شبكة اخبار العراق:
2025-05-09@09:58:23 GMT

القراءة بين الإبداع والاستهلاك

تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT

القراءة بين الإبداع والاستهلاك

آخر تحديث: 30 يناير 2025 - 10:45 صأ. د. طلال ناظم الزهيري كثيرًا ما يتم تداول المقولة الشهيرة: “القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ”، المنسوبة غالبًا إلى الشاعر الفلسطيني معين بسيسو، كإشارة منه إلى المشهد الثقافي العربي في منتصف القرن العشرين. حيث تُستخدم هذه العبارة بشكل عام من باب الفخر والتباهي للتعبير عن الدور الريادي للعراق في حب القراءة والإطلاع.

غير أن هذا التصور السائد قد يحمل في طياته إشكالية أعمق، إذ يمكن أن يُنظر له باعتباره إشارة ضمنية إلى محدودية الدور الذي يضطلع به المثقف العراقي في سلسلة الإنتاج الثقافي. القراءة وحدها، مهما كانت كثافتها، إذا لم تتحول إلى إبداع فكري أو إنتاج معرفي، تصبح مجرد استهلاك سلبي للمعرفة. إن اختزال المشهد الثقافي العربي بهذه العبارة يمنح العراق دور المستهلك، مقارنة بدوري الإبداع والصناعة اللذين تمثلهما القاهرة وبيروت. القراءة، بوصفها شرطًا أساسيًا للمعرفة، لا تكتسب قيمتها إلا عندما تتحول إلى كتابة أو إنتاج فكري يُضاف إلى الإرث الثقافي. فالتاريخ لا يخلّد القرّاء، بل يكرّم الكتّاب والمبدعين الذين أسهموا بإنتاجهم الفكري في تشكيل الحضارة الإنسانية. لم يسجل التاريخ شخصية عُرفت فقط بكونها قارئة عظيمة، بل خلد أولئك الذين استطاعوا توظيف قراءاتهم في صياغة أفكار جديدة وإنتاج إبداعي يُسهم في تطور الفكر والمعرفة. من هنا، تبدو الإشكالية في ثقافة القراءة إذا ما بقيت مقتصرة على استهلاك المعرفة دون السعي لتحويلها إلى عملية إنتاجية. فعلى الرغم من انتشار القراءة في أوساط المثقفين العراقيين، كثيرًا ما يلاحظ أن الحوارات الفكرية بينهم ترتكز بشكل كبير على اقتباسات مأخوذة من نصوص العلماء والفلاسفة الغربيين والشرقيين، دون أن تكون هناك محاولات واضحة لتقديم رؤى نقدية أو إضافات جديدة تتجاوز حدود النقل. هذا النمط السائد يُكرّس صورة المثقف العراقي كناقل للمعرفة، بدلًا من كونه منتجًا لها، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا أمام تطور الفكر الثقافي والإبداعي. القراءة، في جوهرها، ليست غاية، بل وسيلة للوصول إلى الإبداع والابتكار. غير أن القراءة التي تبقى حبيسة حدود الاستهلاك تظل فعلًا عقيمًا، لا يؤدي إلى التقدم الفكري. والسؤال المحوري الذي يجب أن نطرحه هنا هو: ما الذي يمنع القارئ من أن يصبح كاتبًا؟ وما العوائق التي تحول دون تحول المثقف العراقي من مستهلك للمعرفة إلى منتج لها؟ قد تتعدد الأسباب بين نظام تعليمي يكرس الحفظ والتلقين على حساب النقد والتحليل، وثقافة مجتمعية تخشى الخروج عن المألوف، وغياب بيئة داعمة للإبداع توفر الحوافز اللازمة للكتابة والابتكار. في المقابل، نجد أن الثقافات الإنتاجية، لا سيما في الغرب، تنظر إلى القراءة كجزء من عملية متكاملة للإبداع. الفلاسفة مثل سارتر وديكارت، والعلماء مثل نيوتن وأينشتاين، لم يكتفوا بقراءة من سبقهم، بل تجاوزوا هذه الحدود وأعادوا تشكيل المعرفة بما أضافوه من أفكار جديدة. أما في المشهد الثقافي العربي عامة والعراقي على وجه الخصوص، غالبًا ما نتوقف عند حدود الإعجاب بالنصوص ونقلها دون أن نجرؤ على نقدها أو تجاوزها. واليوم لم يعد ممكنًا الاستمرار في تكرار هذه العبارة دون مراجعة جادة لدورها وتأثيرها في صياغة التصورات الثقافية. القراءة التي لا تنتج كتابة، والكتابة التي لا تضيف جديدًا، كلاهما يشيران إلى ثقافة استهلاكية لا تسهم في تطور الإنسانية. نحن بحاجة إلى منظومة ثقافية جديدة تُحفّز الإبداع والابتكار، وتكسر قيود النقل والتبعية. العبارة “القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ” قد عكست واقعًا ثقافيًا في فترة معينة، لكنها لم تعد ملائمة لعالمنا اليوم. المطلوب الآن هو بناء نموذج ثقافي جديد يُعيد توزيع الأدوار، بحيث يصبح المثقف العراقي ليس فقط قارئًا، بل أيضًا كاتبًا ومبتكرًا يسهم في صياغة مستقبل الفكر العربي. ففي الوقت الذي نتابع فيه الجهود التي تبذلها العديد من المنظمات المحلية في التشجيع على القراءة وإقامة الفعاليات الداعمة لها، إلا أننا نعتقد ان هذه المبادرات تفتقر إلى التوازن، إذ نادرًا ما نرى فعاليات مناظرة تهدف إلى تعزيز الكتابة والإسهامات الإبداعية. القراءة، رغم دورها الأساسي في بناء الوعي وتنمية المعرفة، تظل مجرد خطوة أولى في سلسلة الإنتاج الثقافي. ولا شك أن غياب التركيز على الكتابة يحرم الأفراد من تطوير قدراتهم الإبداعية وتحفيزهم على المساهمة بأفكارهم وتجاربهم. ان تعزيز الكتابة لا يقل أهمية عن التشجيع على القراءة، بل هو الخطوة الطبيعية التي تكمل هذا الجهد، لأن الإبداع هو ما يُخلّد ويُحدث الفارق في تطور الثقافات والمجتمعات.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

خبير تربوي يوضح مزايا البرامج العلاجية لتعليم الأطفال مهارات القراءة والكتابة

أكد دكتور تامر شوقى أستاذ علم النفس التربوي جامعة عين شمس، أنه من القرارات الإيجابية التي اتخذتها وزارة التربية والتعليم هذا العام هي عمل برامج علاجية صيفية للتلاميذ في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية لإتقان القراءة والكتابة قبل تصعيدهم للصف الأعلى.

وهذا القرار يجب استمراره خلال السنوات القادمة نظرا لأهميته في ضوء الاعتبارات التالية:

* أن هذه البرامج تستهدف الأطفال في سن مبكرة وهي السنوات الأولى من التعليم التي يكون فيها الطفل أكثر استعدادا لتعلم مهارات القراءة والكتابة

* إن التدخل المبكر لتعليم الطفل مهارات القراءة والكتابة يكون أسهل وأكثر فعالية مما لو تم التدخل في السنوات أو الصفوف الأعلى والتي قد يثبت فيها تعلم الطفل الأخطاء في القراءة والكتابة

* عدم اتقان الطفل مهارات القراءة والكتابة في سن مبكرة سيولد لديه صعوبات في تعلم كافة المقررات الدراسية لأنها تقوم على هذه المهارات

* افتقاد الطفل مهارات القراءة والكتابة يولد لديه اتجاهات سلبية نحو المدرسة والتعليم بوجه عام، ويجعله يرفض الذهاب إلى المدرسة

* ضعف اتقان الطفل مهارات القراءة والكتابة ينعكس على الطفل بفقدان الثقة في نفسه وإحساسه بالنقص تجاه زملائه، وقد يجعله محل لسخرية زملائه والأفراد الآخرين

* مع زيادة تعلق الطفل بالموبايل والأجهزة الرقمية من المحتمل بدرجة أكبر أن تدهور لديه مهارات القراءة والكتابة، ومن ثم تصبح البرامج العلاجية لتعليم القراءة والكتابة في سن مبكرة أكثر أهمية.

* افتقاد الكثير من أولياء الأمور القدرة على تعليم أطفالهم مهارات القراءة والكتابة والتي قد يكون لديهم قصور فيها يجعل مثل هذه البرامج العلاجية من متخصصين أكثر أهمية.

بوجه عام ينبغي ألا تقتصر هذه البرامج على علاج الأطفال ذوي المستوى الضعيف في مهارات القراءة والكتابة، بل يجب تصميم أيضا برامج اثرائية في هذه المهارات للطلاب ذوي مهارات القراءة والكتابة الجيدة.

مقالات مشابهة

  • مصر جميلة يختتم فعالياته بدمنهور بحفل فني ومعرض للفنون التشكيلية
  • خبير تربوي يوضح مزايا البرامج العلاجية لتعليم الأطفال مهارات القراءة والكتابة
  • خبراء تربويون: البرنامج الصيفي خطوة لتحسين مهارات الطلاب
  • مدرسة الهيال تحتفي بالإبداع والاكتشاف في ملتقى علمي مميز
  • 1049 طالبًا من 8 جامعات.. صاحبة السمو لخريجي مؤسسة قطر «2025»: الشغف المستمر للمعرفة ضرورة للارتقاء الروحي
  • جامعة إقليم سبأ تُتوّج عاماً من الإبداع بحفل ختامي للأنشطة الطلابية
  • في الرد على مقالة «القراءة والاستهلاك»
  • كلمات تطلق مبادرة عالم من القصص لتعزيز المعرفة والقراءة
  • افتتاح أحدث سفارات مكتبة الإسكندرية للمعرفة في جامعة الوادى الجديد
  • نحو بيئة تحفز الإبداع والابتكار.. "الملكية الفكرية":⁩ إصدار 4,355 براءة اختراع خلال 2024