عربي21:
2025-08-13@06:15:15 GMT

ظاهرة التكويع.. وجهة نظر نفسية

تاريخ النشر: 9th, February 2025 GMT

أفرزت الحرب السورية من بدايتها نسقا من الظواهر والمصطلحات المعبّرة عنها، ولعلّ آخر هذه الظواهر ما عُرف اصطلاحا باسم "التكويع". فبُعيد سقوط النظام انتقلت فئة من الناس من تأييد النظام السابق إلى تأييد سلطة الأمر الواقع التي أطاحت به، ممثلة بأحمد الشرع، المعروف سابقا باسم الجولاني، ناهيك عن إظهارها أنّها مع الثورة منذ البداية.

فالتكويع هو مصطلح أوجده الشارع السوري لوصف الناس الذين أبدوا تأييدهم للثورة وسلطات الأمر الواقع بعد سقوط النظام وانهياره، متجاوزين حالة التأييد للنظام السابق التي أبدوها في مختلف المناسبات.

تنوع طيف التكويع

ما يثير الانتباه أيضا أنّ مصطلح المكوّع ضم العديد من الأنماط، إذ لم يشمل من يتحولون بسرعة من تمجيد السلطة السابقة إلى تمجيد السلطة الحالية فحسب، بل شمل أيضا من لم يعبّروا عن مواقفهم خوفا من السلطة، ومن يتجنبون السياسة لتحقيق مصالحهم دون مواجهة، أي أنّنا أمام حالة تنميط اجتماعي، فكلّ من لم يظهر سابقا تأييده للحالة الثورية -بصرف النظر عن مبرراته ومخاوفه- هو مكوع، ومرتبط بتنميط اجتماعي محدد.

هذا التنميط الاجتماعي يحمل في طياته أضرارا جمة على النسيج الاجتماعي، فهو يسهم في توحيد الأفراد المختلفين تحت مظلة واحدة، متجاهلا تعقيدات دوافعهم وخلفياتهم، كما أنّ هذا التعميم يضعف الثقة بين أعضاء المجتمع ويعمّق الشقاق والانقسامات
ويبدو أنّ هذا التنميط الاجتماعي يحمل في طياته أضرارا جمة على النسيج الاجتماعي، فهو يسهم في توحيد الأفراد المختلفين تحت مظلة واحدة، متجاهلا تعقيدات دوافعهم وخلفياتهم، كما أنّ هذا التعميم يضعف الثقة بين أعضاء المجتمع ويعمّق الشقاق والانقسامات، ما يزيد من التوتر الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، فإنّ هذا التنميط يقوض حرية التعبير ويجعل الأفراد يترددون في الإفصاح عن آرائهم خوفا من الحكم عليهم سلبا. وعلاوة على ذلك، يعزز هذا التصنيف الشعور بالعزلة والانفصال عن المجتمع، ما يؤثر سلبيا في الصحة النفسية والتماسك الاجتماعي. باختصار، التنميط الاجتماعي بهذا الشكل يعوق الفهم الحقيقي والمتبادل بين الأفراد ويكرّس الانقسام في المجتمع.

هل المكوعون هم مكوعون حقا؟

إذا دققنا في مصطلح التكويع، سنرى أنّ فئة من يتحولون بسرعة من تمجيد السلطة السابقة إلى تمجيد السلطة الحالية لا ينطبق عليها اسم "التكويع"، فالتكويع -كما نرى- هو الانتقال من نسق إلى نسق آخر مختلف عنه، بيد أنّ هذه الفئة لم تتجاوز أي نسق، بل بقيت في حالة تأييد للسلطة، أي انتقلت من تأييد النظام السابق إلى تأييد سلطة الأمر الواقع التي أطاحت به.

فإذا اتفقنا على أنّ المراد بالتكويع هو الانتقال من نسق إلى نسق آخر مضاد، فإنّ هذا المصطلح لا ينطبق على المكوعين "مجازا"، وذلك لأنّهم لم يغيروا نسقهم، بل بقوا في حالة التأييد التي كانوا عليها سابقا، بل كلّ ما في الأمر أنّهم غيّروا من يؤيدونه، من دون أي أسس فكرية أو مراجعة نقدية.

لماذا يكوعون؟

لعلّ السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتجه الناس إلى التكويع، أي الانتقال من تأييد سلطة إلى تأييد سلطة أخرى، أو الانتقال من عدم التفاعل مع الثورة إلى تأييدها بعد إطاحتها بالسلطة السابقة؟

قد يتبادر إلى الذهن أنّ هذا التكويع هو بدافع الخوف من أية أعمال انتقامية ضد الموالين للسلطة السابقة، فيُسارع المكوع لإبداء تأييده للسلطة الجديدة والثورة ماحيا مواقفه السابقة اتقاء لأية أعمال انتقامية، بيد أنّ هنالك ما هو أبعد من هذا التفسير السطحي، فهذه الفئة من الناس لا تستطيع العيش من دون أب سلطوي رمزي، وسقوط الأب السلطوي السابق دفعها مباشرة لتعويضه بسلطة الأب السلطوي الجديد الممثل بالمنتصر على الأب السلطوي السابق. فنحن أمام فئة من الناس تختار عبوديتها اختيارا طوعيا من خلال استبدال الأب الرمزي السابق بأب رمزي جديد يهيمن عليها.

ظاهرة "التكويع" تحمل في طياتها تحديات وفرصا على حد سواء. فبينما تُبرز هذه الظاهرة الحاجة إلى فهم أعمق لدوافع الأفراد وسلوكياتهم في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية، فإنها تفتح الباب أمام فرصة للتفكير في طرق إعادة بناء الثقة والتماسك المجتمعي
وما يلفت الانتباه عند هذه الفئة الجديدة التي أطلقنا عليها مصطلح المكوعين مجازا؛ أنّها تقف في وجه أي انتقاد للسلطة الجديدة التي اتخذتها بمثابة أب رمزي لها وترد على هذه الانتقادات بنفس النسق المصطلحي الذي كانت ترد فيه على انتقادات السلطة السابقة، وهذا نابع في أساسه من رغبتها في تأكيد الولاء لأبيها الرمزي.

بل إنّنا في تعاملنا مع المكوع، نجد أنفسنا أمام ما يُدعى بالشخصية التسلطية، وفقا لثيودور أدورنو وإريك فروم، وتتميز هذه الشخصية بالخضوع للسلطة وتمجيد القوة ومعاداة الجماعات المعارضة. وغالبا ما تكون نتيجة تربية قمعية، إذ تجمع الشخصية التسلطية بين الهيمنة والخضوع، وتُعجب بالقوة وتحتقر الضعفاء، ولا تؤمن بالمساواة.

في ضوء ما سبق، يمكن القول: إنّ ظاهرة "التكويع" تحمل في طياتها تحديات وفرصا على حد سواء. فبينما تُبرز هذه الظاهرة الحاجة إلى فهم أعمق لدوافع الأفراد وسلوكياتهم في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية، فإنها تفتح الباب أمام فرصة للتفكير في طرق إعادة بناء الثقة والتماسك المجتمعي. فمن خلال تعزيز الحوار المفتوح والتسامح، يمكننا تحويل هذه الظاهرة من عامل تقسيم إلى فرصة للتواصل والفهم المتبادل، ما يسهم في خلق مجتمع أكثر استقرارا وتعاونا.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التكويع الثورة مكوع حرية سوريا الأسد حرية ثورة مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السلطة السابقة الانتقال من إلى تأیید

إقرأ أيضاً:

منتجع سمهرم.. وجهة سياحية متكاملة في موسم خريف ظفار

العُمانية: تُشكل المشروعات السياحية والترفيهية رافدًا مهمًّا في دعم فعاليات موسم خريف ظفار، لما توفره من وجهات متكاملة تلبي احتياجات الزوار، وتعزّز الحركة الاقتصادية والتجارية، وتفتح آفاقًا أوسع للاستثمار وتشغيل الكوادر الوطنية.

وتكتسب هذه الوجهات أهمية خاصة خلال موسم الخريف، كونها تمثل مواقع جذب للزوار من داخل سلطنة عُمان وخارجها، وتوفر مزيجًا من التجارب الثقافية والترفيهية والتجارية، إلى جانب دورها في تشجيع ريادة الأعمال ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد المحلي واستدامة النشاط السياحي.

ويُمثّل منتجع سمهرم السياحي إحدى الوجهات في موسم خريف ظفار 2025م، بما يقدّمه من مرافق وخدمات متكاملة تجمع بين التسوق والمأكولات والأنشطة الثقافية والترفيهية، وتستقطب الزوار من مختلف الأعمار.

وقال محمد بن أحمد الحضري، مشرف موقع في منتجع سمهرم السياحي، إن المنتجع يضم معرضًا استهلاكيًّا تنظمه شركة الأوائل لإدارة وتنظيم المعارض والمهرجانات الدولية، بمشاركة ما بين 150 إلى 160 محلًا من مختلف الدول العربية والأجنبية، ويحتوي على أجنحة متنوعة تلبي احتياجات الزوار، إضافة إلى قسم الصناعات الحرفية الذي يضم نحو 28 محلًا لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وأصحاب الدخل المحدود، تحت إشراف هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وأضاف أن الساحة الخارجية تضم مجموعة من المطاعم والمقاهي، وألعابًا للأطفال والكبار، إلى جانب مسرح يقدم مسابقات متنوعة للأطفال وعروضًا فنية، مبينًا أن قسم "ريفل" يضم مقاهي يدير معظمها شباب عُمانيون ويحظى بإقبال واسع من الزوار.

من جانبه، قال مسلم بن عبدالسلام الرواس، صاحب شركة "صار" لتنظيم الفعاليات، إنّ إقامة فعالية "ريفل" هذا العام لأول مرة في المنتجع تأتي استمرارًا للعام الثالث على التوالي خلال موسم خريف ظفار، مبينًا أن الفعالية تضم مجموعة كبيرة من المطاعم، إضافة إلى مساحة ترفيهية عائلية وشبابية، ومسرح يقدم فقرات عُمانية وخليجية، إلى جانب استضافة مواهب وفنانين من سلطنة عُمان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وأضاف أن الفعالية تقدم مسابقات متنوعة للكبار والصغار، وتعمل سنويًا على تشغيل الشباب العُماني من الباحثين عن عمل والأعمال الحرة، موضحًا أن عدد العاملين هذا العام تجاوز 45 شابًا، وسط إقبال جماهيري يعكس نجاح الفعالية كوجهة ترفيهية في موسم الخريف.

وحول انطباعات الزوار، قال سفيان بن غسان الراشدي من محافظة الداخلية، إن منتجع سمهرم يُعد من الوجهات السياحية المميزة للعائلات والزوار، ويضفي تنوع الفعاليات والمرافق الحديثة أجواءً مبهجة تعزز من متعة الزيارة، مؤكدًا على أهمية زيادة المرافق العامة مستقبلًا لتلبية الإقبال الكبير.

كما أوضح أحمد بن علي السعدي من محافظة مسندم، أن زيارته الأخيرة لموسم خريف ظفار عرّفته على التطوير الملحوظ في الفعاليات السياحية والترفيهية، مع تنوع البرامج وتكامل الخدمات، مما يجعل التجربة السياحية أكثر تميزًا.

وأشار السائح محمد الصيعري من المملكة العربية السعودية، إلى أن الفعاليات والأنشطة في منتجع سمهرم تمثل إضافة مميزة لموسم خريف ظفار، لما تجمعه من المتعة والتثقيف، معربًا عن إعجابه بالمعرض الاستهلاكي الذي يضم منتجات محلية متنوعة مثل البخور والعطور، إلى جانب العروض التي تمنح الزوار تجربة تسوق ممتعة في أجواء منظمة وجاذبة.

مقالات مشابهة

  • منتجع سمهرم.. وجهة سياحية متكاملة في موسم خريف ظفار
  • السيولة والمكاسب في بورصة مسقط
  • ترامب لـ”أكسيوس”: توقفت عن تأييد خطط (إسرائيل) لمهاجمة واحتلال مدينة غزة
  • تأييد التحفظ على أموال وممتلكات البلوجر أم سجدة
  • جنايات المقطم: تأييد قرار التحفظ على أموال التيك توكر أم سجدة
  • حاكم الشارقة يوجه بإنشاء مجمع دور الرعاية الاجتماعية ويعتمد منحة العيش اللائق للأسر
  • بالفيديو.. روشتة نفسية للموازنة في العلاقة بين الزوجة والأم الشكاكة الغيورة
  • الطلاق.. عَرض طبيعي أم ظاهرة؟
  • الإفراط في استخدام تيك توك.. 4 مخاطر نفسية وجسدية تهدد المستخدمين
  • ظاهرة فلكية نادرة تزيّن سماء سلطنة عُمان هذا الأسبوع