في المقال السابق، قمت بتسليط الضوء على الأخطاء التي ارتكبها الجيش السوداني وتجربته خلال الفترة التي تلت تأسيس الدولة السودانية الحديثة، حيث اعتبرت هذه الأخطاء من العوامل التي ساهمت في الفشل وعرقلت تطور الدولة السودانية . وسأستمر في سرد هذه القصة المؤلمة.
لم يتمكن الجيش من القضاء على التمرد في دارفور، فقام بخطوة محفوفة بالمخاطر، غير مكترث بتداعيات ذلك على الأمن القومي للسودان أو على وضعه الدستوري، حيث كان من المفترض أن يقتصر دوره على احتكار العنف والسلاح وحماية الشعب.

بدلاً عن ذلك، قام بتسليح القبائل العربية في دارفور وتكليفها بالقتال نيابة عنه ضد المتمردين، مما أطلق العنان لطغيانها و وحشيتها في وجه البسطاء والعزل من مواطني الإقليم . وبموافقته، تم تجنيد أبناء القبائل العربية و تدريبهم زيادة تسليحهم، و تحت قيادته ارتكبت تلك القبائل فظائع ومجازر وقتل على الهوية ضد مواطنين سودانيين، متجاهلاً عمدًا مسؤوليته الدستورية في حمايتهم والدفاع عنهم. استمرت الحرب في دارفور لمدة تقارب 20 عامًا، وتفاقمت مع ظهور تمرد الحركة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق ولم تخبت نارها الى في اتفاقية سلام جوبا الهشة في عام 2020 و التي لا يزال مصيرها مجهولا .
لم تستقر الأوضاع في البلاد، ولم ينعم الشعب السوداني بالسلام، إذ سرعان ما اندلعت حرب جديدة بين الجيش والقبائل العربية التي قام بتقنين وضعها من خلال تشكيل ما يُعرف بقوات الدعم السريع، وجعلها جزءًا من قيادته العسكرية. لا تزال الحرب مستمرة حتى الآن، ولم يجد الجيش خيارًا آخر سوى استخدام القوة العسكرية لحسم التمرد، فالوضع هذه المرة مختلف تمامًا، حيث نشب الصراع في قلب معسكره وهدد وجوده.
من يتأمل في التاريخ الحربي للجيش السوداني يلاحظ أن القاسم المشترك الأكبر بين تلك الحروب هو اعتماد الجيش على الحلول العسكرية، ويُقصد بالجيش هنا قيادته العليا التي استمرت في التدخل في الشأن السياسي – رغم أنه ليس من اختصاصها وفقًا لقوانينها – على مدى ستين عامًا من تاريخ الدولة السودانية. ولم تفكر هذه القيادة ولو لمرة واحدة في أن سبب المشكلة هو تدخل الجيش باستخدام الحلول العسكرية لمشكلة سياسية، وأن إصرار الجيش على الحلول العسكرية ناتج عن عدم امتلاكه للأدوات اللازمة، ففاقد الشيء لا يعطيه.
ان العقل الذي قضى 60 عامًا في الإطار العسكري، و هو يرى الكمال في أسلوب تفكيره وحلوله المطروحة ، يجعلنا نتفهم تمامًا إصراره على اعتماد المقاربة العسكرية كخيار أول يتبادر إلى ذهنه عند مواجهة أي مشكلة.
وبعد التصريحات التي أدلى بها الفريق ياسر العطا مؤخرًا، و الخطاب الذي القاه الفريق البرهان . و المؤشرات التي توحي برغبة الجيش بالبقاء في المشهد السياسي و ربما لسنوات مقبلة ليست بالقصيرة يحق لنا أن نتساءل: أما آن الوقت للجيش السوداني أن يتعلم من أخطاء الماضي، ويتجنب تطبيق نفس الوصفة الفاشلة التي استخدمت لمعالجة التمرد على الدولة السودانية على مدى 60 عامًا السابقة ، متوقعا تحقيق نتائج مختلفة؟
ونضيف إلى هذا السؤال سؤالًا آخر بالغ الأهمية:
هل آن الأوان للجيش السوداني أن يدرك أن سبعين عامًا من فشل الدولة السودانية الحديثة بعد الاستقلال، والتي قضى منها 60 عامًا في سدة الحكم، تكفي لتوضيح أنه يتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية هذا الفشل، وأنه يجب عليه الانسحاب من المشهد السياسي و الاكتفاء بأداء واجبه المنوط به والذي يبدوا أن الواقع أثبت و للأسف فشله أيضا في إنجازه .

yousufeissa79@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدولة السودانیة للجیش السودانی

إقرأ أيضاً:

الأربعاء.. عرض "رفرفة" ضمن التجارب النوعية على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي

يشهد مسرح قصر ثقافة الأنفوشي، في الثامنة مساء بعد غد الأربعاء، العرض المسرحي "رفرفة" ضمن عروض الموسم الحالي، التي تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، والمقدمة بالمجان بفرع ثقافة الإسكندرية، في إطار برامج وزارة الثقافة.

 

 

قصة مسرحية رفرفة 

العرض تجربة نوعية لقصر ثقافة الأنفوشي، تأليف إيهاب جابر، فكرة وإخراج أكرم نجيب، ويناقش قضية الصراع من أجل السيطرة على الموارد باعتبارها المفتاح الحقيقي للسيادة والسلطة، ويقدم العرض بإشراف الكاتب محمد ناصف، نائب رئيس الهيئة، من خلال الإدارة المركزية للشئون الفنية برئاسة الفنان أحمد الشافعي.

  مشروع "التجارب النوعية" 

ويعد مشروع "التجارب النوعية" أحد أشكال الإنتاج المسرحي التي تتيحها هيئة قصور الثقافة سنويا لشباب المبدعين، وتشمل تقديم أعمال مسرحية تعتمد على الابتكار والتجديد من خلال تجارب في الفضاءات المفتوحة أو الأثرية وغيرها من الأماكن، لإثراء المشهد المسرحي ودفعه نحو آفاق جديدة.

    صناع عرض رفرفة

"رفرفة" إنتاج الإدارة العامة للمسرح برئاسة سمر الوزير، وينفذ بالتعاون مع إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، بإدارة محمد حمدي، وفرع ثقافة الإسكندرية، بإدارة د. منال يمني.

 

مقالات مشابهة

  • الأربعاء.. عرض "رفرفة" ضمن التجارب النوعية على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي
  • فضل الله: الدولة قادرة على حشد عناصر القوة التي تملكها لمواجهة الاعتداءات
  • “عجول”.. توزع أضاحي على متحركات الجيش السوداني شمال كردفان
  • ماذا يعني نشر الحرس الوطني في لوس أنجلوس؟.. نماذج التجارب السابقة
  • بعد قصفه الخميس الماضي.. الجيش يدخل مشروع الكاظم في المريجة
  • كلمة الدكتور جبريل إبراهيم محمد رئيس حركة العدل والمساواة السودانية إلى الشعب السوداني الأبي بمناسبة عيد الأضحى المبارك
  • الغلوسي يحذر من تكرار الأخطاء التي وقعت في الماضي على خلفية المس بالمكتسبات الحقوقية
  • ما هي الشبكات التي تحكم كوكبنا حقا؟
  • تحذير إسرائيلي: مشاهد الجوع غير الأخلاقية في غزة أفقدتنا الشرعية الدولية التي نحتاجها
  • ماذا يتعلم أبناؤنا؟