انتهى السلام الأمريكي وما يليه سيكون أسوأ
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
على مدى نحو ثمانية عقود، استفادت الإنسانية من النظام الدولي الذي بنته القوة الأمريكية وحافظت عليه.
تايوان معرضة لخطر أكبر من الصين
كتب نيكولاس كريل في موقع "ذا هيل، أن "السلام الأمريكي" الذي تميّز بعلاقات دولية مستقرة، وبتوسع التجارة العالمية، وبازدهار غير مسبوق، وبغياب النزاع بين القوى العظمى، انتهى فجأة، وما سيليه سيصدم كل الذين تعودوا على مكاسبه.
لم يكن نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية مثالياً، لكنه حقق نتائج ملحوظة. أنتجت القيادة الأمريكية أطول فترة دون حرب كبرى بين القوى العظمى في التاريخ الحديث. وتراجع الفقر العالمي بشكل كبير، حيث انخفض عدد الذين يعيشون في فقر مدقع من أكثر من نصف سكان العالم في الخمسينيات، إلى أقل من 10%.
"The tragedy is that many Americans, frustrated by the costs of global leadership, fail to recognize the many indirect benefits they’ve received from it."https://t.co/HhKsAm4MZ6
— Sebastian Huluban (@HulubanS) March 1, 2025وتوسع الحكم الديمقراطي إلى مستويات غير مسبوقة. وأنشأت المؤسسات الدولية، من الأمم المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية، منتديات لحل النزاعات سلمياً. وحدث كل هذا تحت مظلة التفوق العسكري الأمريكي والالتزام بالنظام الدولي القائم على القواعد. إن تلك الحقبة انتهت، ليس بحدث حاسم، لكن بالتخلي الأمريكي عنها عمداً.
ولفت الكاتب إلى أن المطالب الأخيرة للرئيس دونالد ترامب، من محاولة شراء غرينلاند من الدانمارك رغم إرادتها، والتهديد بفرض تعريفات عقابية ضد الحلفاء والجيران، إلى إجبار أوكرانيا على تسليم الثروة المعدنية مقابل استمرار الدعم الأمريكي، تشير إلى تحول جوهري. وتتخلى أمريكا عن دورها مسؤولة عن النظام لمصلحة التحول إلى مجرد قوة عظمى أخرى لا تهتم إلا بمصالحها. وستكون العواقب واسعة النطاق وشديدة.
Pax Americana: deposing leaders, seizing turf, redrawing borders—all while two powers carved up the world /2https://t.co/nXRun8i5wh
— Brandon Zicha (@ProfBZZZ) March 1, 2025يرى الكاتب أن الضمانات الأمنية التي منعت نشوب الصراعات المسلحة، ستضعف.وطيلة عقود ردع المعتدون المحتملون عند معرفة أن مهاجمة حلفاء أمريكا من شأنه أن يؤدي إلى تدخلها. ومع تآكل هذه المصادقية، فإن القوى الانتهازية ستختبر الحدود. فتايوان معرضة لخطر أكبر من الصين، ودول البلطيق والدول الأخرى المتاخمة لروسيا أكثر عرضة للخطر.
وستتحول الدول الأصغر، على نحو متزايد، بيادق في منافسات القوى العظمى. فخلال "السلام الأمريكي"، كان بوسع الدول الصغيرة أن تمضي في علاقاتها الدولية باستقلالية معقولة، محمية بالمعايير الدولية المدعومة من الولايات المتحدة. وفي النظام الناشئ متعدد الأقطاب، ستواجه هذه البلدان الإكراه من القوى الإقليمية التي تسعى إلى إنشاء مناطق نفوذ.
ونحن نشهد فعلاً هذه الديناميكية مع الغزو الروسي لأوكرانيا، والمواقف العدوانية المتزايدة من الصين في بحر الصين الجنوبي. ومثلها كمثل أسماك القرش التي تشم رائحة الدم في الماء، تستعد القوى المعادية للعودة إلى عالم حيث، كما كتب ثوسيديديس الشهير "الأقوياء يفعلون ما في وسعهم، والضعفاء يعانون ما وجب عليهم". ستصبح الحروب الكبرى بين الدول أكثر شيوعاً مما كانت عليه خلال العقود الماضية.
وغير بعيد، سيصبح اختلال توازن القوى بين الدول النووية وغير النووية أكثر وضوحاً وخطورة. خلال فترة "السلام الأمريكي"، حمت المظلة النووية الأمريكية الحلفاء، ما أدى إلى تقليل حوافز الانتشار النووي. وبما أن هذه الحماية باتت غير جديرة بالثقة، فستواجه البلدان خياراً صارخاً، إما تطوير أسلحة نووية، أو قبول الضعف. ومن المرجح أن تكون النتيجة انتشاراً للنووي، ما يزيد خطر سوء التقدير والحوادث واندلاع سباقات التسلح الإقليمية.
وسيعاني الازدهار الاقتصادي مع تفكك الاقتصاد العالمي المتكامل. لقد خلق النظام الذي تقوده الولايات المتحدة الظروف المثالية للعولمة، بممرات شحن آمنة، وقواعد يمكن التنبؤ بها، وتجارة حرة نسبياً. ودون قوة عظمى تعمل على فرض هذه المعايير، سترتفع النزعة الحمائية، وستتمركز سلاسل التوريد، وتتراجع الكفاءة الاقتصادية.
إن الدول الأكثر فقراً، التي استفادت بشكل كبير من الاندماج في الأسواق العالمية، ستعاني أكثر من غيرها مع تراجع الاستثمار إلى ملاذات أكثر أماناً. وستشهد الدول الأكثر ثراءً انخفاضاً في مستوى معيشتها بسبب منع الوصول إلى الأسواق التي توفر عمالة أرخص.
والمأساة هي أن الكثير من الأمريكيين، الذين يشعرون بالإحباط من تكاليف القيادة العالمية، يفشلون في إدراك الفوائد غير المباشرة العديدة التي حصلوا عليها منها. صحيح أن الحفاظ على الهيمنة الأمريكية لم يكن حراً، ولكن بتحمل تلك التكاليف، تمكنا من الحفاظ على عالم يفضي بشكل ملحوظ إلى صون مصالح الولايات المتحدة. إن عصر الأسواق المستقرة للصادرات، والقدرة على الوصول إلى الموارد بشكل موثوق، والقليل من التهديدات الأمنية المباشرة، يقترب من نهايته، مع ابتعادنا عن دور القوة المهيمنة الخيّرة نسبياً.
ومن شأن الفوضى المقبلة أن تلحق الضرر بالأمريكيين أكثر مما يدركون، وذلك بالتهديدات العسكرية المتزايدة والاضطرابات الاقتصادية. إن الذين يحتفلون بتراجع أمريكا عن القيادة العالمية، سيدركون قريباً أن أمنيتهم قد تحققت على مخلب قرد. إن العالم الذي سيتبع "السلام الأمريكي" سيكون أكثر فقراً، وأكثر خطورة، وأقل حرية، وهو درس قاس عن مدى تحسن النظام المنقوص، الذي تقوده الولايات المتحدة مقارنة مع البدائل التي يقدمها التاريخ.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل صناع الأمل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ترامب الولایات المتحدة السلام الأمریکی
إقرأ أيضاً:
ماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب
يلعب الإعلام دوراً مفصليا في إعادة بناء المجتمع، وتحقيق السلام، والمساهمة في التنمية. إفماهي الأدوار المهمة التي يمكن أن يلعبها الإعلام في السودان في فترة ما بعد الحرب :
أولا : تعزيز السلام والمصالحة الوطنية
و لكي يتحقق ذلك يتوجب
أ. التزام وسائل الاعلام بتغطية إخبارية متوازنة وموضوعية لما يجري ، وتجنب الرسائل المتحيزة و خطابات التحريض على الكراهية..
ب. وسائل الإعلام عليها أن تعطي مساحة مقدرة لرسائل السلام والمصالحة، بالتركيز على مبادرات السلام وجهود المصالحة الوطنية النابعة من المجتمع نفسه، ذلك أن وسائل الاعلام كثيرا ما تعد رسائل تبدو و كأنها رغبة سلطوية رسمية مما يضعف التفاعل معها..
ج. على وسائل الإعلام توفير منصة للحوار حول القضايا المهمة، وإشراك جميع الأطراف بلا اقصاء لأحد.. بمشاركة متوازنة تقدم الرأي و الرأي الآخر الموضوعي بما يهدف للوصول للمشتركات في الأفكار و الأطروحات و الحلول
ثانيا . دعم إعادة الإعمار والتنمية. من خلال :
أ. تسليط الضوء على الاحتياجات الإنسانية والمجتمعية في المناطق المتأثرة بالحرب، والاسهام في توجيه جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.
ب. متابعة المشاريع التنموية القائمة و المستحدثة في البلاد، وتسليط الضوء على الإيجابيات في هذه المشروعات..
ج. على وسائل الإعلام أن تشجع المشاركة المجتمعية في جهود إعادة الإعمار والتنمية، وإبراز قصص نجاح المواطنين و أدوارهَم في بناء مستقبل أفضل لهم و لوطنهم .
د. إحياء قيم العمل و احترام الوقت.. و تعزيز خطاب التوازن بين الحقوق و الواجبات في علاقة المواطنين و الدولة..
ذلك أنه و لفترة مضت ساد خطاب الحق على الواجب.. و آن الأوان لتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة حول موضوعات السلطة و الثروة، و كانت سببا في استمرار الصراع مما أضعف بنية الدولة و تسبب في تأخر جهود البناء و الاعمار و التقدم نحو الأفضل..
ثالثا : اعادة صياغة الخطاب الاعلامي السياسي و ضرورة تعزيز و نشر قيم الديمقراطية و الشورى، و حقوق الآخر و العناية و الدفاع عن حقوق الإنسان، وتسليط الضوء على الانتهاكات، والمطالبة بالعدالة .
ب. أن تضطلع وسائل الاعلام بدورها، في مراقبة الأداء الحكومي: و يجب عليها مراقبة أداء الحكومة ومؤسسات الدولة، وكشف الفساد وسوء الإدارة، والمساهمة في تعزيز الشفافية والمساءلة.
ج. توعية الجمهور بحقوقهم وواجباتهم، و الدور الذي يجب أن يقوموا به في بناء مجتمع قائم على احترام حقوق الإنسان.
رابعا؛ تعزيز خطاب اعلامي ينبني على الحقائق لا غيرها ومحاربة الشائعات و المعلومات المضللة والأخبار ذات الغرض..
أ. يجب على وسائل الإعلام التحقق من الحقائق قبل نشرها، والتأكد من مصداقية المصادر ، وتجنب نشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة.
ب. على وسائل الإعلام مكافحة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وتعزيز التسامح والاحترام المتبادل بين جميع مكونات المجتمع.
خامسا : بناء ثقافة السلام والتسامح.
أ. هنالك قصص كثيرة و إيجابية عن التعايش السلمي والتسامح، يمكن لوسائل الإعلام أن تسهم في نشرها وتسليط الضوء على المبادرات الفردية و الرسمية و الجهود المبذولة لتعزيز الوحدة الوطنية.
ب. حسن ادارة قضايا التنوع الثقافي و تشجيع الحوار بين الثقافات وتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام بين جميع أفراد المجتمع.
خاتمة.. خلاصة القول أن ما نحتاجه لادارة اعلام ما بعد الحرب في السودان أننا نريده اعلاما مسؤولاً ومهنياً، تقوم رؤيته على بناء مجتمع متماسك و قوي مؤمن بوحدته و تنوعه الثقافي، يسوده السلام والعدل والمساواة.
أ. يس إبراهيم
خبير اعلامي