عربي21:
2025-08-12@09:44:58 GMT

مختبر المستقبل في سوريا بين الفدرلة والتفكك

تاريخ النشر: 8th, March 2025 GMT

غيرت الإمبراطورية العثمانية التنظيمات الإدارية في المشرق العربي لأكثر من مرة، وأعادت ترسيم الولايات والمتصرفيات والسناجق، التي كانت تحتضن مراكز حكم محلية، إلا أن هذه الفترة شهدت انشغال الإمبراطورية بالحروب على أكثر من جبهة، بحيث تركت هذه التقاسيم خاضعة لحكام محليين يتنافسون في توريد الضرائب لإسطنبول، من غير إشراف حقيقي على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث داخلها.



ومع انهيار الدولة العثمانية بدأت الدول الأوروبية التي انتدبت نفسها نيابة عن المجتمع الدولي، لتؤسس دولا حديثة في المنطقة، عملية تقسيم أخرى عملت على تأسيس دول أكثر منطقية في بنيتها وحدودها، إلا أنها لم تتركها من غير أن تفخخها بمشاكل محتملة مستقبلا، فالفرنسيون الذين انشغلوا ببناء لبنان وضمان استقلاليته، طرحوا من غير كثير من الجهود والتكريس الفكري والسياسي دويلات أخرى للدروز والعلويين في سوريا.

خرجت فرنسا وبريطانيا من المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية، وخلفتا وراءهما تركة ثقيلة من المشكلات وهياكل إدارية وبيروقراطية غير قادرة على إدارة المجتمعات المحلية بالصورة اللائقة، وكان خيار الأنظمة العسكرية التي تولت عملية سد الفراغ، أن تعزز من السيطرة على حساب التنمية، واللجوء إلى المركزية، التي تتطلب وجودا ثقيلا في العاصمة والمدن الرئيسية، على حساب المناطق الريفية والجبلية والزراعية، ما يفسر ضخامة الحجم النسبي للعاصمة في الدول العربية بشكل عام، فالفرص لا توجد إلا في العاصمة، حيث يتوجب أن تتحصل الدولة بأجهزتها على الولاء الكامل، وبحيث يصبح الجميع في حالة تربص وترقب بالجميع، وبقيت المشكلات تتمدد مع الإهمال المتواصل للمناطق الأقل حظاً من التنمية والفرص، تحت طائلة الاستنزاف لمصلحة نخب العواصم والمدن الكبرى.

لم تكن هذه النخب تمتلك الرؤية اللازمة، ولا الخبرة الكافية لقيادة المجتمع في دول كبيرة نسبيا، فسوريا التي تعتبر متوسطة الحجم بين الدول العربية، تزيد مساحتها عن الدنمارك وهولندا وبلجيكا وسويسرا، وجميعها دول ثرية ومتقدمة اقتصاديا، ومنها ما لا يمتلك باستثناء المياه أي ثروات طبيعية مهمة، وبقيت المشكلات تتفاعل من غير اهتمام، وفي الجيل الثاني من الجيوش الوطنية، أخذ أبناء هذه المناطق المهمشة يتوجهون للخدمة العسكرية، لأنها توفر فرصة الحد الأدنى من الحياة الكريمة، التي تنقذهم من الفقر، وتشكل الفرصة الوحيدة المجدية للخروج من حالة الإهمال في مناطقهم، فكان أبناء الأنبار في العراق، والعلويون في سوريا، لتحدث حالة انقلابية تدفع بهذه المناطق إلى السيطرة من خلال أبنائها، الذين أداروا ظهورهم لمناطقهم الأصلية، وأخذوا يتصارعون على السلطة في العاصمة ومناصبها ومكتسباتها.
البقاء على الوضع الراهن من غير الانفتاح على الأسئلة الكبرى، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية
فشلت السلطة في دمشق، بغض النظر عن هويتها، من الارتقاء بمستويات الحياة في جميع مناطق سوريا، بل أصبحت الإدارة هي الصراع على دمشق، ومع واقع طائفي كان من السهل دائما أن يتم تحشيده وتحريكه بالخوف، وخلق العداء المتبادل، أصبحت سوريا من جديد أمام الميراث المرير للدولة العربية المركزية، التي لم تجد خلال فترة نهوضها الفرصة من أجل بناء أدوات حقيقية وفاعلة، ولذلك حدثت حالة من الانفصال بين النظام السابق والسوريين، الذين رأوا رغبته في السيطرة والاستحواذ من غير أن يقدم لملايين السوريين المبررات المقنعة لذلك، سوى فوهة البندقية والزنازين في سجون مرعبة.

العارض في أحداث الساحل وتحركات الدروز هو الاشتباكات العسكرية المتفرقة التي يمكن أن تتحول إلى وقائع سياسية واسعة مع الوقت، في حال تطورت إلى الاقتتال الأهلي الواسع، أما الجوهري، فهو في عدم قدرة سوريا وغيرها من الدول العربية على بناء نموذج حقيقي للدولة تقوم على أسس المواطنة ضمن عملية تنموية شاملة وعادلة، وهذه أزمة حتى في الدول التي لا تتوفر داخلها الافتراقات الطائفية، أو العرقية مثل مصر، ففي الحالة المصرية كانت الأرياف هي الحاضنة الرئيسية لحركة الإخوان المسلمين المناهضة للحكم في القاهرة وممارسته وقناعته، للدرجة التي دفعت الصحافي وائل عبد الفتاح لوصف حسن البنا بالمخلص القادم من الأرياف! ما زال كثيرون ينظرون إلى الشرع بوصفه الرجل الذي أتى بعد سقوط الأسد، وأن آل الشرع سيشكلون السلالة الجديدة في سوريا ما بعد الأسديين، وعلى الرئيس الشرع أن يثبت المفهوم المغاير، وأن يفكر خارج الصندوق التقليدي للدولة العربية، فسوريا أقرب ما يمكن لتطبيق نموذج فيدرالي تلتزم فيه كل منطقة بأن تعمل من أجل مصالحها، وأن تؤدي للدولة ما يلزم لتتمكن من قيام بالوظائف الأساسية لكل منطقة، وأن تتعهد جميع المناطق بألا تعمل مع أي قوة خارجية ضد الدولة المركزية، وإذا كانت هذه الحالة تحتاج نضوجا في البنى الإدارية والمجتمعية، فالحل الآخر، أن يتم العمل على إشاعة فرص شاملة في سوريا في عملية نهضوية تشجع الزخم السكاني على حراك واسع ضمن مجتمعات جديدة مفتوحة ومتوازنة.


البقاء على الوضع الراهن من غير الانفتاح على الأسئلة الكبرى، يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية تتحول سوريا خلالها إلى رقعة شطرنج تشغل القوى الخارجية خاناتها المختلفة، بحيث تصبح أرضا قلقة مهددة أمنيا على الدوام، وتعمل على تصدير الأزمات إلى جوارها ومحيطها الأوسع.

هل يمكن للسوريين أن ينتبهوا لهذه المشكلة، أم أنهم سيعملون على استعادة نموذج للدولة السورية نشأ في ظروف مرتبكة، وكأنه الغاية النهائية، ليجدوا أنفسهم مع الوقت مستمرين في إنتاج مظلوميات اجتماعية وفئوية جديدة لا تلبث أن تعبر عن نفسها بالصدام والعنف من جديد، خاصة أن سوريا الهادئة والجميلة لم توجد أصلًا إلا لسنوات قليلة خلال أكثر من قرن من الزمن أتبع نشأتها كدولة حديثة.

المصدر: القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا فرنسا مصر سوريا مصر فرنسا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی سوریا من غیر

إقرأ أيضاً:

الدول العربية والإسلامية:خطة إسرائيل للسيطرة على غزة انتهاك صارخ ومحاولةً لفرض أمر واقع

أدانت عدة دول عربية وإسلامية، اليوم السبت، خطة إسرائيل للسيطرة على مدينة غزة، واصفةً إياها بـ"التصعيد الخطير".

وأكدت 20 دولة، منها مصر والسعودية وتركيا، إن الخطة تُشكل "انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ومحاولةً لترسيخ الاحتلال غير الشرعي وفرض أمر واقع في انتهاكٍ للشرعية الدولية".

الرئاسة الفلسطينية تحذر من إعادة احتلال غزة وضم الضفة وتهويد القدسكل شيء أو لاشيء.. أكسيوس: خطة أمريكية لوقف الحرب قبل تنفيذ تهديد إسرائيل باحتلال غزة39 شهيدا في غزة خلال 24ساعة..و11حالة وفاة بالمجاعةضحايا البطون الخاوية.. جيش الاحتلال يستهدف غزة بالمدفعية والزوارق الحربيةوقفة تضامنية أمام الأمم المتحدة لدعم موقف مصر الإنساني تجاه غزة | شاهدقائد القوات الجوية الهندية: أسقطنا 6 طائرات عسكرية باكستانية في حرب مايو

وقال محرر موقع أكسيوس الأمريكي باراك رافيد إن مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف سيلتقي رئيس الوزراء القطري اليوم السبت في إسبانيا لمناقشة خطة لإنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح الرهائن.

وأكدت منظمة أونروا أن عمليات الإنزال الجوي في غزة مستمرة رغم تحذيرات هيئات دولية من أنها باهظة التكلفة وغير فعالة.

وذكرت وزارة الصحة في غزة أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة 39 شهيـــدًا و 491 إصابة خلال الـ24 ساعة الماضية.

ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 61,369 شهيـــدًا 152,850 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م.

بلغت حصيلة الشهــــــداء والإصابات منذ 18 مارس 2025 حتى اليوم 9,862 شهيـــــدًا و 40,809 إصابة.

وأفادت وزارة الصحة في غزة أنه بلغ عدد ما وصل إلى المستشفيات خلال الـ24 ساعة الماضية من شهداء المساعدات 21 شهـــــيدًا و 341 إصابة.

وذكرت أن إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا المستشفيات: 1,743 شهيــــدًا وأكثر من 12,590 إصابة.

وقالت وزارة الصحة في غزة أنه سجلت مستشفيات قطاع غزة، خلال الساعات 24 الماضية، 11 حالة وفاة نتيجة المجاعة وسوء التغذية، ليرتفع العدد الإجمالي إلى 212 حالة وفاة، من ضمنهم 98 طفلًا.
 

طباعة شارك الدول العربية والإسلامية إسرائيل مدينة غزة وقالت نحو 20 دولة منها مصر والسعودية وتركيا إن الخطة تُشكل مصر والسعودية شرعية الدولية أكسيوس ويتكوف رئيس الوزراء القطري ا

مقالات مشابهة

  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (أشجار الجنة التي نعيش فيها)
  • لماذا تغيب المظاهرات المناصرة لغزة عن بعض الدول العربية؟
  • مجلس الأمن يدين العنف بالسويداء ويدعو لاحترام سيادة سوريا
  • بمشاركة المملكة.. الجامعة العربية ترفض احتلال غزة وتتمسك بحل الدولتين
  • مجلس الأمن يدعو كافة الدول لاحترام سيادة ووحدة أراضي سوريا
  • بدء أعمال الدورة غير العادية للجامعة العربية للتصدي لاحتلال غزة
  • اجتماع مغلق بجامعة الدول العربية لمناقشة احتلال غزة والتحرك الدولي
  • اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين بشأن غزة
  • اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربية حول غزة
  • الدول العربية والإسلامية:خطة إسرائيل للسيطرة على غزة انتهاك صارخ ومحاولةً لفرض أمر واقع