الخرطوم- أحدثت الحرب دمارًا كبيرًا في اقتصاد السودان لا سيما في قطاع المصانع والشركات الحكومية والخاصة، وتحولت بعض المصانع والشركات إلى ساحات حرب تتحصن بها قوات الدعم السريع.
أفضى ذلك إلى تدمير عدد من المصانع وتشريد عمالها وإتلاف معداتها وسرقة أموالها وتوقفها عن العمل كليا، وتحول بعضها إلى ركام بحاجة إلى سنوات وملايين الدولارات لإعادة تشغيلها مرة أخرى.

الحرب أحدثت دمارا كبيرا في المصانع السودانية (الجزيرة) من مصانع إلى ساحات حرب
تحولت مصانع حيوية في وسط السودان إلى ساحات معارك ودُمرت بشكل تام، ومنها مصنع "جياد" بمدينة الكاملين بولاية الجزيرة وتبعد 45 كيلومترا جنوب العاصمة الخرطوم، الذي تحصنت به قوات الدعم السريع على مدى 20 شهرا واتخذته قاعدة عسكرية واتخذت من أبنيته مكانا للقنص لإعاقة تقدم الجيش، الذي لم يتمكن من استعادته إلا قبل أسابيع قليلة.
وليس مصنع "سكر سنار" بولاية سنار جنوب شرقي البلاد ببعيد عن مصنع جياد، فقد حوّلته قوات الدعم السريع إلى قاعدة عسكرية في ديسمبر/كانون الأول 2023، وكانت تنطلق منه لشن هجمات على مواقع الجيش في سنار والنيل الأزرق قبل أن يستعيده الجيش قبل شهر ونصف الشهر، الأمر الذي تكرر في محالج الأقطان في ولاية الجزيرة، وتم تدمير 6 محالج بفعل الحرب.
إعلان خسائر كبيرة
رصدت كاميرا الجزيرة نت خسائر كبيرة طالت مصنع سكر سنار جنوب شرقي السودان -الذي تأسس في عام 1976- بعد أن دمرته الحرب بشكل كلي وتوقف عن العمل منذ أكثر من عام، وتعطلت ماكينات الإنتاج وتم نهبها فضلا عن سرقة محتويات المصنع من كابلات ومكاتب ومعدات إنتاجية أخرى.
ويقول حسن حسب آل رسول مدير الشؤون المالية والإدارية بمصنع سكر سنار إن قوات الدعم السريع نهبت معدات المصنع الصناعية، وشردت العاملين به، مضيفا أن الخسائر بالمصنع تجاوزت 15 مليون دولار، فضلا عن تشريد أكثر من 12 ألف عامل وموظف خلال فترة عام ونيف.
يشار إلى أن مصنع سكر سنار كان ينتج ما بين 90 إلى 110 آلاف طن من السكر سنويا، ويعتمد عليه السودان بشكل كبير في توفير هذه السلعة، كما يحيط بالمصنع عدد من البلدات والقرى أطلق عليها قرى مصنع سكر كونه يوفر الخدمات والرعاية ويشغل أبناءها.

الجزيرة نت رصدت مشاهد من الدمار الذي لحق عددا من مصانع السودان بسبب الحرب (الجزيرة) أكبر صرح صناعي
وتعد مجموعة جياد الصناعية صرحًا صناعيًّا سودانيًّا يعتمد عليه في الصناعات الكبيرة والصغيرة أسس في عام 1993 بمدينة الكاملين بولاية الجزيرة ويقع على بُعد 45 كيلومترا من العاصمة الخرطوم.
يقوم مصنع جياد بإنتاج السيارات والشاحنات والمركبات ذات المحركات الصغيرة والدراجات النارية وتصنيع أسلاك الفولاذ والألمنيوم والنحاس والكابلات والمعدات الزراعية والدهانات والطلاء فضلا عن صناعة المعدات الطبية والأنابيب المعدنية.
وتم تصميم جياد في شكل مدينة صناعية متكاملة إلا أن الحرب حولته لحالة أشبه بالركام بعد سرقة معداته ومحتويات بما فيها سيارات صنعت حديثًا.
ورصدت كاميرا الجزيرة تدميرا في بنية المصنع التحتية وسرقة محتوياته ونهبها فضلا عن تهشيم ماكينات الصنع وسرقتها، ما يعنى أن الدولة فقدت أهم أعمدتها الاقتصادية التي كانت تعتمد عليها بشكل كبير في الشأن الاقتصادي.
إعلان
ويقول مصدر بمجموعة جياد الصناعية للجزيرة نت إن الإحصائيات الأولية للخسائر تجاوزت 50 مليون دولار، وإنهم يبذلون قصار جهدهم لإعادة تشغيل جياد مرة أخرى في غضون الفترة المقبلة.

عدد من المصانع في السودان تحولت إلى ساحة معارك (الجزيرة) محالج الأقطان
كان الدمار كبيرًا في القطاع الاقتصادي بولايتي الجزيرة وسنار، وحسب مصادر تحدثت للجزيرة نت، فإن أكثر من 6 محالج للأقطان بولاية الجزيرة شملها الدمار بفعل الحرب بينها محالج في مدينتي الحاج عبد الله وود مدني وسط البلاد.
ومن بين هذه المحالج محلج العمر للأقطان حيث رصدت كاميرا الجزيرة تدمير المحلج ونهب محتوياته فضلا عن حرق أكثر من 10 آلاف وحدة من الأقطان كانت معدة للتصدير داخل المصنع ونهب الآليات مثل سيارات نقل الأقطان من المصنع إلى موانئ بورتسودان شرقي البلاد للتصدير.
وطال الدمار كذلك مكاتب محلج العمر ونهب محتوياتها فضلا عن تشريد الآلاف من العمال والموظفين بالمحلج.
خسائر القطاع الصناعي
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي للجزيرة نت إن القطاع الصناعي في السودان هو الأكثر تضررا في حرب أبريل/نيسان 2023، مضيفا أن 85% من القطاع دمر بفعل الحرب.
وأضاف أن ثمة مدنا صناعية مثل "جياد" ومصانع في سنار دمرتها الحرب، وقال فتحي إن الصناعات التي تضررت كانت تسهم في الحياة اليومية للشعب السوداني مثل مصانع السكر والأقطان والأدوية.
وأوضح فتحي أن قوات الدعم السريع سرقت مخزون وآليات عدد من المصانع ما يؤثر على مستقبل الصناعة في السودان، إذ ستبدأ المصانع من النقطة صفر لإعادة تأسيسها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية:
حريات
قمة الويب
قوات الدعم السریع
مصنع سکر
سکر سنار
أکثر من
فضلا عن
عدد من
إقرأ أيضاً:
خطة ترمب لإيقاف حرب السودان ومستقبل الإسلاميين
صلاح شعيب ثمة تحركات وتصريحات دولية وإقليمية حفل بها الأسبوع الجاري في إطار سعي المجتمع الدولي لإيقاف حرب السودان. بخلاف اجتماع الرباعية وتصريح رمطان لعمامرة عند لقائه د. كامل ادريس بأن الأمم
المتحدة عازمة على إيقاف الحرب، فقد مثلت زيارة الرئيس المصري للإمارات ومثيلتها
التي قام بها مدير المخابرات الإثيوبي رضوان حسين إلى بورتسودان محاولة للتفاكر حول مستقبل الجيوبوليتيك في القرن الأفريقي، وتعد هذه الزيارة للمبعوث الإثيوبي الرفيع بمثابة انفتاح جديد لعلاقات البلدين للتعاون السياسي والأمني كما أشارت المصادر. الخطوة الأكثرة جدارة بالاهتمام هو اجتماع الرباعية المكونة من مستشار ترمب للشؤون الأفريقية وسفراء السعودية ومصر والإمارات، والذي أشار بيانه صراحة إلى أن
الحرب لن تحقق أي انتصار حاسم لطرف دون آخر، وأنه لا بد من حل تفاوضي. وهذا الاجتماع يمثل بالأساس رغبة الإدارة الأميركية في إنهاء الصراع ضمن اهتمامات ترمب بإكمال فترته الثانية من خلال تحقيق السلام الدولي، بدءً بالضغط على الفلسطينيين والإسرائيليين للقبول باتفاق صفقة القرن، وضغوطاته المماثلة لإيقاف الحرب الروسية – الأوكرانية، وهذا مبدأ جديد سيرافق تراث ترمب الذي أحيا مبدأ الانعزالية للرئيس السابق مونرو، إذ يريد من خلاله موضعة السياسة الأميركية للاهتمام بالداخل، والتقليل من تدخلاتها الحربية المثيرة للجدل في الخارج. وقد بدأ ترمب رئاسته بالاعتماد على الداخل من خلال تجفيف الدعم للمؤسسات الأميركية التي تقدم العون للعالم بما فيها أوروبا، وأفريقيا، والمنظمات الدولية. اجتماع الرباعية حول الشأن السوداني، والذي انعقد تحت ظلال إدارة ترمب في واشنطن يتماشى مع التحركات الأخرى الإقليمية لتهيئة الأجواء لدفع طرفي الحرب للدخول في مفاوضات سوف تتدخل فيها الإدارة الاميركية عن كثب لوقف المأساة السودانية. والدليل على هذا أن ملف متابعة حرب السودان اضطلع به نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لانداو وكبير مستشاري شؤون أفريقيا مسعد بولس اللذين يمثلان ثقلين مهمين في موازنة الولايات المتحدة لإشراك الأطراف المعنية. فالخارجية الاميركية ظلت تولي السودان اهتماما لنصف القرن الأخيرة ونجحت دبلوماسيتها في التدخل لإنهاء حرب الجنوب وتبني الحل لأزمة دارفور فيما مثل الدبلوماسيون الذين يتولون الشأن الأفريقي اهتماما بدور الأقطار المهمة في القارة وانخراطها للضغط لإيقاف الحروب السابقة في القطر. المعضلة الوحيدة التي تجابه هذه التحركات هي مواقف الحركة الإسلامية التي ورثها المؤتمر الوطني، إذ ظل يعرقل الانتقال الديمقراطي منذ لحظاته الأولى، وعمل على اختطاف انقلاب
الجيش على حكومة حمدوك، وإيقاده الحرب ومعارضتها لأية تسوية سلمية لا تتيح لها مقعدا في طاولة المفاوضات بين الجيش والدعم السريع. من الناحية الأيديولوجية يعارض الإسلاميون في المنطقة صفقة القرن التي ينوي بها ترمب كما اشرنا إلى تحقيق اختراق مدعوم بالاتفاقات الإبراهيمية التي يحاول استئنافها بعد إنهاء الوجود الإيراني في الشرق الأوسط وأقلمة أظافر حماس وانهاء حكم الرئيس السوري الأسبق بشار الاسد واحتواء الحوثيين. والإسلاميون السودانيون في إطار مناوئة التحركات الأميركية كما نعلم سعوا للاستعانة بروسيا ولكن الضغط المصري على البرهان حال دون التوصل إلى اتفاق مع روسيا لمنحها قواعد عسكرية في البحر الأحمر. بعض المصادر أكدت أن الشأن السوداني لم يغب في زيارة ترمب الأخيرة للشرق الأوسط، ولا بد أن اجتماعات الغرف المغلقة بينه والمسؤولين السعوديين والإماراتيين قد حسمت الموقف المتفق عليه بين الدولتين والولايات المتحدة، وبالتالي تعد إضافة مصر للتشاور ومنحها عضوية الرباعية بعد أن غُيبت في الرباعية السابقة دفعة جديدة للضغط، وسيكون لها ما بعدها من ناحية التوافق الدولي والإقليمي لوضع حد للحرب عبر التفاوض. وعليه ربما يعد لقاء محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي في الإمارات وظهورهما بتلك الحميمية إشارة إلى التوافق حول مستقبل تعاملهما مع الأزمة السودانية. لقد جاء الاتهام الاميركي للجيش باستخدام أسلحة كيماوية ليمهد المجال لهذه التحركات الخارجية رفيعة المستوى لابتدار جولة جديدة للتفاوض بين الجيش والدعم السريع. ولكن الجوهري في هذا الاتهام هو الضغط على البرهان للتخلص من تأثير الإسلاميين في سلطته، وحمله على الاقتناع بضرورة إنهاء فكرة الانتصار في الحرب. فضلاً عن هذا فإن مراقبين قدموا اتهامات عديدة طالت جماعة البراء وجماعات اسلاموية أخرى تشارك مع جنود الجيش بأنها مسؤولة عن استخدام هذه الأسلحة، خصوصاً بعد ظهور فيديوهات لإسلاميين يهددون فيها باستخدام أسلحة نوعية فتاكة. والجدير بالذكر أن تكوين البرهان لجنة للتحقيق في استخدام الجيش الأسلحة الكيماوية يعد بمثابة إشارة إلى أنه ينوي إخلاء مسؤوليته، وصنع كبش فداء من الجماعات المتطرفة التي تسند ظهره. هل ينجح ترمب في تحقيق السلام في السودان عبر التأثير على حلفائه دون الاصطدام مع الحركة الإسلامية التي تذخر أدبياتها بمواقف أيدلوجية ضد الولايات المتحدة، أم أن البرهان ربما يتخلص منها للاحتفاظ بوضع سلطوي في حال نجاح الخطة الاميركية لإنهاء الحرب عبر تسوية بين الجيش والدعم السريع؟ الأمر مرهون بقدرة الحركة الإسلامية بقلب ظهر المجن والتخلص من البرهان قبل شروعه في الاستجابة لضغط السعودية ومصر، وهما أكبر حليفين له، وللولايات المتحدة. ولكن فالبرهان – على كل حال – كما يعرفه الإسلاميون جيدا أن لا دين له، كما قال شيخ عبد الحي، ولذلك فإنه في سبيل بقائه عند السلطة يستطيع أن يفعل أي شيء. الوسومصلاح شعيب