كيان صمود الوليد – شجاعة وعقلانية في مواجهة الأزمات
تاريخ النشر: 12th, February 2025 GMT
في ظل واقع سياسي مأزوم وحرب مدمرة تلقي بظلالها الثقيلة على السودان، يبرز موقف التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" كعلامة فارقة في المشهد السياسي السوداني. هذا الكيان الذي أُعلن عنه رسميًا، واختار العمل السياسي الجاد كبديل للسجالات العقيمة، يمثل خطوة جريئة تتطلب شجاعة سياسية، وعقلانية نادرة في تاريخ السودان الحديث.
التحالف الجديد: ضرورة وليس خيارًا
لم يكن تأسيس "صمود" مجرد رد فعل على حالة التشرذم السياسي، بل جاء استجابةً لحاجة ملحة إلى توحيد القوى المدنية والديمقراطية في مواجهة الأزمة الراهنة. من خلال اختيار نهج الحوار والعمل المشترك، أثبت القادة الذين انخرطوا في هذا التحالف أنهم قادرون على تجاوز الخلافات التقليدية والانخراط في مشروع وطني يرتكز على مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة.
شجاعة في زمن التشظي
تاريخ السودان السياسي، منذ الاستقلال، اتسم بالكثير من الاضطراب وعدم الاستقرار، وغالبًا ما طغت العواطف والصراعات الفئوية على العمل الوطني الجاد. في هذا السياق، تُحسب للقيادات التي أسست "صمود" شجاعة سياسية نادرة، حيث اختارت العمل من أجل إيقاف الحرب وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي المستدام بدلاً من الانخراط في مواجهات عبثية تزيد من تعقيد المشهد.
رؤية استراتيجية للعمل المدني
يتمايز "صمود" عن غيره من التحالفات السابقة بتركيزه على التنظيم المؤسسي والانخراط العملي في حل الأزمة السودانية. هذا النهج يعكس إدراكًا عميقًا بأن المسؤولية التاريخية تتطلب قرارات جريئة ومواقف موحدة، بعيدًا عن المناكفات السياسية التي عطلت مسيرة السودان لعقود.
إشادة وتقدير للقيادات المؤسِّسة
من المهم الإشادة بالقيادات التي تجاوزت الحسابات الحزبية الضيقة ووضعت مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. إن قرارهم بالعمل ضمن هياكل مؤقتة يقودها الدكتور عبدالله حمدوك هو تأكيد على أن الأولوية الآن ليست للمناصب أو النفوذ، بل لوقف الحرب ووضع السودان على طريق الاستقرار والديمقراطية.
المدرسة السياسية الواقعية لما بعد ثورة ديسمبر المجيدة
يُعد تحالف "صمود" امتدادًا لروح ثورة ديسمبر المجيدة، حيث يتجلى فيه الإذعان لقيم الشهداء والانحياز المطلق للثورة. هذا التحالف يضع نصب عينيه تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها الشعب السوداني، والتي لا تزال قائمة رغم التحديات والمصاعب.
موقف يُسجل في التاريخ
ستحفظ الذاكرة السياسية المعاصرة لقادة "صمود" هذا الموقف النبيل، حيث اختاروا العمل الجاد على الأرض بدلًا من الخطابات الرنانة. إن نجاح هذا التحالف في إيقاف الحرب وتحقيق السلام العادل سيكون علامة مضيئة في التاريخ السوداني الحديث، ودليلًا على أن السياسة يمكن أن تُمارس بعقلانية وحكمة.
الأمل في المستقبل
إن تشكيل التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" يبعث برسالة واضحة مفادها أن الإرادة الوطنية قادرة على تجاوز المحن. فمع الإصرار والتكاتف، يمكن للسودان أن يخطو نحو مستقبل أكثر استقرارًا، حيث تُبنى الدولة على أسس العدل والديمقراطية بعيدًا عن الفوضى والدمار.
كل التقدير لهؤلاء القادة الذين اختاروا طريق العقلانية والعمل الجاد.. فالتاريخ لن ينسى هذا الموقف الشجاع.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
سوق العمل في مواجهة العاصفة التكنولوجية والحاجة إلى سياسات استباقية
مرتضى بن حسن بن علي
في عصر التطورات التكنولوجية والتحولات العالمية السريعة، سوف يشهد سوق العمل العُماني والعربي، تحولات جذرية بسبب تقدم الذكاء الصناعي والرقمنة والتكنولوجيا، وهو اتجاه بدأ يعم العالم. هذه التطورات ستؤدي إلى اختفاء عشرات الآلاف من الوظائف التقليدية وظهور وظائف جديدة أخرى ذات رواتب عالية.
وبما أن أكثر الوظائف في عُمان والبلدان العربية، هي وظائف تقليدية، فإنَّ عملية تسريح الموظفين عامة والمواطنين خاصة، سوف تتسارع، كما سوف تزداد نسبة البطالة بشكل كبير خلال السنوات المُقبلة ما لم تأخذ الجهات المعنية إجراءات سريعة ومنظمة لمواجهة التحديات القادمة.
وفيما يلي نرصد الوظائف التقليدية المُهددة بالاختفاء، والتي تمثل الجزء الأكبر من الوظائف التي يشغلها المواطنون:
الوظائف الإدارية والكتابية الروتينية؛ مثل: كتَبة البيانات، والموظفين التقليديين في البنوك، بسبب التحول إلى الخدمات الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والرقمنة. وظائف التصنيع اليدوي: مع انتشار الروبوتات والآلات الذكية في المعامل، ستقل الحاجة إلى الأيدي العاملة. الوظائف الزراعية التقليدية بسبب تقدم التكنولوجيا الزراعية (مثل الزراعة الذكية والروبوتات الحصادة). وظائف البيع بالتجزئة: مع نمو التجارة الإلكترونية، سوف تختفي أو تقل تدريجيا وظائف البائع في المراكز والمحلات التجارية. وظائف الوساطة (كالسماسرة)؛ حيث إن المنصات الرقمية ستربط المستهلكين مباشرة بالخدمات. وظائف السياقة ومحطات البترول: سوف تختفي هذه الوظائف بسبب التوسع في السيارات ذاتية القيادة والسيارات الكهربائية. وفي الولايات المتحدة فقط، من المتوقع إلغاء نحو 300 ألف وظيفة سياقة سنويًا بدءًا من عام 2030، كما ستختفي وظائف العاملين في محطات البترول بسبب انتشار السيارات الكهربائية. عمال الطباعة: سوف تختفي وظائف الطباعة بسبب التحول الرقمي.وظائف البنوك
هناك حديث مستمر حول قدرة البنوك على تشغيل المواطنين. ولكن لن يستمر هذا الوضع طويلا؛ ففي ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، سوف تشهد الصناعة المصرفية تحولات جذرية تؤثر على وجود الفروع المادية وإغلاقها وسوف تقوم البنوك بتسريح عدد متزايد من الموظفين.
وهناك اتجاهات عالمية باختفاء فروع البنوك التي توظف النسبة الكبرى من الموظفين.
ومن المتوقع أن تتراجع أعداد فروع البنوك بشكل ملحوظ؛ فعلى سبيل المثال أغلقت البنوك الأمريكية أكثر من 2454 فرعًا خلال العام الماضي فقط، والذي تمخض عنه تسريح آلاف الموظفين، بسبب التحول نحو الخدمات الرقمية.
وفيما يتعلق بأسباب الإغلاق، فإنها تتمثل في المحافظة على الأرباح وزيادتها عن طريق تقليل أعداد الموظفين وتقليل الفروع المُكلفة. وكذلك تفضيل العملاء للخدمات الرقمية؛ حيث إن 59% من الفئة العمرية (16- 24 سنة) يعتمدون على تطبيقات الهواتف الذكية لإدارة حساباتهم. فضلًا عن تحسُّن التطبيقات المصرفية التي تتيح إجراء معاملات معقدة كتحويل الأموال ومراقبة الحسابات لحظيًا.
تأثير التكنولوجيا المالية (FinTech)
أدت منصات الفنتيك إلى تقليل الحاجة للوساطة المالية التقليدية، مثل السماسرة، عبر ربط المستخدمين مباشرة بالخدمات. ونؤكد أن التغيير حتمي، لكن الفرص أكبر لخلق وظائف جديدة ذات رواتب عالية إذا تمَّ التخطيط الاستباقي.
أما الوظائف الجديدة التي ستظهر، فهي كما يلي:
1- وظائف التكنولوجيا المتقدمة:
- مطورو الذكاء الاصطناعي، خبراء البيانات الضخمة (Big Data)، ومهندسي إنترنت الأشياء (IoT).
- مُختصو الأمن السيبراني وحماية الخصوصية الرقمية.
2. وظائف الطاقة المتجددة:
- فنيو الطاقة الشمسية والرياح، ومهندسو كفاءة الطاقة.
3. الوظائف الصحية:
- أخصائيو الطب التخصيصي والجيني، وفنيو الروبوتات الجراحية.
- مُقدمو الرعاية الصحية عن بُعد (Telemedicine).
- وظائف التكنولوجيا الحيوية.
- مهندسو الذكاء الاصطناعي.
4- وظائف الاقتصاد الرقمي:
- مُسوقون رقميون، مُحللو سلوك المستهلك، ومُطورو منصات التعلم الإلكتروني.
- مُصممو الواقع الافتراضي (VR) والواقع المُعزَّز (AR).
5- خبراء إدارة النفايات، ومهندسو البيئة، ومُخططو المدن الذكية.
6- وظائف الرعاية والخدمات الإنسانية:
- مُدربو المهارات النفسية، ومرشدو التوازن بين العمل والحياة.
ولا شك أن اختفاء وظائف تقليدية وظهور وظائف جديدة ليس بشيء جديد؛ إذ يحصل ذلك عند ظهور أي تقدم للتكنولوجيا وظهور اختراعات جديدة. فعلى سبيل المثال، شهدت أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة فتنوعت الأبحاث والتجارة؛ لتشمل مختلف فروع العلم ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية الأولى خلال القرن التاسع عشر. ونتج عن ذلك عمليات التصنيع الكيميائي الجديدة وإنتاج الحديد، وازدياد استخدام الطاقة البخارية والمائية وتطوير أدوات الآلات.
وقد كان للثورة الصناعية الأولى الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء في أوروبا أو خارجها. وبدأت الثورة الصناعية في بريطانيا وبدأت الآلة بالإحلال بدل الإنسان في عدد من المجالات. وعندما بدأ الجميع يدرك أنه لا يمكن الرجوع إلى الخلف وتخلوا عن مقاومتهم للآلة وبدأ الجميع تدريجيا يتدرب على الآلة. معظم جوانب الحياة اليومية تأثر بها بطريقة ما. وبدأ متوسط السكّان يشهد نموًا مستدامًا غير مسبوق، وتحسن مستوى المعيشة لجميع السكان في العالم الغربي.
وكما فعلت الثورة الصناعية الأولى واكتشاف الآلة البخارية والكهربائية في بريطانيا فإن الثورة التكنولوجية الحالية حقبة تاريخية جديدة سوف تؤدي إلى تغيرات واسعة في أنماط الحياة. سوف توفر فرص عمل جديدة ذات رواتب عالية وتُلغي بالمقابل فرص عمل هائلة من الوظائف التقليدية. وإذا لم نبادر وبسرعة بتحسين التعليم والتدريب بصورة جذرية، فإنَّ البطالة سوف تتفاقم بشكل غير مسبوق مثلما حصل في بريطانيا وأوروبا بعد الثورة الصناعيّة الأولى.
وكيفية إدارتنا لمواردنا البشرية والتكنولوجية تؤدي دورًا حاسمًا في تحديد قدراتنا على مواجهة التحديات القادمة والاستفادة من الوظائف الجديدة ذات الرواتب العالية. وإذا لم نتدارك الأمور وبسرعة، فإن التقدم التكنولوجي الحديث سوف يكون عبئاً ثقيلاً على كواهلنا، وبالعكس فإن التكنولوجيا سوف تنطوي على منفعة عالية لنا. ولا ريب أن كيفية إدارتنا لمواردنا البشرية والتكنولوجية تسهم بدور كبير في تحديد قدراتنا على مواجهة التطورات التكنولوجيّة الحاصلة.
إن التاريخ يأتي دائماً ليقدم قوائمه بالفائزين والخاسرين؛ ذلك أن التغييرات الاقتصادية والتكنولوجية، شأنها شأن الحروب والدورات الرياضية، لا تنطوي في العادة على منفعة لجميع الأطراف. ومن ينتفع بالتقدم هي الجماعات والأمم التي غدت قادرة على تسخير العلوم والوسائل الحديثة لمصلحتها، فيما لحق الضرر بالأمم الأخرى الأقل استعدادًا للاستجابة للمتغيرات التكنولوجية والثقافية والعلمية.
رابط مختصر