تتوالى فعاليات الملتقى الثقافي العشرين لشباب المحافظات الحدودية، بمشروع "أهل مصر"، والمقام بمحافظة المنيا، برعاية دكتور  أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، واللواء عماد كدواني محافظ المنيا، وتنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، تحت شعار "يهمنا الإنسان".

 

بإستضافة 140 شابا وفتاة من المحافظات الحدودية الستة ، شمال سيناء، جنوب سيناء، البحر الأحمر" حلايب والشلاتين وأبو رماد"، الوادي الجديد، مطروح، أسوان، بالإضافة إلى عدد من شباب المناطق الجديدة الآمنة بالقاهرة ، وفي اليوم الثالث من الملتقى الثقافي ، انطلقت جولة جديدة من الورش الفنية والحرفية، بدأت مع ورشة تعليم أساسيات التصوير الفوتوغرافي، قام خلالها دكتور محمد إسماعيل بتعريف المتدربين على أجزاء الكاميرا، أنواع العدسات ومنها: عدسات الزووم، العدسات واسعة الزاوية Wide، عدسة عين السمكة، عدسة المايكرو، من خلال صور توضيحية.

 

تلى الشرح النظري تدريبات عملية شملت ، التقاط صور متنوعة خلال زيارة منطقة مقابر بني حسن، مع التركيز على تصوير الجبل، والمناظر الطبيعية للنيل، مع التعريف بكيفية إعداد فيلم توثيقي لفعاليات الملتقى، برفقة المونتير أحمد فتحي ، وفي ورشة الحفر على الصدف قدم الفنان جلال عبد الخالق نبذة عن أنواع الصدف المختلفة، موضحا ،  أهمية هذا الفن الراقي ، وأشار الفنان الحاصل على براءة اختراع ضمن هذا المشروع الثقافي، أن الصدف المستخدم في مصر يشمل الصدف الأبيض المستخرج من البحر والمحار القادم من نهر النيل، ووجه المتدربين  على ممارسة تلك الحرفة لتصبح مصدرا للدخل لهم.

 

كما عرف الشباب ببعض الموضوعات التي تناولتها الورشة منها ، مشهد شرب القهوة، وخاصة "الجبنة" التي تشتهر بها واحة سيوة. ، وغيرها من القطع الفنية التي تصور العادات والتقاليد في المجتمع السيناوي ، وهناك أيضا قصة "النحاسين"، تلك المهنة التراثية العريقة التي تعتمد على المهارة ، والحصول على "الإيجازة" التي بحسن الخلق أولا،  ثم قيام المتدرب بنقش قطعة من النحاس والسير بها في الأسواق، مستعرضا مهارته لجذب أنظار المارة الذين يمنحونه عملات نقدية صغيرة "السحتوت"، يعود بعدها إلى شيخ الطائفة ليواصل صقل مهاراته ، حتى يصل إلى مرحلة "التمليحة"، وهي الخطوة التي تؤهله للإنتقال من مرحلة "الصبي" إلى "الأوسطي"، ليصبح حرفيا معترفا به.

 

وتواصلت الفعاليات مع ورشة الطرق على النحاس ، قام خلالها المدرب يوسف جلال ، بتعليم الشباب كيفية تصميم لوحات بتقنية الضغط البارز وخامات متنوعة، وفي ورشة الحلي والإكسسوارات ، واصلت المدربة نسرين مجدي تدريباتها على تصميم العقود ، بإستخدام حجر العقيق، بأشكال مختلفة ، بدوره استكمل عماد محمد مدرب الخيامية ، التصميمات الخاصة بالورشة ومنها ، زهرة اللوتس، وشهدت ورشة الأركت مع المدرب أيمن السعدني، تدريبات عملية تضمنت تصميم حامل مصحف، و أبليك إضاءة، ومع المدربة مها محب تعرف المشاركون على أنواع المناديل المستخدمة لعمل الديكوباج وأساليب دمج الألوان.

 

وشهدت ورشة الرزين مع المدرب نادر حسن، تدريبات على تصميم مجسمات مختلفة منها، فازة وأطباق، وحامل ثلاثي، عقب التعريف بخطوات التنفيذ، وقامت المدربة أسماء خميس ، بتدريب الشباب على تنفيذ تقنية طباعة الديكوباج علي الجلد، تمهيدا لتصميم حقائب بأحجام متنوعة ، أما ورشة الرسوم المتحركة ، أوضح دكتور محمد ربيع ، كيفية إعداد مكان التصوير لبدء مرحلة التحريك، بجانب تصميم شخصية بإستخدام الصلصال ، واختتم اليوم مع ورشة الأداء المسرحي ، أوضح خلالها المخرج محمد حسن ، فكرة العرض المسرحي نتاج الورشة، مع التعريف من بأساسيات كتابة النص.

 

الملتقى الثقافي تنفذه الإدارة العامة لثقافة الشباب والعمال، برئاسة أحمد يسري، المدير التنفيذي لمشروع أهل مصر شباب، ضمن برامج الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، برئاسة الدكتورة حنان موسى، رئيس اللجنة التنفيذية لمشروع أهل مصر، ويقام بالتعاون مع إقليم وسط الصعيد الثقافي، بإشراف جمال عبد الناصر، مدير عام الإقليم، وفرع ثقافة المنيا، برئاسة رحاب توفيق، وذلك ضمن فعاليات مكثفة تشهدها المحافظة مؤخرا، عقب إعلان اختيارها عاصمة للثقافة المصرية لعام 2025، خلال الدورة السادسة والثلاثين للمؤتمر العام لأدباء مصر.

 

ويضم الملتقى 11 ورشة فنية وحرفية، ويشهد مجموعة من اللقاءات التوعوية والتثقيفية، بجانب لقاء مع الكاتب محمد ناصف، والدكتورة حنان موسى، كما يشمل: دوري ثقافي، حفلات سمر، وزيارات ميدانية لأشهر الأماكن الأثرية بعروس الصعيد منها: مقابر بني حسن، تونا الجبل، وتل العمارنة، بالإضافة إلى جولة حرة بالمحافظة.

 

مشروع "أهل مصر" أحد أهم مشروعات وزارة الثقافة المقدمة لأبناء المحافظات الحدودية "المرأة والشباب والأطفال" وينفذ ضمن البرنامج الرئاسي، الذي يهدف لتشكيل الوعي، وتعزيز قيم الانتماء والولاء للوطن، ورعاية الموهوبين، وتحقيق العدالة الثقافية.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: أهل مصر فعاليات الملتقى الحدودية المحافظات أهل مصر

إقرأ أيضاً:

محمد سمير ندا: القلق هو الصلاة السادسة التي يصليها العرب جماعة منذ عام 1948

أعلنت جائزة الرواية العربية فوز رواية "صلاة القلق" للروائي المصري محمد سمير ندا بجائزة الرواية لهذا العام. وقد أشادت الدكتورة "منى بيكر"، التي ألقت كلمة لجنة التحكيم من على المنصة، بما في الرواية من تجريب وخدع سردية، مشيرة إلى أن الرواية حوّلت القلق إلى حالة جمالية وحسية، حتى بدا القلق فيها كأنه كائن حي يعيش بيننا. كما أوضحت أن قرار اللجنة جاء بالإجماع على فوز الرواية.

لكن ما حدث في القاهرة كان شيئا آخر، فبمجرد الإعلان عن فوز الرواية، خرجت أصوات عدد من المثقفين تطعن في حيثيات فوز الكاتب، وتطورت الأمور وتعالت النبرات، حتى خرجت عن دائرة النقد إلى مستوى السباب الشخصي الذي طال الكاتب وأسرته. بل تعالت بعض الأصوات لتطعن في هوية الكاتب، لدرجة أن وصفه البعض بالعمالة، وأن ملامحه "يهودية"، بزعم أن الرواية تنتقد شخص الرئيس جمال عبد الناصر وتنكر حرب أكتوبر 1973.

في المقابل، لم يخل المشهد من مناصرين للفائز دافعوا عنه بشدة، وحدث ما يشبه "الواقعة الأدبية" بين مناصر ومهاجم. وفور عودة الروائي محمد سمير ندا من أبوظبي، حيث جرت مراسم تسليم الجائزة، التقيناه في القاهرة، وبدت عليه علامات التأثر الشديد بما جرى. فكان الحوار التالي:

رواية "صلاة القلق" للكاتب محمد سمير ندا الفائزة بجائزة الرواية العربية لهذا العام (الجزيرة) ما الذي تمثله الجائزة بالنسبة لك؟

الجائزة نوع من أنواع التكريم، تكريم ذاتي ومادي وأدبي كبير جدا، ومن حقي أن أفرح، لكن دون أن يأخذني شعور بالتميز أو التفرد أو التفوق على الآخرين.

فالروايات الست التي رافقت روايتي في القائمة القصيرة قرأتها جميعا، ولم تكن هناك فروق كبيرة بينها، وحتى أبناء جيلي من الكتاب في مصر، لست أفضل منهم، بل إن بعضهم يتميز عني بامتلاكه تجربة أطول في الكتابة.

إعلان هل كنت تتوقع أن تفوز؟ وهل كنت تكتب وعينك على الجائزة؟ أو بمعنى آخر: هل كنت تكتب من أجل الجائزة؟

يقال إنني أكتب من أجل الجائزة، أو إن فلانا يكتب من أجل الجائزة. ولمن يردد هذا الكلام، أقول: قل لي ما هي الوصفة أو الطريقة التي أكتب بها من أجل الجائزة؟ أو بصيغة أخرى: كيف تكتب رواية لتفوز بجائزة؟

وبعيدا عن الإساءات، كما يقول البعض، إذا أردت الفوز بجائزة فـ"اشتم رموز مصر" أو "اكتب عن زنا المحارم"! وهذا كله غثاء لا قيمة له. إنما المنطقي الذي ينطلق من مفهوم أدبي أن هذه الرواية، هي رواية جوائز -بمعنى أنها تنتمي إلى النوع الأدبي الذي غالبا ما يلقى التقدير في هذا السياق- وسيبقى لدي الطموح لنيل مزيد من التكريم، الذي أهديه لأبي، وأن أكتب للفوز مرة ثانية.

فالجائزة تمثل دعما معنويا وماديا مهما جدا، لكنها ليست نهاية المطاف، بل هي مرحلة مضيئة في حياتي، وهناك أعمال كثيرة لا تزال في طور الإنجاز.

يعيبون عليك أنك نشرت روايتك خارج مصر، ولم تنشرها في دار نشر مصرية؟

نشرت روايتي في الخارج بعد أن تم تجاهلي في مصر. والرواية مكتوبة باللغة العربية، لذا هي رواية عربية، ويمكن أن تنشر في أي بلد عربي، بل إذا قيد لها أن تنشر في أوروبا، فلتنشر، فبالنهاية، العرب سيقرؤونها أينما كانت.

وما العجب أن تنشر روايتي في تونس أو الكويت أو الجزائر؟ السنعوسي الكويتي نشر روايته في دار لبنانية، ومحمد النعاس الليبي نشر في دار تونسية، ورجاء عالم السعودية نشرت في دار مغربية، وزهران القاسمي العماني نشر في دار تونسية، وإبراهيم نصر الله الفلسطيني الأردني نشر في دار لبنانية.

من بين 18 فائزا بالجائزة، منذ انطلاقها قبل 18 عاما، هناك 11 فائزا لم ينشروا رواياتهم في بلدانهم. والدار التونسية التي نشرت روايتي، وهي "مسكلياني"، فاز من خلالها 3 كتّاب بالجائزة: عماني، وليبي، ومصري، ووصل عبرها أيضا عدد من الكتاب إلى القائمتين الطويلة والقصيرة. ولم يحدث أن أثير من قبل أن كاتبا نشر روايته خارج بلده!

إعلان

ولمن يسوقون هذا الكلام، ويدفعون بتلك الاتهامات، أقول لهم إن الرواية بقيت حبيسة الأدراج ما يقارب من عامين، كنت خلالها أبحث عن ناشر في مصر. وأرسلت رغبتي إلى 3 دور نشر، ولم يكلف أحد نفسه عناء الرد. فقط دار واحدة اتصلت بي، وأشكرهم على اهتمامهم، لكنهم اشترطوا حذف أجزاء أساسية من الرواية بحكم "الرقيب الذاتي"، وهو ما رفضته بالطبع.

ثم أرسلت النص إلى 3 دور نشر عربية. دار لبنانية اعتذرت، ودار ثانية لم تهتم ولم ترد، أما الدار الثالثة، وهي دار "مسكلياني" التونسية، فلم أكن قد أرسلت لها أصلا، لكن الصدفة قادتني إلى التعرف على مدير الدار، وطلب مني أن أرسل له نصا كتبته. فأرسلت إليه رواية "صلاة القلق"، وكانت تلك هي البداية.. وكانت النتيجة: النجاح والفوز.

رواية المذبحة أعلم أنك تعد لعمل أدبي كبير يتناول أحداث المئة عام الماضية، وهو ما يتطلب اطلاعا واسعا على التاريخ والتغيرات الجيوسياسية. فما قراءتك الحالية؟

أعتقد أن الرواية هي الفن الجامع لكل صنوف الكتابة. والرواية التي أكتبها الآن ترتبط بمذابح الأرمن، وتمتد أحداثها من عام 1914 وحتى عام 2011، أي ما يقارب قرنا من الزمان.

وتدور أحداث الرواية على أرض مصر، وفلسطين، وبلاد الشام، والجزيرة العربية، وتركيا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.

ولكي أجهز نفسي لكتابة هذه الرواية، قرأت بطبيعة الحال عددا من كتب التاريخ، لكن الأهم من ذلك أنني قرأت 6 روايات تناولت هذه المذابح، من بينها روايات كتبها شهود عيان أرمن، كانوا حاضرين للمجزرة وعايشوا تفاصيلها.

لكن لماذا اخترت هذا الموضوع بالذات؟

الرواية ليست عن الأرمن كجنس أو كقومية، بل هي في الحقيقة عن الإنسانية. فهي تحاكم العنف والقتل والإرهاب. وهي تحاكم الإنسان الذي تخلى عن رسالته التي أوكلها الله له وأنزله على الأرض من أجل عمرانها. لكني أعتقد أن خراب الأرض سيكون على يد الإنسان، وهو يؤدي مهمة عكسية لما أمره الله به.

إعلان

الرواية تعلي من قيمة الإنسان، ولا أتحدث هنا بوصفي مسلما، بل بوصفي إنسانا. انظر إلى ما جرى في الأندلس، ترى مسيحيين يقتلون مسلمين. وانظر إلى مذابح الأرمن، ترى مسلمين يقتلون مسيحيين. وانتقل إلى مذابح عام 1948 أو ما يجري الآن في غزة، ترى يهودا يقتلون مسلمين. تختلف الهوية والجنسية والديانة والعنف واحد. وهو ما تتحدث عنه سردية الرواية.

وأعتقد أن هذه الرواية ستثير قلقا أكبر مما أثارته رواية صلاة القلق وإن كنت، في الحقيقة، لا أتمنى ذلك.

هل تركت "صلاة القلق" قلقا لديك مما كتب عنها بعد فوزها بالجائزة؟

المشكلة كلها أنني لا أكتب عملا مؤدلجا، أنا أكتب رواية، لا أكتب كتابا في التاريخ، ولا أتحدث عن نظرية سياسية أو اقتصادية أو حياتية، أو أكتب كتابا عن التنمية البشرية. أنا أكتب رواية متخيلة، أبتكر عوالم معينة وأكتب وأقول ما لدي.

وأي كاتب حين يكتب عملا سرديا متخيلا ويحكي بصورة روائية، فلا يمكن أن يحاكم أيديولوجيا. ما عليك إلا أن تحاكم النص، ولا يليق لك أن تتعرض للكاتب وتوجهاته. لكن البعض لم يكتف بذلك، بل تعرض لشخصي، واتهمني بالعمالة، وشتمني في شخصي وفي أسرتي، بل إن أحدهم قال إن ملامحي "يهودية"! وأنا أجمع كل هذه الاتهامات، لأنها طعن في هويتي وانتمائي لوطن أعيش فيه وأحبه، وكلها اتهامات لا صلة لها بالنقد وخروج عن أبجديات النقد الأدبي.

والعجيب أن كثيرين ممن انتقدوا الرواية لم يقرؤوها أصلا، أو قرؤوا جزءا منها ولم يكملوا. ثم أفاجأ بمن يقول إنني "أنكرت حرب أكتوبر"! وهذا طعن في وطنيتي من شخص لم يقرأ أو لم يفهم، لأن الرواية ذات ظرف خاص متخيل، لقرية انعزلت عن العالم تماما لمدة 10 سنوات، ولم تعرف ما جرى خارجها. وأهل القرية كانوا يعيشون لحظة "الانتصار" التي روج لها الإعلام المصري في الأيام الأولى من حرب 1967، حين قيل إن قواتنا على مشارف تل أبيب! وفي ظل حالة التغييب الإعلامي هذه والانتصار الوهمي، انعزلت القرية عن العالم بعد الأيام الثلاثة الأولى للحرب.

إعلان

وما فعلته في تكنيك الرواية هو أنني جعلت هذه الأيام الثلاثة، 10 سنوات في ظل هذا الانتصار الوهمي، حتى عام 1977، ولهذا لم ترد في الرواية لا حرب الاستنزاف ولا حرب أكتوبر.

قلت إنك تقوم بتجميع الإساءات أو الشتائم التي وجهها لك البعض وأرسلتها إلى المحامي. هل تنوي مقاضاة من تعدى عليك بالسب في أسرتك وهويتك؟

هذا أمر لم أقرره بعد، ولكن ماذا أفعل تجاه من سبوا والدي، واتهموني في وطنيتي، وقالوا إنني حصلت على الجائزة بطرق غير نزيهة؟ وأنا شخص لم أسع إلى الجائزة، ولم أنافس أحدا في وظيفته أو مهنته. بل على العكس، أنا رجل أعترف بأنني بعيد تماما عن الوسط الثقافي والأدبي، ولا أنتمي إلى "شلة" أو جماعة ما، ولا أسعى وراء أي مآرب.

وأنا أعمل محاسبا في شركة سياحة لا علاقة لها بالأدب لا من قريب ولا من بعيد، وعلاقتي بالوسط الثقافي تقتصر على أنني أقرأ بنهم، وأكتب متى أشاء. وقد تعرفت إلى مجموعة من الكتاب الكبار أعدهم أساتذتي، مثل إبراهيم عبد المجيد، وأشرف العشماوي.

لم أنتقد أشخاصا هل كانت الكتابة مرهقة نفسيا في رواية "صلاة القلق"؟

أبدا، كانت الكتابة عملية ممتعة. والكاتب متأثر بما مر به وتراكم عليه من أحداث في حياته. عمري الآن 47 سنة، ولم أوجه انتقادا للرئيس عبد الناصر أو لأي شخص بعينه، بل انتقدت مرحلة. هل كفرت وخرجت عن الملة لمجرد أنني قلت هذا في الرواية؟

إذن، ما الذي كتبه الأستاذ نجيب محفوظ في رواية "الكرنك"؟ وماذا قاله فيلم "زوار الفجر"؟ وماذا جرى لأبطال فيلم "إحنا بتوع الأتوبيس"؟ وفيلم "البريء"؟ كلها أعمال فنية تناولت حاكما كان يسجن المواطنين ويعذبهم.

وإذا كان نظام عبد الناصر قد عذب الناس بطريقة وحشية، فماذا كان يفعل صدام حسين إذن؟ الذي حرق شعبه من الأكراد بالكيميائي! وماذا فعل بشار الأسد بمعارضيه؟ وماذا فعل القذافي بمعارضيه؟

إعلان

وما كتبته في الرواية هو نموذج للأنظمة الشمولية، وأنا مصر على هذه النقطة. وهذا النموذج ليس اختراعا مصريا، بل تعرضنا له كما تعرضت له العديد من الدول العربية، وما زالت تتعرض له، من تزييف للوعي وتزوير للتاريخ.

من يكتب التاريخ إذن؟ هل الروائي هو من يتصدى لكتابة التاريخ من وجهة نظرك؟

ما أقوله وأؤكد عليه هو أن الروائي أصدق من المؤرخ، ولقد شهدنا تاريخا مزيفا في كثير من مراحلنا الدراسية، بل حجبت حقب وأحداث تاريخية إرضاء للحاكم، كما حدث مع الرئيس محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر، حيث بقي اسمه وصوره محجوبة في كتب التاريخ والمناهج الدراسية لأكثر من نصف قرن. وما جرى في صور نصر أكتوبر/تشرين الأول خير دليل، إذ أزيلت صورة رئيس أركان الجيش المصري في "حرب أكتوبر"، الفريق سعد الدين الشاذلي، من الصورة الرسمية للحرب.

لكن عندما يكتب الروائي التاريخ، يكون الأمر مختلفا تماما. أستطيع أن أقول لأي شخص: إذا أردت أن تعرف التاريخ الحقيقي لفلسطين، فاقرأ روايات إبراهيم نصر الله، فهو خير من أرخ للنكبة وتاريخ فلسطين. هذا الروائي العظيم كان في رواياته أصدق من كثير من المؤرخين، عبر سلسلة أدبية تحكي التاريخ بكل تفاصيله وأسراره وخباياه. كذلك الكاتب الفلسطيني الكبير وليد الشرفا، الذي أرخ أدبيا لفلسطين التاريخية والحديثة.

وإذا أردت أن تفهم حقيقة المجتمع الكويتي، فاقرأ "ساق البامبو" لسعود السنعوسي، تلك الرواية العظيمة التي قدم فيها صورة دقيقة للمجتمع الكويتي، وأشار إلى العوار في المجتمع، ولم يقلل من قيمة وطنه، ولم يقل إن المجتمع فاسد، بل أضاء على العيوب والثقوب التي بدأت تظهر في ثوب المجتمع. لقد كشف ببسالة عن بعض ما يسكت عنه، وانتقد لأنه أشار إلى مشكلة العمالة الأجنبية في الكويت.

وهذا هو دور الكاتب الحقيقي، أن يرفع الستار عن المسكوت عنه اجتماعيا، حتى لا يعتاد المجتمع على خطايا ويعتبرها حقائق.

إعلان

وهذا هو دور الأدب، دوره ليس السعي لحل مشاكل العروبة، بل الكشف عن عوار المجتمعات، أما الباقي فيرجع إلى وعي المتلقي. ويكفي أن ندرك أن 3 قوانين مصرية تغيرت نتيجة أعمال سينمائية، وهي: "كلمة شرف"، و"أريد حلا"، و"جعلوني مجرما"، وكان سيناريو فيلم "جعلوني مجرما" من تأليف الأستاذ نجيب محفوظ.

الجديد في حيثيات الفوز للجنة التحكيم التي ألقتها الناقدة "منى بيكر" هو أن الرواية اختيرت بإجماع الأصوات، فما الجديد في "صلاة القلق" لتنال هذا الإجماع؟

اللجنة كانت شجاعة جدا وجريئة للغاية، إلى درجة أنها غيرت من مقاييس الجائزة العربية، ورفعت سقف الطموح لدى كل كاتب، وكأنها تقول للكتاب: "لا تخافوا". فهناك فرق بين أن تكتب بمكاشفة، وجلد للذات، ومواجهة للواقع العربي، وبين أن تكتب أرائك بمنتهى الصراحة، وبين أن تكتب أدبا أو أن تسب وتشتم.

والرواية في النهاية عمل فني، ولا فرق بين رواية سياسية ورواية أخرى، الرواية هي عالم أو حالة. فكيف تكتب رواية سياسية من دون أن يكون فيها بشر ومجتمع يغلي سياسيا؟ وكيف تكتب رواية اجتماعية دون أن تمر بالسياسة؟ واللجنة رفعت سقف الطموحات باختيارها رواية "صلاة القلق" بصوتها العالي، رواية جريئة (Bold)، مكتوبة بخط ثقيل، رواية تحمل جزءا من الصدمة، وجزءا من تعرية الجسد العربي المثخن بالجراح والهموم والتناحر.

تخيل أن هذا الجسد العربي أعضاؤه تتصارع مع بعضها البعض! هذا هو واقع العرب وخيباتهم التي لا تنتهي. وها أنت ترى ما يجري في غزة، وكلنا نشاهد ما يحدث على الهواء مباشرة، لكننا لم نتصرف يوما كجسد واحد، بل كأعضاء متفرقة. ولقد كانت هزيمة 1967 المسمار الأخير في نعش نكبة 1948.

اختطاف الوعي هناك أشكال مختلفة للحروب، أما الحرب في "نجع المناسي" فهي حرب مختلفة، أليس كذلك؟

حالة الحرب والحصار التي يعيشها سكان "نجع المناسي" لا تقتصر على أهل النجع وحدهم، فهم صورة مصغرة لكل العرب، وهذا ما قاله لي بعض من قرؤوا الرواية في مسقط. فالرواية، إن رفعنا منها اسم الرئيس عبد الناصر وعبد الحليم حافظ، يمكن أن تحدث في أي نجع أو قرية عربية.

إعلان

والرواية موضوعها هو "اختطاف الوعي"، وهي تدين، بطريقة ما، الحرب المختلقة الوهمية، الحرب التي تصنع عمدا لتقليص سقف الطموح والحرية لدى كل مواطن. فعندما نشيع ونؤكد أننا في حالة حرب دائمة، يصبح المقابل أن تقبل عنوة بالتنازل عن كل الحقوق، مقابل الإحساس بالأمان. وعندما أضعك في هذه الحالة النفسية (السيكولوجية) بشكل دائم، ستكتفي بلقمة عيشك، وأن تبيت ليلتك مستورا، وتكتفي بـ4 حيطان ورغيف خبز.

وإذا تجاوزنا العرب، سنجد أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم أكبر وسيلة لتزييف الوعي لدى العالم برمته. فلقد أعيد تشكيل خرائط العقل البشري عالميا من خلال وسائل "السوشيال ميديا"، ومن يسيطر عليها. ومع ازدياد غزو التكنولوجيا لحياتنا، أصبح اختطاف العقل، وتشكيل الوعي، وتزييف الحقيقة، وتزوير التاريخ، عملية أكثر سهولة على المستويين العالمي والمحلي.

محمد سمير ندا: نحن مراقبون على مدار الساعة، في كل ما نفكر فيه أو ننشغل به (شترستوك) "الموبايل" الأخ الكبير هناك مقاربة كبيرة بينك وبين جورج أورويل من حيث الأفكار، هل ترى ذلك صحيحا؟

أورويل هو المعلم الأكبر، وهناك من قارنوا الرواية بقرية "ماكوندو" في رواية ماركيز "100 عام من العزلة"، ومنهم من قارنها برواية "العمى" لساراماجو، ويُعد الاثنان من أكبر قامات الرواية في العالم. ولا أقارن نفسي بهم، لكن لا أنكر تأثري الكبير بالأفكار نفسها. وبخلاف "الأخ الكبير" عند جورج أورويل، الذي يتكلم عن الشكل الشخصي -وهي صورة متكررة عبر التاريخ- لا أنكر تأثري بالفكرة نفسها، وإن كنت لا أقارن نفسي بعبقرية جورج أورويل. لكني متأثر كثيرا به وعندي التوجه نفسه، ومشغول بعالمه الذي صوره لنا من عشرات السنين.

ورواية صلاة القلق تدور فكرتها حول "التغييب والسيطرة"، أو ما يطلق عليه عند أورويل بـ "الأخ الكبير". والأخ الكبير كما هو موجود في السياق العربي، فهو أيضا حاضر عالميا، في أشكال وسائل التواصل الاجتماعي. فالموبايل الذي بين يديك، لم يعد مجرد آلة تستخدمها، بل هو الذي يستخدمك. فحين تتحدث عن رغبتك في القيام بشيء ما أو شراء بضاعة ما -سيارة مثلا- ترى الموبايل يقوم بعروض متعددة لما أنت مشغول به، فهو يتصنت عليك ويراقبك ويعد عليك أنفاسك. والمفارقة أنك منحته هذه الصلاحية بإرادتك.

إعلان

نحن مراقبون على مدار الساعة، في كل ما نفكر فيه أو ننشغل به. وتجرى إحصاءات ودراسات على أفكارنا وسلوكنا، ولا نعلم حقا ما الذي يراد بهذه المعلومات، ولا ما الذي يخطط له. وهناك دراسات تجرى على الشاب العربي: ما اهتماماته؟ ماذا يشغله؟ ما رغباته وشهواته؟

هل سؤال "ما جدوى الكتابة؟" ما زال يؤرقك؟ وماذا بعد الجائزة؟

ما زال السؤال يشغلني كما كان من قبل، بالرغم من فوزي بالجائزة، فإن الجائزة ليست سوى نقطة مضيئة في حياتي. أنا مشغول بشيء آخر، مشغول بالأثر الذي سيبقى. الآن أقرأ رواية "فساد الأمكنة" للراحل الكبير صبري موسى، التي كتبت عام 1959، وأعيد قراءتها بعد 60 عاما بشغف أكبر. أو إذا ما قرأت "أيام الإنسان السبعة" للروائي عبد الحكيم قاسم، فهل يعلم أحد كم إعلان صدر عنها؟ أو كم جائزة حصلت عليها؟

هذا هو جوهر السؤال حول جدوى الكتابة، أنه بعد 60 عاما أو 100 عام، هل سيتذكر أحد صلاة القلق؟ كم شخصا سيقرؤها؟ وهل سيؤرخ بها لحالة أدبية معينة؟ أتمنى ذلك. ولهذا السبب يبقى السؤال عن جدوى الكتابة، والسعي الذي أحكم به روايتي، سيفا مسلطا على رقبتي ما حييت.

أما سؤال "ما بعد الجائزة"، فهو لا يشغلني كثيرا وغير مهتم به. لأن لدي مشاريع روايات أخطط لكتابتها واستكمالها. ولن أفكر في كتابة شيء يكون بمستوى الجائزة، بل سأنسى كل شيء، وأعود إلى قوقعتي وجهاز "اللابتوب"، وأكتب من جديد. الشهرة والأضواء تزعجني كثيرا، وأفضل أن أتعامل معها ببوصلة خفاش.

ذكرت أنك أصبت بالاكتئاب بعد أن خرجت الرواية من يدك إلى الناشر؟

الروائية السورية مها حسن قالت كلاما مهما عن فكرة "اكتئاب ما بعد الكتابة"، وأنه يشبه اكتئاب ما بعد الولادة، وهذا حقيقي. فالأم تصاب بالاكتئاب بعد الولادة لشعورها بأنها فقدت شيئا منها، جزءا من جسدها بعد أن اعتادت عليه. الأمر نفسه يحدث عندما تكتب رواية وتعيش مع شخوصها، تحاورهم ويكلمونك، وهذا أمر حقيقي، وليس مجرد مجاز.

إعلان

وعندما أكتب عملا ما، يصبح سقف غرفتي، فوق سرير النوم، أشبه بشاشة عرض. وعاشت رواية "صلاة القلق" معي أكثر من عامين، وعندما دخلت مرحلة التدقيق مرة ثم مرة أخرى، بدأت أمل من ملاحظاتهم الصغيرة، حتى قلت لهم في النهاية: "خلاص، مليت وزهقت، لن أطبع الرواية". وكل ذلك كان بسبب كثرة التدقيق والتحوط من دار النشر.

في نهاية مرحلة التحرير، أبلغوني بأن الرواية انتهت تحريريا وستدخل مرحلة التدقيق. وهنا شعرت بأن علاقتي بالرواية قد انتهت، بعد أكثر من عامين من المعايشة الكاملة لكل الأبطال. وهنا شعرت بالحزن، لأني لن أراهم مرة أخرى.

تتحدث كثيرا عن "محابيس الأدراج" من أعمالك التي لم يتشجع الناشرون المصريون لنشرها، فكم عملا جاهزا لديك للنشر الآن؟

لدي في الأدراج 7 روايات قصيرة (نوفيلا)، ورواية كاملة جاهزة للنشر، بخلاف الرواية التي أعمل عليها حاليا، والتي من المتوقع أن تكون جاهزة خلال بضعة أشهر.

مقالات مشابهة

  • 4 جثث و9 مصابين.. أسماء الضحايا والمصابين في انقلاب صحراوي المنيا
  • ختام فعاليات مسابقة الأندية للإبداع الثقافي في نادي دبا بمحافظة مسندم
  • الحزن يخيم على المنيا بوفاة معلم داخل مدرسته إثر أزمة قلبية
  • محمد سمير ندا: القلق هو الصلاة السادسة التي يصليها العرب جماعة منذ عام 1948
  • بالصور.. المركز القومي يحتفل باليوم العالمي للتنوع الثقافي بمؤتمر “الإبداع والهوية – صوت الشعوب”
  • جامعة أسوان تطلق الملتقى الدولي الثاني للهندسة الرياضية
  • جامعة الوادي الجديد تشارك فى ورشة عمل عن إدارة جوائز التميز
  • رشاد عبد الغني: كلمة الرئيس بفاعليات موسم حصاد القمح تؤكد عزم الدولة على تحقيق الاكتفاء الذاتي
  • محمد بن حمد: الفجيرة حريصة على حفظ التراث الثقافي ونشره
  • «معًا بالوعي نحميها».. القومي للمرأة بالقليوبية ينظم ورشة عمل للرائدات الريفيات