هل تهدد أزمة التجنيد الحكم الذاتي للحريديم بإسرائيل؟
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
سلط الكاتب الإسرائيلي أنشيل فيفر الضوء على معضلة الحريديم في ظل استمرار رفضهم للتجنيد الإلزامي في الجيش الإسرائيلي، وتهديد قادتهم بإسقاط قانون الميزانية، إذا لم يتم تمرير قانون يؤدي إلى إعفاء الشق الأكبر منهم من الخدمة العسكرية.
ويشير الكاتب -في تحليله المنشور في صحيفة هآرتس الإسرائيلية- إلى أن الشهر الجاري (مارس/آذار) قد يكون حاسمًا في تحديد مستقبل ما يمكن تسميته الحكم الذاتي للحريديم في إسرائيل.
فالحكومة الإسرائيلية تواجه موعدًا نهائيًا نهاية الشهر لإقرار الميزانية العامة للدولة، وإذا لم يتم ذلك، فإن الكنيست سيتم حله وستجرى انتخابات جديدة.
لكن القضية الأكثر إلحاحًا بالنسبة للحريديم هي قضية التجنيد الإلزامي. فالحكومة مطالبة بتمرير قانون ينظم تجنيد الحريديم، وهو ما يرفضه قادة المجتمع الحريدي بشدة، وفق الكاتب.
وفي حين يتطرق التحليل لاحتمالات نجاح قانون التجنيد، وارتباطه بقانون الموازنة المصيري لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإنه يتناول التحديات التي تواجه المجتمع الحريدي في ظل الضغوط السياسية والاجتماعية المتزايدة.
ويرى فيفر أن تلك الضغوط قد تؤدي إلى تغييرات جذرية في بنية المجتمع الحريدي الذي تمتعت قياداته بحكم ذاتي واسع لعقود، وفي نمط حياة أتباعه.
إعلان الخلفية التاريخيةيستعرض الكاتب خلفية تاريخية عن وضع الحريديم في إسرائيل، مشيرًا إلى أن الوضع الحالي للمجتمع الحريدي ليس طبيعيًا ولا يتماشى مع التقاليد اليهودية القديمة.
فمنذ عام 1977، عندما وافقت حكومة الليكود الأولى على منح إعفاء شامل من الخدمة العسكرية لكل من هو مسجل في مدرسة دينية حريدية، بدأ المجتمع الحريدي في التوسع بشكل كبير دون أن يتحمل العبء الأمني أو الاقتصادي الذي يتحمله باقي المواطنين الإسرائيليين.
ويرى فيفر أن هذا الوضع أدى إلى خلق فجوة كبيرة بين الحريديم وبقية المجتمع الإسرائيلي، حيث يعتمد الحريديم بشكل كبير على الدعم الحكومي والمساعدات المالية، في حين يرفضون المشاركة في الخدمة العسكرية أو الانخراط في سوق العمل بشكل كامل.
كذا يوضح الكاتب الإسرائيلي أن القادة الحريديم، بما في ذلك الحاخامات ورؤساء المدارس الدينية، يواجهون معضلة كبيرة، فهم مضطرون للاختيار بين قبول تسوية بشأن قانون التجنيد أو رفض الميزانية وإسقاط الحكومة.
ويذهب التحليل إلى أن كلا الخيارين سيؤدي إلى تغييرات جذرية في حياة المجتمع الحريدي، فقبولهم بالتسوية، يعني نهاية الإعفاء الشامل من الخدمة العسكرية، وإذا رفضوا، فإنهم سيخاطرون بفقدان الدعم الحكومي الذي يعتمدون عليه بشكل كبير.
ويقدم فيفر سيناريوهين محتملين للأحداث القادمة، يتمثل الأول في أن يقبل القادة الحريديم بتسوية مؤقتة مقابل وعود من نتنياهو بتمرير قانون تجنيد لاحقًا.
وهذا السيناريو يبدو الأكثر احتمالا، حيث إن القادة الحريديم لا يرغبون في خسارة الدعم الحكومي الذي يحصلون عليه حاليًا.
أما السيناريو الثاني، وهو الأقل احتمالًا، فهو أن ينجح الكنيست في تمرير قانون تجنيد للحريديم يحظى بموافقة القادة الحريديم. لكن حتى في هذه الحالة، فإن القانون قد لا يلبي معايير المساواة التي تطالب بها المحكمة العليا الإسرائيلية، وقد يتم إلغاؤه لاحقًا.
إعلان الضغوط الداخليةيشير الكاتب إلى أن الضغوط الداخلية داخل المجتمع الحريدي تتزايد، خاصة بين الشباب الذين يواجهون إمكانية استدعائهم للخدمة العسكرية.
ويرى أن الكثير من الشباب الحريديم وأسرهم يشعرون بالقلق من فقدان الحماية التي يوفرها لهم النظام الحالي، ويطالبون قادتهم بإيجاد حل لهذه الأزمة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الضغوط الخارجية من المجتمع الإسرائيلي العام تزداد أيضًا، حيث يطالب الكثير من الإسرائيليين بتقاسم العبء الأمني "بشكل عادل".
ويشرح فيفر ذلك قائلا "طالما أن الحاخامات يتمسكون بمواقفهم بأنه من الواجب المقدس السماح لجميع دارسي التوراة بالتهرب من التجنيد -بل ويصرون على السماح لكل حريدي بالتهرب- فإنه لا يوجد أمل في تمرير قانون، حتى لو كان بصيغة مخففة كما يتم مناقشته الآن في لجنة الخارجية والأمن.
ويوضح أن الأمر بات لا يتعلق فقط بمسألة التجنيد، بل سيؤثر على الحريديم في مجالات التعليم والتوظيف، والاقتصاد، والإسكان، في حين لا يملك الحاخامات أي بديل حقيقي لمستقبل مجتمعاتهم الشابة ذات الأعداد الكبيرة من الأطفال، سوى التمسك بشعارات حول "أهمية دراسة التوراة والالتزام بالنظام الحالي".
ويضيف فيفر أن القيادة الحريدية "منقسمة ومتعبة ومشبوهة ومنفصلة بشكل خطير" ليس فقط عن واقع المجتمع الإسرائيلي العام، ولكن أيضًا عن مشاعر الحريديم الأصغر سنًا منهم بـ60 أو 70 عامًا، الذين يُجبرون على مواجهة "قانون التجنيد" بمفردهم، وبحلول نهاية الشهر، سيُطلب من الحاخامات تقديم قرار واضح لأعضاء الكنيست الذين يمثلونهم".
أزمة "الحكم الذاتي"ويفصّل الكاتب في النظام الحريدي الذي تم إلغاؤه العام الماضي، والأزمة التي سيعانيها مجتمعهم مع إقرار نظام التجنيد الجديد، قائلا إن "النواب الحريديم وموظفي مكاتبهم، في الحكم المحلي، الكنيست، والحكومة، يقضون جزءًا كبيرًا من وقتهم في الاستجابة لطلبات المساعدة من أفراد المجتمع".
إعلانويرى أن هذا النظام "يساعد على عزل الحكم الذاتي الحريدي"، لأن الناشطين السياسيين فقط هم من يتعاملون مع العالم الخارجي، وهذا يعني عزل الشباب الحريديم عن المجتمع الإسرائيلي في المرحلة الأكثر أهمية في حياتهم.
ولذلك فإن الكاتب يرى أن عدم حل قانون التجنيد سيخلق معضلة لهذا المجتمع، لا سيما فئة الشباب في سن التجنيد وأولياء أمورهم، الذين يضغطون على الناشطين والحاخامات لإيجاد حل.
ويتوقع فيفر أنه إذا لم تتمكن الأحزاب الحريدية من حماية الرجال الحريديم من قانون التجنيد، فلن يكون لها أي فائدة، وسينخفض نفوذها في الانتخابات.
ويقول "هذا الضغط من الشباب، والعجز الذي يقود الحاخامات إلى اليأس، قد يكون العامل الذي يدفع الأحزاب الحريدية، ضد كل منطق سياسي، إلى إسقاط حكومة نتنياهو بحلول نهاية الشهر".
ويختتم الكاتب مقاله بالحديث عن التأثيرات المستقبلية المحتملة لهذه الأزمة ومآلاتها، فإذا تم فرض التجنيد الإلزامي على الحريديم، فإن ذلك سيؤدي إلى تغييرات عميقة في بنية المجتمع الحريدي.
ويشير إلى أن المحتمل انقسام مجتمع الحريديم إلى 3 فئات: فئة ستتمسك بالتعاليم الدينية وترفض التجنيد رغم احتمال تعرضها للأوامر القضائية والاعتقالات وقطع التمويل، وفئة ستقبل بالتجنيد وتحاول التوفيق بين الحياة الدينية والحياة العسكرية، وفئة ثالثة ستتخلى عن الهوية الحريدية تمامًا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ترجمات المجتمع الإسرائیلی الخدمة العسکریة قانون التجنید الحکم الذاتی إلى أن
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية الإيراني: لا ثقة بإسرائيل وأمريكا في التزامات غزة.. ولا محادثات تتجاوز الملف النووي
قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن إيران ترحب بوقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي في قطاع غزة، لكنه نصح في الوقت نفسه بتوخي الحذر الشديد في ضوء حالات متعددة من خيانة تل أبيب للاتفاقيات السابقة.
وأدلى الدبلوماسي الكبير بهذه التصريحات في مقابلة تلفزيونية موسعة يوم السبت، تناولت موافقة حركة المقاومة الفلسطينية حماس مؤخراً على تنفيذ المرحلة الأولى من خطة وقف إطلاق النار التي تهدف إلى إنهاء الإبادة الجماعية المستمرة منذ أكثر من عامين.
وقال عراقجي: "لقد دعمنا دائماً أي خطة أو مبادرة من شأنها وضع حد للجرائم والإبادة الجماعية ضد شعب غزة"، لكنه حذر من أنه "لا توجد ثقة على الإطلاق في النظام الصهيوني، وكانت هناك حالات متعددة انتهك فيها وقف إطلاق النار".
وأشار إلى أن الجمهورية الإيرانية أصدرت تحذيرات ضرورية بشأن احتمال عدم الالتزام بوقف إطلاق النار من قبل النظام الإسرائيلي أو الولايات المتحدة، التي وضعت الخطة.
وذكر أن الفصائل الفلسطينية وافقت فقط على المرحلة الأولى من المقترح، مشيراً إلى أن هناك مراحل أكثر صعوبة تنتظرهم، مؤكداً وجود "شكوك جدية" حول التزام الولايات المتحدة بمطالبها ووعودها بشأن غزة.
وتابع: "سيكون هذا هو الوقت المناسب لمعرفة إلى أي مدى سيظل المسؤولون الأمريكيون والأطراف الأخرى ملتزمين بالمطالبات والوعود التي قدموها".
وفي الوقت نفسه، استشهد عراقجي بنقل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً "رسالة" نقلها النظام حول عدم سعيه إلى الحرب.
لكن المسؤول أشار أيضاً إلى السابقة المتكررة لمهاجمة النظام للأراضي الإيرانية، بما في ذلك خلال الحرب غير المبررة وغير القانونية التي شنتها تل أبيب على الجمهورية الإيرانية في يونيو.
وأضاف أن القوات المسلحة للبلاد في حالة تأهب دائم وتزيد من قدراتها يوماً بعد يوم، مشيراً إلى أن "احتمالات الخداع والمكر في النظام الإسرائيلي عالية جداً".
وفي مكان آخر من تصريحاته، أشار المسؤول إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يحاول ربط مثل هذه القضايا الإقليمية بالمحادثات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، لكنه استبعد وجود أي علاقة بين الأمرين.
وأضاف عراقجي: "لقد أكدنا دائماً وبحزم أن مفاوضاتنا تقتصر فقط على القضية النووية".
وتابع: "ولم نعقد في الماضي ولا في الآونة الأخيرة أي محادثات مع الأمريكيين أو أي طرف آخر بشأن أي قضية تتجاوز القضية النووية، خاصة فيما يتعلق بالمقاومة".
واستبعد عراقجي بشكل قاطع أي احتمال لانضمام إيران إلى ما يسمى باتفاقيات إبراهيم، التي شهدت انفراجاً بين بعض الدول الإقليمية والنظام الإسرائيلي بوساطة الولايات المتحدة، ووصف الاتفاقيات بأنها "غادرة" وتهدف إلى تمكين الاعتراف بنظام غير شرعي ومحتل ومجرم وقاتل للأطفال، وتطبيع العلاقات معه، وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة.
وتطرق عراقجي بشكل منفصل إلى قضية اقتراح الثلاثي الأوروبي (المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا) إجراء محادثات جديدة مع إيران، مشيراً إلى أن العرض جاء في الوقت الذي قامت فيه الدول المعنية بتفعيل ما يسمى بآلية "العودة السريعة" داخل الاتفاق النووي لعام 2015، والتي أعادت فرض العقوبات النووية على طهران.
وقال: "لا نرى أي أساس للتفاوض مع الأوروبيين"، مؤكداً موقف طهران بأن أوروبا فقدت دورها في القضية النووية بتفعيل هذه الآلية، وأضاف: "يجب عليهم أن يقدموا لنا سبباً واحداً فقط يدفعنا إلى التفاوض معهم مرة أخرى".
وفيما يتعلق بالمحادثات مع الولايات المتحدة، أشار عراقجي إلى أن المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف أبدى مؤخراً استعداده لإجراء محادثات، لكنه رفض الانضمام إلى المناقشات متعددة الأطراف التي تضم أيضاً الأوروبيين والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونقل وزير الخارجية عن قائد الثورة الإسلامية علي خامنئي وصفه للمحادثات مع الولايات المتحدة بأنها "طريق مسدود تماماً".
لكنه أشار إلى أن "هذا لا يعني رفضاً كاملاً للمفاوضات، فإذا تم تقديم اقتراح معقول ومتوازن يرتكز على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، ويحمي مصالح الشعب الإيراني من موقع المساواة، فسيتم النظر فيه بالتأكيد".
وأضاف أنه من أجل إجراء محادثات جديدة، يجب على الولايات المتحدة "عدم الخلط بين التفاوض وإملاء" تفضيلاتها.
وأشار المسؤول إلى اتفاق تم التوصل إليه في القاهرة في التاسع من سبتمبر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لاستئناف التعاون بين الجانبين، قائلاً إن تفعيل آلية "العودة السريعة" تسبب في "فقدان الاتفاق لفعاليته".
وأضاف عراقجي: "إذا تم تقديم مقترحات عادلة بطريقة تصون حقوق الأمة الإيرانية، وإذا تم تحديد دور للوكالة في عملية التوصل إلى حل، فإننا نستطيع العودة إلى هذا الاتفاق".