الضربات الوهمية.. بين استعراض القوة وصمود الجغرافيا الإيرانية!
تاريخ النشر: 27th, June 2025 GMT
في خضم التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، جاءت الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة، التي نُفّذت بواسطة القاذفات الاستراتيجية «بي-2»، وكأنها محاولة لإثبات الحضور أكثر منها وسيلة فعّالة لتحقيق اختراق استراتيجي في الملف النووي الإيراني.
فالتسريبات الصادرة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والتي سارع كل من ترامب ونتنياهو إلى نفيها تشير بوضوح إلى أن هذه الضربات لم تؤدِّ إلا إلى تأخير محدود للبرنامج النووي الإيراني لا يتجاوز عدة أشهر.
وقد أكّدت مجلة الشؤون الخارجية (فورن أفيرز) هذه التقديرات، مشيرة إلى أن الضربات استهدفت مداخل المنشآت النووية الثلاثة، وليس البنية التحتية الحيوية المتصلة بأجهزة الطرد المركزي أو مخازن اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.
صور الأقمار الصناعية التي تم تحليلها بعد الضربة، لم تُظهر سوى حفر عميقة في الأرض، دون أي مؤشرات على تدمير جوهري للبنية النووية، ومعظم الأضرار التي رُصدت كانت في مناطق خدمية مثل مواقف سيارات العاملين، ملاعب كرة القدم والتنس، كافتيريات الإعاشة، وبعض مداخل المجمعات الواقعة على أطراف الجبال، وهي أماكن يسهل على إيران إصلاحها باستخدام جرافات ومعدات ثقيلة خلال أيام معدودة.
الهدف: سياسي أكثر منه عسكري
الضربة الأمريكية، بكل تفاصيلها، بدت أقرب إلى عرض سياسي إعلامي منها إلى عملية عسكرية محسومة النتائج. أرادت واشنطن أن ترسل رسالة بأنها قادرة على التحرك، دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة وشاملة لا ترغب فيها في هذا التوقيت الحرج، كما أن توظيف الضربة في الإعلام أعطى للرأي العام الأمريكي والإقليمي انطباعًا بأن هناك «حزمًا» تجاه طهران، رغم أن الأثر الحقيقي كان محدودًا للغاية.
الجغرافيا تقاوم التكنولوجيا
العامل التضاريسي لعب الدور الأبرز في امتصاص الصدمة، فالمنشآت الإيرانية، وعلى رأسها منشأة «فوردو»، شُيّدت داخل الجبال، على عمق يصل إلى تسعين مترًا تحت الصخور الصلبة، مما يجعل قصفها المباشر أمرًا بالغ الصعوبة. وحتى القنابل الخارقة للتحصينات التي تستخدمها القاذفات «بي-2» لا تستطيع تدمير تلك المنشآت دون خسائر جانبية جسيمة ومجازفة إقليمية غير محسوبة.
تؤكد هذه الحقيقة أن الجغرافيا، رغم كل ما يقال عن تراجع دورها في الحروب الحديثة، ما زالت عنصرًا حاسمًا في معادلات القوة. فالموقع، والعمق، والبناء تحت الأرض، كلها عناصر تُعيد تعريف حدود الحرب، وتجعل من السهل تدمير سطح المنشأة، لكن من المستحيل اقتلاع قلبها.
إيران تراقب وتستفيد من صمتها.
على الجانب الإيراني، جاء الرد محسوبًا بدقة. لم تسعَ طهران لتكذيب الرواية الأمريكية أو التقليل من شأن الضربات، بل تركت التصريحات الغربية تتضخم دون تدخل. هذه الاستراتيجية الذكية تسمح لها بكسب وقت إضافي، وتوهم خصومها بأن تقدمها النووي قد تعثّر، مما يقلل من وتيرة الضغط السياسي والعسكري عليها.
إنه نوع من الخداع الاستراتيجي الهادئ، تبرع فيه طهران: أن تترك خصمك يعتقد أنه أوقفك، بينما أنت تواصل العمل في الظل.
أخيرًا: الضربة التي أعادت للجغرافيا هيبتها.
لم تُسقط الضربات الأمريكية أجهزة طرد مركزي، ولم تُدمّر مخازن اليورانيوم المخصب، ولم تغيّر معادلة الردع. كل ما خلفته هو حفَر في الطرق الجبلية، وبعض الأبنية الجانبية التي يمكن تعويضها بسرعة.
لكن الأهم أنها أعادت تسليط الضوء على قوة الجغرافيا، وأظهرت كيف أن التضاريس - من الجبال إلى عمق الصخور - يمكن أن تحسم معركة قبل أن تبدأ.
في زمن الأقمار الصناعية والصواريخ الذكية، ما تزال الأرض قادرة على الدفاع عن نفسها حين تُبنى التحصينات بفكر استراتيجي طويل الأمد.
في النهاية، قد تحمل الجغرافيا في صمتها ما لا تستطيع القاذفات أن تحققه في ضجيجها.. .، !!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. ، !! [email protected]
اقرأ أيضاًبعد إعلان إسرائيل اغتياله.. قائد فيلق القدس يظهر في احتفالات النصر بطهران «فيديو»
الرئيس الإيراني في اتصال مع أمير قطر: طهران تسعى لتوسيع علاقاتها الأخوية مع الدوحة
وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجار غرب طهران وتفعيل الدفاعات الجوية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ترامب إيران الملف النووي الإيراني نتنياهو النووي الإيراني الضربات الأمريكية الضربات الجوية الأمريكية ترامب ونتنياهو الضربة الأمريكية واشنطن وطهران منشأة فوردو
إقرأ أيضاً:
تباين المواقف الإيرانية تجاه ممر زنغزور في القوقاز ممر ترامب
البوابة - أكد مستشار المرشد الإيراني علي أكبر ولايتي أن إيران ستمنع إنشاء الممر الأميركي في القوقاز (ممر زنغزور) سواء بالتعاون مع روسيا أو بدونها، واعتبره تهديدًا لأمن المنطقة. بينما قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن مطالب إيران بشأن الممر قد أُخذت بعين الاعتبار، مشيرًا إلى أن الموضوع لم يُضخّم كما في الأخبار.
يرى مراقبون إيرانيون أن الاتفاق بين أذربيجان وأرمينيا، برعاية أميركية، يتجاهل كثيرًا من ملاحظات إيران، ويهدد مصالحها الجيوسياسية خاصة الحدود البرية مع أرمينيا، ويشكّل حضورًا أميركيًا استعماريًا قرب حدود إيران. في المقابل، تبدي الحكومة الإيرانية تصريحات دبلوماسية تهدف لتفادي تصعيد التوتر مع واشنطن، خاصة مع توقعات باندلاع حرب مع إسرائيل.
ويتضح تناقض المواقف بين التصريحات الرسمية الرافضة للممر من جهة، والتنسيق الدبلوماسي مع أرمينيا من جهة أخرى، حيث ترى الحكومة ضرورة المشاركة الاقتصادية في المشروع وتفادي التصعيد العسكري، مع الإبقاء على مخاوف أمنية من تأثير الممر على وحدة الأراضي الوطنية الإيرانية.
المصدر: وكالات
كلمات دالة:تباين المواقف الإيرانية تجاه ممر زنغزور في القوقاز© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
عملت رولا أبو رمان في قسم الاتصال والتواصل لدى جمعية جائزة الملكة رانيا العبدالله للتميز التربوي، ثم انتقلت إلى العمل كصحفية في موقع "نخبة بوست"، حيث تخصصت في إعداد التقارير والمقالات وإنتاج الفيديوهات الصحفية. كما تولت مسؤولية إدارة حسابات مواقع التواصل الاجتماعي.
انضمت رولا لاحقًا إلى فريق "بوابة الشرق الأوسط" كمحررة وناشرة أخبار على الموقع وسوشال ميديا، موظفة في ذلك ما لديها من مهارات في التعليق...
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن