«يا نفس ما تشتهي» عادة يمنية متجذرة في الشعب اليمني احتفالا بقدوم شهر رمضان وتختلف طقوسها من محافظة إلى أخرى، إلا أنها تتوحد في تحقيقها لمعنى التكاتف المجتمعي والأسري وتضفي جوا من لم الشمل وتبادل الأحاديث وتجاذب الأفكار والأذكار، وتقديم مختلف الأطعمة والمشروبات كل حسب طاقته وقدرته..

الثورة / أسماء البزاز

وبالرغم من الظروف المعيشية الصعبة وتدهور دخل العديد من الأسر نتيجة الحرب القائمة على اليمن منذ 2015م، إلا أن نكهة هذه المناسبة تظل عريقة في مختلف المحافظات بقدر الإمكانيات المتاحة، وتلقى اهتماما كبيرا لدى المواطنين، في محاولة للخروج من دائرة المعاناة التي تلازمهم، ويختلف الاحتفال بها من محافظة لأخرى، ويكون ذلك فيما بعد منتصف شهر شعبان من كل عام، لكن البعض لا يتقيد بيوم معين ويحتفلون بتناول المعجنات والحلويات التي يفضل البعض صنعها في المنزل، والمشروبات، وكذلك تقديم الأطباق الرئيسية المكونة من اللحوم البيضاء أو الحمراء، والذكر في المساجد غالبا للرجال، والمنازل للنساء، وكان الغرض منها سابقا استشعار عظمة شهر رمضان المخصص للعبادة، والابتعاد خلاله عن الملذات، عكس ذلك هو ما يحدث اليوم، ففي يوم “يا نفس ما تشتهي” يتم صنع أطعمة كثيرة أو شراؤها وتناولها، والأمر لا يتوقف بعد دخول شهر رمضان، فخلاله تقضي النساء ساعات طويلة في تحضير مختلف الأصناف، وتتزين فيه بعض النساء بالحناء كما كان يحدث سابقا.

حسب قدرتنا نحتفل

البداية مع بسمة الأصبحي، موظفة حيث تقول: بخصوص ما يسمى (يا نفس ما تشتهي) أولا وقبل كل شيء نحن نحتفي بهذه المناسبة وفق الآية الكريمة “لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها))، فبحسب الإمكانيات يكون التجهيز بأطباق متنوعة نتفق عليها كل واحدة من أفراد الأسرة حسب قدراتها وإذا لم تتوفر لا مشكلة، لأن الأساس والهدف بالنسبة لي هو “اللمة”، والحب، والروح الجميلة التي تجمعنا مع الأخوات والصديقات وليس المكان والمظاهر المحيطة بنا، فأملنا دائما تحقيق “اللمة”، والحب، والروح الجميلة التي تجمعنا، وليس المكان والمظاهر المحيطة بنا.

مؤكدة أن لمّ الشمل هو الهدف الرئيسي والباقي إنما هو زيادة خير، وبعد هذا اللقاء الودي نودع بعضنا بالدعوات بسبب انشغالنا طوال شهر رمضان بالصيام والقيام.

عادة اجتماعية.. بين الماضي والحاضر

من ناحيتها تقول الناشطة والثقافية رجاء المؤيد: “يا نفس ما تشتهي” عادة اجتماعية كانت من مراسيم استقبال رمضان بين الأسر والجيران والصديقات، حيث تجتمع الأسر على غداء أو إفطار أو في العصر للصديقات والجيران ، يتم الاجتماع في احد المنازل وتحضر كل أسرة كالبنات ونساء الأولاد أو الأخوة طبقاً يسموها (خورة ) وهي نوع من أنواع الصلة بين الناس والتخفيف من التكلفة على من سيستقبل الضيوف في بيته، وأيضا في حال وجود حوامل في بداية حملهن تتناول الأكل بشيء من الاشتهاء لعدم قدرتها على طهو الطعام في بيتها وأحيانا يقمن بصنع بعض الحلويات والوجبات المتعددة وكان الغرض من ذلك أن الإنسان في شهر رمضان يحتاج إلى ان يريح معدته من الوجبات الثقيلة كالمحاشي وبنت الصحن ويتم الاكتفاء بعمل الشفوت والسلطة و”الزحاوق والحامضة وأيضا الشربة والفتة”، المهم وجبات خفيفة لا يعاني الصائم بعدها من التخمة حتى الحلويات الشعبية المعروفة.

مبينة ان الهدف من ذلك هو الجمع بين أفراد الأسرة أو الجيران والتزاور والصلة، اما في زماننا الحاضر أصبحت عادة دورية بحسب الحاجة في أي وقت الاجتماع في أحد البيوت وإحضار أطباق سواء في شعبان أو غيره عند البعض، واندثرت العادة لدى البعض، لأن الهدف صار أحيانا لدى البعض ليس الصلة والاجتماع وإنما أصبحت للمجاملات بين بعض الصديقات ومكلفة ماديا للبعض في مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

وتابعت: وأحيانا بيتم فرض وجبات معينة ليست بسيطة في التكلفة ووقت إعدادها والبعض اصبح مشغولاً بأعمال حيث أنه لم يعد بإمكانه عمل وجبة معينة والاستعاضة عنها بوجبات سريعة من المطاعم وأحيانا تكون مكلفة ماديا وكذلك بدأت تقل عند بعض الأسر بسبب اجتماع الأطفال بحجة كثرة الدوشة والإزعاج قليل من الناس لازال يحافظ على هذه العادة، لأن رمضان اصبح شهراً لصوم النهار وإعداد الأطعمة المتنوعة والثقيلة والتي تسبب تخمة والتي يعمل البعض على تناولها دفعة واحدة بعد الإفطار، فيعاني من التخمة والتعب ولذلك يصبح شهر رمضان شهر التعب والمرض وليس للصحة وراحة الجسم وكذلك العبادة صار الكثيرون يغفلون عنها، والأهم من ذلك التراحم وصلة الأرحام والإحسان والتكافل بين الجيران والتواصل والاجتماع على موائد النور والهدى التي أصبحت من عاداتنا في ظل المسيرة القرآنية التي يقدم فيها السيد القائد وجبات مهمة لحياة الناس وسعادتهم كل ليلة في رمضان .

وأضافت: حقيقة بدأنا نجد لذة أخرى لرمضان وهي الغذاء الروحي والسعادة في الدنيا والآخرة في اتباعها والسير على نهجها وجعلها أساسا ومنهاجا لحياتنا في بيوتنا وأسرنا ومجتمعنا الكبير وفي أعمالنا، عندها تستقيم حياتنا (وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا) .

وقالت المؤيد: رمضان شهر القرآن والتزود بالطاقة الروحية وفيه ليلة تعادل عمرا بأكمله، بل خير منه (ليلة القدر خير من ألف شهر) .

صلة الأرحام

فيما استهلت التربوية فايزة علي محسن الحمزي حديثها معنا بالقول : ها نحن الآن في أواخر الشهر الأقرب والأحب إلى الله; شهر شعبان الذي سمي بهذا الاسم لأن الخير يتشعب فيه وكثرة الصلوات على سيد الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله، ليأتي بعده شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وكلها أيام فضيلة تزينها هذه العادة المجتمعية ما تسمى بيوم (يا نفس ما تشتهي) والغرض من ذلك ليس لتبادل الأكلات بمختلف أنواعها وأشكالها وتقديمها لخلق جو ملؤه السعادة والفرحة ولكن الغرض الأكبر هو لخلق شيء إيجابي في أنفسنا ويتمثل في صلة الأرحام بين الأقارب والأصدقاء وتبادل الزيارات والود والتسامح والتصافح فيما بينهم.

وتابعت الحمزي: ولكي يأتي رمضان وهم في أحسن حالة ونفوسهم راضية مرضية يستعدون له بكل حب.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

البابا تواضروس: الأم تريزا ومجدي يعقوب بنيا جسورًا من المحبة ليس بالكلام بل بالفعل

استضاف القصر الرئاسي بالعاصمة الصربية بلجراد، مساء أمس، قداسة البابا تواضروس الثاني، في إطار لقاء نظمته إدارة التعاون مع الكنائس والمجتمعات الدينية في صربيا بمناسبة زيارة قداسة البابا تواضروس الثاني لصربيا. حيث ألقى قداسته محاضرة بعنوان "جسور المحبة".

متحدون في نفس المشاعر 

حضر اللقاء رئيس وزراء الصربي السيد جورو ماتشوفيتش، وغبطة البطريرك بورفيريوس بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الصربية،  والدكتور فلاديمير روجانوفيتش، المدير العام لإدارة التعاون مع الكنائس والمجتمعات الدينية في صربيا، ووزراء العدل، والتجارة، والتكامل الأوروبي.
كما حضر اللقاء السفير باسل صلاح، سفير مصر في صربيا، والقاصد الرسولي سانتو روكو جانجيمي، سفير الفاتيكان في بلجراد، وعدد من كبار المسؤولين الصرب وسفراء الدول العربية والأجنبية المعتمدين، ورجال الدين، والمثقفين، والأكاديميين، والشخصيات العامة.

بدأ اللقاء بعزف السلام الوطني لجمهوريتي صربيا مصر ثم ألقى الدكتور فلاديمير روجانوفيتش كلمة عبر فيها عن سعادته الغامرة باستضافة قداسة البابا تواضروس الثاني، مشيرًا إلى أن هذه الزيارة تمثل لحظة تاريخية في تعزيز العلاقات الروحية والثقافية بين صربيا ومصر، وبين الكنيسة الصربية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أقدم كنائس الشرق. 

واضاف : "أعتقد أننا الليلة متحدون في نفس المشاعر، في ثراء وتنوع عرقنا وطائفتنا. إنه شعور بالفخر الذي ينشأ، مجازيًا، من ضفتي النهر، مثل الأقواس الحجرية لجسر دائم. أحد هذه الأقواس يتجلى في محاضرة قداسةالبابا، والتي ننتظرها بشوق، بعنوان ”جسور المحبة“ أما القوس الثاني، فينبع من عمق الروح الصربية كما قال شاعرنا الكبير نيجوش: “الأمة كلها تأتي من الروح”

واستكمل: "نحن هنا لنعلي من قيمة الجسور، تلك التي توحد الشعوب وتربط القلوب، والتي تشكل إحدى أنبل مهام الكنائس والجماعات الدينية: بناء الجسور بين السماء والأرض، بين الإنسان وأخيه، بين الحاضر والمستقبل" 
واستعار مقولة الأديب الصربي إيڤو أندريتش الحائز على جائزة نوبل: "من بين كل ما يبنيه الإنسان، لا شيء أنبل من الجسر فهو يربط، لا يفرق؛ يخدم الجميع، ولا يخص أحدًا؛ يعبر فوق المياه، كما تعبر المحبة فوق الخلافات".

وأضاف: "في عالم يتخبط بين الأزمات، وتزداد فيه الانقسامات، لا نملك ترف التراجع. نحن بحاجة إلى أصوات روحية وشخصيات مرجعية، مثل قداسة البابا تواضروس، تذكرنا بقوة المحبة، وبأن الحوار والتعايش واحترام الآخر، ليست رفاهية بل ضرورة وجودية".

جسور الترابط 

ثم ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني محاضرته، واستهلها بقوله: "في مسيرتي خلال الأيام الماضية رأيت جسرًا يربط بين جانبي نهر ساڤا، وتأملت في معناه، فالجسور لم تبن فقط للعبور، بل لتربط الأشخاص، وتوصل الإنسان بالطرف الآخر، كي يتعرف عليه ويحتضنه بالمحبة.

وأوضح: "إن أول جسر عرفته البشرية هو الجسر الروحي الذي يربط بين السماء والأرض، حين “أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.” (يو ٣: ١٦)، مؤكدًا أن هذا هو أساس المحبة الإلهية، وأن المحبة الحقيقية هي ما تبنيه الكنيسة وترسخه بين الناس.

وسرد قداسة البابا خلال المحاضرة عددًا من الجسور التي بنتها مصر عبر التاريخ، بدءًا من استقبالها للعائلة المقدسة، ومرورًا بتأسيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على يد القديس مار مرقس في القرن الأول الميلادي، ثم نشأة مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وميلاد الرهبنة المسيحية في مصر على يد القديس أنطونيوس الكبير، مشيرًا إلى أن دير الأنبا أنطونيوس ما يزال حتى اليوم مقصدًا روحيًا يزوره الآلاف.

كما تطرّق قداسته إلى المواقف الوطنية للكنيسة القبطية، مستشهدًا بكلمته الشهيرة في أعقاب حرق الكنائس عام ٢٠١٣: “وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن”.

مشددًا على أن هذه العبارة تجسد المحبة التي لا تتوقف عند جدران الكنيسة، بل تتخطاها إلى الوطن كله، وترسخ مفاهيم التضحية من أجل السلام المجتمعي.

البابا تواضروس يتحدث عن مواقف الكنيسة الوطنية مستشهدًا بكلمته: "وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن"قداسة البابا من صربيا: المحبة تبني زمانًا أفضل ومكانًا أفضل وإنسانًا أفضلالبابا تواضروس يلتقي مسؤول التعاون مع الكنائس في صربياالبابا تواضروس يلتقي وزير الثقافة الصربي .. صور

وانتقل قداسته للحديث عن أمثلة حية من التاريخ المعاصر تجسد فكرة بناء الجسور بعد الصراعات، مثل نموذج جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون مانديلا، ورواندا التي تعافت بعد المجازر الطائفية، مؤكدًا أن “المحبة تبني زمانًا أفضل ومكانًا أفضل وإنسانًا أفضل”.

وضرب أمثلة لأفراد أحدثوا فارقًا بمحبتهم، مثل الأم تريزا والبروفيسور مجدي يعقوب، قائلا: "هذه الشخصيات بنت جسورًا من المحبة، ليس بالكلام، بل بالفعل، وكل منها غيّر وجه الإنسانية بطريقة أو بأخرى".

ثم اختتم قداسته كلمته بدعوة مفتوحة: “دعونا نبني جسورًا، لا أسوارًا. دعونا نحب، لا نصدر أحكامًا. دعونا نصغي، لا نتكلم فقط. فكما يقول القديس يوحنا في رسالته: “يَا أَوْلاَدِي، لاَ نُحِبَّ بِالْكَلاَمِ وَلاَ بِاللِّسَانِ، بَلْ بِالْعَمَلِ وَالْحَقِّ” (١يو ٣: ١٨) لنجعل من هذه المحبة نورًا يضيء ظلمات العالم، وجسرًا يعبر بنا جميعًا إلى مستقبل أفضل.

مشددًا على أن المحبة الحقيقية لا تسقط أبدًا (١كو ١٣: ٨)، وأن بناء مستقبل أفضل يتطلب أن نضع الإنسان في قلب كل مشروع، وأن نستخدم إنجازاتنا التكنولوجية والثقافية لبناء السلام، لا لصناعة الحواجز.

طباعة شارك البابا تواضروس البابا تواضروس الثاني الكنيسة الكنيسة الأرثوذكسية

مقالات مشابهة

  • "بسطة خير جازان".. منتجات الأسر تزين مهرجان المانجو
  • أليشا ليمان تثير الجدل بسبب مظهرها.. صور
  • سيد عبد الحفيظ: البعض يفضل البيانات.. والأهلي يركز في الملعب فقط
  • موقع حملة ثقافة المحبة والسلام في دار الكتب والوثائق يواصل تحديث منشوراته
  • منسق زهور يكشف الفرق في تقدير الورود بين النساء والرجال
  • بطولة لاأدعيها واتهام لاأنكره
  • علي جمعة: السلام مفتاح المحبة وبوابة الجنة كما علمنا النبي
  • البابا تواضروس: الأم تريزا ومجدي يعقوب بنيا جسورًا من المحبة ليس بالكلام بل بالفعل
  • البابا تواضروس يلقى محاضرة في القصر الرئاسي بصربيا بعنوان جسور المحبة
  • قداسة البابا من صربيا: المحبة تبني زمانًا أفضل ومكانًا أفضل وإنسانًا أفضل