رغم حالة التفاؤل التي أعقبت اتِّفاق بكين بَيْنَ الرياض وطهران ومدى تأثيرها الإيجابي على ملفات أخرى في المنطقة، وخصوصًا الملف اليمني الذي يستكمل سنواته العجاف منذ ثورة ٢٠١١م حتَّى هذه اللحظة، مرورًا بالمبادرة الخليجيَّة وتنحِّي الرئيس علي عبدالله صالح، بعدها جاء مؤتمر الحوار الوطني وعدَّة محاولات يمنيَّة للوصول إلى اتِّفاقات سياسيَّة كان من أبرزها اتِّفاق السِّلم والشراكة في ٢١ سبتمبر ٢٠١٤م، لكنَّ حالة الفراغ الدستوري فرضت نَفْسَها على أرض الواقع وأدَّت إلى تقدُّم جماعة أنصار الله، والسيطرة على العاصمة صنعاء ما سُمِّي حينها انقلابًا على الشرعيَّة، وأدَّى إلى فرار الحكومة الشرعيَّة إلى الرياض.
الوساطة العُمانيَّة كان ينظر إليها المراقبون بشيء من التفاؤل؛ نظرًا لِمَا تحظى به سلطنة عُمان من ثقة واحترام من قِبل جميع الأطراف؛ باعتبارها كانت نافذة إنسانيَّة ورئة كان يتنفس من خلالها أبناء اليمن طوال السنوات الماضية، كما قامت بأدوار إنسانيَّة جليلة خلال هذه الأزمة. لكن يبدو أن تزمُّت الخِطاب السِّياسي اليمني وتعقيدات المشهد السِّياسي ربَّما ينسف كُلَّ الجهود المبذولة من أجْل السَّلام، والعالَم ما زال يترقَّب حتَّى اللحظة ما ستسفر عَنْه هذه الوساطة العُمانيَّة التي ارتكزت على وقف شامل لإطلاق النار في اليمن وهدنة ما زالت صامدة بمتابعة عُمانيَّة مستمرَّة. لكن ـ للأسف الشديد ـ حتَّى الآن لَمْ يحدث شيء على أرض الواقع، فلا العمليَّة الإنسانيَّة مضَتْ قُدُمًا للأمام لتخفيف المعاناة عن أبناء الشَّعب اليمني، ولا الوساطة وصلت إلى نقطة التوافُق للبناء عليها. وللأسف يبرز في المشهد اليمني خِطاب سياسي متزمِّت وتعقيدات تُمثِّل العنوان الأبرز في الأزمة.
ما رشح عن زيارة الوفد العُماني لَمْ يُعلن حتَّى الآن على أمل إيجاد بصيص من الأمل في سبيل إنجاح هذه الوساطة، ومع كلمات الإشادة بالجهود العُمانيَّة، إلَّا أنَّ بعض الإشارات الواردة من اليمن غير مطمئنة بعد توارد بعض التصريحات المتزمِّتة بأنَّ «ما لَمْ يتمَّ الحصول عليه بالحرب لَنْ يتحقَّق بالسَّلام» وهو خِطاب حادٌّ ـ للأسف ـ يصدر من مختلف الفرقاء في الأزمة اليمنيَّة. وهذه المواقف المتزمِّتة قَدْ تُعِيد الأزمة إلى مربَّعها الأوَّل، فهل تنجح السَّلطنة في اختراق هذا الجمود وإنهاء الأزمة في اليمن؟
قال تعالى في مُحكم كتابه العزيز: «وَإِنْ جَنَحْوَا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» صدق الله العظيم. ولا شكَّ أنَّ الواقع اليمني ـ يُشكِّله أكثر من ٣٠ مليون مواطن يمني وعدد من القوى السِّياسيَّة ـ لا يُمكِن فيه إقصاء أحد أو تجاهل بقيَّة أطراف المعادلة اليمنيَّة، والظروف الدوليَّة الراهنة كُلُّها تقتضي الانصياع لصوت العقل والحكمة لإنهاء هذه المأساة الإنسانيَّة التي يعيشها اليمن، وبالتَّالي فإنَّ تقديم التنازلات اليوم يُعدُّ تنازلات الشجعان من أجْل اليمن، وهي تنازلات من موقع قوَّة إنْ تمَّت.
اليوم من هذا المنبر ندعو جميع الأشقَّاء في اليمن إلى تحكيم الأمانة الوطنيَّة والمسؤوليَّة الشرعيَّة والدينيَّة والإنسانيَّة لتقديم ما يُمكِن تقديمه من أجْل اليمن لإتمام هذه الجهود، وإنهاء المأساة التي تعصف باليمن. فلا بُدَّ من قَبول الآخر وتخفيف حدَّة الخِطاب، وتقديم التنازل من أجْل الوطن، نرجو عدم إفشال هذه الجهود والوساطة بمواقف متزمِّتة، وهذا الشَّعب الصابر يستحقُّ من نُخَبه السِّياسيَّة تخفيف المعاناة عَنْه وتحسين ظروفه المعيشيَّة، وهذا لَنْ يحدُثَ إلَّا بإدراك هذه المسؤوليَّة التي تضعكم أمام الله والوطن والشَّعب، لذا نأمل اغتنام فرص السَّلام التي قَدْ لا تتكرر.
خميس بن عبيد القطيطي
khamisalqutaiti@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: ة فی الیمن الع مانی ة التی ع مانی
إقرأ أيضاً:
الرئيس البلغاري يستقبل وزير الخارجية العُماني ويبحثان سُبل تعزيز التعاون المشترك
صوفيا - العُمانية: استقبل فخامة الرئيس رومين راديف، رئيس جمهورية بلغاريا، معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي، وزير الخارجية، اليوم في القصر الرئاسي بالعاصمة صوفيا، وذلك ضمن الزيارة الرسمية التي يقوم بها معاليه إلى بلغاريا.
ونقل معاليه تحياتِ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وتمنياته الطيبة لفخامة الرئيس وللشعب البلغاري بالتقدم والازدهار.
ومن جانبه، أعرب فخامة الرئيس عن تحياته وتمنياته الطيبة لجلالة السلطان المعظم وللشعب العُماني بالرفعة والازدهار. وتم خلال المقابلة استعراض علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين، والتأكيد المشترك على الرغبة في تنميتها اقتصاديًا وعلميًا وتعميق التواصل الثقافي وتشجيع الاستثمارات المتبادلة بما يعزز من المصالح المشتركة ويحقق المزيد من المنافع.
كما تطرق الجانبان إلى عدد من القضايا والتطورات وتبادلا الآراء بشأنها.
وعلى صعيد متصل، قلّد فخامة الرئيس رومين راديف، رئيس جمهورية بلغاريا، معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، وسام الشرف لرئيس الجمهورية، وذلك خلال مراسم رسمية أُقيمت اليوم في القصر الرئاسي بالعاصمة صوفيا.
ويُعد هذا الوسام من أرفع الأوسمة التي يمنحها رئيس الجمهورية، ويُمنح تقديرًا للإسهامات البارزة في دعم القيم وتعزيز العلاقات، واعترافًا بإنجازات الأفراد وتأثيرهم الإيجابي على المجتمع.
وفي كلمة للرئيس البلغاري بهذه المناسبة، أعرب فخامته عن بالغ التقدير والاحترام الذي يكنّه الشعب البلغاري تجاه ما قامت به سلطنة عُمان من جهود إنسانية أسفرت عن العودة الآمنة لطاقم السفينة "جالاكسي ليدر" من الجنسية البلغارية.
وأشاد فخامته بالمواقف النبيلة التي تعكس القيم الأصيلة للسلطنة في دعم السلام والتضامن الإنساني، وبالدور الريادي الذي تضطلع به بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه – مؤكدًا على علاقات الصداقة التي تجمع البلدين.
ومن جانبه، أعرب معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية عن اعتزازه بهذا التكريم، مشيرًا إلى أن الوسام يجسد القيم العالمية المشتركة التي تجمع بين شعوب العالم، ومؤكدًا معاليه أنه "في عالم يموج بالاضطرابات، تكتسب القيم التي توحدنا أهمية قصوى، فهي قيم ثمينة للبشرية جمعاء، تتجاوز الهويات الدينية أو العرقية، وتعكس إنسانيتنا المشتركة."كما عبّر معاليه عن سعادته بوجوده في جمهورية بلغاريا الصديقة، ناقلًا تحيات سلطنة عُمان حكومةً وشعبًا، وتمنياتها الصادقة للشعب البلغاري بمزيدٍ من التقدم والازدهار.