ترجمة ـ بدر بن خميس الظفري -
يتردد بين الناس هذه الأيام أنهم لا يستطيعون العيش في لوس أنجلوس لأنهم سيفتقدون الفصول الأربعة. عندما كنتُ أقضي معظم طفولتي في مزرعة بماليبو، كنتُ أشاهد العواصف وهي تحلّ في الشتاء، حيث تتحوّل الأرض إلى بساط أخضر، ثم تزدهر بألوان برية وروائح عطرة في الربيع، وتتحول إلى البنيّ وتبدأ بالجفاف في الصيف، قبل أن يصبح الهواء منعشًا في الخريف وتسقط أوراق الأشجار البرتقالية لتغطي الأرض.
كانت هناك بساتين من أشجار البلوط، ومراع خضراء لا نهاية لها، وبركة كان البطّ يتخذها منزلًا له كل عام. كانت ضفادع صغيرة تقفز في كل مكان على ضفاف البركة. كنتُ ألتقط بعضها بين يديّ وأضحك عندما تقفز عائدة إلى الوحل. وعندما كانت الرياح تشتد في شهري أكتوبر ونوفمبر، احترقت أجزاء من المزرعة عدة مرات، ولكن بعد ذلك، كانت الأمطار تأتي وتطفئ النيران وترجع الأرض إلى طبيعتها.
كانت المزرعة المكان الذي نقضي فيه إجازات نهاية الأسبوع. أما خلال أيام الأسبوع، فقد كنا نعيش في مدينة باسيفيك باليسيدز، التي كانت هادئة للغاية لدرجة أنك تشعر وكأنها ملاذ سري بعيدًا عن صخب وسط المدينة وضجيجها. هذه أيضًا كانت جزءًا من لوس أنجلوس. لقد اختفى ذلك العالمُ الآن.
إن مشاهدة مقاطع الفيديو والصور لما تحولت إليه تلك الأحياء بسبب الحرائق الشرسة يشبه النظر إلى منطقة حرب. الجميع يحاول استيعاب الحزن والصدمة. الحقيقة هي أننا فقدنا كل شيء قبل أن تجتاح النيران كلّ شيء بلا رحمة، ثم أتى اللهب ليختم الأمر.
كنت أظن يومًا أن الأرض التي أحببتها بشدة ستبقى إلى الأبد. لم أكن أتصور أن عالمي الذي أعيش فيه سيئن ويثور ويصبح فوضويًا بسبب إهمال البشر، وطمعهم، والافتراض الجاهل بأننا نستطيع مواصلة ضخ السموم في الغلاف الجوي دون عواقب.
كثيرًا ما ذكّرتني الأيام الماضية بما حدث بعد 11 سبتمبر، لكن في ذلك الوقت لم نكن غرباء عن بعضنا البعض.
خلال هذه الحرائق، نجا منزلي، ولكن في كل مكان أذهب إليه، يتبادل الناس قصصهم ويسألون عن أحوال الآخرين. أشخاص لم يلتقوا من قبل، وربما لن يلتقوا مرة أخرى، يتوقفون على الأرصفة وفي المتاجر يتبادلون المخاوف والألم، يبكون خسائرهم ويحاولون فهم ما حدث.
إن غضبي مما فعلناه بهذا الكوكب الرائع كان مكمَّمًا بالحزن، فقد شاهدت مرة برنامجًا إخباريًا تضمن نقاشًا لعدد من المعلقين. كان الموضوع هو حرائق لوس أنجلوس، وأشار أحدهم إلى أن تغيّر المناخ هو سبب من الأسباب. ضحك معلق آخر وقال إنه لا يعتقد أن هذا هو السبب.
شعرتُ بغضب يتجاوز حزني، أول فكرة خطرت ببالي: «هل تعتقد أنك تعرف أكثر من العلماء؟ العلماء الذين حذرونا لعقود؟» ثم فكرتُ: «هذا الشاب لم يكن حتى مولودًا عندما كنتُ أجري بين الأعشاب الخضراء الطويلة في مزرعتنا تحت سماء زرقاء صافية. ليس لديه أي فكرة عن شكل الأرض سابقًا».
الجمال الذي نشأتُ في أحضانه يبدو وكأنه فقد منذ زمن بعيد.
ما زلت أشعر بالحزن، لكن هذا لا يكفي فيجبُ أن نغضب. ليس غضبًا مدمرًا، بل غضبًا مشروعًا. أريدنا أن ندافع عن أرض خُلقت بتوازن مثالي، بجمال وغموض وفن إلهي. أرض وُجدت ليس من أجل استهلاكنا وجشعنا، بل لتغذيتنا. أرض لديها الكثير لتعلّمنا إياه، وتحتاج إلى حمايتنا، الآن أكثر من أي وقت مضى.
لقد ألقينا بكوكب كامل خارج توازنه، والآن نعاني العواقب من أنماط طقس شديدة لدرجة أننا لا نعرف كيفية مواجهتها، والحرائق والفيضانات والأعاصير والزلازل، أشد مما عرفناه من قبل.
يمكننا أن نحزن ونغضب في الوقت نفسه، أو أن نتحول إلى سيناريو آخر نصبح فيه بدوًا يرتحلون عبر أراضٍ قاحلة كانت موجودة لتتغذى منها، لو أننا فقط امتلكنا الوعي لحمايتها.
باتي ديفيس هي مؤلفة كتاب «عزيزي أمي وأبي: رسالة عن الأسرة، الذاكرة وأمريكا التي كنا نعرفها»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بقيادة المايسترو عادل إسكندر.. أوركسترا "ليالي زمان" تحتفل بـ50 عامًا على إرث أم كلثوم في كاليفورنيا
شهد مسرح سابان في بيفرلي هيلز أمسية فنية لا تُنسى بمناسبة مرور 50 عامًا على رحيل سيدة الغناء العربي أم كلثوم، أقامتها أوركسترا "ليالي زمان" بقيادة المايسترو عادل إسكندر.
تفاصيل الحفل
الحفل، الذي جمع الأصالة بالفخامة، جذب أكثر من 1340 من الجالية العربية وعشاق الأوركسترا، مما جعله حدثًا استثنائيًا.
قدّم نجوم الحفل باقة متنوعة من روائع أم كلثوم، بدءًا بأداء كورال الأوركسترا لأغنية "غنى لى شوى شوى"، تلاها أداء "أمل حياتي" بصوت النجمة سارة بنس، و"أنساك ده كلام" مع المبدعة راما حچاوي.
أضاف العزف المنفرد للموهوبة هنيا العسكري على البيانو لمسة إبداعية، بينما غنت لاميتا سمعان "سيرة الحب"، وأبدع الفنان عفيف تايان في عزف عود منفرد.
كما قدمت نضال إيبورك أغاني "هذه ليلتي"، "دارت الأيام"، "الحب كده"، و"الأطلال"، قبل الختام بأداء مشترك مع لاميتا سمعان في "دارت الأيام".
وأعرب المايسترو عادل إسكندر عن سعادته بالنجاح الكبير لهذا الحفل، فكتب على فيسبوك: "الحمد لله، أشكرك يا رب على النجاح الكبير لحفل أوركسترا ليالي زمان – كلثوميات في مسرح صبان بمدينة بيفرلي هيلز. كان يومًا استثنائيًا ومشرفًا بكل المقاييس".
وأضاف شكره لأعضاء الأوركسترا "واحدًا واحدًا"، والمطربات على أدائهن الراقي، والجمهور "صفوة المجتمع الأمريكي" على حضورهم وتشجيعهم.
كما وجه شكرًا خاصًا لزوجته نبيلة ولأولاده: المهندس مايكل، الموسيقار كيكا، وبنته صوفيا، قائلًا: "وجودكم بجانبي هو مصدر القوة والإلهام في كل خطوة".
ولم ينسَ شكر المخرج، الإعلاميين، وفرق الصوت والإضاءة على مساهمتهم في جعل الحفل "تاريخيًا".
يأتي هذا الحفل في سياق احتفاء متجدد بإرث أم كلثوم، ويعكس دور أوركسترا "ليالي زمان" في نشر الفن العربي الأصيل في المهجر، محافظًا على التراث الغنائي الذي يجمع القلوب.