السجال السياسي والفكري مابعد حرب غزة -3-
تاريخ النشر: 3rd, February 2025 GMT
3 فبراير، 2025
بغداد/المسلة:
ابراهيم العبادي
من بين القضايا الفكرية والسياسية التي بقيت محورا للحوارات الساخنة ،يتصدر مصير تيارات المقاومة في المنطقة العربية -تحديدا- العنوان الاول لهذه القضايا ،فالمقاومة -اصطلاحا محددا – ارتبطت بالحركة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها ،واستهدفت استعادة الارض الفلسطينية المحتلة ،واعادة المهجرين والنازحين الفلسطينيين -حق العودة -وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني عبر اقامة دولته على جزء او كل التراب الفلسطيني ،المقاومة فعل الحركات والافراد والمنظمات التي تعهدت بمنع استقرار الاحتلال الاسرائيلي وتوسعه ومصادرته للحقوق الفلسطينية بتواطئ دولي وعجز عربي واختلال ميزان القوى لصالح دولة الاحتلال.
المقاومة الفلسطينية المسلحة والسلمية بتياراتها المتعددة ،الوطنية واليسارية والاسلامية خاضت حربين في آن واحد ،حرب المفاهيم وحرب المدافعة ،حرب المفاهيم ،ركزت على احقية الشعب الفلسطيني في استخدام جميع الوسائل المتاحة لتحرير ارضه ،بالاساليب العسكرية والدبلوماسية والاعلامية والقانونية ، لارغام العدو على الاعتراف بالحق الفلسطيني ،وقد اصطدمت هذه المقاومة بجدار الدعم الدولي لدولة الكيان ،بما فيها قرارات مجلس الامن الدولي ،التي تركت للمقاومة الفلسطينية حق اقامة الدولة على ارض الضفة الغربية وقطاع غزة (7 الاف كيلومتر مربع من اصل 27 الفا)، المقاومة الوطنية وائمت شرعية وسقف مطالبها مع مايمكن تحقيقه عمليا ،المقاومة الاسلامية وجز من المقاومة اليسارية رفضت ذلك وبنت ستراتيجيتها على ابعد من السقف الذي اقتنعت به المقاومة الوطنية ،انتهى الامر بصراع على السلطة في الضفة وغزة ومناكفة مستمرة بلغت ذروتها بما حصل بعد هجوم السابع من اكتوبر ،ثم حديث عن شروط لمنع حركات المقاومة الاسلامية من الامساك بالسلطة في غزة بعد تدميرها وبعد تضحيات هائلة دفعها الشعب الفلسطيني ،ومازالت قضيته بين الاحياء والعودة الى سقف حل الدولتين او ترحيل جزء من الشعب الفلسطيني وتدمير الباقي ومنع قيام الدولة بذريعة وجود حركات اسلامية تشكل خطرا وجوديا على دولة الاحتلال .
حديث المقاومة يتصل بلبنان ايضا كون المقاومة الاسلامية تشكلت وجوديا بدافع مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وكسر شوكته ومنعه من التمدد وفرض شروطه السياسية بضغط من القوة العسكرية .
بعد 7 اكتوبر وتداعياتها الكبيرة على حزب الله ،صار الحديث في لبنان جديا عن جدوى استمرار معادلة الدولة الجيش المقاومة ،بعد ان اختل ميزان القوى مجددا ،وتصاعدت الاصوات المحلية والاقليمية والدولية التي تربط بين اعادة اعمار لبنان وتمتعه بالامن والسلام وبين صياغة معادلة سياسية جديدة ،معادلة حكم ،لايعود فيها حزب الله قويا ومهيمنا وقادرا على املاء شروطه .المعطيات على الارض ليست بصالح الحزب ولا الثنائي الشيعي بعد الزلزال السوري ،وبات مشروع المقاومة الذي انطلق لتحرير الارض والانسان ومواجهة الطغيان والعلو الاسرائيلي ،يواجه استحقاقات كبيرة واسئلة صعبة ترتبط بفلسفة وجوده ومشروعه ، وامكاناته وتحالفاته وعلاقته بالدولة المحكومة بسقوف محلية ودولية ،لايمكن عبورها دونما تضحيات واعادة مراجعة للخطاب والمشروع في ضوء واقع مختلف وجغرافيا سياسية في غاية الصعوبة.
في العراق الذي انخرط بعض فصائله المسلحة في معركة الاسناد ،تبدو معادلة المقاومة -الدولة ،او ثنائية الخطاب والقرار والسلاح ،مرحلة توشك ان تنتهي ،فمن الصعوبة بمكان اقناع المجتمع الدولي وقسم من المجتمع السياسي المحلي ببقاء هذه الثنائية ،العبء السياسي والاقتصادي والامني يحتم مراجعة لفلسفة الوجود والتشكيل ،لايمكن الاكتفاء بسردية الفعل التلقائي الذي يعبر عن نفسه بحتمية وجود مقاومة في مواجهة الاحتلال ،اي احتلال ،العراق ليس محتلا ،والمقاومة في العراق، اذا كانت ضد الامريكان ،فوجود الامريكيين تنظمه اتفاقات الدولة وسلطاتها معهم ،واذا كان ضد المشروع الامريكي -الاسرائيلي في المنطقة ،فهذا المشروع لاتقاومه لوحدها فصائل واحزاب تعاني من مشكلات بنيوية وتأسيسية ووجودها وسلاحها وعملها محل اختلاف كبير وجدل واسع مرتبط بفلسفة وجود الدولة ووظائفها ،فمادامت الدولة قائمة فما مسوغ وجود المقاومة بموازاتها ، الدولة هي التي ينبغي ان تسعى للخروج من حالة الهشاشة امنيا وسياسيا واقتصاديا ، وعلامة قوتها احتكار السلاح ووحدانية القرار والخطاب ، والقدرة على التعامل مع العالم بمنطق المؤسسة القادرة على احقيتها في اتخاذ قرار السلم والحرب ، وفي حرية بناء التحالفات والالتزام بالتعهدات ، والتقيد بالقانون الدولي ، والتصرف وفقا لمقتضيات المصلحة الوطنية ،والمصلحة تتجسد اليوم في حماية امن البلاد وصيانة الاستقرار السياسي ، وضمان معاش الناس وتنمية الاقتصاد، والحفاظ على الوضع المالي مستداما بلا هزات او مطبات ،الدولة في العراق امام محك واختبار كبيرين،الدولة هي خلاصة وجود الامة ومؤشر لارادتها وخياراتها ،الجدل الفكري والسياسي والاعلامي يقود الى الحسم لصالح الدولة ،لان الدول اكبر من المقاومات ومشاريعها وايديولوجيتها ،الدولة هي التجسيد العملي لمصالح وافكار وتوجهات وطموحات الناس ، وجوهر وجود الدولة هو ضمان حرية وكرامة هولاء الناس كما يقول الفقيه والفيلسوف الاسلامي عبدالله الجوادي الاملي ،وهذا القول له مغزى كبير في المرحلة الراهنة ،الآملي كان يتحدث الاسبوع ماقبل الماضي عن فكر المؤسس الاول للفقه السياسي الشيعي المعاصر ،الميرزا النائيني ،حيث تستعد ايران لاقامة مؤتمر علمي عن مدونته وافكاره ،ايران ذاتها التي رعت مشروع المقاومة خارج حدودها ومايزال موقفها يصر على جدوى هذا المشروع ،تواجه اسئلة جادة وحاسمة عن جدوى ستراتيجية باهضة الكلف ،تحت مسمى الدفاع ومناهضة الظلم والاستكبار ،مشروع المقاومة الان تحت ضغط المراجعة ، لانه يستحيل ان تتعايش مؤسسة الدولة في عالمنا المعاصر مع مؤسسة المقاومة باهداف وسقوف توقعات وتضحيات مختلفة .سيستمر هذا الجدل وسيتعمق اذا كانت اجواء الحوار علمية وصادقة تنشد الحقيقة وتهدف الى اداء التكليف كما يردد الاسلاميون.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
سلاح المقاومة… ضمانة الأمن أم وصفة للفوضى؟
بقلم: سمیر باكير ..
في ظل مشهد إقليمي متوتر، واحتلال إسرائيلي ما زال جاثماً على جزء من أرض الجنوب اللبناني، وضعف الجيش الوطني من حيث التسليح والقدرات الدفاعية، يطرح البعض مشروع نزع سلاح حزب الله، في توقيت يبدو أقرب إلى المغامرة السياسية منه إلى أي رؤية استراتيجية.
إن قراءة هادئة لمعادلات القوة في المنطقة، وخبرة اللبنانيين الطويلة مع العدو، تكشف أن المضي في هذا الخيار سيحمل للبنان مخاطر وجودية، من أبرزها:
۱. إزالة عنصر الردع الوحيد الذي حال دون تكرار سيناريو اجتياح 1982، وترك الحدود الجنوبية مكشوفة أمام أي عملية عسكرية مباغتة.
۲. إفقاد لبنان وزنه التفاوضي في ملفات حيوية كالحدود البحرية والبرية وحقول الغاز، إذ أن القوة التفاوضية ترتكز على توازن الردع لا على النوايا الحسنة.
۳. تمكين إسرائيل من فرض معادلات أمنية جديدة على الأرض، كإقامة مناطق عازلة أو نقاط مراقبة دائمة داخل الأراضي اللبنانية، بحجة “الفراغ الأمني”.
۴. توسيع شهية العدو نحو التمدد والضغط السياسي، بعدما يدرك أن الدولة اللبنانية بلا أنياب ولا قدرة على الرد العملي.
۵. إضعاف الجبهة الداخلية عبر إشعال الجدل والانقسام حول هوية لبنان الدفاعية، ما قد يخلق بيئة خصبة للتوترات الطائفية والسياسية.
۶. تشجيع القوى المتطرفة والعملاء المحليين على إعادة تنظيم صفوفهم والتحرك بحرية أكبر في ظل غياب قوة ردع ميدانية.
۷. إخضاع لبنان بالكامل للمظلة الدولية التي أثبتت التجارب أنها عاجزة أو غير راغبة في ردع الاعتداءات الإسرائيلية (كما في حروب 1993، 1996، و2006).
۸. ضرب موقع لبنان في المعادلة الإقليمية وتحويله من لاعب مؤثر يمتلك أوراق ضغط إلى ساحة مفتوحة تتلقى الضغوط والإملاءات.
۹. تآكل ثقة الشارع بقدرة الدولة على حماية المواطنين، وهو ما سينعكس في هجرة العقول ورؤوس الأموال بحثاً عن الأمان.
۱۰. فتح الباب أمام إعادة إنتاج الوصاية الخارجية تحت شعار “حماية لبنان” في حين أن الهدف سيكون التحكم بمساره السياسي والاقتصادي.
إن سلاح المقاومة، الذي ظل موجهاً نحو العدو الخارجي ولم ينخرط في صراعات الداخل، يمثل في هذه اللحظة الحرجة أكثر من مجرد أداة عسكرية؛ إنه مظلة ردع تحفظ الكيان من الانهيار أمام أطماعٍ معلنة. إن نزعه اليوم، بلا بديل وطني قوي، هو خطوة محفوفة بالمخاطر، قد يدفع ثمنها لبنان سيادةً وأمناً واقتصاداً.