ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
تاريخ النشر: 19th, February 2025 GMT
ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024
(5-13)
إهداء المؤلف لكتابه:
"إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)".
بقلم سمية أمين صديق
نواصل الحديث عن كتاب الدكتور عبدالله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام، والذي انطوى، عبر تسعة فصول، على الإجابة عن الكثير من الأسئلة، وعلى رأسها السؤال الذي وسمنا به سلسلة مقالاتنا هذه: ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟ ونواصل الحديث استكمالا للحلقة السابق. تناول المؤلف دعوة الأستاذ محمود محمد طه للدستور الإنساني، يقول المؤلف: يتيح تطوير الشريعة الإسلامية على أصول القرآن، كما يري محمود محمد طه، الفرصة لوضع الدستور الإنساني انطلاقاً من قرآن الأصول ومن ثم قيام الحكومة الإنسانية. والدستور الإنساني، يجعل المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق وليس بالدين أو الجنس أو العنصر أو اللون. أو أي اعتبار آخر. ويكفل الدستور الإنساني الحقوق الأساسية للجميع، حق الحياة، وحق الحرية، و ما يتفرع منهما، و لا يوجد حجر على حرية المواطنين و على حرية الفكر و العقيدة. وفي هذا المستوي، كما يقول طه: "لا يُسأل الإنسان عن عقيدته، وإنما يُسأل عن صفاء الفكر، وإحسان العمل". ومن هنا، حيث المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق، كما يقول المؤلف، إن محمود محمد طه يرى بأنه لا يقع تمييز ضد مواطن بسبب دينه ولا بسبب عدم دينه، وبهذا تنتقل الفضيلة، من قوة العضل، إلى قوة العقل، و قوة الأخلاق، ولن يكون حظ المرأة، في هذا الميدان، حظاً منقوصاً، و إنما هي فيه لتبز كثيراً من الرجال. وبهذا، كما يقول المؤلف: ينتفي الاستضعاف والتهميش والإقصاء، فلكل مواطن الحق في أن يعتقد ما يشاء من الأفكار و الأديان وكل مواطن يحمل افكاراً مهما كان دينه أو مذهبه، أو كان ملحداً او لا أدري… إلخ، فله الحق أن يدعو لأفكاره بالوسائل الديمقراطية. فالملحد، "يطرح أفكاره وإلحاده لمصلحته و لمصلحة المجتمع و يواجه الآخرين" في وسائل الإعلام و منابر الحوار. كذلك المواطن غير المقتنع بالإسلام و لديه فكر، فمن حقه أن يدعو بالوسائل الديمقراطية للفكر الذي يعتنقه، و على من لديهم معرفة بالإسلام أن يواجهونه بالفكر والحجة ويردونه عن أفكاره.
ويوضح عبد الله أن الإسلام في هذا المستوي، مستوي آيات الأصول، وهو المستوي العلمي، كما يقول الأستاذ محمود محمد طه: " يعيش في مجتمعه جميع المواطنين على احترام وتساو بينهم (بحق المواطنة لهم كل الحقوق) ولا يميز ضد أحد باعتبارات المِلة" كذلك في متطلبات و شروط الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية مثلاً، ليس هناك داعي أن يكون من بين الشروط أن تقول "أنّ رئيس الجمهورية لازم يكون مسلم" و إنما يجب وضع القامة المطلوبة في الكمالات الإنسانية التي يراها الناس من أجل الترشيح للمنصب. فالديانة هنا ليست شرطاً و إنما الكمالات الإنسانية. ويشتمل الكتاب على المزيد من التفصيل عن موضوع الدستور الإنساني.
الموقف من الصوفية
"الصوفي يخلو إلى الله في خلوته ليبني شخصيته ثم يبرز لخدمة المجتمع في جلوته"
محمود محمد طه، 1972
في هذا المحور أجاب المؤلف، كما أوضح وفصل، عن جملة من الأسئلة التي تكررت عليه، ووجهت إليه في العديد من المنابر الحوارية والندوات العلمية في الجامعات، ومن تلك الأسئلة: هل محمود محمد طه صوفي؟ وما موقفه من التصوف؟ وما هو رأيه في الطرق الصوفية؟ هل لديه مفهوماً جديداً للصوفية؟ وقياساً على دعوته لتطوير الشريعة السلفية، هل للحقيقة قابلية للتطور مثلما هي قابلية الشريعة للتطور؟ وهل في التصوف رأي سلفي متخلف؟ وهل يختلف الصوفي المعاصر عن الصوفي القديم؟ وفي الإجابة عن الأسئلة عن التصوف الإسلامي وموقف الأستاذ محمود محمد طه، منه وحوله، كما ورد أعلاه، يقول المؤلف: (يرى محمود محمد طه بأن حقيقة القرآن الكريم، لا تعرف عن طريق القراءة، وإنما تعرف عن طريق الممارسة في تقليد المعصوم، النبي الكريم محمد بن عبد الله، عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، عبادة، وسلوكاً، وهو ما سُمي، في أُخريات الأيام، بالتصوف. ويقول إن التصوف مركوز في الإسلام إذا ما رُفع إلى حياة النبي، وهو الزهد و الإصرار علي القيمة، وهذا جوهر التصوف، الزهد و الإصرار على القيمة. والتصوف هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والصوفية هم اتباع السُنة المحمدية، وهم أنصار السنة المحمدية. هنا يجب الاحتراز، فليس المقصود، كما يُبين محمود محمد طه، أنصار السنة الذين يدعونها على عهدنا الحاضر ويجعلون وكد تعاليمهم الاعتراض على الأولياء وعلى سقف الأمة الصالحة.) . ويواصل المؤلف ليوضح:( والسنة النبوية غير الشريعة، لأن السنة النبوية هي عمل النبي في خاصة نفسه و هي (طريق محمد)، وهو القائل: "قولي شريعة، وعملي طريقة و حالي حقيقة". إن سائر الأمة مكلفة بالشريعة، وليست مكلفة بالسُنة بكل تفاصيلها، و إنما هم مندوبون إلى مايطيقون منها، وفقاً لقوله تعالي :(قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ). وعن موقف التصوف من الشريعة الإسلامية، يوضح محمود محمد طه، قائلاً: إن التصوف ليس ضد الشريعة، و ليس خارج الشريعة، لأن التصوف يري أن الشريعة هي طرف الحرف للكلمة وهو يريد أن يدخل للمعنى). وزاد المؤلف في التفصيل والتبيين.
النبي في خاصة عمله هو عُمدة الصوفية
"الفكرة خطها صوفي لكنها مرحلة لم يصلها صُوفي بعد"
محمود محمد طه، 1968
يقول المؤلف: التصوف الإسلامي، في حقيقته، وإن كان الاسم لم يظهر إلا مؤخراً، هو تقليد السيرة النبوية، والنبي، في خاصة عمله، قبل البعث، وبعد البعث، هو عمدة الصوفية". لقد ازدهر التصوف في القرون السبعة التي تلت القرن الثالث، وكانت قمته في القرنين السادس و السابع، ثم لحق به التبديل، والتغيير، والضعف ما لحقة، مما نراه الآن. و بين المؤلف، موضحاً، أن التصوف الإسلامي، يرجع في الأصل كما يقول، محمود محمد طه، إلى النهج النبوي، فالنبي كان صوفياً بمعني أنه زاهد، و أنه صاحب قيمة، ينظر إلى قيم الأشياء، فلا يقدم الفاضل على المفضول. وعنده الدنيا وسيلة الآخرة، ولا يمكن أن يضع أي أمر من أمور الدنيا أمام أمر الآخرة حتي قيل عنه :"كان محمد كأنما نُصب له علمٌ فشمر يطلبهُ". ( والسنة النبوية، كما يري محمود محمد طه، لم تغادر صغيرة ولا كبيرة نحتاجها في أمر ديننا إلا بينتها، و من ها هنا فليس هناك موجب لابتداع البدع. والبدع هي كل ما لم يعمله النبي في خاصة نفسه.) وعن دخول الصوفية واتباعهم، إلى المغارات فكان ذلك، بعدما استيأس أنصار الدين من صلاح أمر الناس، ففروا بدينهم إلى المغارات والفلوات والكهوف ليقيموا الدين في أنفسهم، من غير أن يتعرضوا إلى منازعة السلطة الزمنية ويقول عبد الله أن ذلك العمل لم يكن من البدع، و إنما هو سُنة بيد أنها سُنة النبي قبل البعث أيام تحنثه في غار حراء. وعند الصوفية كل عمل النبي قبل البعث وبعده، إنما هو عمل مسدد و موجه ومرعي، ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين). ويقول صلي الله عليه وسلم في إشارة إلى هذه الحقبة من حياته (أدَّبني ربَّي فأحْسن تأديبي). وهنا يلفت عبد الله النظر توكيداً لما جاء في الفصل السابق :( أن محمود محمد طه قد اعتكف في خلوة امتدّت لمدة خمس سنوات ..، و مما تجدر الإشارة إليه أيضاً، أن الإسلام في السودان على الخصوص، دخل على أيدي الصوفية الذين، كما يوضح محمود محمد طه أحبهم السودانيون و أحبوا الدين الذي حملوه إليهم فتغلغلت روح الدين بين الشعب و برز رجال التصوف السوداني الذين ظلوا يحملون راية التربية و الإرشاد خلفاً عن سلف حتي وقت قريب.
ثم يواصل المؤلف في الإجابة عن العديد من الأسئلة منها: هل محمود محمد طه صوفي؟ وما هو موقع الفكرة الجمهورية من خريطة التصوف؟ وهل أتي محمود محمد طه بمفهوم جديد للصوفية؟ وما الفرق بين الصوفي السابق والصوفي المعاصر؟ وقياساً على دعوة محمود محمد طه لتطوير الشريعة الإسلامية الحاضر (الشريعة السلفية)، هل في التصوف رأي سلفي؟ وهل للحقيقة قابلية للتطور مثلما هي قابلية الشريعة للتطور؟ أجاب المؤلف عن هذه الأسئلة بتفصيل، وأدعو القراء للاطلاع على الإجابات في الكتاب موضوع دراستنا.
بعض ما يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين
العنوان أعلاه هو عنوان الفصل الثالث من الكتاب. يقول المؤلف إن هذا الفصل، يقدم محاولة، للتوسع في إجابة عن سؤال مركزي كثيراً ما طُرِح عليه في المنابر العامة، والمقابلات الإعلامية، وفي اللقاءات الخاصة، ووضح بأن هذا السؤال قد ورد، كذلك في ندوات ومحاضرات كانت في تونس، والمغرب والعراق، ولبنان، وألمانيا، وغيرها، وكان آخرها في الجزائر خلال شهر يونيو 2023. ويقول عن تلك المناسبة:( لقد كنت مشاركاً في ندوة دولية بمدينة وهران، الجزائر، بعنوان: الإنتاج المعرفي للمؤسسات الدينية في شمال إفريقيا: الرهان ومتطلبات الواقع المعاصر، وقد قدمت ورقة كانت بعنوان: "إنتاج المعرفة الدينية في السودان وموقف مؤسساتها من تجديد الخطاب الديني: مشروع الفهم الجديد للإسلام نموذجاً" فجاء سؤال من أستاذة جامعية، بعد تقديمي للورقة على النحو الآتي: ما الذي يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين؟ و تضمنت الإجابة عن هذا السؤال، رداً على ثلاثة أسئلة، تقول: ما هو مصدر معرفة محمود محمد طه؟ وكيف بدأ محمود محمد طه؟ وإن كان محمود محمد طه قد وصل، كما أخبرنا في محاضراته، حتى قال له النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "ها أنت وربك"، فكيف وصل محمود محمد طه؟ وكيف بدأ؟ كذلك نجد في هذا الفصل إجابات على أسئلة أخرى تكررت في معظم المحاضرات التي قدمها المؤلف والندوات العديدة التي شارك فيها ومن ضمن تلك الأسئلة: لمن قرأ الأستاذ محمود محمد طه؟ هل تتلمذ على مُفكر بعينه؟ و هل قرأ لأي من المُفكرين الإسلامين المُعاصرين؟ و بمن تأثر من المفكرين في تطوير أفكاره؟ وماهي نقطة الخلاف مع المفكرين الإسلامين؟
يقول عبد الله: ( يصعب في تقديري، رصد كل ما يميز محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين، ولكنني أقدم هنا بعض المميزات التي استطعت رصدها، وقد يلتقي بعض المفكرين معه في طرف منها ، ومرد اللقاء في بعض هذه المميزات إلى أن العقول كبيرة تلتقي، كون المعلم واحد، كما يقول محمود محمد طه :"الله هو المعلم الأصلي"
قدم الكتاب سبع مميزات، وفصل فيها، كما أجاب على الأسئلة أعلاه، وقد بين المؤلف أن بعض هذه الأسئلة كان قد طُرح على الأستاذ محمود محمد طه منذ الخمسينات و ستينات وسبعينات القرن الماضي، وأجاب عليها، كما أجاب على سؤال آخر ظل متجدداً، كما أنه لم يغب عن الكثير من محاضرات مؤلف هذا الكتاب ومحاضراته ولقاءاته بالمثقفين، والسؤال هو: هل أخذ محمود محمد طه من مُحي الدين بن عربي ( 558هـ –648 هـ/1164 م– 1240 م)؟ وهنا يضيف عبدالله: (بل يجزم البعض، بدون احتراز أو ورع علمي، بأن محمود محمد طه أتي بمعارفه من ابن عربي). وقد ذكر عبد الله بأن الأستاذ محمود محمد طه قد أوضح بأن "ما جاء به لم يأت به السابقون حتى ولا ابن عربي فهو جديد كل الجدة". وأضاف عبدالله بأن الأستاذ محمود ذكر، قائلاً: "من يأخذ معارف الآخرين، هو نبات ظِل، فأنا لا آخذ معارف الآخرين..". ثم قدم المؤلف المزيد من التفصيل في إجابته مبيناً موقع ابن عربي مما أتي به الأستاذ محمود محمد طه، وبتوسع. كما أضاف المؤلف، قائلاً: (و في ندوة قدمها المؤلف (الدكتور عبدالله الفكي البشير) في منبر حواري ببرلين -ألمانيا، كانت في يوليو 2023، سألته أستاذة جامعية، قائلة :( لاحظنا توافق في بعض مما جاء به محمود محمد طه مع ابن رشد (1126م– 1198م) فهل يمكن القول إن محمود محمد طه أخذ من ابن رشد أو تأثر به؟.
قدم المؤلف إجابات مفصلة عن كل هذه الأسئلة التي وردت أعلاه وغيرها، كما لخص سبع مميزات تميز بها المفكر محمود محمد طه عن المفكرين الآخرين. كذلك أجاب بتوسع عن الأسئلة القائلة: لمن قرأ محمود محمد طه؟ وبمن تأثر من المفكرين؟ وما هي نقاط الخلاف مع المفكرين الإسلاميين؟ وما هي غاية الفهم الجديد للإسلام؟ ولمَّا كانت الغاية هي إنجاب الفرد الحر حرية فردية مطلقة، وإن كل شيء في الرسالة الثانية من الإسلام، هو وسيلة إلى انجاب الفرد الحر حرية مطلقة، وكذلك المجتمع، والإسلام، و القرآن، والعبادات من باب أولى.. فما هي الوسائل التي يتم بموجبها إنجاب الفرد الحر؟ أجاب المؤلف عن هذا بتفصيل، متناولاً ما أوضحه الأستاذ محمود محمد طه عن الوسيلتين، وذكر المؤلف، أن الوسيلة الأولى هي: وسيلة المجتمع الصالح، كون "المجتمع و سيلة موسلة لحرية الفرد"، وفصل المؤلف في ذلك. والوسيلة الثانية لإنجاب الفرد الحر، كما يقول المؤلف، هي المنهاج التربوي العلمي الذي يواصل به الفرد مجهوده الفردي. وهذا المنهاج، كما أضاف المؤلف، هو تجسيد حياة محمد الإنسان، النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما بينه الاستاذ محمود محمد طه في كتابه: طريق محمد. ويوضح المؤلف بأن الطريق هو النهج العملي الذي يوصل إلى الله، أي الحضور مع الله. وقد قدم المؤلف المزيد من التفصيل.
نلتقي في الحلقة السادسة، وهي تتمحور حول لماذا يقول المؤلف المفكر محمود محمد طه؟ وأحيانا المبشر محمود محمد طه؟ ومن أين جاء المؤلف بصفة المفكر والمبشر للأستاذ محمود محمد طه؟ وتتناول الحلقة كذلك تربية التلاميذ وتكوين المجتمع الجمهوري، وإعداد الدعاة الجدد (الإخوان الجمهوريون والأخوات الجمهوريات)، وما هي أساليب الدعوة؟ وعن أركان النقاش باعتبارها إحدى آليات الدعوة للفهم الجديد للإسلام، ما هو مفهوم أركان النقاش عند الجمهوريين؟ ومتى كانت بداية نشاط الجمهوريين في جامعة الخرطوم- صحيفة عطارد 1965؟ وكيف تطور نشاط الجمهوريين في جامعة الخرطوم- صحيفة الفكر (1967)؟ وما هي قصة تسمية الحوار بركن نقاش في فضاء جامعة الخرطوم- 1972؟ ومتى كانت البداية الفعلية لأركان النقاش بمكان وزمان معلومين في جامعة الخرطوم (1974)؟ والسؤال السابق لكل هذه الأسئلة، متى ظهر مصطلح أركان النقاش، لأول مرة، في فضاء الفكر الجمهوري؟
abdallaelbashir@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الأستاذ محمود محمد طه جامعة الخرطوم هذه الأسئلة الإجابة عن عبد الله کما یقول فی خاصة وما هی فی هذا
إقرأ أيضاً:
وزيرة التخطيط: إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية لعرض توجهات الاقتصاد المصري الشهر المقبل
تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبتشريف وحضور الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء؛ شاركت اليوم- الأحد- الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في منتدى قادة السياسات المصري الأمريكي؛ وذلك بحضور الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، وأحمد كجوك، وزير المالية، والمهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، والسادة أعضاء غرفة التجارة الأمريكية، برئاسة سوزان كلارك، رئيس الغرفة الأمريكية في واشنطن، ومشاركة جون جيه كريستمان، الرئيس التنفيذي لشركة أباتشي ورئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي، والمهندس عمر مهنا، رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، وهيرو مصطفى، السفيرة الأمريكية بالقاهرة، و61 من الرؤساء والمسئولين التنفيذيين يمثلون 42 شركة من كبرى الشركات الأمريكية، وعدد من ممثلي مجتمع الأعمال والقطاع الخاص في مصر والولايات المتحدة.
ويناقش المنتدى- الذي يستمر على مدار يومين، وتنظمه غرفة التجارة الأمريكية في مصر بالتعاون مع مجلس الأعمال المصري الأمريكي- تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والولايات المتحدة، وفرص الاستثمار المتاحة في مصر مع الشركات الأمريكية.
وفي كلمتها؛ قالت الدكتورة رانيا المشاط، إن منتدى اليوم يناقش عمق الفرص النوعية والدقيقة المتاحة أمام المستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية في مصر، لافتة إلى كتيب "فرص الاستثمار" الذي تم إعداده مع غرفة التجارة الأمريكية، ويمثل خريطة استثمارية واضحة وشاملة تسلّط الضوء على أبرز الفرص المتاحة، سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب، وتشرح ما تم اتخاذه من إصلاحات وسياسات لتمهيد الطريق أمام دخول استثمارات جديدة من شأنها دفع عجلة الاقتصاد المصري إلى الأمام.
وأكدت "المشاط"، اهتمام الحكومة وحرصها على المشاركة الفعالة في الحوار المباشر مع الشركاء المحليين والدوليين، لافتة إلى أن الدولة المصرية تضع ملف الاستثمار وتحفيز القطاع الخاص في مقدمة أولوياتها الوطنية.
واستعرضت "المشاط" الإطار العام الذي تستند إليه السياسات الاقتصادية الحالية في مصر، والإصلاحات المتكاملة على مستوى السياسات المالية، أو النقدية، أو التجارية، أو الصناعية، أو الاستثمارية، مشيرة إلى الإطار العام الذي يحكم العمل الاقتصادي في مصر، حيث تعتمد الأعمال حاليا على التنسيق الكامل بين مختلف الوزارات والجهات، لتحقيق تكامل حقيقي بين السياسات العامة بما يخدم توجهات الدولة نحو بناء اقتصاد قوي، منتج، قادر على التصدير، ومُولّد لفرص عمل مستدامة، موضحة أن ذلك الإطار يرتكز على ثلاثة محاور هي، تحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي: من خلال ضبط السياسة النقدية والمالية وضمان استقرار سعر الصرف وكبح التضخم وتحقيق الانضباط المالي، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري: من خلال تطوير البنية التحتية، وتحديث التشريعات، ودعم التحول الرقمي، وتحفيز الابتكار، بالإضافة إلى إطلاق الطاقات الكامنة للقطاع الخاص: باعتباره المحرك الأساسي للنمو الحقيقي طويل الأجل، والدعامة الأهم لخلق فرص العمل ورفع معدلات الإنتاجية، وذلك من خلال تحسين بيئة الأعمال، وتسهيل الإجراءات، وإزالة العقبات البيروقراطية، وزيادة الشفافية، وتحسين الحوكمة الاقتصادية.
تنوع الاقتصاد المصري
وأشارت إلى الخصائص التي تُميز الاقتصاد المصري عن غيره من اقتصادات المنطقة، ومنها تنوعه الكبير وقاعدته الإنتاجية العريضة، حيث يعتمد على العديد من القطاعات النشطة التي تسهم في الناتج المحلي الإجمالي وتوفر فرص عمل ضخمة، مثل قطاع الصناعة التحويلية، خاصة الصناعات غير البترولية، التي سجلت مؤخرًا معدلات نمو قياسية وصلت إلى نحو 18%، وهو نمو مستدام تحقق على مدى ثلاثة أرباع متتالية، وقطاع السياحة: الذي شهد انتعاشة قوية، خاصة مع قرب افتتاح المتحف المصري الكبير في يوليو المقبل، ما سيشكل نقلة نوعية في تجربة السياحة الثقافية في مصر، وقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي ينمو بوتيرة ثابتة ويحقق معدلات نمو تصل إلى 10%، ويعد من أكثر القطاعات جذبًا للشباب والمستثمرين، وقطاع النقل واللوجستيات: وهو قطاع استراتيجي يعكس ما يجري من تطور في الموانئ والبنية التحتية، وسجل نموًا قريبًا من 10%.
هذا فضلاً عن امتلاك مصر قوة عمل شابة، ماهرة، وذات تكلفة تنافسية، وهي مورد بشري ضخم تسعى الحكومة إلى تعظيم الاستفادة منه عبر برامج التدريب وبناء المهارات.
وتحدثت الوزيرة عن تطورات الاقتصاد الكلي ومؤشرات الأداء، مشيرة إلى الإجراءات الجريئة التي تم اتخاذها في مارس الماضي، حيث شهد الاقتصاد المصري من بعدها تحولات كبيرة، أهمها تحقيق استقرار كبير في سوق الصرف، واختفاء السوق السوداء للعملة، وتبني سياسة مالية انضباطية صارمة تهدف إلى تقليص العجز وتحقيق فائض أولي، وحوكمة أكثر كفاءة في إدارة الاستثمارات العامة، بما يضمن الكفاءة والتوجيه الصحيح للموارد، فضلا عن تحقيق شفافية أعلى في الشركات المملوكة للدولة، في إطار جهود الدولة لفصل الملكية عن الإدارة وتحسين الحوكمة.
وتابعت "المشاط"، أن الاستثمارات الخاصة شهدت كذلك تعافيًاملحوظًا، إذ تجاوزت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي مساهمة الاستثمارات العامة لأول مرة منذ سنوات، وهو ما يؤكد نجاح جهود فتح المجال أمام القطاع الخاص، كما ارتفعت تحويلات المصريين من الخارج لتعود إلى مستوياتها السابقة، فيما تسجل السياحة هذا العام أعلى معدل في عدد الزوار والإيرادات منذ سنوات، مؤكدة انه على الرغم من التحديات الإقليمية، وانخفاض إيرادات قناة السويس نتيجة الظروف الجيوسياسية، فإن النمو والصادرات المصرية – سواء السلع تامة الصنع أو نصف المصنعة أو المواد الخام – تواصل الارتفاع، ما يعكس تحسن هيكل الاقتصاد وتنوعه.
وفيما يتعلق بالتحول نحو اقتصاد منتج وقائم على التصدير؛ قالت "المشاط" إن مصر تنتقل تدريجيًا من نموذج اقتصادي يعتمد على القطاعات غير القابلة للتصدير، إلى نموذج يقوم على الإنتاج، والصناعة، والتصدير، لأن هذا هو الطريق لخلق فرص عمل مستدامة، وتحقيق نمو حقيقي ومرتفع الإنتاجية، لذلك فإن هناك تركيز كبير على جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة الخضراء، عبر مشروعات طموحة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين الأخضر، ومحورًا إقليميًا للأمن الغذائي، عبر دعم سلاسل القيمة المضافة في الزراعة والصناعات الغذائية، وكذلك مركزًا للتجارة واللوجستيات، من خلال تطوير الموانئ وربطها بمحاور التنمية والمناطق الصناعية.
كما لفتت الوزيرة إلى كيفية بناء اقتصاد أكثر استدامة، مشيرةً إلى أن استقرار الاقتصاد الكلي هو الأساس، لكنه ليس كافيًا وحده، لذا تعمل الحكومة على تنفيذ برنامج إصلاحات هيكلية طموح، يقوم على ثلاث ركائز أساسية هي تعزيز مرونة الاقتصاد الكلي: لضمان استدامة الاستقرار المالي والنقدي، وتحفيز التنافسية وتعزيز دور القطاع الخاص: من خلال تحسين التشريعات، وتبسيط الإجراءات، وتشجيع ريادة الأعمال، ودعم التحول الأخضر: والانتقال نحو اقتصاد منخفض الكربون ومستدام، ينسجم مع التزامات مصر البيئية وأهداف التنمية المستدامة.
وأكدت أن التحول الأخضر ليس فقط قضية بيئية، بل هو فرصة حقيقية للاستثمار، والتوظيف، والتصدير، وكل تلك الفرص تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية، وبالتالي خلق مساحة مالية أوسع للدولة، فنحن ننتقل من دائرة اقتصادية سلبية تعتمد على سعر صرف ثابت، وسياسة نقدية مستقلة، وتدفقات رأس مال غير مستقرة، إلى دائرة إيجابية تعتمد على الاستقرار الاقتصادي الكلي، والإصلاحات الهيكلية، والتنمية.
كما أكدت "المشاط" أهمية التمويل من أجل التنمية، لافتة إلى أن مصر أصبحت منصة مهمة للتعاون مع المؤسسات الدولية. هذه المؤسسات لا تمول الحكومة فقط، بل تقدم التمويل أيضًا للقطاع الخاص، باستخدام أدوات وآليات تمويل متعددة، موضحة أنه خلال السنوات الخمس الماضية، حصل القطاع الخاص في مصر على أكثر من 15 مليار دولار من التمويل الميسر، وهو ما يُعد عاملاً مهمًا جدًا لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشارت إلى منصة "نوفي"، موضحة أن مواجهة التحديات المناخية يمكن أن تكون في ذات الوقت فرصة لتحقيق التنمية، حيث اعتمدتمصر على ذلك النهج في تطوير منصتها الوطنية لبرنامج "نُوَفِّي" لربط التمويل المناخي بمشروعات التنمية ذات الأولوية في قطاعات الطاقة والغذاء والمياه، وهو ما ساهم في جذب استثمارات دولية للقطاع الخاص بنحو 4 مليارات دولار خلال عامين، لتوليد 4 جيجاوات من الطاقة المتجددة، وهذه التمويلات لم تذهب فقط لشركات مصرية، بل شملت شركات دولية أيضًا، بتمويل من مؤسسات دولية وبنوك تجارية، إضافة إلى مكونات منح تم إضافتها لتقليل أعباء التمويل، موضحة أن هذا يعد فرصة للشركات الأمريكية الراغبة في دخول السوق المصري، خصوصًا في مجالات الطاقة النظيفة والبنية التحتية المستدامة.
كما أشارت إلى المشروعات المرتبطة بتخزين الطاقة الكهربائية للمساعدة في الوصول إلى هدفنا الوطني وهو تحقيق 42% من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، موضحة أن من بين الركائز الأساسية الأخرى للتنمية في مصر هي التجارة واللوجستيات، حيث تعمل مصر حاليا لتكن مركزًا إقليميًا للتجارة، مشيرة إلى تطوير العديد من الموانئ – البحرية والجافة – من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتم تمويلها عبر مصادر دولية، وكذلك تطوير الأنظمة الرقمية لتسهيل التجارة، وهو ما ساهم في تحسين ترتيب مصر في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي، حيث قفزنا إلى المرتبة 54 في عام 2023.
وقالت "المشاط" إن مصر بصدد إطلاق السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية خلال يونيو المقبل، والتي تتضمن روؤى رئيسية، تشمل: الاستقرار الاقتصادي الكلي، تدفقات الاستثمار الأجنبي، أداء الصناعة والتجارة، وجاهزية القوى العاملة، مؤكدة أن هدف مصر يرتكز في تحقيق نموًا حقيقيًا، وتوفير فرص عمل، وتعزيز صلابة الاقتصاد في مواجهة الأزمات العالمية والإقليمية.
وفي إجابتها عن تساؤل حول كيفية موازنة مصر بين التخطيط للتنمية طويلة المدى والحاجة إلى المرونة في اقتصاد عالمي سريع التغير، أوضحت الدكتورة رانيا المشاط أن مصر تعمل كغيرها من الدول في وقت تتداخل فيه الأزمات، من تغيّر المناخ والتحولات الجيوسياسية، إلى التسارع التكنولوجي، وكلها تتطلب توازناً دقيقاً بين الالتزام بأهداف التنمية طويلة الأمد والقدرة على التفاعل السريع مع التحديات العالمية الناشئة.
وأشارت "المشاط" إلى سعي مصر لتحقيق هذا التوازن من خلال تحول مؤسسي نحو التخطيط المتكامل القائم على السياسات، لافتة إلى أن قانون التخطيط العام، الذي يرسخ للخطة الاقتصادية متوسطة المدى، أصبح الآن مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بقانون المالية العامة الموحد، مما يضمن اتساق الخطط والميزانية والسياسة المالية، مؤكدة أن هذا التكامل يمكّننا من تعديل الأهداف بشكل مسؤول استجابة للتحديات المتغيرة المختلفة.