الأوبرا تعيد الليلة السنوية "فى حب أم كلثوم" بمعرض الكتاب
تاريخ النشر: 5th, February 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعيد دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتورة لمياء زايد الليلة السنوية في حب الست أم كلثوم والتي تأتي ضمن نشاطها الثقافي والفكري خلال سلسلة "أرواح في المدينة" تقديم الكاتب الصحفى محمود التميمي ويستمر بها مشروعه الثقافي "القاهرة عنواني" لحفظ الذاكرة الوطنية، وذلك في الرابعة مساءً الأربعاء 5 فبراير بقاعة الصالون الثقافي بلازا (2) مركز المؤتمرات بمعرض الكتاب في دورته الـ56، وذلك ضمن فعاليات وزارة الثقافة في عام أم كلثوم وإحياء للذكرى الـ 50 لرحيلها.
يذكر أن ليلة الست أم كلثوم حققت نجاحا جماهيريا وإعلاميا كبيرا عند عرضها في دار أوبرا القاهره والإسكندرية والليالي الثقافية بدولة قطر وتأتي سلسلة لقاءات "أرواح في المدينة" بهدف حفظ الذاكرة الوطنية للمصريين وأطلق من خلالها مشروع "القاهرة عنواني" برعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع النشاط الثقافي والفكري في دار الأوبرا المصرية.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: القاهرة والإسكندرية الدكتورة لمياء زايد الأوبرا المصرية ذاكرة الوطن سلسلة أرواح في المدينة أم کلثوم
إقرأ أيضاً:
عن خطر الذاكرة المثقوبة
يتغير حال الأمم بين القوة والضعف، وبين الغنى والفقر؛ لذلك فإن قوتها الآنية والتراكمية لا تقاس بعتادها العسكري وحده، ولكن بما تستطيع أن تحتفظ به من رصيد في ذاكرتها الجمعية. وذاكرة أي أمة من الأمم تملك قوة تجعلها تصل الحاضر بالماضي، وترسم خطوات المستقبل. وكان هذا الفهم راسخا في وجدان الأمم والشعوب؛ فلا تفرط فيه أبدا.
غير أن عصرنا هذا المتخم بالضجيج والتسارع جعل الذاكرة مثقوبة تتسرب منها الحكايات الكبرى قبل أن تترسخ في وجداننا، وقبل أن نستطيع مراكمتها لتشكل ذواتنا وواقعنا. ما إن يقع حدث حتى يُزاحمه آخر، فيختفي الأول وكأنه لم يكن، ويظل الوعي العام أسير اللحظة يتغذى على مشاهد عابرة تبدو وكأنها بلا سياق، أو أنها منزوعة منه.
والنسيان في ذاته ليس ظاهرة جديدة؛ فقد عرفته كل المجتمعات عبر التاريخ، لكنه اليوم يتخذ شكلا مختلفا؛ فهو لم يعد نتاج الزمن، ولكنه صار نتاج التدفق المستمر والمتسارع للمعلومات المبتورة والمشوهة التي يبتلع بعضها بعضًا، ويناقض بعضها بعضًا. وبهذا المعنى فإن هذا النوع من المعلومات المتسارعة والمتناقضة إذا لم تجد إطارا يحدها في سياق منظومة قيم، أو سردية وطنية، أو مشروع ثقافي؛ فإنها تتبدد سريعا في هذا الفضاء الرقمي الذي لا يبدو أن له ذاكرة قادرة على الرسوخ في الوعي البشري. وهذا في حد ذاته مشكلة كبيرة؛ حيث لا يمكن أن تكون المآسي صالحة لأن تعطينا دروسا وعبرا، ولا تصبح الإنجازات نماذج ملهمة، ولا الأخطاء قادرة على أن تحذرنا، ويتحول كل شيء إلى مجرد ومضات تضيء لحظة، وسرعان ما تنطفئ. وفقدان الذاكرة الجمعية يُفقد المجتمعات قدرتها على فهم ذاتها؛ فأمة لا تستطيع تذكر كيف تجاوزت الأزمات، ولا كيف شيدت منجزاتها لن تعرف كيف تحمي ما تملكه، أو تصنع ما تحتاجه! ومن دون ذاكرة حية وحاضرة في الوعي وفي السلوك يسهل إعادة إنتاج الأخطاء، وكأن التاريخ مجرد دائرة مفرغة تدور في الفراغ، وتتلاشى القدرة على استخلاص العبرة، ويصبح الحاضر كثير الهشاشة، أما المستقبل فإنه يغدو مفتوحا على احتمالات يقررها الآخرون لا نحن.
والحديث عن استعادة الذاكرة، وأهميتها في سياق البناء لا يفهم على أنه حنين إلى ماض ذهب وانتهى، ولكن من المهم أن يكون فهم الأمر على نحو مختلف يتمثل في أن الأمر هو وعي حقيقي بأن كل حاضر بلا جذور معرض للانهيار. إنها عملية وعي مستمرة تبدأ بالتعليم الذي يربط الوقائع بمنظومة القيم، وتستمر بالإعلام الذي لا يكتفي بتسجيل الأحداث، بل يضعها في سياقها الأخلاقي والتاريخي، وتزدهر في الفنون والآداب التي تحول الماضي إلى قوة روحية. فالذاكرة الحية إذن ليست صندوقا مغلقا نحتفظ فيه بالذكريات، ولكن يمكن أن نشبهه بالنهر المتجدد الذي يحمل إلينا منبع الهوية، ويجدد قدرتنا على الفعل.
إذن -والحال كذلك-لا يكفي أن نأسف لما يتبدد ويضيع، ولكن علينا أن نصنع لأنفسنا أدوات الحفظ والمراجعة. والأمر يبدأ من الفرد حين يتوقف أمام الأحداث؛ ليقرأ جذورها لا سطحها، ويسجلها في ذاكرته الخاصة قبل أن تصبح في سياق النسيان، ويمتد الأمر إلى الأسرة التي تروي تاريخها لأبنائها، وإلى المدرسة التي تعلّم وقائع التاريخ بوصفها دروسًا، وليست صفحات امتحان تنفر الطالب منها. ولا بد أن نعي أن الإمساك بالذاكرة هو أحد أهم شرط البقاء، ومقاومة صامتة ضد التلاشي، وبناء لجسر ممتد بين من كنّا، ومن نحن، ومن نريد أن نكون.