يندرج كتاب استراتيجية الغاز الأميركية - الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط ضمن سلسلة "أطروحات الدكتوراه" التي تبناها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وهي تلتزم نشر ما هو نوعي وأفضل وأكفأ في مجالات حقول العلوم الإنسانية والاجتماعية العربية، سواء قُدِّمت الأطروحة في الجامعات العربية أو الأجنبية، وذلك في حال توافقها مع اهتمامات المركز، وانطلاقًا من أهدافه الأساسية المتركزة حول استئناف النهضة الفكرية والعلمية العربية، ومعالجة قضايا الوطن العربي ومجتمعاته.

يشتمل الكتاب على خمسة فصول تتمحور مواضيعها حول علاقة اكتشاف الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط بالاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية في الشرق الأوسط وتأثيره فيها، وهو من تأليف شادي سمير عويضة، ويقع في 328 صفحة، شاملةً ببليوغرافيا وفهرسًا عامًّا.

إيران والعراق والسعودية وإسرائيل في "الاستراتيجية الأميركية"

مع استمرار التهديدات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط على الصُّعد الداخلية والخارجية، إضافة إلى التغييرات الاستراتيجية التي تمر بها، وتغير العلاقات بين قواها الإقليمية، تستمر المصالح الأميركية ثابته في المنطقة، وتسير استراتيجية الولايات المتحدة الأميركية بخطى واثقة نحو تحقيق أهدافها وغاياتها؛ إذ تمكّنت من إزالة الخلاف الدامي بين الجارين اللدودين إيران والعراق، اللذين خاضا حرب سنوات ثمانٍ أسفرت عن 1.1 مليون قتيل، وأوصلت البلدين إلى حالة من التلاحم الوثيق بعد القضاء على النظام السياسي العراقي، فقد عملت هذه الاستراتيجية على توازن القوى بين الجانبين، واستنزاف مقدراتهما الوطنية.

وتُعَدّ السعودية حجرَ الزاوية في تعزيز استقرار الشرق الأوسط في حسابات الإدارة الأميركية، لكن التهديدات المختلفة لدول الخليج الست كانت ذا تأثير أكبر في تمتين العلاقات بينها؛ ما أثر في الاستراتيجية الأميركية، وأدى إلى تعقيد جهودها في الحفاظ على السيطرة الكاملة والاستقرار المطلوبين للجوء إلى العمليات العسكرية من أجل ضمان الوصول إلى مصادر النفط الذي تعتمد عليه، ومصادر الغاز الذي تسعى إلى حماية تدفقاته الحيوية للاقتصاد العالمي.

ولا تزال الولايات المتحدة تُولي دمج "إسرائيل" في الدول الحليفة في المنطقة، سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا، اهتمامًا كبيرًا، وباتت التعريفات المختلفة للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط تتفق على بنود ضمان التدفق الحر للموارد الطبيعية، خصوصًا الغاز، واستمرار العلاقات مع الحلفاء الرئيسين وحمايتهم من التهديدات الخارجية. ومع اكتشاف مخزونات هائلة من الغاز الطبيعي في إسرائيل، ازدادت أهمية الحليف الأول والأقوى للولايات المتحدة في منطقة لم تقدّم لها سوى عدد قليل من الحلفاء الدائمين، فوق الأهمية المتوافرة قبل الاكتشاف، والقائمة على علاقة تعاون صلبٍ ومتينٍ مع القوة الإسرائيلية العارية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وبات دعم إسرائيل وحمايتها وتعزيز قوتها العسكرية واستقرارها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي قضيةَ أمنٍ قومي بالنسبة إلى الولايات المتحدة. ولم يؤدِّ اكتشاف الغاز الطبيعي في المياه "الإسرائيلية" إلى ازدياد أهميتها لدى الولايات المتحدة فحسب، بل مكَّنها من إمداد حلفائها به أيضًا، مثل الأردن ومصر وتركيا وقبرص واليونان، وقد تزامن ذلك مع استقرار اقتصادي وسياسي في هذه البلدان.

حرية تدفق الطاقة وأمن إسرائيل ... أمران ثابتان

لم يكن استعداد الولايات المتحدة لاستخدام قوتها العسكرية الجبارة للدفاع عن حرية تدفق الطاقة في منطقة الشرق الأوسط وحماية إسرائيل وليدَ أحداث 11 سبتمبر 2001، بل هو استراتيجية قديمة وثابتة تجاه المنطقة، بدأت بعد الحرب العالمية الثانية وتبلورت بوضوح مع بداية الحرب الباردة، ثم اكتملت باكتشاف الغاز الإسرائيلي، ولم يتغير في هذه الاستراتيجية الثابتة سوى وسائل تحقيقها؛ إذ فعَّلت الولايات المتحدة الاستخدام المباشر للقوة العسكرية لتحقيق أهدافها، غير آبهة بالقوانين الدولية.

تُعَدّ منطقة الشرق الأوسط لدى الولايات المتحدة "نموذجًا للسيطرة" الجيوسياسية، لاحتوائها على أهم المضائق البحرية، وثروات الغاز العملاقة التي تتنافس عليها الدول الكبرى جميعًا، وأكبر احتياطي نفط في العالم، فضلًا عن تشكيلها نقطة عبور لإمدادات أنابيب الغاز بين ثلاث قارات. ومع ظهور إيران ونشرها نفوذها في المنطقة، باتت السيطرة الكاملة على المنطقة اقتصاديًّا وسياسيًّا الهدفَ الطويل المدى بالنسبة إلى الحليفين الأميركي والإسرائيلي؛ للاستيلاء على ثرواتها وإضعاف إيران التي أصبحت فاعلًا جيوسياسيًّا يهدّد الدول الخليجية النفطية، إضافة إلى الأهداف الأميركية - الإسرائيلية القديمة، وذلك بتفكيك الدول العربية وتفتيتها من الداخل.

وقد أسفر اكتشاف الغاز في المنطقة ورغبة دول أحواضها في استخراجه عن توترٍ بين بعض دولها في إثر تنافس شركات الدول الكبرى في العالم للحصول على امتيازات التنقيب في دول حوض شرق البحر المتوسط، وعن صراعٍ بين بعضها، مثل سورية ولبنان وفلسطين وقبرص، وبين دول أخرى فيه أقامت تحالفات اقتصادية وسياسية جانبية مستثنية دولًا رئيسة، مثل تركيا وسورية اللتين تشكلان جسرَي عبورٍ للغاز إلى دول أوروبا، ثمّ إنّ اكتشاف الغاز قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في موازين القوى في المنطقة، وقد تُغيّر تفاعلاتُ المنطقة اقتصاديًّا السياساتِ الدوليةَ تجاهها، فتسعى إلى تحييد تحكُّم كل من تركيا وروسيا في نقل الغاز وتوريده إلى أوروبا. ومع بدء التنقيب في شرق المتوسط، اتضحت سريعًا تبعية غالبية شركات التنقيب للولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، نظرًا إلى محاولة هذه الدول تقليل اعتمادها على النفط، والتحول مع الزمن من دول مستوردة ومستهلكة إلى مصدّرة للغاز، مثل إسرائيل على سبيل المثال.

سيكون لاحتياطيات غاز شرق المتوسط مكانةٌ كبيرة تجعلها تحتل المركز الثاني عالميًّا بعد سيبيريا الغربية، وقد تدانيها مع توقّع اكتشافات واحتياطيات مستقبلية تجارية واعدة في شرق المتوسط؛ ما قد يشكّل عاملًا جديدًا في الصراع الشرق - أوسطي/ الإسرائيلي، من خلال الارتكاز على الخلاف الداخلي اللبناني المتعلق بعملية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل"، وكذا الخلاف التركي - القبرصي المتعلق بالمسألة نفسها.

تمارس إسرائيل سياسة منع استفادة العرب من مواردهم الطبيعية، وتعطيل مشاريع تطوير الغاز وإنتاجه لديهم وعرقلتها، مثلما فعلت مع حقل الغاز الفلسطيني " غزة مارين" منذ إعلان اكتشافه في عام 2000، مع العلم أنها تواجه هي وقبرص تحديات سياسية وتجارية في تصدير غازهما إلى مصر؛ وبناءً عليه، تظل منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية كبرى في استراتيجية النظام العالمي والدول الكبرى، وخصوصًا الولايات المتحدة وروسيا، للسيطرة على مصادر الطاقة في المنطقة، أو لتأمين وصولها عبرها؛ فمَكمن القوة والنفوذ، كما بات معلومًا، لم يعد الترسانات العسكرية، بل حجم التحكم في المخزون الطاقوي العالمي.

المزاحمة الروسية للأميركيين

تنظر الولايات المتحدة بقلق كبير إلى مزاحمة الوجود والنفوذ الروسيين إياها في منطقة كانت تسيطر عليها سيطرة كاملة ذات يوم، وبخاصة مع انتعاش العلاقات التركية - الروسية – الإيرانية؛ ولذلك تحاول جاهدةً بيع غاز المنطقة المسال إلى أوروبا ليكون بديلًا من الغاز الروسي الذي يزود القارة بثلث حاجتها منه، ودعم وصول حلفائها في المنطقة إلى الغاز من خلال إسرائيل واليونان، وتصديره من إسرائيل إلى الأردن ومصر؛ ومن ثمّ، بدأت تحركاتها الدبلوماسية، فكانت الوسيط في حل الخلاف اللبناني - الإسرائيلي بشأن الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، ودعمت بقوة تأسيس "منتدى غاز شرق البحر المتوسط" بعضوية مصر والأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية وقبرص واليونان وإيطاليا، وهو يستثني لبنان وسورية وتركيا، في حين ردّت تركيا على استبعادها بإنشاء تحالفات مع لبنان وسورية، باتفاق مع حكومة الوفاق الليبية؛ فاستطاعت فرض نفسها في معادلة ثروات حوض المتوسط، وخصوصًا مع كونها، أولًا، مركز عبور لنفط روسيا والعراق وإيران إلى أوروبا، وبعد إعلانها، ثانيًا، اكتشاف حقل غاز ضخم في البحر الأسود؛ ما سيؤدي إلى تعزيز تحالفات وأقطاب جديدة في المنطقة على أساس المنفعة المشتركة.

يبحث الفصل الأول "استراتيجية العلاقات الأميركية الإسرائيلية في الشرق الأوسط" مفهوم "الاستراتيجية الأميركية" التي تُعتبر في نظر المؤلف من أكثر المصطلحات تداولًا لدى المتخصصين والباحثين ومراكز البحوث وصناع القرار والمؤسسات المتخصصة - العربية منها والأجنبية – إذ إنّ لها تأثيرًا في صنّاع القرار على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية كافة، وتأثيرًا واضحًا في القضايا السياسة الدولية. ويرى الخبراء الاستراتيجيون أنه ما من بقعة في العالم لا تتأثر بالاستراتيجية الأميركية، إنْ إيجابيًّا أو سلبيًّا؛ وذلك بسبب معالجة الولايات المتحدة القضايا الكونية استراتيجيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا بوسائل وأهداف بعيدة ومتوسطة وقريبة الأمد؛ منها ما يمثل تحقيقه استراتيجية كبرى وملحّة ومصيرية لصانع القرار الأميركي، مثل تحقيق الأمن القومي، والتفوق الاستراتيجي، والحفاظ على السيطرة والتربع على قمة الهرم الدولي في نظام دولي أحادي القطبية، ومنها ما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية الاقتصادية - السياسية في الشرق الأوسط، ويتعلق بحماية مصادر الطاقة من النفط والغاز والحفاظ على أمن إسرائيل وحماية نفوذها في المنطقة.

أما الفصل الثاني، وهو بعنوان "إمكانات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط"، فيبيّن الأهمية الكبرى لاكتشاف احتياطي الغاز الضخم في حوض المتوسط على الصُّعد الجيوسياسية والجيو - اقتصادية والجيو - استراتيجية كافة، ولازدياد هذه الأهمية كثيرًا مع ارتفاع نسَب الطلب الدولي على الغاز من القوى الدولية الكبرى، ثمّ إنّ هذه الاكتشافات ستشكّل تحولًا جذريًّا في استراتيجيات الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، تجاه دول المنطقة؛ فمن شأن استخراج كميات كبيرة من الغاز في منطقة حوض المتوسط أن يوفر فرصًا لتعاون إقليمي بين دولها المتجاورة، مثل إسرائيل ولبنان وتركيا وقبرص واليونان ومصر، في ظل حاجتها لضمان توفير أمن ثرواتها. ويفيد اكتشاف الغاز في شرق المتوسط الاستراتيجية الأميركية - الإسرائيلية في ترتيب أولويات البلدين في المنطقة؛ إذ تسعى إسرائيل جاهدةً إلى مشاركة الدول المجاورة، وخصوصًا قبرص، في تصدير الغاز من خلال أنابيب إلى أوروبا عبر قبرص واليونان وإيطاليا. ويعتبر المؤلف أن اكتشافات الغاز الجديدة ستؤثر في التوجه الجيوسياسي المستقبلي لشرق المتوسط، بتطوير استراتيجيات المنافسين الدوليين، للوصول إلى الموارد الطبيعية النفطية والغازية والسيطرة عليها.

يَرِد الفصل الثالث بعنوان "الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية في ظل اكتشاف الغاز في شرق البحر المتوسط"، وهو يكرس نظرية ازدياد إمكانية التعاون بين دول منطقة حوض المتوسط في إثر الاكتشافات الكبيرة للغاز الطبيعي، مع احتمال زيادة حدة التنافس بينها بعد توقيع العقود مع الدول الأخرى، ويؤكد هذا الفصل أن الاكتشافات الجديدة ستحوّل حوض المتوسط منطقةَ استقطاب للدول الكبرى للسيطرة على احتياطيات الغاز الطبيعي والنفط والاستحواذ عليها، وخصوصًا الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تتنافسان على خلق تحالفات سياسية جديدة عنوانها "المصالح الاقتصادية والتجارية المشتركة".

ويذهب المؤلف إلى أن السياسة الاستراتيجية لغالبية الرؤساء الأميركيين، ديمقراطيين أو جمهوريين، واحدة تجاه الشرق الأوسط، وبخاصة ما يتعلق منها بالسيطرة على موارده وثرواته، وأن هذه الاستراتيجية حاضرة بقوة من خلال دعم الولايات المتحدة إسرائيل؛ إذ تعتبرها الحليف الأساسي والأبرز في المنطقة، وما يتعلق أيضًا بتعزيز تفوقها ونفوذها الإقليمي لتكون إسرائيل الركيزة والقوة الاقتصادية الأبرز في المنطقة، من خلال سيطرتها على أكبر قدر ممكن من مصادر الغاز في المنطقة وامتلاكها.

وينحو الفصل الرابع "التعاون الأميركي - الإسرائيلي الاستراتيجي تجاه دول غاز البحر المتوسط" إلى أن تحوّل منطقة حوض المتوسط مستودعًا دوليًّا عملاقًا للطاقة سوف يؤدي إلى التنافس الدولي الشديد عليه، وأن إسرائيل هي الأكثر انخراطًا في الصراعات مع دول الجوار: فلسطين ولبنان وتركيا ومصر واليونان وقبرص، مباشرة أو على نحو غير مباشر؛ لا سيما بعد ثورات "الربيع العربي"، ووقف إمدادات الغاز المصري المهمة إليها. وأكثر ما يتمثل اهتمامُ إسرائيل بمسألة الغاز في حجم الاستثمارات والشركات الإسرائيلية العاملة بالتنقيب في شرق المتوسط، إلى درجة التبادل التكنولوجي مع الشركات الأميركية الكبرى، ووضعها استراتيجية خاصة بها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، بل تحولها دولةً مصدرة له أيضًا. ونظرًا إلى وجود الولايات المتحدة فاعلًا مركزيًّا في الصراع على الغاز، فقد دخلت لعبة الصراع على النفوذ والسيطرة في شرق المتوسط إلى جانب إيطاليا وروسيا وفرنسا وبريطانيا، مع سعيها إلى التعاون بين شركات النفط العاملة في المنطقة على أسس اقتصادية، بعيدًا من الصراعات الجيوسياسية، ولذلك سعت إلى فرض الاستقرار على الحوض استنادًا إلى تحالفَي الولايات المتحدة - تركيا - إسرائيل والولايات المتحدة - مصر - إسرائيل، لخلق حالة تؤمّن المصالح الاقتصادية لإسرائيل وباقي دول المنطقة، عبر تحالفات تجارية قد تتحول مستقبلًا إلى اتفاقات سياسية ترتّب الخرائط الجيوسياسية والجغرافية والاقتصادية للمنطقة، وتنشئ ممرات آمنة لخطوط الطاقة.

اعتبر الفصل الخامس (الأخير)، "مستقبل الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية في ظل اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط"، أنّ اكتشاف الغاز في حوض المتوسط شجّع كثيرًا من الدول على توسيع نفوذها في المنطقة، وأنّ "ملف الغاز" لم يعد شأنًا داخليًّا للدول أو لخفض فاتورة الاستيراد فحسب، بل بات شأنًا إقليميًّا للإمساك بأوراق تفاوضية وسط ارتباك وانقسام دوليين، وموضوعًا ذا أولوية قصوى في ما وراء الإقليم، وأحد مفاتيح تفسير كثير من التطورات والتحالفات والصراعات السياسية والعسكرية الدائرة في ساحات دول عدة في الشرق الأوسط أيضًا. وإذ تشكّل موارد غاز شرق البحر المتوسط، مزيجًا ثريًا للمصالح الأمنية والتجارية والدبلوماسية للدول، فإن تنوّع المصالح وتشابكها وتداخلها يمكن أن يساهم كلّه في احتدام الصراع الذي كاد يصل في وقت من الأوقات إلى حافة الصدام العسكري بين المتنافسين. وقد كشف احتدام التنافس مدى ارتباط هذا الملف بمسائل أعمق؛ فالسيطرة على الغاز تمس العلاقة بين أوروبا وروسيا، ومدى اعتماد الأولى على غاز الثانية، وهذا الأمر يخص العلاقة داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، بسبب اتخاذ الدول مواقف مختلفة من تركيا؛ بين مقاربة تفاوضية من ألمانيا، وصدامية من فرنسا.

لقد عالج المؤلف موضوعًا مهمًّا ومبهمًا في حقل السياسة الدولية يخص البعد الاستراتيجي لظهور الغاز الطبيعي في منطقة شرق البحر المتوسط، وأثره في إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية، وهو بهذا قدّم منظورًا استراتيجيًا لصناع القرار الإقليمي والدولي والمهتمين بمجال الدراسات الدولية.

المصدر : وكالة سوا

المصدر: وكالة سوا الإخبارية

كلمات دلالية: منطقة الشرق الأوسط الولایات المتحدة الغاز الطبیعی فی فی الشرق الأوسط الإسرائیلیة فی الدول الکبرى حوض المتوسط إلى أوروبا فی المنطقة من الغاز فی منطقة من خلال التی ت

إقرأ أيضاً:

السودان يعرض على روسيا قاعدة بحرية استراتيجية.. ما المقابل؟

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، تقريرا وصفته بالحصري، جاء فيه أن "السودان يعرض على روسيا أول قاعدة بحرية لها في أفريقيا"، مشيرة إلى أن ميناء على البحر الأحمر "سيمنح موسكو ميزة حيوية في المياه الاستراتيجية".

Sudan’s military government has offered Russia what would be its first naval base in Africa and an unprecedented perch overlooking Red Sea trade routes, according to Sudanese officials https://t.co/invjezqoYR — WSJ Graphics (@WSJGraphics) December 1, 2025
وتستند الصحيفة في معلوماتها إلى مسؤولين سودانيين قالوا إن "الحكومة العسكرية في السودان عرضت على روسيا "أول قاعدة بحرية لها في أفريقيا، وموقعًا غير مسبوق يطل على طرق التجارة الحيوية في البحر الأحمر"، وفي حال إبرام الصفقة فإن ذلك سيشكّل ميزة استراتيجية لموسكو التي "تكافح لترسيخ وجودها في القارة، كما ستُمثل تطورًا مقلقًا بالنسبة للولايات المتحدة، التي سعت بدورها إلى منع روسيا والصين من السيطرة على الموانئ الأفريقية حيث يُمكنهما إعادة تسليح السفن الحربية وتجهيزها، وربما خنق الممرات البحرية الحيوية".

قاعدة مقابل أسلحة روسية متقدمة بأسعار تفضيلية
ومقابل السماح للقوات الروسية باستخدام الأراضي السودانية على المدى الطويل، "سيحصل النظام العسكري السوداني على أنظمة روسية متقدمة مضادة للطائرات وأسلحة أخرى بأسعار تفضيلية، بينما يواصل حربه ضد قوات الدعم السريع المتمردة".


وتشرح الصحيفة تفاصيل الصفقة أنه بموجب مقترح مدته 25 عامًا قدمته الحكومة العسكرية السودانية لمسؤولين روس في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، "سيكون لموسكو الحق في نشر ما يصل إلى 300 جندي وإرساء ما يصل إلى أربع سفن حربية، بما في ذلك السفن العاملة بالطاقة النووية في بورتسودان، أو منشأة أخرى على البحر الأحمر لم يُكشف عنها بعد، كما سيحصل الكرملين على أولوية الوصول إلى امتيازات تعدين مربحة في السودان، ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا"، ومن بورتسودان ،سيكون لروسيا موقع جيد يسمح لها "بمراقبة حركة الملاحة من وإلى قناة السويس، وهي الممر المختصر بين أوروبا وآسيا الذي يمر عبره نحو 12 في المئة من التجارة العالمية".

وبحسب ما أوردت الصحيفة في تقريرها، فإن موسكو "قدمت دعمها في البداية لقوات الدعم السريع، واستغلت علاقاتها للوصول إلى مناجم الذهب السودانية، لكن تلك التحالفات سرعان ما انقلبت. إذ وجد المتمردون أن الدعم الروسي غير كافٍ، وبدأوا التواصل مع أوكرانيا، وهو ما دفع روسيا للتحول إلى دعم الحكومة في الخرطوم، وتنقل الوول ستريت جورنال عن مسؤول عسكري سوداني قوله إن "السودان يحتاج إلى إمدادات أسلحة جديدة، لكنه أقرّ بأن إبرام صفقة مع روسيا قد يسبب مشكلات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".

قلق أمريكي من العرض السوداني
ولفتت الصحيفة إلى أن احتمال إقامة قاعدة روسية على البحر الأحمر أثار قلق المسؤولين الأمنيين الأميركيين، الذين يتنافسون مع بكين وموسكو منذ سنوات على النفوذ العسكري في إفريقيًا، وقالت "وول ستريت جورنال" إن الأنشطة البحرية الروسية باتت محدودة حاليًا بسبب نقص موانئ المياه الدافئة التي يمكن للسفن استخدامها لإعادة التزود بالوقود أو إجراء الصيانة، مشيرة إلى أن وجود قاعدة في ليبيا، أو على البحر الأحمر، سيتيح للسفن الروسية الإبحار لفترات أطول في البحر المتوسط والمحيط الهندي.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي رفيع قوله إن إقامة قاعدة روسية في ليبيا أو بورتسودان "قد توسّع قدرة موسكو على فرض نفوذها، وتمكنها من العمل دون رادع"، وقال الجنرال الأمريكي المتقاعد مارك هيكس، الذي قاد وحدات العمليات الخاصة في إفريقيا، إن "وجود قاعدة روسية في القارة يعزز نفوذ موسكو، ويمنحها مكانة أكبر وهيبة دولية"، مضيفًا أن الاتفاق "يُعد بالتأكيد مكسبًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

وقالت الصحيفة إن عناصر الجيش الروسي ومرتزقة مرتبطين به ينتشرون في عدة دول إفريقية، من غينيا الاستوائية إلى جمهورية إفريقيَا الوسطى، مشيرة إلى أن موسكو تسعى منذ 5 سنوات للحصول على وجود دائم في بورتسودان، وأضافت أن السلطات السودانية شجعت الطموحات الروسية، لكنها ظلت حتى الآن متحفظة بشأن إبرام مثل هذا الاتفاق.

الصين وأمريكا وسباق النفوذ في أفريقيا
وأوضحت الصحيفة أن الصين بنت موانئ تجارية عديدة في إفريقيا ضمن مبادرة ضخمة للبنية التحتية، مشيرة إلى أنها أنشأت في 2017 أول قاعدة بحرية خارجية لها في جيبوتي، قرب مضيق باب المندب الحيوي الرابط بين البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، مع رصيف طويل بما يكفي لاستقبال حاملة طائرات.

وتقع المنشأة الصينية على بُعد نحو 6 أميال من أكبر قاعدة عسكرية أميركية في إفريقيا، "كامب ليميونييه"، حيث يتمركز نحو 4 آلاف جندي أميركي لدعم عمليات الولايات المتحدة وحلفائها في الصومال، كما تستضيف قوة تدخل سريع لحماية السفارات الأميركية في المنطقة، وذكرت "وول ستريت جورنال" أن واشنطن تحتفظ أيضاً بقوات خاصة وأخرى داعمة في الصومال لدعم وحدات النخبة المحلية في القتال ضد حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، وضد فرع تنظيم داعش في البلاد.
نفوذ فاجنر المفقود في إفريقيا

وقالت الصحيفة إن الاتفاق المطروح بين موسكو والسودان جاء في وقت فقدت فيه روسيا بعض نفوذها في إفريقيا، مشيرة إلى أن دولًا مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى كانت تستعين بمقاتلي مجموعة "فاغنر" لحماية قادتها ومحاربة خصومهم، لكن بعض نشاطات المجموعة انهارت بعد تمرد مؤسسها يفجيني بريجوجين ضد بوتين عام 2023، ووفاته لاحقاً عندما انفجر جهاز متفجر أدى إلى فصل أحد أجنحة طائرته على ارتفاع 28 ألف قدم، وفق الصحيفة.

حرب السودان.. فرصة للقوى الدولية لتحقيق مصالحها
وأضافت الصحيفة أن الصراع السوداني، الذي اندلع في 2023 بسبب صراع على السلطة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، خلق فرصة جديدة للقوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها، ما أدى إلى شبكة معقدة من التحالفات المتغيرة، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سودانيين حاليين وسابقين قولهم إن الخرطوم رفضت، العام الماضي، عرضاً لإقامة قاعدة بحرية تديرها إيران، وذلك لتجنب إثارة غضب الولايات المتحدة.

ترامب يتدخل لحل أزمة السودان
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قال، في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، إنه سيعمل على إنهاء الحرب في السودان بعد أن طلب منه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التدخل لحل الصراع، فيما رحب السودان بالجهود السعودية والأمريكية لتحقيق السلام.


وفي اليوم التالي، دعا القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الولايات المتحدة وحلفاء بلاده الإقليميين إلى اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء الحرب الدائرة في بلاده، مؤكداً أن "أي سلام دائم يستلزم تفكيك قوات الدعم السريع".

مقالات مشابهة

  • السودان يعرض على روسيا قاعدة بحرية استراتيجية.. ما المقابل؟
  • منال عوض تستعرض إنجازات تحديات واجهت البحر المتوسط خلال 50 عامًا
  • “بيبي يرى أشباحا في كل مكان”.. الولايات المتحدة منزعجة من الضربات الإسرائيلية على سوريا
  • لأول مرة | مصر تتسلم رئاسة مؤتمر اتفاقية حماية بيئة البحر المتوسط
  • لأول مرة.. مصر تتسلم رئاسة مؤتمر الأطراف الـ24 لاتفاقية برشلونة
  • اليوم.. القاهرة تستضيف فعاليات «COP24» بمشاركة 21 دولة من حوض البحر المتوسط
  • ما أسباب سعي إيران لترميم نفوذها في المنطقة رغم كل الضغوط الأميركية والإسرائيلية؟
  • منال عوض : مؤتمر COP24 بوابة لعبور دول حوض المتوسط نحو اقتصاد أزرق مستدام
  • مصر تستغني عن سفينة التغويز بالأردن.. وتؤكد: إمدادات الغاز مستقرة بفضل الواردات الإسرائيلية
  • غدا.. القاهرة تحتضن فعاليات «COP24» بمشاركة 21 دولة من حوض البحر المتوسط