الثورة نت:
2025-05-12@00:04:50 GMT

السيّد

تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT

 

 

لم تكن سوى أنت، وحدك السهل الممتنع، العادي جداً كالبرتقال في مسقط رأسك، الاستثنائي جداً كشذى زهرة في نيسان، ماذا تُسَمّى المسافة بين زهر البرتقال وعطره؟ ماذا يُدعى البرزخ بين العطر ووقعه في القلب؟ في الحياة ثمة أشياء لا تُقال، تماماً كأحوال البرتقال، أشياء لا أسماء لها.
تتعذّر على اللغة فتعتذر عن البوح، يدانيها الوجد بالمجاز، يداويها الذوق بالاستعارة، يدور حولها توقاً مثل كوكب يسبّح في مداره، لكن عبثاً يبلغ المبتغى، على رغم قوة الجاذبية.


هل بلغك الكلام؟
لم تكن سوى أنت، في الحضور والغياب، أنت السيّد و»السيّد»، أنت المحترم في قاموس اللغة، أنت النبيل، ذو المقام، الحر، المالك، المَلِك، المولى، سيد نفسه، الحاكم، سليل الأشراف من نَسَب الرسول.
في معاجم القلوب أنت السيّد فحسب. كلمة واحدة لألف زهرة. فيها تحتشد المعاني، ويضيق الشرح، وتصطلح عليها ألوان الأفئدة، ما أُعطيت لأحد غيرك، أنت ولا أحد غيرك.
يكفي أن يُقال «السيد»، ولا يزيد اللسان حتى يُفصح. السيّد.. القريب والشعبي والمُهاب والقائد والبصير والمتواضع والخلوق والنبيل والمتسامح والمتسامي والمقاتل والشهيد، الرمز والقدوة، النموذج والأيقونة ومجلى صفات السماء.
السيّد، الكلمة التي أصبحت أنت، المكتفية بذاتها، غير المتعدية بوهجك، يكفي أن تُقال كي تُحرّر الشحنات الكامنة في المعنى، كي تجمع الألوان المبعثرة في قوس قزح يسطع في الزمن الكالح والمرّ، كما اكتسبتها اصطفتك، أنت الجامع في عمامتك الوحدة في كثرتنا، والعزيمة في عثرتنا، والكمون في قدرتنا، وأنت المنفرد، مثل برتقال أعطى للون اسمه.
في الحضور والغياب، لم تكن سوى أنت، حضورك في مواسم الانتظار تدلّى، كَرْمُك الثمار من كلام، غيابك الشجى، عذوبة الشعاع على مرآة الأقحوان، يفيض الشوق ولا يبلغ منتهاه.
أوَليس كل شوق يسكن باللقاء لا يُعوّل عليه؟
لم تكن سوى أنت، أنت السيّد و»السيّد»، سيّد المعنى والكلام، سيّد البدايات والختام.
كأن وداعاً واحداً لا يكفي، في الطرق المكتظة بين زمنين احتشدنا، عند التقاطع المزدحم بين مَصارع الكرام وطاعة اللئام، تتسع المساحات لوجوهنا ولا تسع الحزن في أرواحنا.
كان الكون يعدّ كل شيء بعناية، يرتب النجوم في مواضعها، يلغي مواعيد الغد للصبح القادم. يوازن برودة الطقس بحرارة القلوب المحتشدة، ويلوّن الغمام.
قاتِلوك كانوا هناك. فعّلوا غباءهم للمرة الأخيرة، حضروا، وعلى أسنة الرماح رأس، مرّت الطائرات فوق الرؤوس، التهب التاريخ، توقّدت الثورة في العروق وتوهّج الحسين، أليس هذا ترتيب الكون؟
في الانتظار الطويل نسينا كل شيء، أعمارنا وأحلامنا وأرزاقنا، وبيوتنا المهدّمة وسائر حياتنا، وكنت أنت، وحدك أنت، ساطعاً، شامخاً، عصياً على الوصف، متعذراً على اللغة، أجمل وأنقى وأصفى ما فينا، نومئ إليك.
هل بلغك الشوق؟
لم تكن سوى أنت، وحدك في حزننا الجميل. مثل سكون النون في الحزن، وداعة النون في ختام اسمك، شوق الواو بين النون والنون، سرّ النون في النون.
وأنت ترحل إلى طباعك التامة كانت 85 طناً من الموت تعيد تشكيل العالم. تفصل ما قبلك عمّا بعدك، تهزّ ضمير العالم، وكان صمتك أبلغ من الكلام.
ما آن للحزن أن ينتهي يا سيّد الغمام، لكنا على وعد مع النور، كشمس تبزغ في سحب وداعك، كدفء يكسو برد الغياب.
دَنَت لحظتك المُشتهاة، والقلب تعذّر من فرط مراميه.
في الحياة ثمة أشياء لا تُقال، مثل مراتب الزهر، مثل مدار البرتقال.
آن لحزنك أن يستريح.. اكتمل لون البرتقال.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

كتابات وقصائد وأعمال تشكيلية:صمود فلسطيني على الجبهة الثقافية

 

خليل المعلمي

يؤكد الفلسطينيون بمختلف توجهاتهم الفكرية والثقافية تمسكهم بأرضهم وهويتهم، من خلال الأدب والفكر والفن، وخلال قرن كامل نجد مخزونا من هذه الأعمال في مختلف المكتبات العربية والأجنبية.

ومن أجل إعادة نشر بعض من هذه الأعمال فقط صدر في لندن مؤخراً كتاب باللغة الإنجليزية يحمل عنواناً عربياً “صمود: مختارات من كتابات فلسطينية جديدة”، أشرف على تحريره كل من: “جوردان الجرابلي”‏ وهو كاتب ومترجم فرانكو أميركي ومغربي ورئيس تحرير مجلة “المركز” وهي مجلة إلكترونية نشرت نصوصاً من الثقافة الفلسطينية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية ظهرت في 2020م، و”مالو هلسا” وهي كاتبة وروائية أردنية فلبينية أمريكية، مع مقدمة بقلم سليم حداد وهو روائي وكاتب أقصوصة يعيش حالياً في لشبونة.

الكتاب صادر عن مطبعة القصص السبع في لندن عام 2024 في 365 صفحة، ويشتمل إلى جانب النصوص على صور فوتوغرافية، ولوحات فنية، وملصقات إعلانية والنصوص تجمع بين مقالات ومذكرات وقصص وقصائد وأعمال من الفن التشكيلي سبق نشرها في مجلة المركز.

يقول سليم حداد في كلمته التمهيدية المؤرخة في مايو 2024م: إن هذه النصوص الفلسطينية ليست مجرد شهادة على ما يجري عقب 7 أكتوبر 2023م وإنما هي أيضاً فضاء يعرض إبداع فلسطينيين صامدين وتضامناً من يقفون معهم من أحرار العالم.

ويؤكد “الجرابلي وهلسا” في مقدمتهما العلاقة الوثيقة بين الثقافة والمقاومة، منوهين على وجه الخصوص بالدور المهم الذي لعبه الشعر الفلسطيني حتى أن موشى ديان، وزير دفاع الكيان الإسرائيلي في عقود سابقة، صرح بأن قراءة قصيدة لفدوى طوقان تشبه مواجهة عشرين فدائياً.

ومن بين محتويات الكتاب نتوقف عند مقالة عنوانها إدوارد سعيد: الكتابة في خدمة الحياة بقلم ليلى العمار، وهي روائية وأكاديمية كويتية حاصله على دكتوراه في أدب المرأة العربية. “لقد كان سعيد (1935 – 2003م) أبرز صوت فلسطيني على الساحة الدولية ثقافياً.

وفي هذه المقالة المؤرخة في 9 أكتوبر 2023، تقول العمار إن سعيد خلف عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات عن مسؤوليات الناقد، ونزع الصبغة الاستعمارية، والموسيقى الكلاسيكية، والعلاقة بين الثقافة والإمبريالية، وعذابات المنفى والقضية الفلسطينية. وكان كتاب الاستشراق 1978م فاتحة حقبة جديدة في دراسات ما بعد الكولونيالية، أعاد فيه صياغة فهمنا للشبكة التي تصل بين السلطة والمعرفة والسرديات والإدراك، إنه نموذج المثقف العمومي المشغول بقضايا إنسانية ووطنية عامة من خلال مقالاته الصحافية ومقابلاته التلفزيونية، لقد فند دعاوى “صمويل هنتنغتون” عن صدام الحضارات، وكشف عن مغالطات “برنارد لويس” وغيره من المستشرقين، وكان عضواً نشطاً في المجلس الوطني الفلسطيني لمدة خمسة عشر عاماً قبل أن يتركه في 1993 احتجاجاً على اتفاقيات أوسلو التي رأى فيها تخلياً عن حقوق الشعب الفلسطيني.

وتركز الكاتبة على ما كان سعيد يعنيه لها مفكراً وأكاديمياً وعربياً، وذلك منذ قرأت كتابه “الاستشراق” وهي في سن التاسعة عشرة، وتزامن ذلك مع محاولاتها الروائية الأولى، تعلمت منه أن تمثيل الواقع يرتبط بأمور كثيرة باللغة والثقافة والتاريخ والميول السياسية والدينية والكاتب ذاته بكل خلفياته ومعتقداته وتحيزاته. ومن كتاب “الاستشراق” انتقلت إلى قراءة أعماله الأخرى: “الثقافة والإمبريالية” و”فرويد وغير الأوروبي” و”بدايات” و “تأملات في المنفى”، ومنه تعلمت أهمية أن يعيد المرء قراءة ما قرأه من قبل، حيث إنه قد تكون هناك أشياء مهمة فاتته في القراءة الأولى، كما أننا حين نقرأ أشياء في سن الأربعين لا تكون الشخص نفسه الذي قرأ الشيء في سن العشرين فنحن قد تغيرنا والشيء المقروء يتغير معنا، ولا تخلو المقالة من تحفظات على إنجاز سعيد فقراءته للأدب العربي الحديث تكاد تكون مقصورة على نجيب محفوظ وغسان كنفاني والطيب صالح ولا يكاد يأتي على ذكر كاتبة عربية واحدة، بل إنه في محاضراته عام 1993 ، وقد نشرت تحت عنوان «تمثيلات المثقف»، لا يذكر من الكاتبات الغربيات سوى كاتبة واحدة هي “فرجينيا وولف”.

وتذكر الكاتبة مرثية محمود درويش لسعيد تحت عنوان “طباق” إشارة إلى الطابع الديالكتيكي أو الكونترابنطي لفكره حيث تتواجه الأضداد وتتفاعل منتجة مركبات جديدة.

وتقول “العمار”: إن الثقافة العربية في الأجيال السابقة لم تعدم رجالاً ونساء أطلقوا عنان طاقات سياسية واجتماعية ونفسية واقتنصوا صرخات الوعي في شبكة اللغة والصورة والشكل: رفاعة الطهطاوي، عباس العقاد، جورج طرابيشي، محمد عابد الجابري، غادة السمان نوال السعداوي، إلياس خوري، غسان كنفاني، لقد سجلوا إخفاقات الحداثة العربية كما صوروا كيف تكون مقاومة الإمبريالية، والأنظمة الشمولية، والأبوية الجديدة والطائفية وكل ما يعوق تقدم الحياة العربية، ولكن من يستحق لقب المثقف العمومي اليوم؟ قلائل، تذكر الكاتبة منهم علاء عبد الفتاح ومحمد الكرد وسمر يزبك، فالمثقف كما قال غرامشي يسير على حبل رفيع بين “تشاؤم الذهن” و “تفاؤل الإرادة”، الأول يهدد بأن يرمينا في هاوية القنوط، والآخر يدعونا إلى أن نصمد ونعيد المحاولة من جديد.

ومن النصوص الإبداعية في الكتاب نص عنوانه “بيروت” لأحمد الملاح، وهو شاعر فلسطيني له أكثر من ديوان، وفنان يدرس الكتابة الإبداعية بجامعة بنسلفانيا الأمريكية، يبدأ النص بقول الشاعر: “كنت في بيروت”، ثم يواصل قائلاً: فلسطين التي تتراءى في الأفق دون عودة. كنت على مرأى من المكان الأول دون أن أراه ولم يبق من الزيارة سوى أسبوع وبضعة أيام. قلت لنفسي سأكتب بالعربية هنا … في تلك المساحة الضيقة من الوقت سأكتب ما سأكتبه من اللغة الأم، قريباً من البعيد، أنا هنا واللغة الأم، تلك العربية هنا أيضاً، ليست بين الكتب أو في المكان في هذا البلد لبنان بضعة أيام لأسترجع فيها اللغة الأم، بضعة أيام في مكان لا أطلال لي فيه بضعة أيام…. والزمان يضيق مطبقاً على الاحتمال.

وثمة مقالة عنوانها أن تكون هناك، أن تكون هنا: كتابات فلسطينية في العالم بقلم “موريس أبيليني”، المحاضر في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة حيفا، المقالة مؤرخة في 30 مارس 2022م، وهي عن كتّاب فلسطينيين يكتبون بلغات غير اللغة العربية، مثل العبرية، والإنجليزية، والإسبانية، والإيطالية والدنماركية وغيرها، وكثير من هؤلاء الكتاب منفيون أو مهاجرون في الشتات يعيشون في بلدان غربية ويقدمون الرواية الفلسطينية بأساليب سياسية واجتماعية وجمالية متنوعة، وهناك كتاب فلسطينيون يعيشون في أمريكا اللاتينية وينحدرون من أصلاب مهاجرين، وبعضهم تجار مسيحيون فروا من الحكم العثماني.

وقبل نكبة 1948 كان الأدب الفلسطيني معتمداً على الإلهام القادم من القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد، ولكنه لم يكن رغم ذلك مفتقراً إلى صوته الخاص، لقد أنتج شعراء مثل إبراهيم طوقان، وأبو سلمى وعبد الرحيم محمود الذين شاركوا في النضال القومي وفي إبداع ما سماه غسان كنفاني “ثقافة شعبية في مواجهة تحالف الاستعمار البريطاني مع الاستيطان الصهيوني.

وفيما بعد برزت إلى المقدمة أسماء فدوى طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم لتربط بين الشعب والأرض، ونثراً جسد غسان كنفاني في “رجال في الشمس” (1963) وإميل حبيبي في “الوقائع الغربية في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” (1974) حس العقم الوجودي والاغتراب والاقتلاع من المكان في وعي الفلسطيني ووجدانه.

ويختم أبيليني مقالته بقوله إن الأدب والشعر بخاصة هو الوسيط الذي من خلاله يخاطب شعباً منزوع الأرض ضمير العالم.

لقد أنجبت أرض البرتقال الحزين عبر السنين عدداً من كبار الأدباء والمثقفين: عادل زعيتر في مجال الترجمة، إدوارد سعيد في النقد الأدبي، محمود درويش في الشعر، جبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني وإميل حبيبي في الرواية والأقصوصة. وكتاب “صمود” تذكرة بهذا التراث، وتوكيد للهوية الفلسطينية ومواجهة المطاردة إسرائيل كل ما هو فلسطيني ومحاولة إزالة وجوده، ومن أمثلة ذلك في السنوات الأخيرة مهاجمة الشرطة الإسرائيلية في 2022م موكب جنازة الإعلامية الفلسطينية -الأمريكية شيرين أبو عاقلة (1971 – 2022م) حتى كاد نعشها يقع على الأرض، وذلك على مرأى ومسمع من عالم غربي يؤثر، إلا في القليل النادر، أن يغمض عينيه عما يجرى على أرض الواقع.

مقالات مشابهة