احتضنت "القاعة الدولية"؛ ضمن فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ندوتها الرابعة تحت عنوان "صعودًا على السفن المبحرة.. الثقافة العمانية في تجلياتها المعاصرة"، والتي سلطت الضوء على مسيرة التحولات الثقافية في عُمان، حيث التقت الأصالة بالحداثة، لتواصل الثقافة العُمانية رحلتها نحو المستقبل مع الحفاظ على إرثها العريق.


افتتحت الندوة؛ الإعلامية هدى حمد؛ بكلمات عكست وعيًا عميقًا بالتغيرات الثقافية التي شهدها المجتمع العماني؛ وأكدت أن الثقافة ليست حكرًا على مجال محدد، بل هي مرآة شاملة تعكس كل ما يحيط بنا، كما أبرزت الجهود العُمانية لشق مسارات التقدم الحضاري مع المحافظة على التوازن الدقيق بين التاريخ والحداثة، مشيرة إلى دور الشعر في التعبير عن الهوية الثقافية للمجتمع العُماني.
من جهته، تحدث الأديب الكبير حسين عبد الغني، أحد رواد الصحافة العمانية، عن الدور الرائد للإعلام في تشكيل المشهد الثقافي المعاصر؛ واستعرض محطات بارزة في تاريخ الصحافة العمانية منذ السبعينيات، مشيرًا إلى دور الصحافة الورقية، لا سيما من خلال إصدارات مثل "مجلة نزوى"، التي مثلت تحولًا نوعيًا في إثراء المشهد الثقافي المحلي؛ كما أشاد بالدور الكبير الذي لعبه "السلطان قابوس" في النهوض بالتعليم والثقافة، مؤكدًا أن الصحافة أسهمت في تأسيس جيل جديد من المثقفين والأكاديميين، الذين عززوا مكانة الأدب العماني.
كما أوضح الدكتور سالم البوسعيدي؛ أن الجامعات العمانية أخذت على عاتقها استكمال دور الصحافة في النهوض بالثقافة، مشيرًا إلى أنها أصبحت منصات لتطوير الأدب والتاريخ العماني؛ وأكد أن الأدب العماني استمد خصوصيته من تاريخ البلاد وجغرافيتها، مع انفتاحه على الثقافات الأخرى، ما أضاف إلى غناه دون المساس بجذوره الأصيلة.
أما الأديب هلال البادي، صاحب العديد من الإصدارات الأدبية، فقد تناول تأثير الصحافة على الثقافة العمانية، معترفًا بدورها الكبير في إبراز الأصوات الإبداعية؛ لكنه لفت الانتباه إلى تراجع دورها في العقود الأخيرة نتيجة التحولات الرقمية، داعيًا إلى دعم المبدعين الشباب في مواجهة هذه التحديات.
واختتمت الندوة بالتأكيد على أهمية الجهود المبذولة لتعزيز الثقافة العمانية؛ ودورها المحوري في المشهد العربي؛ وبينما تمضي "عمان" بخطوات واثقة نحو المستقبل، فإن الحفاظ على توازنها الثقافي يتطلب دعمًا مستمرًا للإبداع والمبدعين؛ ولا شك أن التفاعل الثقافي بين "عمان" و"مصر"، مرتبط بعلاقات تاريخية وثيقة، وسيظل جسرًا ثقافيًا يعزز الهوية المشتركة؛ ويرسم ملامح مستقبل مشرق للمنطقة بأكملها.
الجدير بالذكر، أنه عبر القرون، نجحت "عمان" و"مصر"، في تعزيز علاقاتهما الثقافية من خلال التبادل الفكري والفني، ليصبح معرض القاهرة الدولي للكتاب شاهدًا حيًا على عمق هذا التفاعل، بما يعكس التلاحم الحضاري بين ضفاف الخليج العربي؛ وشمال إفريقيا.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الهوية الثقافي الفن معرض القاهرة الدولي للكتاب القاهرة الدولي للكتاب معرض القاهرة للكتاب مصر معرض القاهرة معرض القاهرة الدولي الثقافة الع

إقرأ أيضاً:

لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟

في نشاطه الجاد والمستمر، خصص النادي الثقافي إحدى جلساته في الأيام الماضية لمناقشة موضوع: «الأمن الثقافي ودوره في الحفاظ على الهوية الوطنية»، واستضافت عددًا من المتحدثين والنشطين ثقافيًا وأكاديميًا في الدراسات الثقافية والحضارية، وصناعة المحتوى الثقافي. قيمة هذه الجلسة في طرحها للأسئلة أكثر من تأطيرها للإجابات القاطعة؛ ولا يستغرب متابع إن خرج منها دون إحاطة دقيقة بتعريف المفاهيم الرئيسة التي تناولتها بما في ذلك مفهومها الأساس «الأمن الثقافي»، ورغم تحفظنا على دقة المفهوم باعتبار أن المكون الثقافي مكون واسع، وفيه من المضمون المادي والمعنوي متباينات شتى، وإحاطته بمفهوم الأمن قد يتناقض مع بعض مكوناته الأساسية، ونرى أن مصطلح «أمن الهوية الثقافية» هو المصطلح الأقرب للدقة – في تقديرنا – باعتبار سعي المجتمع ومكونات النظام السياسي والثقافي للحفاظ على المكونات الفريدة والمميزة التي تسم ثقافة ما ومحاولة استدامتها عبر الأجيال، والحفاظ عليها من تأثير عوامل الخارج في أن تفككها أو تغير مضامينها الرئيسة أو تبدل معانيها الاجتماعية. وقد شدني في الجلسة مداخلتين مهمتين طرحتا من قبل الحضور؛ الأولى أكدت على أهمية تحديد عوامل الخطر التي تواجه هويتنا الثقافية حقًا، والنقاش حولها بطريقة محددة وتشخيصها بشكل منهجي. أما الثانية فكانت تتعلق بضرورة تحديد المفاهيم – وهو ما أخذ حيزًا واسعًا من التداخلات – ولكن السائل كان ينبه حول ضرورة استنبات مفاهيم من الداخل ذات خصوصية اجتماعية وتتسق مع طبيعة السياق الثقافي للمجتمع في عُمان، يمكن أن ننطلق منها ونحدد حولها هواجسنا واستفهاماتنا الرئيسة.

ماذا نريد للهوية الثقافية في عُمان؟ - حسب تقديرنا – فإن السياسات التعليمية والثقافية والإعلامية – باعتبارها أكثر السياسات تأثيرًا وصنعًا لمسارات الهوية الثقافية – ينبغي أن تكون أكثر تناغمًا انطلاقًا من الهواجس الرئيسة حول الهوية الثقافية، وفي كل الأحوال فإن المجتمع المراد هو المجتمع الذي ينظر إلى الحداثة بمفهومها وتطبيقاتها الواسعة بطريقة ناقدة، ويتفاوض بشكل مستمر حول تأثيرها، ويشكل فيه التعليم والانتماء وسيلتان لحماية أفراده وخاصة في الأعمار المبكرة من التقليد والانسياق الأعمى، وتمكن فيه المؤسسات التعليمية الأفراد من امتلاك الحدس النقدي تجاه التيارات الثقافية الصاعدة والمتواترة، دون انقطاع عن حركة الثقافة العالمية. وهو في الآن ذاته مجتمع لا ينظر إلى الاستثمار في الثقافة بوصفها عبء اقتصادي أو مكون جمالي من مكونات الدولة، بل هي امتداد للمعنى المراد ترسيخه، وللقيم المراد تأصيلها، وللموروثات المراد نقلها عبر الأجيال، فتكون في هذه الحالة مؤسساته الثقافية متفاعلة مع حركة المجتمع، جاذبة لكل فئاته وأطيافه، وموجهة أطروحاتها ومنتجاتها بما يتسق مع حفظ النسق الثقافي من ناحية، وإكساب الأفراد روح الثقافة من ناحية أخرى.

وما نريده أيضًا للهوية الثقافية في عُمان هو احتفاؤنا بالتنوع الذي أوجدته عوامل التاريخ والجغرافيا، وهذا الاحتفاء ينطلق من تعزيز المحتوى المبتكر حولها على منصات الإعلام التقليدية والحديثة وفي وسائط التعلم والفضاء العام، واعتبار ذلك التنوع واحترامه قيمة مركزية في بقاء وديمومة المجتمع. وأن تكون القيم والممارسات الأصيلة للهوية الثقافية حاضرة ومجسدة في تجديدنا الحضري، احتفالاتنا ومهرجاناتنا، وأن نخصص الأيام والمناسبات الرسمية للاحتفاء بعناصر ثقافية معينة، وأن نوجد التشريعات والنظم الضامنة لاندماج العناصر الثقافية في حياة الأفراد بشكل مستمر، ففي علم الاجتماع تؤكد نظرية التفاعل الرمزية أن الهوية الثقافية ترتبط بشكل رئيسي بكيفية أداء الأفراد لها والتعامل معها في الحياة اليومية. «ويعتمد ضمان الهوية الثقافية على إدراك الرموز الثقافية (مثل: اللباس، واللغة، والطقوس) وإثبات صحة أداء الهوية في التفاعلات الاجتماعية». وهو ما يؤكد ضرورة نقلها بشكل سليم عبر الأجيال، وتعليمها وتعميق مفاهيمها لديهم بشكل جيد.

إذن ما هي الهواجس الرئيسة التي تواجه أمن هويتنا الثقافية؟ وهنا لابد من التأكيد منهجيًا على ضرورة التفريق بين الهواجس المتخيلة/ المتصورة وبين الهواجس الحقيقية، فالطبيعي أن كل مجتمع لديه متخيلات من المهددات التي تواجه ثقافته دون أصل لها في الواقع، وهذه المتخيلات تنشأ نتيجة التفسير غير الدقيق للتحول الاجتماعي أو نشوء بعض المشكلات الاجتماعية. لكن ما يعنينا هنا هي الهواجس الحقيقية التي تقترن بوجود دلائل تأثيرها على الهوية الثقافية، وهي خمسة حسب تقديرنا: أولها ضمور التواصل بين الأجيال واختلاف اللغة الاجتماعية بين جيلين (المفاهيم/ المعتقدات/ التصورات/ رؤية الحياة..)، وثانيها كفاءة النظام التعليمي في تعزيز ملكة النقد تجاه أدوات الحداثة، وثالثها ضعف التفاعل بين منتج المؤسسات الثقافية وبين حركة المجتمع، ورابعها سهولة التعرض للمحتوى الثقافي المعولم مع ضعف وجود المحتوى الثقافي المحلي (المبتكر / المتنوع)، فهل وصلنا فعليًا لمنصات إعلامية جاذبة في محتواها ترتكز على الثقافة العُمانية في إنتاج المحتوى وقادرة على خلق ميزة تفضيلية لدى المتلقي؟، وهل طورنا صناعة الألعاب الإلكترونية بناء على المعطى الثقافي المحلي مثلًا؟، وهل لدينا صفحات على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة قادرة على تغذية الملتقي ثقافيًا ومعرفيًا بشكل مبتكر؟ هذه أمثلة على الطريقة التي يمكن أن يتفاعل فيها المحتوى مع تحولات ذائقة المجتمع وفي نفس الوقت يؤدي دوره في الحفاظ على الثقافة. أما خامس الهواجس فهو في رؤية الهوية الثقافية كـ(مهدد) وليس كـ(فرصة)، وذلك يرتبط بقدرتنا على توسيع نطاق الصناعات الثقافية الإبداعية واعتبارها استثمارًا اقتصاديًا من ناحية، وحافظة ثقافية من ناحية أخرى، ويمكن المؤسسات والدولة والأفراد على حد سواء من تداول العناصر الثقافية رمزيًا وضمنيًا وظاهريًا عبر أدوات الإنتاج وتقنياته الحديثة.

إشارة أخيرة أود أن أقف عليها، وقد أخذت حيزًا واسعًا في نقاشات الجلسة التي أشرت لها، وهي القول بأهمية وجود مراكز وطنية للدراسات الثقافية والحضارية، ورغم عدم اختلافنا على أهمية ذلك في رصد الحركة الثقافية، وإجراء الدراسات والبحوث الدقيقة على تحولات الثقافة وعلى موقفنا الحضاري، إلا أنه لا ينبغي أن يكون الحل السهل والمباشر لكل تحدياتنا ومشكلاتنا هو التوصية بإيجاد مراكز للبحوث والدراسات، قبل أن نسائل الجامعات والكليات القائمة بتنوعها واختلافها عن دورها المركزي في تفعيل هذا الشق المهم، وفي إنجاز برامج بحثية واستراتيجية تعنى بالقضية المطروحة، وفي تتبعها بشكل مستمر، فالمُكن البشرية والمادية واللوجستية تكاد تكون متوفرة، واستدامة المؤسسة في ذاتها تتيح لها أداء هذا الدور، وهو ما سيؤسس لاحقًا في تقديرنا لاستقلالية هذه المراكز بخبراتها ونتاجاتها وكفاءاتها.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

مقالات مشابهة

  • خالد أبو الليل نائبًا لرئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب
  • رئيس البرلمان السنغالي يزور حي حراء الثقافي
  • الزغول يفتتح معرض جماليات الخط العربي في مركز اربد الثقافي
  • التراث الثقافي الفلسطيني الشاهد الشهيد..
  • إلى وزير الثقافة المصري.. نحو حياة ثقافية حقيقية
  • وفد عُماني يستعرض فرص الاستثمار في "معرض تايفكس" ببانكوك
  • أحمد هنو: قصر ثقافة سوهاج يعد منارة ثقافية مهمة في جنوب الصعيد
  • ترميم حصني المنترب والواصل في بدية لحماية التراث العُماني
  • بعثة الحج العمانية تشارك في ندوة الحج الكبرى بجدة
  • لماذا الحديث عن أمن الهوية الثقافية؟