي آل سعيد يتأهل للمرة الثانية لكأس العالم للقدرة والتحمل
«عُمان»: سجّل الفارس صاحب السمو السيد علي بن غالب آل سعيد إنجازًا جديدًا في رياضة القدرة والتحمل، وذلك من خلال مشاركته الناجحة في سباق بوخ الدولي لمسافة 160 كيلومترًا، الذي أُقيم في جمهورية ألمانيا الاتحادية تحت إشراف الاتحاد الدولي للفروسية ومنحه إنهائه السباق بطاقة التأهل إلى كأس العالم القادمة المقرر إقامته في مدينة العلا بالمملكة العربية السعودية.
ويُعد هذا السباق محطة مفصلية في مسيرة سموه الرياضية؛ حيث نجح للمرة الثانية في التأهل رسميًا إلى نهائي كأس العالم للقدرة والتحمل، ليواصل بذلك حضوره المشرّف في أبرز محافل رياضة القدرة والتحمل عالميًا.
وجاءت هذه المشاركة بعد معسكر تدريبي مكثّف امتد لعدة أسابيع، تضمن استعدادات فنية وبدنية عالية المستوى، شملت الجواد والفارس على حد سواء، مما كان له بالغ الأثر في تحقيق هذا الإنجاز في أحد أصعب وأطول سباقات الموسم.
وانطلق السباق في تمام الساعة 5:30 صباحًا، وامتد إلى 6 مراحل رئيسة توزعت كالتالي: 35كلم - 25كلم - 35كلم - 25كلم - 20كلم - 20كلم.
وقد أتم سموه السباق على صهوة الجواد أتيلا بزمن إجمالي بلغ 10 ساعات و23 دقيقة و20 ثانية، مختتمًا السباق في الساعة 7:20 مساءً.
وتميّز السباق بأجواء مناخية صعبة؛ حيث وصلت درجة الحرارة إلى 31 درجة مئوية، مما شكّل تحديًا كبيرًا لجميع المشاركين، لا سيما في المراحل النهائية، التي تطلّبت تركيزًا عاليًا وخبرة في التعامل مع ظروف الطقس وإدارة الجهد للحفاظ على سلامة الجواد وأداء الفارس.
وشهد السباق مشاركة فرسان من 9 دول مختلفة، في تأكيد على البُعد الدولي والمستوى التنافسي العالي لهذا الحدث الرياضي المهم.
وقال الفارس صاحب السمو السيد علي بن غالب آل سعيد: أهدي هذا الإنجاز إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه -، وإلى صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب تقديرًا وامتنانًا لما يقدمانه من دعم مستمر ورعاية كريمة لرياضة الفروسية وفرسان سلطنة عُمان، كما أقدم الشكر والتقدير إلى اللجنة المنظّمة، والكوادر الفنية والبيطرية، ولكل من ساهم في تحقيق هذا الإنجاز، مؤكدًا استعداده لمواصلة العمل الجاد لتمثيل سلطنة عُمان بكل فخر واقتدار في نهائي كأس العالم للقدرة والتحمل 2026.