دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- بالنسبة للبالغين الذين نجوا من نوبة قلبيّة أو سكتة دماغيّة، قد يُقلّل تناول الأسبرين بانتظام من خطر الإصابة بحدث آخر متعلّق بالقلب والأوعية الدمويّة. لكنّ دراسة جديدة أشارت إلى أنّ أقل من نصف مرضى أمراض القلب والأوعية الدمويّة حول العالم يستخدمون الأسبرين للحد من ذلك.

وبين الأشخاص الذين يتمتّعون بتاريخ من أمراض القلب والأوعية الدمويّة الذين شملهم الاستطلاع في الدراسة الجديدة، أبلغ حوالي 40% منهم فقط عن تناول الأسبرين للحد من تعرّضهمه لنوبة قلبيّة، أو سكتة دماغيّة، أو حدث قلبي وعائي آخر.

وتختلف نسبة المرضى الذين يستخدمون الأسبرين لتقليل مخاطر حصول أحداث ثانويّة بحسب البلد، لكنها تتراوح بين 16.6% في البلدان منخفضة الدخل مثل أفغانستان، وبنين، وإثيوبيا، و65% في البلدان المرتفعة الدخل مثل التشيك، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفقًا للدراسة المنشورة في المجلة الطبية "JAMA"، الثلاثاء .

وقال الدكتور سانغ جون يو، مؤلف الدراسة، وأستاذ أمراض القلب والأوعية الدمويّة بقسم القلب والأوعية الدمويّة في كلية الطب بجامعة "واشنطن"، : "كنّا نأمل أن تكون معدلات استخدام الأسبرين للوقاية الثانويّة أعلى بكثير".

وأضاف يو: "أعتقد أنّه عمومًا، وعلى مستوى العالم، أصبح هناك تركيز على تحسين صحة القلب والأوعية الدمويّة، وتبذل جهود عديدة بينها تحسين استخدام بعض هذه الأدوية القائمة على الأدلّة".

وتُشير الوقاية الثانويّة إلى استخدام الأسبرين لتقليل خطر الإصابة بنوبة قلبيّة أو سكتة دماغية ثانية أو إضافيّة، وهي تختلف عن الوقاية الأولية، أي استخدام الأسبرين لتقليل خطر الإصابة بنوبة قلبيّة أو سكتة دماغيّة للمرّة الأولى.

وأفاد يو: "ما تسلّط دراستنا الضوء عليه هو أنّه رُغم الجهود المبذولة لتحسين صحة القلب والأوعية الدمويّة على مستوى العالم، لا يزال الأسبرين غير مُستَخدم بشكلٍ كافٍ في الوقاية الثانويّة".

استخدامات الأسبرين

وفي الدراسة الجديدة، حلّل يو وزملاؤه من جامعة "واشنطن"، وجامعة "ميشيغان"، ومؤسسات أخرى حول العالم بيانات مأخوذة من 51 دولة أُجريت الاستطلاعات فيها بين عامي 2013 و2020.

وأُجريت 7 من الاستطلاعات في البلدان المنخفضة الدخل، مع إجراء 23 منها في البلدان ذات الدخل المتوسط ​​الأدنى، و14 منها في البلدان ذات الدخل المتوسط ​​الأعلى، و7 منها في البلدان مرتفعة الدخل.

وشملت الاستطلاعات ردودًا من أكثر من 124،500 بالغ تراوحت أعمارهم بين 40 و69 عامًا، أبلغوا عن تاريخهم مع أمراض القلب والأوعية الدمويّة، واستخدام الأسبرين.

وأفاد أكثر من 10،500 منهم أنّهم مصابون بأمراض القلب والأوعية الدمويّة.

وعند النظر إلى وتيرة استخدام الأسبرين بين الأشخاص الذين يتمتّعون بتاريخ من مشاكل القلب والأوعية الدمويّة، وجد الباحثون استخدام 16.6% من الأشخاص في البلدان منخفضة الدخل للأسبرين للحد من تعرضهم لحدث آخر، مع بلوغ تلك النسبة 24.5% في البلدان ذات الدخل المتوسط ​​الأدنى، و51.1% في البلدان ذات الدخل المتوسط ​​الأعلى، و65% في البلدان المرتفعة الدخل.

وأفاد يو أنّ الدراسة لم تُحلّل سبب وجود فروقات كهذه في الاستخدام المنخفض للأسبرين، مشيرًا إلى الحاجة لإجراء لمزيد من الأبحاث لتحديد ما إذا كان الأمر مرتبطًا بإمكانيّة الوصول إليه، أو عدم توصية مقدمي الخدمة باستخدامه، أو عوامل أخرى.

ووجد الباحثون أنّ بين الأشخاص الذين يتمتّعون بتاريخ من أمراض القلب والأوعية الدمويّة، كان هناك استخدام أكبر للأسبرين بين كبار السن الذكور الذين يتمتعون مستويات تعليميّة أعلى، والذين يعيشون في المناطق الحضريّة.

ويرى الباحثون أنّ النتائج التي توصلوا إليها تُشير إلى أنّ الأسبرين لا يُستخدم بشكل كافٍ كأداة غير مكلفة للوقاية الثانويّة من أحداث أمراض القلب والأوعية الدمويّة على مستوى العالم.

من عليه استخدام الأسبرين؟

وقال جيفري بيرغر، مدير مركز الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدمويّة في جامعة "نيويورك لانغون هارت"، غير المشارك في الدراسة الجديدة: "الأسبرين موجود منذ أكثر من قرن.. أعتقد أنّ الأشخاص ينسون البيانات الهائلة التي تدعم استخدامه".

وأضاف بيرغر، وهو أستاذ مساعد أيضًا بكلية "غروسمان" للطّب في جامعة "نيويورك": "أعتقد أنّ هناك الكثير من عدم اليقين بشأن من يجب أن يتناول الأسبرين للوقاية من أول نوبة قلبيّة أو سكتة دماغيّة".

وتوصي فِرقة العمل المعنية بالخدمات الوقائيّة في الولايات المتحدة بعدم بدء البالغين بعمر 60 عامًا وما فوق بتناول جرعة منخفضة من الأسبرين للوقاية الأوليّة من أمراض القلب والأوعية الدمويّة.

وبالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 40 إلى 59 عامًا، والذين يُعتبرون عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويًة بنسبة 10% أو أكثر على مدى 10 أعوام، فهي تترك القرار للأطباء والمرضى.

ولكن يختلف هذا كثيرًا عن شخص يتمتّع بتاريخ من أمراض القلب والأوعية الدمويّة، ويتناول الأسبرين لمنع نوبة قلبيّة أو سكتة دماغيّة ثانية.

وأشارت الدكتورة إيرين ميتشوس، المديرة المساعدة لقسم أمراض القلب الوقائيّة في جامعة "جونز هوبكنز" الطبية إلى أنّ "الأسبرين سيف ذو حدّين".

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: أبحاث أدوية وعلاج أمراض دراسات خطر الإصابة ل الأسبرین بتاریخ من الثانوی ة

إقرأ أيضاً:

لماذا تحتاج فلسطين إلى موجة تضامن عالمية ثانية قوية؟

مثّل الحراك العالمي رفضا للعدوان الإسرائيلي على غزة، وتضامنا مع فلسطين علامة فارقة في تاريخ الحراك التضامني العالمي. فعلى مدى عامين وأكثر اجتاحت حركة تضامن واحتجاج، عواصم العالم هي الكبرى منذ عقود، لجهة الحجم والنوع والزخم.

وأطلقت هذه الاحتجاجات ديناميكية لافتة، ليس فقط في العلاقة بالقضية الأصلية، وهي العدوان على غزة، وإنما أيضا في إعادة تشكيل وتوجيه الرأي العام في العديد من بلدان العالم، اتجاها انتخابيا، وموقفا سياسيا، وانتماءً ثقافيا غير مسبوق.

وكان افتكاك هذا الحراك العالمي للعاصمة الكبرى في العالم نيويورك بانتزاع أحد رموز الحراك في الولايات المتحدة الأميركية زهران ممداني منصبَ عمدة نيويورك، أحدَ تجليات هذه الديناميكية العالمية لحركة التضامن مع غزة وفلسطين.

ومع إعلان انتهاء الحرب على غزة، وتبني مجلس الأمن القرار المثير للجدل الذي يثبّت إنهاء العدوان، ويدعم خطة الرئيس الأميركي ترامب لما بعد الحرب، يبدو أن الحاجة لاستمرار حركة التضامن العالمية مع غزة وفلسطين، ودخولها في موجة ثانية من الحراك، لا تقل أهمية وإلحاحا عن الموجة الأولى، التي حققت هدف وقف الحرب، وأجهضت مخطط التهجير القسري لسكان غزة، كما أفشلت في المحصلة هدف نتنياهو الأساس وهو القضاء على المقاومة، وحركة التحرر الوطني.

ففي تبريره لدوافع تحرّكه لوقف الحرب على غزة، قال ترامب لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو: "لا يمكنك محاربة العالم كله، وذكر لصحيفة التايمز البريطانية: "أوقفت الهجوم؛ لأنني كنت أرى أن العالم بأسره يقف ضد إسرائيل".

وهكذا اضطرت الولايات المتحدة الأميركية إلى إكراه إسرائيل على إنهاء الحرب على غزة؛ بسبب استحالة استمرار العدوان، حيث إن العزلة العالمية التي تواجهها تل أبيب، أدت إلى تحوّلها لكيان منبوذ.

وتبدو اليوم الحاجة ملحة إلى الموجة الثانية من حركة التضامن للأسباب والاستحقاقات التالية:

إعلان أولا:

انطلق الحراك العالمي رفضا للعدوان على غزة وتضامنا مع فلسطين، وأحدث زخما عالميا غير مسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية. إذ أعاد هذا الحراك القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، إلى واجهة الأحداث العالمية. وعلى مدى عامين وأكثر تصدّرت القضية الفلسطينية الاهتمام العالمي، شعبيا ورسميا، إعلاميا وسياسيا ودبلوماسيا وحقوقيا وإنسانيا وفنيا.

بيد أن هذا الزخم الذي تحقق، وما ساهم فيه من استعادة القضية مكانتها كقضية على الأجندة الدولية بعد حوالي ثلاثة عقود من محاولات التهميش ودفعها إلى دائرة النسيان، يستوجب اليوم تعهّد هذا الحراك بكل زخمه، ومتابعته ومواكبته؛ لحماية ما حققه من مكتسبات ونجاحات وتحولات، منعا للتراجع عنها، واستكمالا لها إلى أن يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة في أرضه واستقلاله، وإنهاء الاحتلال.

ثانيا:

لقد أثبتت إسرائيل من خلال ممارساتها وخطاب قادتها، حكومة ومعارضة، أنها لا تؤمن مطلقا بالتعايش والسلام، وأن فلسفتها في الوجود قائمة على التوسع مشروعا؛ لتحقيق إسرائيل الكبرى، والقوة أداة تخويف لكل المناوئين لها، وتثبيت سردية الضحية المقدسة التي توجب على كل القوى العالمية حمايتها.

ولا تبدي إسرائيل في هذا الصدد أي استعداد للتوقف عن التمدد استيطانا، أو التراجع عن أحلامها، ولا الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه ونيل حقوقه وإقامة دولته.

لذلك لا يتوقع مطلقا أن تركن حكومة نتنياهو اليوم، وهي الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، إلى السلام، أو توقف حربها المعلنة على دول المنطقة.

وكل ما تفعله هو المخاتلة وتغيير تكتيكها، مراوحة بين الحرب الشاملة، والحرب الجزئية، وبين التمدد خطوتين والتراجع خطوة، مع الجموح المستمر، باستهداف وإضعاف كل الجوار، وفرض نفسها، الجهة الأقوى في المنطقة، ضمن منظور تتمسّك به، وتضمنه لها حليفتها الولايات المتحدة الأميركية، شعاره: لا نريد منهم أن يحبونا بل أن يخافونا.

فليس من الوارد أن تقبل إسرائيل مبادرة ترامب، ولا بتسويات، تعطي الفلسطينيين حقوقهم كاملة، بل هي بصدد تحويل هذه المبادرة المخاتلة إلى خطة جديدة للحرب تحت مظلة "السلام".

ومن هنا فإن الموجة الثانية للحراك الشعبي، هي السبيل لتكريس عزلة السياسات الإسرائيلية الجامحة، ولجم انفلاتها عودةً للحرب، ومحاصرة ما تبيّته من إبادة وتهجير قسري للشعب الفلسطيني خارج أرضه، سواء في قطاع غزة أم في الضفة الغربية.

ثالثا:

ينكشف تدريجيا المسكوت عنه والمضمر في مبادرة ترامب بشأن الحرب على غزة، ويثير قلقا ومخاوف متزايدة لا يمكن تجاهلها، بل علينا أن نتوقع الأسوأ الكامن بين ثنايا الخطة والمتستر وراء المعلن منها.

فبقدر ما فرضت هذه المبادرة وقف الحرب الشاملة على غزة، وبقدر ما أوفت المقاومة بالتزاماتها في المرحلة الأولى من المبادرة، بقدر ارتكاب إسرائيل مجازر شبه يومية، فضلا عن إغلاق المعابر، والحد من تدفق المساعدات.

وتزداد المخاوف وتكتسي جدية واضحة، بعد انتزاع ترامب، إكراها وابتزازا، قرارا من مجلس الأمن الدولي بفرض ما يشبه الوصاية والانتداب على غزة، وتمكين الإسرائيليين من لعب دور محوري في هندسة المشهد في القطاع، وتحديد مصيره، في حين جرى استبعاد أي دور للشعب الفلسطيني.

إعلان

كما لا ينص القرار على أي ضمانات بشأن منع عودة الحرب، بل ورغم العدوان اليومي للاحتلال على مدن القطاع وارتكاب مجازر، يصر ترامب على اعتبار إسرائيل ملتزمة تماما بالاتفاق.

ويوحي هذا المسار الذي اختطته إدارة ترامب، أن الحرب على غزة وعلى الشعب الفلسطيني مستمرة، ولكنها تخاض اليوم تحت غطاء الشرعية الدولية، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803، الذي كان قد أثار جدلا وتحفظات كبيرة من بعض الأعضاء الدائمين على غرار روسيا والصين.

إذ يبدو نتنياهو وترامب يراهنان على توفير غطاء دولي وأممي لاستكمال الحرب على غزة، ومن ثمة تحقيق الأهداف التي لم يحققها العدوان المتمادي لأكثر من عامين، بينما تعوّل الدول العربية والإسلامية على طمأنات ترامب المؤكِدة على وقفها.

الحاجة إلى الموجة الثانية من الحراك العالمي من أجل فلسطين، تبدو حاجة حضارية لما تلعبه من دور في المساهمة الفعالة في تحفيز أجيال وقطاعات واسعة في مختلف المجتمعات من إعادة اكتشاف ذواتهم، ومن ثم هوياتهم

رابعا:

بقدر ما مني به اللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل وممارساتها، حربا وإبادة واستيطانا، من ضربات نوعية وغير مسبوقة على يد الحراك الشعبي العالمي، أضعفت قبضته على العديد من مواطن النفوذ في العالم، فإن هذا اللوبي لا يزال قويا ونافذا، ولا تزال سطوته واضحة في مستويات عديدة.

بل ولا يزال قادرا- حسب التقديرات- على أن يحتوي الكثير من الزخم الذي أحدثه الحراك العالمي، سعيا لاستعادة تثبيت السردية الصهيونية، وتلميع صورة إسرائيل.

يجب ألا يفسّر التراجع في المظاهرات العالمية المتضامنة مع فلسطين، بمجرّد قرار ترامب بوقف العدوان على غزة، وإنما أيضا بالدور الذي لعبه اللوبي الصهيوني في التأثير بأشكال مختلفة؛ لإشاعة أجواء مغلوطة من الارتياح لدى أوساط واسعة من الرأي العام العالمي، مفادها أن إسرائيل أوقفت عدوانها على الفلسطينيين، وأن المناخ اليوم مناخ سلام واستقرار، وليس مناخ حراك عالمي واحتجاجات من أجل غزة.

وهو انطباع تكذّبه الوقائع على الأرض. ففي غزة المحاصرة، كما في الضفة الغربية تستمر الاعتداءات على الفلسطينيين، على يد جيش الاحتلال، وعلى يد المستوطنين، قتلا وعنفا وتوسعا استيطانيا.

خامسا:

على مدى عامين كان الاحتلال ومعه واشنطن والدول الغربية الصديقة لإسرائيل، يبررون الإبادة الجماعية والحرب المفتوحة على قطاع غزة، وبالتبعية على الضفة الغربية، بحجة أساسية تبدو أخلاقية وإنسانية، وهي وجود حوالي 250 من الأسرى الإسرائيليين في قبضة فصائل المقاومة في غزة.

وحوّل الإعلام الدولي- الواقع في شباك اللوبي الصهيوني- ملف الأسرى الإسرائيليين إلى حالة درامية نسج حولها وبها قصصا وسرديات مأساوية، قليلها يرتكز على معطيات، وكثيرها افتعال معطيات وهمية، لإضفاء حالة تراجيدية دامية على ظروف اعتقالهم ومعاناة عائلاتهم.

وخلال العامين كانت الحقيقة الغائبة والمغيّبة هي آلاف الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في محتشدات إسرائيلية، ومعتقلات مروعة، وزنزانات ترتكب فيها سلطات الاحتلال كل أشكال الانتهاكات ضد الأسرى الفلسطينيين من النساء والرجال والأطفال، وتهدر كرامتهم الإنسانية، بل ويتعرّضون للاغتصاب الجماعي على يد جنود الاحتلال.

فبين الفزع والهلع والنفير للأسرى الإسرائيليين المحتجزين في ظروف شاهدها العالم كله، وبين الصمت والتجاهل لمحنة آلاف الأسرى الفلسطينيين، بعضهم استهلكت المحتشدات والمعتقلات الإسرائيلية أعمارهم وأجسادهم، لم يعد مقبولا القبول بهذه الأخلاق المعطوبة، والمواقف المصابة بالعوار.

إذ إن استمرار احتجاز آلاف الأسرى الفلسطينيين يمثل بكل المقاييس جريمة كبرى، لا سيما مع ما تشير إليه تقارير إسرائيلية رسمية وموثقة، من تجاوزات خطيرة ومروعة في حق المعتقلين، تصل حد الاغتصاب الجماعي، والتنكيل بالمعتقلين الفلسطينيين، فضلا عن تجويعهم وقتلهم ببطء.

سادسا:

إذا كان الحراك العالمي التضامني مع غزة قد انطلق أساسا على خلفية العدوان على غزة، وما شهده القطاع من حرب إبادة وتهجير وتدمير، فإن حاجة ربط هذا الحراك بأصل القضية وهو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومسيرة الشعب الفلسطيني نحو التحرير واستعادة حقوقه في أرضه وفي عودته إليها، تبدو اليوم ملحة وهي التي يجب أن تكون عنوان الموجة الثانية من هذا الحراك العالمي.

إعلان

فالزخم العالمي للقضية الفلسطينية، يجب أن يستثمر اليوم برده لأصل القضية، مرجعيةً له، وموجهة له. وهذا كفيل بأن يعطي المبرر والمحفز لاستمرار الحراك وتصاعده.

كما تقتضي الرؤية اليوم إنضاج هذا الحراك وترسيخه، بما يخرجه من أي انفعالية، وتطوير ثقافته، من ثقافة ردة الفعل والانفعالية، إلى ثقافة النضالية الحضارية، من أجل التحرر والتحرير، لا سيما لدى القطاعات الواسعة من الأجيال الجديدة المعبأة بثقافة الاحتجاج والحرية.

سابعا:

إن الحاجة إلى الموجة الثانية من الحراك العالمي من أجل فلسطين، تبدو حاجة حضارية لما تلعبه من دور في المساهمة الفعالة في تحفيز أجيال وقطاعات واسعة في مختلف المجتمعات من إعادة اكتشاف ذواتهم، ومن ثم هوياتهم.

فقد لعب هذا الحراك الواسع على امتداد الكرة الأرضية، وبأشكال مختلفة، دورا مهما في تعبئة قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي باتجاه الانخراط في معارك الحرية والكرامة، واستعادة الأبعاد الإنسانية التي طمستها العولمة، والتوحش الرأسمالي، وغمرتها ثقافة الاستهلاك وثقافة التفاهة والسفاهة.

فما ضخه هذا الحراك في وعي وضمير الرأي العام العالمي، يمثل اليوم تحولا نوعيا لافتا في الثقافة السياسية والمجتمعية للفرد في عواصم العالم. لذلك لم يعد هذا الحراك، عالميا بسبب مدى اتساعه فقط، وإنما بسبب أثره الكوني في النظر للسياسة وللحكم وللثقافة وللإنسان.

وانعكس هذا التأثير واضحا وجليا على مزاج واتجاهات الناخب الغربي، الذي لم يعد يميل للسلبية مقاطعةً، ولا أيضا بالمشاركة النمطية التقليدية، وإنما عدّل سلوكه الانتخابي بما ينسجم مع موقفه من القضايا العادلة، ورفض سطوة اللوبيات وتحكّمها.

ثامنا:

لقد كشف الحراك العالمي تضامنا مع فلسطين، أن الرأي العام العالمي، بشعوبه المختلفة وعواصمه الكبرى، إذ يخرج تعاطفا وتضامنا مع غزة والشعب الفلسطيني، واحتجاجا على همجية الإبادة والتوحش، إنما يعبّر في الآن نفسه عن رفضه سياسات "عواصم القرار" الداعمة والراعية لإسرائيل دون تحفّظ.

ويظهر الرأي العام العالمي من خلال اندراجه في هذا الحراك، وانخراطه في هذه الاحتجاجات، أنه يبحث هو نفسه عن التحرر من هيمنة الجيوب المالية، والإعلامية، والسياسية، والأكاديمية، والثقافية النافذة.

ويتمرّد على سطوة اللوبيات القابضة على صناعة القرار، وقبله صناعة الساسة والسياسات. لوبيات متنفذة بقدر ما تتموقع خارج المسار الطبيعي للعملية الديمقراطية وميكانزماتها، أحزابا سياسية وانتخابات ومؤسسات دستورية، بقدر ما تتربع في قلب العملية السياسية ضبطا لإيقاعها، وسيطرة على اتجاهاتها، وإفرازا لنخبتها "المختارة".

ولعل ذلك ما يفسر انطماس نجم فكرة الديمقراطية، وتحوّلها إلى آلية باهتة لا تصنع المفاجآت إلا قليلا، ولا تصلح نفسها إلا بالقدر الذي يعيد المتحكمون فيها هندسة مشهد الحكم، نخبةً وسياسات.

ومن هنا يبدو الحراك العالمي في موجته الثانية طريقا للتحرر الكوني من سطوة اللوبيات والجيوب المتنفذة التي اختطفت وتدمن اختطاف الإرادة الحقيقية للرأي العام في "عواصم القرار" وخارجها.

تاسعا:

إن استئناف الحراك العالمي التضامني مع غزة في موجته الثانية، سيكون الضمانة الوحيدة، لدفع المجتمع الدولي لإقامة العدالة، ومحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والجرائم العنصرية، والجرائم البيئية، التي تورّط فيها المحتل في قطاع غزة والضفة الغربية.

وحده الحراك العالمي التضامني مع الشعب الفلسطيني يمكن أن يكون الرافعة للمحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، والقضاء الدولي عموما لمحاسبة زعماء الحرب في إسرائيل على أبشع ما ارتكب في القرن الـ21 من جرائم مروعة طالت كل شيء ولم توفر رضيعا ولا امرأة ولا حاملا ولا شيخا ولا طبيبا ولا صحفيا ولا مريضا ولا أسيرا، إلا وطالته.. وإن إفلات قادة إسرائيل من المحاسبة والعقاب، سيكون سابقة في قرننا الحالي، وتسليما بقوانين الغاب وإدارة التوحش.

إن الضمير الإنساني لا يمكن أن يستسلم لقوى الشر التي ترعى التوحش وتديره، وتتستر على المجرمين وتحصّنهم. كما لا يمكن اليوم السماح بالإفلات من العقاب والمحاسبة، والركون لموازين القوة كمرجعية متحكمة في تقرير مصير العدالة؛ لأن في ذلك تعبيدا للطريق باتجاه الفوضى والتوحش.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • لماذا تحتاج فلسطين إلى موجة تضامن عالمية ثانية قوية؟
  • دراسة تحذر من استخدام الهاتف ليلا: قد يزيد خطر الأفكار الانتحارية
  • مصيبة حلّت على حياتي.. فاللّهم أنزل الصبر على قلبي
  • لأول مرة.. الجيش اليمني يستخدم الطيران المسيّر في مواجهة الحوثيين
  • 9 أسباب وراء الإصابة بأمراض الكلى المزمنة
  • دراسة تحذّر: استخدام الهاتف ليلاً يزيد من حدة «الأفكار الانتحارية»
  • مدبولي: ضرورة إصلاح النظام المالي العالمي لدعم البلدان ذات الدخل المنخفض
  • عاجل| مدبولي: يجب إصلاح مشهد الدين العالمي في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط
  • شيرين تعود للمخافر مرة ثانية
  • دراسة: سيجارتان يومياً ترفعان خطر فشل القلب 60%