الدوحة – اتفق مشاركون في منتدى الجزيرة على أن العدالة الانتقالية في دول ما بعد النزاعات ليس لها نموذج يمكن تطبيقه في البلدان كافة، لكنها تتشارك في العديد من القيم والأسس التي يجب أن توضع في الاعتبار في مراحل تأسيس أنظمة جديدة للحكم لضمان عدم تكرار المآسي السابقة.

وخلال جلسة بمنتدى الجزيرة الـ16، الذي يختتم اليوم الأحد بالدوحة، بعنوان "العدالة الانتقالية في دول ما بعد الصراع.

. فرص وتحديات"، أكد المشاركون على أهمية الإسراع في جبر الضحايا ومحاسبة المسؤولين، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار الانتهاكات السابقة، مشددين على أن أحد أهداف العدالة الانتقالية هو تحقيق المصالحة المجتمعية.

وحذر المشاركون في الجلسة من أن عدم توفر بنية تعمل على العفو والصفح بعد المحاسبة ستفضي إلى خلق مجتمع يعيش على أمل الانتقام والثأر والملاحقات، مشددين على ضرورة تأسيس ثقافة مجتمعية تقوم على أسس سليمة من النصح الديني والثقافي وتؤسس لمرحلة جديدة من الحياة المشتركة بين أبناء المجتمع الواحد.

ودعت الجلسة إلى ضرورة إنشاء هيئة مستقلة تضم شخصيات قضائية وحقوقية نزيهة ومن الضحايا لكي يكونوا شهودا على عملية تحقيق العدالة الاجتماعية، مشيرين إلى أن هذه العدالة مرهونة بتحقيق سيادة القانون والتوافق الوطني الواسع.

الجلسة دعت إلى إنشاء هيئة مستقلة تضم شخصيات قضائية وحقوقية نزيهة (الجزيرة) قيم وأفكار مشتركة

في هذا السياق، أكد وزير العدل وحقوق الإنسان الأسبق في المغرب محمد أوجار أن من أهم المحطات في العدالة الانتقالية هي ما يطلق عليها جلسات الاستماع العمومية، مستشهدا بالتجربة المغربية في ذلك حيث تم حينها تنظيم جلسات مؤثرة في كل الأقاليم والمدن والقرى، ونقلها مباشرة عبر التلفزيون.

إعلان

ووصف أوجار التجربة المغربية في تحقيق المصالحة والإنصاف بأنها من "أنجح التجارب في الوطن العربي وأفريقيا"، موضحا أن السؤال الذي تطرحه كل الشعوب بعد أي تغيير لنظامها أو بعد أي ثورة هو كيف يمكن معالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وتعويض الضحايا وجبر الضرر واتخاذ التدابير اللازمة لكي لا يتكرر ما حدث؟

وشدد على أنه لا يوجد نموذج واحد للعدالة الانتقالية، ولكنْ هناك قيم مشتركة وأفكار عامة تشترك فيها كل التجارب، فحينما انتقلت إسبانيا والبرتغال واليونان مثلا من أنظمة دكتاتورية شمولية إلى أنظمة ديمقراطية، قررت هذه الدول أن تطوي صفحة الماضي دون أن تقرأها ودون لجوء إلى العدالة الانتقالية أو إلى محاسبة المسؤولين.

وأكد أوجار أنه لا يمكن لعدالة انتقالية أن تنجح "إلا إذا قامت بها دولة قانون قوية، دولة تقف على المسافة نفسها من كل الفصائل ومن كل التيارات، ولها مشروعية انتخابية ومدعومة بتوافق وطني واسع، وأهم شيء لنجاح العدالة الانتقالية هو إشراك حركة الضحايا، فلا بد للضحايا أن يساهموا في إنجاح هذه العملية"، مشددا على أهمية إنشاء هيئة مستقلة تضم شخصيات قضائية حقوقية نزيهة ومن الضحايا لكي يكونوا شهودا على العملية.

عطور: إذا لم تتوافر الإرادة الوطنية لا يمكن إنجاح العدالة الانتقالية لتحقيق الإنصاف.#منتدى_الجزيرة16#aljazeera_forum16 pic.twitter.com/jBeH1OQCtJ

— Al Jazeera Forum – منتدى الجزيرة (@aljazeeraforum) February 16, 2025

إعادة بناء

من جانبه، أكد أستاذ القانون الدولي محمود برهان عطور أن قضية العدالة الانتقالية تؤسس لموضوع أعمق، لأن العدالة هاجس لكل إنسان وليس مفهوما جديدا، والعدالة في النظام الدولي تحتاج إلى إعادة بناء جديد من أجل التأسيس لمرحلة أكثر عدالة وإنصافا على المستوى الدولي.

وقال عطور إن الغياب المزمن للعدالة انعكس على منطقتنا العربية خلال ثورات الربيع العربي، حيث انطلقت الجماهير بسبب الطغيان وغياب العدالة، فكانت المطالبات بداية بالإصلاح، وعند تعذر الإصلاح وعدم إمكانية إصلاح الأنظمة القائمة تمّ التحول للمطالبة بتغيير هذه الأنظمة لتأسيس مرحلة جديدة يكون للشعب فيها الدور الأساسي في حماية حقوقه والدفاع عن حرياته وبناء مستقبل أفضل.

إعلان

وأوضح أن التحديات أمام العدالة الانتقالية في سوريا أو غيرها من الدول كبيرة للغاية، منها تحديات سياسية وتشريعية وتنظيمية وثقافية، لأن أحد أهداف العدالة الانتقالية هو تحقيق المصالحة الاجتماعية.

الجلسة ركزت على ضمان عدم تكرار المآسي وانتهاكات حقوق الإنسان (الجزيرة) عدم تكرار المآسي

من جهته، قال رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان محمد النسور إن الهدف من العدالة الانتقالية هو ضمان عدم تكرار المآسي، مشيرا إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا مثلا لم تبدأ خلال آخر 14 سنة، بل منذ 54 سنة من غياب احترام حقوق الإنسان.

وفيما يتعلق بإنشاء هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية، قال إنه ليس هناك نموذج واحد للعدالة الانتقالية يمكن تطبيقه على جميع الدول، فلكل دولة خصوصيتها، قائلا "خلال وجودي في دمشق مؤخرا لمست أن هناك سوء فهم لمصطلح العدالة الانتقالية، فالبعض يتحدث عن أنها عدالة مخففة بمعنى أنه يجب أن نتجاوز هذه المرحلة لأن هناك تحديات أخرى، وبالتالي فإن المحاسبة أو إقامة محاكمات يمكن أن يؤدي إلى بطء في التحرك نحو مستقبل سوريا".

وتابع "هذا الفهم خاطئ، فلابد من تطبيق العدالة الانتقالية بكافة عناصرها، وبالتالي يجب أن تكون هناك إرادة سياسية، وقد سمعنا تصريحات من الرئيس السوري أحمد الشرع والحكومة الانتقالية بهذا الاتجاه نحو العدالة الانتقالية"، داعيا إلى تأسيس هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية ترسل رسالة سياسية واضحة بأن مستقبل سوريا مستقبل يحترم حقوق الإنسان.

عبد الغني: نحتاج إلى هيئة حكم لإصدار إعلان دستوري يتضمن نصًّا لتأسيس هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية.#منتدى_الجزيرة16#aljazeera_forum16 pic.twitter.com/2k7fHbLpHM

— Al Jazeera Forum – منتدى الجزيرة (@aljazeeraforum) February 16, 2025

إعلان خصوصية سوريا

أما مؤسس ومدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني فأكد أن لسوريا خصوصية كبيرة بسبب طول النزاع الذي استمر 14 سنة، وبسبب حجم الانتهاكات التي مورست خلال النزاع، حيث إن هناك 115 ألف مختف، فضلا عن أعداد هائلة من الضحايا وملايين اللاجئين.

وشدد عبد الغني على ضرورة أن يكون هناك تصور لهيئة الحكم في سوريا تشرف على إصدار إعلان دستوري يتضمن نصا لتأسيس هيئة العدالة الانتقالية، وعدم العودة لدستور 2012 أو دستور عام 1950.

وتابع أن هناك حاجة لتحقيق العدالة لضحايا النظام السابق حيث يوجد 13 مليون مشرد و7 ملايين نازح، فضلا عن مئات الآلاف من القتلى والسجناء، مؤكدا أن سوريا لا بد أن تنشئ محاكم خاصة تختص بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية و"هي غير موجودة حاليا في البلاد".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات منتدى الجزیرة حقوق الإنسان هیئة مستقلة

إقرأ أيضاً:

مئات الضحايا بهجوم إسرائيلي قرب موقع توزيع مساعدات في غزة

أحمد عاطف (غزة)

أعلنت السلطات الصحية في قطاع غزة، أمس، مقتل 32 شخصاً على الأقل وإصابة 232 آخرين، في المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في المنطقة المخصصة لتوزيع المساعدات غرب محافظة رفح جنوب قطاع غزة، ومنطقة «نتساريم» وسط القطاع.
وأوضحت السلطات أن جميع أقسام الطوارئ والعمليات والعناية المركزة، تشهد حالة من الازدحام الشديد من جراء الأعداد الكبيرة التي تصل إلى مجمع ناصر الطبي نتيجة الإصابات التي تم نقلها، فيما لا يزال هناك أعداد أخرى في عداد المفقودين، نتيجة عدم قدرة طواقم الإسعاف والدفاع المدني على الوصول إليهم.
وأشارت إلى وجود نقص شديد في جميع المستهلكات الخاصة بالجراحة والعمليات والعناية المركزة، داعية الأهالي كافة إلى التوجه للتبرع بوحدات الدم نتيجة النقص الشديد الذي يشهده مجمع ناصر الطبي.
من جهته، حمل المركز الفلسطيني للمفقودين والمخفيين قسراً في بيان، المسؤولية الكاملة للجيش الإسرائيلي عن المجزرة التي طالت عشرات الفلسطينيين.
وأكد المركز أن المجزرة استمرار لسياسة ممنهجة في استدراج المدنيين إلى مواقع خطرة، وتحويلها إلى كمائن قاتلة، نتج عنها تفاقم أعداد المفقودين في ظروف يصعب فيها التتبع أو التوثيق الميداني المباشر.
وفي السياق، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أمس، مقتل 49 فلسطينيا وإصابة أكثر من 305 آخرين، منذ الثلاثاء الماضي، جراء استهداف الجيش الإسرائيلي لمركزي توزيع مساعدات تشرف عليهما تل أبيب بالتعاون مع شركة أميركية، في جنوب ووسط القطاع.
وأوضح المكتب في بيان «استشهاد 32 فلسطينياً وإصابة أكثر من 250 آخرين، منذ فجر الأحد، بينهم عشرات الحالات الخطيرة، في مدينة رفح ووسط القطاع».
كما قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أمس، إن إصرار إسرائيل على الاستمرار في آلية توزيع المساعدات على النحو الحالي في قطاع غزة، يؤكد استخدامها لها «أداة إضافية لمنظومة الإبادة الجماعية» بحق المدنيين الفلسطينيين.
وقال المرصد في بيان، إن «فريقه الميداني وثّق إطلاق الجيش الإسرائيلي النار فجر الأحد، على آلاف المُجوّعين الفلسطينيين في رفح بموقع توزيع مساعدات».
وأضاف: «جميع الوقائع الميدانية تؤكد المخاوف السابقة من تحول آلية إسرائيل لتوزيع المساعدات المفتقرة لأدنى المعايير الإنسانية، إلى مصيدة لإعدام المدنيين ميدانيًا».
ووجهت إسرائيل، وفق البيان، الفلسطينيين نحو «طريق يُفترض أنه آمن ثم استهدفتهم برصاص مُسيّرات كواد كوبتر وقذائف الدبابات بمجزرة هي الأكبر بحق المُجوَّعين».
وأردف البيان أن «مسلحي الشركة الأميركية لتوزيع المساعدات أطلقوا قنابل الغاز تجاه الجموع الفلسطينية، بالتزامن مع الاستهداف الإسرائيلي».
واعتبر المرصد «إصرار إسرائيل على الاستمرار في آلية توزيع المساعدات على هذا النحو، يؤكد استخدامها الآلية كأداة إضافية في منظومة الإبادة الجماعية بحق المدنيين بالقطاع».
إلى ذلك، اعتبر جوناثان ويتال، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين «أوتشا»، أن النموذج الجديد لتوزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، الذي يجري تنفيذه بدعم أميركي وبإشراف شركات أمنية خاصة، يشكل خطراً مباشراً على المدنيين، ويخالف المبادئ الأساسية للعمل الإنساني، إضافة إلى كونه غير فعال.
وقال ويتال، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن النظام الجديد يعتمد على 4 نقاط توزيع في وسط وجنوب القطاع، ويخضع لرقابة أمنية مشددة من قبل شركات خاصة، ويجبر السكان على التنقل في ظروف خطيرة للحصول على حصص غذائية محدودة.
وأشار إلى حادثة اقتحام عشرات الآلاف من المدنيين لإحدى نقاط التوزيع الواقعة على أنقاض منازلهم، مما يعكس حالة اليأس المتفاقمة، ويؤكد أن النظام الجديد ليس حلاً إنسانياً، بل جزء من معاناة السكان المستمرة.
وشدد ويتال على أن المنظومة الجديدة تتعارض مع جوهر العمل الإنساني، الذي يقوم على الحياد والشفافية، والوصول إلى جميع المدنيين من دون تمييز، مؤكداً أن الأمم المتحدة رفضت المشاركة في هذه الخطة منذ البداية، ووصفتها بأنها غير قابلة للتنفيذ لوجستياً، وتنتهك المبادئ الإنسانية باستخدام المساعدات كوسيلة لإجبار السكان على الامتثال لخطط تهجير غير معلنة.
ونوه المسؤول الأممي، بأن النظام الذي تنفذه الأمم المتحدة ووكالاتها الإنسانية لتوزيع المساعدات أثبت فاعليته، خاصة خلال فترات الهدنة، حيث تمكنت الفرق من إيصال المساعدات إلى المحتاجين بكفاءة عالية، لافتاً إلى أن المشكلة ليست في قدرة الأمم المتحدة، بل في القيود المفروضة عليها.

أخبار ذات صلة فلسطين.. جهود متواصلة لتأمين رواتب الموظفين قبل عيد الأضحى الأردن يؤكد ضرورة تكثيف الجهود العربية لوقف الحرب في غزة

مقالات مشابهة

  • تطبق لأول مرة.. قرارات صعبة تنتظر الطلاب في امتحانات الثانوية العامة 2025
  • شمام: مطلب تشكيل هيئة وطنية تأسيسية تتجاوز الأجسام السياسية لا يمكن تجاوزه
  • قصف مدفعي إسرائيلي مكثف يستهدف شمال قطاع غزة ويخلف عشرات الضحايا
  • مراسل سانا في حلب: بدء عملية تبييض السجون من الموقوفين بين مديرية الأمن الداخلي في حلب وقوات سوريا الديموقراطية، حيث يبلغ عدد الأسرى حوالي 400 شخص من الطرفين
  • رقم صادم.. الأونروا تكشف عدد الضحايا من الأطفال في غزة
  • رئيس مجلس مفوضي هيئة الأوراق والأسواق المالية: بعد رفع العقوبات والانفتاح على الاستثمارات العربية والدولية ستكون سوريا الجديدة أرضاً خصبة للفرص الاستثمارية، ووضعنا رؤية طموحة تليق بإمكانيات بلادنا وقدراتها نحو المستقبل
  • مئات الضحايا بهجوم إسرائيلي قرب موقع توزيع مساعدات في غزة
  • رئيس الوزراء السوداني الجديد يصدر قرار بحل الحكومة الانتقالية
  • الجيش السوري الجديد بين قواعد الإدارة الانتقالية والانفلات الأمني على الأرض
  • بتهم إبادة جماعية في سوريا .. جلسة أولى لمحاكمة الشرع في مصر