يمانيون/ تقارير

غاب زمن نصر الله، وحضر زمن جديد.. هذا لا يعني أن النسيان سيكون سيد الموقف لشخصية عظيمة استثنائية صنعت الكثير من المتغيرات والتحولات في المنطقة، وإنما هو الوفاء والسير على دربه رحمه الله.

اليوم يبتسم الأعداء، ويتنفسون الصعداء، ومعهم كل أزلامهم من العرب المنبطحين الأذلاء، في حين يبكيه كل حر وشريف، كل مقاوم، كل مؤمن، عرف معنى الإنسانية، والجهاد، والعزة والكرامة.

بالنسبة للقائد حسن نصر الله، فإن الشهادة في سبيل الله، كانت أمنية مقدسة لديه، وقد نال ما تمنى، ويكفيه شرفاً أن جريمة اغتياله تعد سابقة في التاريخ، فهو أول زعيم على وجه هذه الأرض تلقى عليه القنابل الأمريكية الثقيلة والتي تزن ألفي رطل؛ ولهذا فإن الأمة التي تفقد روح الاستشهاد والتضحية لا تستطيع أن تحافظ على أرضها ومقدساتها، وهكذا هم رجال المقاومة وقادتها، ولقد كان السيد حسن نصر الله –رحمه الله- يعيش بين الناس، لكن قلبه معلق بالملأ الأعلى، يناجي الله في ظلمة الليل والناس نيام بأن يمنحه الله هذا الوسام الرفيع  ليفوز برضا الله ونعيم الآخرة.

وفي الكثير من خطاباته كان يؤكد -سلام الله عليه- بأن الشهادة في سبيل الله هي اصطفاء الهي، فالشهداء هم السالكون إلى الله، وهم سراج الأمة، وهم أهل اليقين، فالله الذي يختار الأنبياء هو أيضاً يختار الشهداء ويصطفيهم، والشهادة وسام إلهي رفيع يهبه الله للمستحقين واللائقين، ليكون لهم شرف أن يحملوا عنوان الشهادة، وكلما كان الشهيد له موقعية جهادية بارك الله في دمائه وجعلها زيتاً يضيء سراج النصر.

إن شهادة القادة -كما يقول الشهيد القائد حسن نصر الله- هي ولادة جديدة للمقاومة، ولشعب المقاومة، ورجال المقاومة، ومشروع المقاومة، وشهادة القائد تضع المقاومة على طريق النصر النهائي، وتختصر العديد من المراحل والمسافات، وتستنهض الكثير من الهمم.

المقاومة ثقافة وقيم

وإذا كان سماحته يتحدث عن الشهادة وعظمتها، فإن هذا لن يتحقق إلا بمشروع المقاومة والتي كانت تشكل المحور المركزي لديه، فالمقاومة هي المثال للخروج من حالة الإحباط والشعارات التي عايشتها الأمة، ومقاومة لبنان ضد العدو الإسرائيلي لم تولد صدفة، ولم تكن حدثاً عابراً، وإنما صنعتها إرادة الرجال المقاومين المجاهدين الصادقين والمخلصين، فالمقاومة هي صورة السيد عباس، أعطاها من صدقه، واخلاصه، وتواضعه، ومن السيد عباس تعلم الشهيد القائد حسن نصر الله، كل معاني الصدق والإخلاص والتواضع.

والمقاومة عند انطلاقها ألصقت عليها صفة “الإسلامية”، وهي ليست طائفية، وإنما تجسد الهوية الإيمانية، وتجعلها مقاومة فوق الطوائف، وفوق المناطق، وفوق الأقطار بالمعنى القطري الضيق، ويجعلها مقاومة تدافع عن الأمة، ومقاومة تدافع عن الإنسان في لبنان والمنطقة، فهي تقاتل في سبيل الله، ومن أجل الله، وطلباً لرضا الله واستجابة لأمره.

هذه الأفكار كان يقدمها شهيد الإنسانية في خطاباته بكل وعي، لتصبح منهجاً في عقول المقاومين الأحرار، ليس في لبنان فحسب، وإنما في المنطقة والعالم برمته.

والمقاومة كما يقول -رحمه الله- هي مثال تحرري، وهي تنظر إلى فعلها الجهادي، كإعادة تحريك للواقع الإنساني، الذي طرأت عليه الكثير من معالم الغطرسة، نتيجة سياسة الاستكبار الأمريكية والصهيونية، وقد استطاعت أن تعيد جذوة الجهاد إلى الشعب الفلسطيني، الذي أخذ يرفض الحلول التفاوضية من بعد اتفاقية [أوسلو]، ولذلك فإن المقاومة ليست يداً تحمل البندقية، وإصبعاً يضغط على الزناد فقط، وإنما هي جسم كامل فيه عقل يفكر، وعينان تريان، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، وقلب يملؤه الحنان، أو يمتلكه الغضب.

والمقاومة كما يقول شهيد الإنسانية، هي قيم وثقافة، ترفض العبودية لغير الله، وترفض الظلم والقهر والاضطهاد، وما دام الاحتلال يمثل كل هذه المعاني المشينة من إذلال وإهانة وهتك للحرمات وتعرض للشرف وعبودية وأسر وقهر واضطهاد، فلا بد لمن يحمل قيم الكرامة والسيادة والعز والشرف ورفض العبودية والذل أن يقاوم، وإلا فهو خال من كل هذه القيم ومن كل هذه المشاعر.

النصر من عند الله

ويَعُد سماحة الأمين العام لحزب الله شهيد الإنسانية القائد السيد حسن نصر الله النصرَ هبة إلهية، يمنحها الله للمخلصين، فالله هو الذي ملأ قلوبنا بالطمأنينة، وأنفسنا عشقاً للشهادة، وهو الذي رمى وهو أصاب، وهو الذي دمر المواقع، وهدم الحصون، وقتل الجبابرة، وهو الذي يصنع النصر.

وهنا يشدد -رحمه الله- على ضرورة الأخذ بعوامل النصر، فالمقاومة تستمد رؤيتها من الأئمة عليهم السلام، وأرواح الشهداء، والنصر الإلهي مشروط بالجهاد والصبر والتضحية والصدق والإخلاص، والله لا يعطي النصر لمن ليس جديرا به.

ويقول شهيد الإنسانية: “المقاومة وجمهورها أثبتوا جدارتهم، فهؤلاء لم تسقطهم مجازر صبرا وشاتيلا وقانا والنبطية والمنصوري وغيرها، وأثبتوا أنهم لائقون، وجاء الانتصار شهادة من الله لهؤلاء لأنهم لائقون بهذا الوسام من الانتصار.

سيظل الشهيد القائد حسن نصر الله مدرسة نستلهم منها كل المعاني السامية، فهو لا يعلمنا معنى المقاومة والشهادة والانتصار فحسب، وإنما يعلمنا معنى الحياة، وكيف للإنسان أن يعيش في هذه الدنيا، وقد عرف القيمة والهدف الذي خلقه الله من أجله، ويعلمنا أن الضعف والاستسلام والهوان ليس من شيم الرجال ونخوتهم، وأن بقاء الأمة وحفظها وأمنها وعزتها وكرامتها لا يمكن أن يأتي دون مقاومة ودون شهادة، ولقد انتصر -سلام الله عليه- لكل قيمه ومبادئه وأخلاقه، ونال الوسام الأكبر، وختم حياته في أعز وأشرف معركة، شهيداً في سبيل الله على طريق القدس.

نقلا عن موقع أنصار الله

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: شهید الإنسانیة حسن نصر الله فی سبیل الله الکثیر من رحمه الله

إقرأ أيضاً:

حزب الله وفـلسطين: وحــدة الدم والمصير

عبدالله علي صبري
يحتفل حزب الله هذه الأيام بالذكرى 25 لعيد المقاومة والتحرير، التي شهدت تحرير جنوب لبنان في 25 مايو / آيار 2000 من الاحتلال الصهيوني، وانسحاب قوات العدو دون قيد أو شرط، في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع العربي الصهيوني. وقد أدت مفاعيل هذا النصر الاستراتيجي إلى تحرك الشعب الفلسطيني، واندلاع انتفاضة الأقصى التي استمرت لأكثر من أربع سنوات.
ومنذ انطلاقته في مطلع الثمانينيات، رسم حزب الله اللبناني لنفسه مسارًا سياسيًا وعسكريًا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضية الفلسطينية، وجعل من تحرير القدس محورًا مركزيًا في برامجه وعلاقاته الخارجية. وعبر السيد الشهيد حسن نص.ر الله في خطاباته السياسية والدينية عن حالة تعبوية تصب في مصلحة القضية الفلسطينية، ودعم المقاومة بمختلف فصائلها، وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية حماس.
وكما شكل الحزب بمقاومته وبانتصاراته العسكرية على إسرائيل في 2000، و2006، حافزا كبيرا للمقاومة الفلسطينية في غزة منذ 2008، وإلى “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023، فإن تشكل ما يعرف بمحور أو جبهة المقاومة، الذي اضطلع حزب الله بالدور الأكبر في بناء منظومته السياسية والجهادية، قد اتخذ من فلسطين والقدس البوصلة الجامعة لكل المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني على مستوى الأمة العربية والإسلامية، وعلى مستوى العالم.
لم يكتف حزب الله بتحرير الأراضي اللبنانية، بل قدم نفسه جزءا من مشروع أشمل يهدف إلى تحرير فلسطين، ومقاومة المشروع الصهيوني الأمريكي، بمختلف أبعاده وتجلياته، ما جعله حاضرا في معادلات الحرب والسلم، وفاعلاً في الاشتباك السياسي والثقافي مع المخططات الغربية والأمريكية، الداعمة لنفوذ إسرائيل وضمان أمنها وتفوقها على حساب العرب وفلسطين.
امتد نشاط حزب الله ومن خلال علاقاته بالجمهورية الإسلامية الإيرانية والجمهورية العربية السورية، إلى دعم المقاومة الفلسطينية في غزة بالسلاح وبالخبرات القتالية، بالموازاة مع إشارات الدعم السياسي والمعنوي، وتنسيق العلاقات بين مختلف أطراف وجبهات المقاومة خارج لبنان، وخاصة في الساحتين اليمنية والعراقية. وأمكن للحزب وللسيد الشهيد نصر الله تجاوز الورقة الطائفية، التي عملت أمريكا وإسرائيل على تغذيتها وإذكائها منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وإبّان تدخل حزب الله في الأزمة السورية عام 2013.
وخلال الحروب الكبرى التي شنتها إسرائيل على غزة، لاسيما في أعوام 2008، 2012، 2014، ثم في معركة “سيف القدس” 2021 لم يقف حزب الله صامتاً أو متفرجاً، بل شجع وبارك انتصارات المقاومة، ووصل إلى حد التهديد بحرب إقليمية في الرد على الاعتداءات الصهيونية التي تطال المسجد الأقصى في الضفة الغربية. وبإعلان السيد عبدالملك الحوثي عن مباركته لهذه المعادلة، ودخول اليمن فيها، كانت “وحدة الساحات” قد أعلنت عن نفسها قبل أشهر من معركة طوفان الأقصى.
التزاما بمبدأ وحدة الساحات، ومن منطلق ديني وأخلاقي أعلن حزب الله في اليوم التالي مباشرة لطوفان الأقصى، الدخول في معركة إسناد غزة وإشغال العدو الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة، وقدم في سبيل القضية الفلسطينية مئات الشهداء على طريق القدس، وكان على رأسهم الأمين العام السيد الأسمى حسن نص.ر الله رضوان الله عليه.
قدم الحزب أغلى ما يملك في سبيل فلسطين، وخط بدماء الشهداء وحدة الموقف والمصير مع غزة وأهلها ومقاومتها، وهو ما يعني أن حزب الله كان وسيبقى شريك النصر والتحرير في فلسطين المحتلة، وعاملا من عوامل زوال “بيت العنكبوت” كما يسميه نصرالله، الذي طالما بشر بنهايته الحتمية.

28-5-2025

مقالات مشابهة

  • حزب الله.. الرقم الإسلامي الصعب
  • عرفة.. خطيب المسجد الحرام: يوم وفاء بالميثاق الذي أخذه الله على بني آدم
  • هدف حرب إسرائيل هو طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من غزة
  • مخطط توزيع المساعدات في قطاع غزة .. لهذا السيد القائد يحذر
  • شهيد إثر غارة للاحتلال على جبل شقيف جنوبي لبنان (شاهد)
  • حزب الله وفـلسطين: وحــدة الدم والمصير
  • السيد القائد عبدالملك: جيل الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى الرُشد الذي مصدره الله سبحانه وتعالى
  • السيد القائد الحوثي: القرآن الكريم النعمة الكبرى بكتاب الهداية الذي فيه البركة الواسعة في كل مجالات الحياة
  • السيد القائد عبدالملك: سيستمر الترميم المتكرر لمطار صنعاء بالمقدار الضروري الذي يتيح استمرارية عمله
  • السيد الرئيس أحمد الشرع يلتقي وفداً من العاملين في المنظمات الإنسانية بمحافظة حلب