معزوفة اليوم السابع.. جديد الروائي الأردني جلال برجس
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
صدر حديثًا عن دار الشروق رواية جديدة للروائي الأردني جلال برجس بعنوان "معزوفة اليوم السابع". وجاءت الرواية بغلاف لافت يحمل دلالات رمزية تشمل نايًا وطائرا ومخطوطا عتيقًا، وتقع في 318 صفحة من القطع المتوسط، متضمنة كلمة غلاف كتبها المؤلف يروي فيها اليوم الذي التقط فيه فكرة الرواية.
وتحكي الرواية قصة مدينة مفترضة مكونة من سبعة أحياء، في جنوبها مخيم ضخم لغجر مطرودين منها.
تأتي تلك المعزوفة الروائية لبرجس في سياق مشروعه الأدبي الذي يركز على الثيمة الإنسانية وما يمكن أن يهددها، فيتوغل من خلالها عميقًا إلى دواخل الإنسان ويسلط الضوء على تناقضاته، وفي الوقت ذاته تكشف الرواية للقارئ الحال الذي وصل إليه الإنسان، وتستشرف ما يمكن أن يحدث له في المستقبل، وما يمكن أن تؤول إليه البشرية في ظل تراجع القيمة الإنسانية، خصوصا في هذه المرحلة الحافلة بكثير من التحولات والصراعات على مختلف الصعد.
إعلان الإلهام الروائيوفي حديثه للجزيرة نت، أوضح برجس أن هذا التراجع الصارخ هو ما دفعه لكتابة هذه الرواية، مشيرًا إلى أنه أصبح علنيًا منذ نحو عام 1990، حيث تبدو الأيادي التي تستهدف تهشيم الإنسان غير مكترثة بأي شيء، أو بالأحرى أنها انتقلت إلى مرحلة جديدة من أهدافها.
وأضاف برجس "قبل أن أنعزل لأجل الكتابة، كنت أراقب الإنسان في مختلف أنحاء العالم يوميًا، حيث وجدته في خانة الضحية؛ يعاني من تبعات الأزمات الاقتصادية والحروب وخلخلة المفاهيم الاجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية والدينية".
ويكمل "بات الإنسان تائهًا وهو يعبر رغمًا عنه نحو زمن جديد، زمن اختفت فيه روح الجماعة لصالح الفردية، وأصبحت الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان مجرد شعارات لا تُجدي نفعًا. في هذا الزمن، أصبح الإنسان يعلم مسبقًا ما سيحدث له دون أن يتمكن من تفادي المكائد، لأن كل ما يفكر به يُنظر إليه على أنه نهج تآمري".
وفي لحظة تأملٍ روائي، يقول برجس أنه لاحظ أن الجاني والضحية يسيران معًا نحو الهاوية بالسرعة نفسها، ومن هنا كان لزامًا عليه أن يدعو في روايته إلى العودة نحو الأصل، "فحين تحترق الأشجار، لا سبيل لاسترداد الاخضرار سوى البذر"، كما قال.
عناصر التشويق ودلالات الروايةوفيما يتعلق بتوظيف عناصر التشويق في الرواية لجذب القارئ، قال برجس -في حديثه للجزيرة نت- إنه لتجنب الحمولات المعرفية الثقيلة على القارئ، كان لا بد من مستوى متوازن من التشويق غير المفتعل يجعل الحكاية أكثر متعة وفي الوقت نفسه يدفع القارئ نحو البحث عن الإجابة.
وأوضح أنه في روايته لم يفرض ما وراء دلالات الرواية على القارئ، بل ترك فهمها له ليذهب إليها عبر أدوات التأويل. فالرواية تحتوي على العديد من الدلالات مثل الناي والمخطوط والموسيقى والوباء ومدينة مفترضة بسبعة أحياء، لذا فهو يرى أنه "على القارئ أن يكون شريكي في كتابة هذه الرواية، فالقراءة كتابة، والكتابة قراءة".
إعلانأما عن رمزية وجود مخيم للغجر في جنوب المدينة، فيبرره برجس قائلا "إنه الجنوب المهمش دومًا على وجه هذه الأرض، الجنوب الجائع، المُستَعمر، المستباح، المتهم بالرجعية والتخلف، الجنوب الساعي إلى الحياة، والحالم بها".
يعد برجس من أبرز الأصوات الأدبية في المشهد الثقافي العربي، حيث توج مسيرته الإبداعية بالفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية عام 2021 عن روايته "دفاتر الوراق". وتواصلت إنجازاته مؤخرًا بوصول سيرته الروائية "نشيج الدودوك" إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب 2023، كما سبق لروايته "سيدات الحواس الخمس" أن وصلت إلى القائمة الطويلة للبوكر العربية 2019.
كما حصد جائزة كتارا للرواية العربية عام 2015 عن "أفاعي النار"، وجائزة رفقة دودين للإبداع السردي عن "مقصلة الحالم"، وجائزة روكس بن زائد العزيزي للإبداع عن مجموعته القصصية "الزلزال". تتنوع إصدارات الكاتب بين الشعر بديوانيه "كأي غصن على شجر" و"قمر بلا منازل"، وأدب المكان في "شبابيك مادبا تحرس القدس" و"رذاذ على زجاج الذاكرة".
وبرجس هو صاحب مبادرة "حكايات المقهى العتيق"، وهي أول رواية عربية مشتركة كتبها تسعة كتّاب، وقد ترجمت أعماله إلى عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والفارسية والهندية والإيطالية.
يذكر أن الروائي جلال برجس يعمل حاليًا في المركز الأردني للتصميم والتطوير، ويعد ويقدم برنامجًا إذاعيا بعنوان "بيت الرواية". شغل عدة مناصب ثقافية منها رئيس مختبر السرديات الأردني، ورئيس عدد من الهيئات الثقافية الأردنية، ومدير تحرير لعدد من المجلات الثقافية، ويترأس حاليا هيئة تحرير مجلة "صوت الجيل" التي تعنى بأدب الشباب.
إعلانالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
الجدل حول هجوم حماس يوم السابع من أكتوبر.. وحسم الجدل قانونيًا
السفير د. عبدالله الأشعل
في صباح السابع من أكتوبر 2023 شنت قوات حماس هجومًا شاملًا وكاسحًا على منطقة غلاف غزة، وهي منطقة تابعة لغزة احتلها المستوطنون الذين رحلوا عن غزة عام 2005 تحت ضربات المقاومة. وكان هجوم حماس على القواعد والقوات الإسرائيلية برًا وبحرًا وجوًا. ولم تُفاجأ إسرائيل بالهجوم، ولكن فُوجئت بحجم الهجوم الذي لم تكن مستعدة له أمنيًا وعسكريًا. وأخذت المقاومة معها عددًا من المدنيين والعسكريين رهائن. وقد انقسم الموقف من الأطراف المختلفة من هذا الهجوم وتشعّب المواقف إلى ثلاثة:
الموقف الأول: منطق حماس من الهجوم.. الموقف الثاني: موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول العربية وأولها السلطة.. الموقف الثالث: موقفنا من الحادث ووضعه في القانون الدولي.
أولًا: دوافع حماس ومنطقها في الهجوم
تسوق حماس سبعة دوافع لهجومها على القوات المعادية:
الأول: إن إسرائيل تعمدت إهانة الفلسطينيين منذ قيامها. الثاني: إن صبر حماس على جرائم إسرائيل خلال نحو سبعة عقود قد نُقِض، وتأكدت حماس أن السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ليست مؤقتة وعابرة، بل هي أساس المشروع الصهيوني. الثالث: تأكد لحماس أن إسرائيل خارج حدودها ليست مجرد سلطة احتلال وإنما تريد الأرض ولا تريد السكان.
الرابع: لاحظت حماس أن إسرائيل تقوم على الغضب والقوة، وأن المقاومة المسلحة هي أنسب رد على إسرائيل. الخامس: لاحظت حماس أن آليات النظام الدولي تحتال عليها إسرائيل، وأنها تفلت من العقاب، ولذلك توحشت. ورأت المقاومة أن الحلول عن طريق التفاوض غير مجدية. السادس: إن إسرائيل مصرّة على تفريغ فلسطين من أهلها.
وقدّرت حماس أن الجمهور الذي تُسيئ إسرائيل إليه سوف يعتبر المقاومة غير ذات جدوى، خاصةً وأن السلطة تعاديها وتعتبرها ذراع إيران في المنطقة قبل طوفان الأقصى، كما أن هجمات المستوطنين على المرابطين في المسجد الأقصى لا تتوقف. وسابعًا: تعتقد حماس أن من حقها الدفاع عن الشعب الفلسطيني، خاصة أن السلطة لا تحمي الفلسطينيين وليس لها جيش.
ثانيًا: موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول العربية
موقف إسرائيل: فوجئت إسرائيل بحجم وخطورة العملية، وشمولها البر والبحر والجو، وفوجئت بجرأة المقاومة وعدم خوفها من إسرائيل، ولأول مرة تأخذ رهائن، وهي محقة في ذلك بموجب المادة 12 من اتفاقية نيويورك لأخذ الرهائن عام 1979، وتعتبر إسرائيل أن المقاومة وسّعت هدفها من مجرد مقاومة الاحتلال إلى هدف تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وهذه فرضية لاحظناها في رد إسرائيل، ولذلك بدأت إسرائيل حرب إبادة منظمة ضد غزة، مقدّمة لإبادة الشعب كلما حانت الفرصة.ولما كانت المقاومة تمثّل الحق، وإسرائيل تمثل الباطل، فقد أظهرت إسرائيل بإبادتها للشعب بكافة الطرق غلًا وعقدًا وانتقامًا من تجرؤ غزة على توحش إسرائيل. وكلما نجحت المقاومة في كسر شوكة الجيش الصهيوني، ازداد حقده على المدنيين، أي كلما نجحت المقاومة في ساحات القتال، توحشت إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
موقف أمريكا والاتحاد الأوروبي: نفس وجهة النظر الإسرائيلية تبنّتها أمريكا ومعظم الحلفاء الأوروبيين.موقف معظم الدول العربية: تابعت بألم البيانات الرسمية التي أصدرتها وزارات الخارجية العربية في معظم الدول، وتتضمن أمرين، الأول: إدانة هجوم حماس باعتباره عدوانًا على إسرائيل، ومبررًا لدفاع إسرائيل عن نفسها، على أساس أن الفعل مستحدث ورد الفعل مستحدث أيضًا، والثاني: إن بيانات الخارجية العربية أدانت هجمات حماس على المستوطنين، على أساس أن المستوطنين مدنيون كالفلسطينيين، ودعت هذه البيانات إلى المساواة بين المدنيين الفلسطينيين والمدنيين المستوطنين.
لعل هذه المقالة تبدّد الجهل بهذه الحقائق لدى من أصدر بيانات بهذا المعنى. أما من أصدر بيانات الإدانة على أساس التحالف مع أمريكا وإسرائيل، فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا.
رأينا في وضع الحادث في القانون الدولي الحق أن الاحتلال طويل الأجل، خاصة إذا كان يستخدم الاحتلال ستارًا لإفراغ فلسطين من أهلها بل وإبادتهم، ليس له حقوق في القانون الدولي، بل للمقاومة أن تستخدم كل الوسائل، بما فيها أخذ الرهائن، أما الموقف الأمريكي، فقد تماهى مع الموقف الإسرائيلي، واقتربت منهما مواقف معظم الدول العربية، خاصة وأن الدول العربية اتخذت موقفًا معاديًا للمقاومة قبل الحادث بعام تقريبًا، عندما قررت الجامعة العربية أن المقاومة العربية بكل أجنحتها من قبيل "الإرهاب"، وهو موقف إسرائيل وأمريكا ومعظم الدول الغربية،
ولاحظنا أن الحكومات العربية وحدها تعادي المقاومة بسبب الضغوط الأمريكية، أما الشعوب العربية فكلها مجمعة على مساندة المقاومة ومساندة إيران ضد إسرائيل.
الخلاصة أن ضربة المقاومة ليست منقطعة الصلة عمّا قبلها من جرائم إسرائيل، ويكفي أن محكمة العدل الدولية أكدت في آرائها الاستشارية منذ عام 2004، وآخرها عام 2024، أن علاقة إسرائيل بأرض فلسطين خارج قرار التقسيم هي مجرد علاقة احتلال ويجب أن تنتهي، وأما ما تدّعيه إسرائيل بأن المقاومة اعتدت عليها مما أعطاها الحق في "الدفاع الشرعي"، وما ترتب على هذا الهجوم تتحمل مسؤوليته المقاومة، فذلك اتهام سياسي لا يسنده القانون، وكان يمكن للمقاومة أن تُنقذ غزة لو اعتذرت لإسرائيل! ثم إن إسرائيل، بمجاهرَتها بهدف القضاء على المقاومة، تُخالف القانون الدولي، وقد فصّلنا ذلك في مقال سابق.
رابط مختصر