بين الصيام والتقوى والجنة ترابط، فالصوم يحقق التقوى، وهي سبيل الفوز بجنة رب العالمين، يقول الله، عز وجل، في محكم تنزيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)، «سورة البقرة: الآية 183».
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل معهم أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيدخلون منه، فإذا دخل آخرهم أغلق، فلم يدخل منه أحد»، (صحيح البخاري، 1896).
وكما تبين، فإن بين الصيام والتقوى والجنة ترابطاً، فالصيام عناء ومن ثماره التقوى، والتقوى ثوابها الجنة، فقد أخبر القرآن الكريم بما للمتقين في الجنة من منازل، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى خصص باباً من أبواب الجنة لأهل الصوم سمّاه الريان.
فالصوم باب للجنة، يسره الله تعالى لمن أراد له الخير، والجنة هي دار القرار، فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فاقرؤوا إن شئتم: «فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ...»، (سورة السجدة: الآية 17)، (صحيح البخاري، 3244).
ومن فضل الله تعالى على المؤمنين في الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل»، (صحيح مسلم، 297).
فمن صام رزقه الله التقوى، ومن رزق التقوى فقد رزق القبول، ومن رزق القبول تنعم بجنات وعيون، وتمتع بما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وما ذلك إلا بشرى للصائمين.
كما أن معرفة المقاصد في العبادة لها دورٌ كبير في تحسين أداء العبادات، فهي تزيد الإيمان.
وتقوى الصائم تعني: «ضبط نفسه عن الشهوات، وتزكيتها من الرذائل، قَالَ رسول الله: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، فحري بالصائم أن يحرص على ضبط جوارحه عموماً، فلا تمتد يده إلى شبهة، ولا تخطو رجله إلى باطل، ولا يُجري على لسانه كذباً ولا نميمة ولا غيبة، فقد قال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَ شَرَابَه».
الإعراض عن اللغو
يتوجب الإعراض عن اللغو، فالإعراض عنه من صفات عباد الرحمن، وأن الخوض فيه من مساوئ الأخلاق التي ينبغي على المسلم أن يربأ بنفسه عنها، فلا يخوض في كلامٍ يعيبه، أو فعلٍ يشينه، وخاصةً في شهر رمضان، موسم الطاعة والغفران، فنقبل فيه على طاعة ربنا، وما فيه الخير لنا ولأسرنا ومجتمعنا، عملاً بقوله: «وَاحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ».
حديث
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال:، كان الناس يسألون رسول الله، ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله: إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها: قلت: يا رسول الله صفهم لنا، فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الصيام رمضان صلى الله علیه وسلم رسول الله
إقرأ أيضاً:
الخير في العشر الأوائل من ذي الحجة
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
حزم حجاج بيت الله الحرام مؤخرًا أمتعتهم وحقائبهم، متوجهين إلى الديار المقدسة لأداء فريضة ومناسك الحج، في هبة ونفور جماعي إلى تلك البقع الطاهرة، حيث مكة المكرمة والمدينة المنورة وبقية الأماكن المشرفة.
فنعم الوجهة التي قصدوا ونعم المسير الذي ساروه، سائلين الله العلي القدير أن يتقبل منهم، ويجعل حجهم مبرورا وسعيهم مشكورا وذنوبهم مغفورة، وعودهم محمودا سالما من الشر معصوما.
نعم ها هي الأيام الأولى من شهر ذي الحجة أشرقت بنور ربها، وأزهرت بعطاء خالقها، فهي أيام عظيمة ولها فضل كبير، فما كان من ضيوف الرحمن فيها إلّا مُلبين ومهللين ومكبرين، فتكثر فيها الأعمال الصالحة،
التي فيها أجر وثواب خاصٌ، وتعد من الأيام العظيمة التي فضَّلها الله تعالى على بقية أيام العام.
في هذه الأيام تكون الأجور مُضاعفة والأوقات مباركة، والمسلمون مقبلين على الخيرات، ومتجهين إلى فعلها بما يجودون ويملكون طالبين الحسنات، ومنصرفين عن الشرور والآفات، فنعما هي من أعظم العبادات التي يفرح بأدائها المسلم على كل حال.
إنَّ شهر ذي الحجة هو آخر الشهور الهجرية التي تختتم فيها السنة الهجرية، وفيه الكثير من الأعمال التي حدثت نصرة للإسلام والمسلمين، فوقفة عرفة وأداء الشعائر الدينية، كل ذلك تجردا من أعمال الدنيا الزائفة الزائلة، وطلباً لما عند الله من مغفرة ورحمة وعتق من النيران.
إنَّ حج بيت الله الحرام فريضة على المقتدر والمستطيع له، وهناك الكثير من الذين يتمنون الحج لكن لعدم توفر المال لم يستطيعوا إليه سبيلًا، ونقول لهؤلاء إنَّ الله تعالى لا يُكلف نفسًا فوق طاقتها، فنية المؤمن خير من عمله.
إنَّ الحج مظهرٌ من مظاهر الإسلام العامة والخاصة والظاهرة والباطنة، وهو غاية المسلمين وحاجتهم، وقبلتهم التي يفدون إليها كل عام، تاركين ملذات الدنيا وشهواتها، وراء ظهورهم، متجهين إلى رب رحيم كريم، يدعونه تضرعًا وخيفة، وينادونه بأحب أسمائه تبتلا وتهجدا، ويتوسلون إليه بأعظم صفاته.
والعاقل هو الذي يبقى على العهد والاستقامة والصلاح بعد عودته من الحج؛ لأنه من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه.
والمملكة العربية السعودية الشقيقة تبذل جهودًا كبيرة في جعل الحج راحة لضيوفها، فسخرت إمكانياتها وجندت طاقاتها، من أجل أن يمضي الحج بسلام، وينال حجاج بيت الله الحرام حقوقهم، فتلك الديار يحج إليها المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، على اختلاف ألوانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم، ويتحقق للسعودية الخير من هذا التجمع البشري الهائل، الذي لا يتوقف على مدار العام.
ولا شك كذلك أنَّ حكومتنا الرشيدة تقوم كل عام بالتعاون مع السلطات في المملكة العربية السعودية، باستحداث قوانين ونظم جديدة، لتنظيم عملية الحج والعمرة والراغبين فيهما، ومن ذلك تنظيم عمل الحملات والوقوف على أدائها وأعمالها وما تقوم به، وكل ذلك لمصلحة الحاج والمعتمر وخدمة لهم، فالشكر للجهة المعنية وبقية الجهات الحكومية ألأخرى ذات العلاقة.
نعم كلها أيام عديدة وستنتهي أيام الحج وسيعود الحجاج إلى مواطنهم، وستبدأ مرحلة أخرى من مراحل العمل والحياة التي يتجدد فيها كل شيء، متطلعين إلى أن يكون ختامها بعيد سعيد هني على كافة المسلمين.
ونذكر في هذه السانحة بأن مشاركة الفقراء والأسر المعسرة أفراح العيد وإدخال البهجة والسرور عليهم، أمر حض عليه الدين وحثَّ عليه الرسول الكريم، وقبلًا دعا إليه المولى عزَّ وجلَّ.
وبهذه المناسبة يسرنا أن نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات، مهنئين حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وأسرته الكريمة والشعب العُماني كافةً، والمسلمين أجمعين، بعيد الأضحى المبارك، سائلين المولى عزَّ وجلَّ أن يُعيد عليهم العيد أعواما عديدة وأزمنة مديدة، وكل عام والجميع بخير ومسرة.