باريس- بالتزامن مع موعد الانتخابات التشريعية في غرينلاند، أصبحت هذه الجزيرة القطبية الشمالية تحتل عناوين الأخبار في كل أنحاء العالم في الفترة الأخيرة منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اهتمامه الجاد والصريح بشراء المنطقة شبه المستقلة عن الدانمارك وإقليم ما وراء البحار التابع للاتحاد الأوروبي.

وبفضل موقعها الإستراتيجي ومواردها الطبيعية النادرة، تجذب هذه الجزيرة أطماع أقوى الدول مثل روسيا والصين، وتدفع بترامب إلى تعزيز طموحاته إلى أقصى الحدود للانتصار في اللعبة الجيوسياسية العالمية ووضع حد لخصومه في منطقة القطب الشمالي ككل.

ومع استمرار الطبقة السياسية الغرينلاندية في رفض تهديدات الرئيس الأميركي ومطالباتهم بالتحرر من ماضي الدانمارك الاستعماري، لا تزال علامات الاستفهام مشروعة بشأن مستقبل الجزيرة الأكبر في العالم وتحاول الإجابة عما إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك فعلا الحق في جعلها الولاية الأميركية رقم 51.

كنز ثمين

ولا تعتبر هذه المرة الأولى التي يعرب فيها ترامب عن رغبته في شراء غرينلاند، ففي عام 2019 وصفت رئيسة الوزراء الدانماركية ميت فريدريكسن تصريحاته حول عرضه شراء الجزيرة بـ"السخيفة"، مؤكدة أنها ليست للبيع. واقتصرت ردة فعله آنذاك بإلغاء زيارته المخطط لها إلى المملكة.

إعلان

وفي عهد الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان، عرضت واشنطن على الدانمارك 100 مليون دولار من الذهب مقابل الجزيرة، حيث اعتبرتها أصلا إستراتيجيا بالغ الأهمية خلال الحرب الباردة.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، عادت معه آماله بامتلاك هذه الجزيرة لتميزها بموارد طبيعية وفيرة، بما في ذلك الماس والذهب والحديد والزنك، والعناصر الأرضية النادرة مثل البراسيوديميوم والنيوديميوم، فضلا عن النفط واليورانيوم.

وعلى الرغم من وجود حظر على استخراج هذه الثروات لأسباب بيئية، إلا أن الاحتباس الحراري العالمي، الذي ينتج عنه ذوبان الأنهار الجليدية، يضاعف من أهميتها الجيوسياسية ويؤدي إلى فتح ممرات الشحن في شمال الأطلسي، ما يعني إنشاء أقصر طريق من أميركا الشمالية إلى أوروبا وتقليل وقت السفر التجاري البحري.

وتقدر قيمة المواد الخام الحيوية الموجودة تحت الصفائح الجليدية في غرينلاند وفي قاع بحر المحيط بما لا يقل عن 2.54 تريليون دولار، وهو ما يزيد على الناتج المحلي الإجمالي لروسيا، بحسب تقرير نشرته الصحيفة الوطنية السويدية داغينز نيهيت.

وعند التعمق أكثر في المعلومات المتوفرة بشأن غرينلاند، فلن يكون من المستغرب أن يكون ترامب مهتما بهذه الجزيرة، التي يزيد حجمها قليلا على 3 أضعاف مساحة ولاية تكساس الأميركية، إذ تحتوي احتياطاتها من الغاز الطبيعي والنفط على نحو 31 مليار برميل، وفقا لتقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية.

خريطة غرينلاند – الدانمارك (الجزيرة) نقاش سياسي

وبعد ساعات فقط من إعلان ترامب نيته السيطرة على الجزيرة "بطريقة أو بأخرى" في خطابه أمام جلسة مشتركة للكونغرس، رد عليه رئيس وزراء غرينلاند ميوتي إيغيدي مستخدما الاسم الغرينلاندي لبلاده "كالاليت نونات ملك لنا".

وأضاف إيغيدي: "لا نريد أن نكون أميركيين ولا دانماركيين؛ نحن كالاليت. يجب على الأميركيين وزعيمهم أن يفهموا ذلك. نحن لسنا للبيع ولا يمكن الاستيلاء علينا ببساطة. سوف نقرر مستقبلنا في غرينلاند".

إعلان

من جانبه، قال زعيم حزب السيوموت الاشتراكي إريك جينسن إنه يتوقع أن يتم عقد تصويت وطني على الاستقلال عن الدانمارك الشهر المقبل، أي بعد الانتخابات التشريعية التي ستعقد غدا الثلاثاء، من دون أن يحدد موعدا معينا.

وفي سياق متصل، أوضحت المتحدثة السياسية للحزب دوريس جينسن، الخميس الماضي، أن السيوموت الشريك في الائتلاف الحكومي المكون من حزبين في غرينلاند يخطط للجوء إلى جزء من قانون عام 2009 الذي منح الجزيرة مزيدا من الحكم الذاتي، حتى تتمكن من التفاوض على مستقبلها وعلى استقلالها الكامل.

تجاوزت الـ200 ألف توقيع.. عريضة دنماركية ساخرة لشراء #كاليفورنيا مقابل تريليون دولار ردًا على إعلان #ترمب رغبته في شراء جزيرة غرينلاند pic.twitter.com/e5e3uMdQHK

— الجزيرة مصر (@AJA_Egypt) February 12, 2025

وتتفق الأحزاب الخمسة الأكبر في البرلمان على رفض ضم غرينلاند إلى الولايات المتحدة. كما كشف استطلاع للرأي نُشر الأسبوع الماضي أن 85% من سكان الجزيرة يعارضون بشدة رغبة ترامب ويعتبرونه تهديدا لهم.

وللإجابة عن سؤال "هل يستطيع ترامب شراء غرينلاند؟"، لا يعتبر ذلك ممكنا بموجب مبدأ تقرير المصير وفق القانون الدولي.

بالإضافة إلى ذلك، من المستبعد جدا أن يكرر ترامب ما فعله أسلافه ويشتري جزءا كبيرا من الأراضي من قوة أوروبية في العالم الجديد لأن ذلك لا يتماشى مع المعايير القانونية الدولية الحالية.

يُذكر أنه في عام 1867، اشترت الولايات المتحدة ألاسكا من روسيا في فترة رئاسة أندرو جونسون. كما حصل الرئيس الأميركي توماس جيفرسون على لويزيانا من الفرنسيين في عام 1803.

سيادة عسكرية

لكن التركيز الحالي على مسألة تقرير المصير في الجزيرة وتحليل السياسات التي تتبعها واشنطن وكوبنهاغن قد يكون الهدف منها تسليط الضوء على أهمية القرارات الأمنية التي تتمتع بها الجزيرة ويمكن "بيعها" أو "التفاوض عليها" في حالة دخول "غرينلاند المستقلة" كطرف محوري في ميثاق الارتباط الحر.

وقد سعى الساسة في غرينلاند إلى السيادة المدعومة بهذا الميثاق، لكنهم فضلوا في الوقت ذاته تكوينها مع الدانمارك بدلا من الولايات المتحدة. واستمرت حكومة غرينلاند في الاستجابة إلى الاحتياجات الأمنية الأميركية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقمع الصيني لشعوب التبت وشنغيانغ الأصلية والتهديد الروسي في أوكرانيا.

إعلان

وبغض النظر عن كل ما سبق حول الفوائد المتعلقة بالموارد الطبيعية والمطامع الاقتصادية قصيرة وطويلة المدى، تقع غرينلاند ضمن رادار واشنطن الأمني والعسكري.

وترتبط الجزيرة القطبية الشمالية تاريخيا بمصالح الولايات المتحدة الأمنية منذ عقود طويلة. فخلال الحرب العالمية الثانية وبعد احتلال ألمانيا النازية للدانمارك، قامت واشنطن بغزو غرينلاند ونشرت محطات إذاعية وعسكرية في كل مناطقها.

وحتى بعد انتهاء الحرب، أبقت القوات الأميركية على قاعدة بيتوفيك الفضائية المعروفة سابقا باسم قاعدة ثولي الجوية، والتي تقوم حاليا بمسح المجال الجوي والفضاء بحثا عن الصواريخ والأقمار الصناعية الصينية والروسية.

ومنذ عام 1951، اتفقت واشنطن وكوبنهاغن على لعب دور محوري في الدفاع عن الإقليم وصيانة وبناء القواعد العسكرية، وهو ما يؤكد مكانة غرينلاند في ضمان أمن القطب الشمالي.

وبالإضافة إلى هذه الاتفاقية التي تضفي نوعا من السيادة العسكرية الأميركية على غرينلاند، جعلت السلطات في الدانمارك وغرينلاند محاولات الصين لإنشاء بنيات تحتية والاستثمار في الجزيرة تتبخر في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن والحالي ترامب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الولایات المتحدة الرئیس الأمیرکی فی غرینلاند هذه الجزیرة

إقرأ أيضاً:

رغم إعلان ترامب.. كمبوديا تكشف استمرار "قنابل تايلاند"

ذكرت كمبوديا، السبت، أن تايلاند واصلت إلقاء قنابل على أراضيها، على الرغم من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق الجارتين على وقف إطلاق النار.

وقالت وزارة الدفاع الكمبودية في منشور على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك: "لم توقف القوات التايلاندية القصف بعد، ومازالت تواصل القصف".

وقال رئيس وزراء تايلاند أنوتين تشارنفيراكول لوسائل الإعلام المحلية إنه لا يوجد وقف لإطلاق النار في الصراع الحدودي.

وفي أعقاب اتصال هاتفي مع ترامب، قال أنوتين للصحفيين في بانكوك إن كمبوديا يجب أن توقف إطلاق النار أولا.

وأضاف أن الطرف الذي انتهك اتفاق وقف إطلاق النار هو الذي يجب أن يصحح سلوكه، وليس الطرف الذي تعرض لهجوم"، حسب تقارير.

وكتب بعد ذلك على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك إن تايلاند "ستواصل اتخاذ إجراءات عسكرية حتى لا نشعر بمزيد من الأذى والتهديدات لأرضنا وشعبنا".

وكان ترامب قد أعلن، الجمعة، أن الزعيمين التايلاندي والكمبودي اتفقا على تجديد وقف لإطلاق النار كانت إدارة ترامب قد ساعدت في التوصل إليه في وقت سابق من العام الجاري، بعد أيام من الاشتباكات الدامية التي أسفرت عن سقوط قتلى.

وأعلن ترامب عن الاتفاق على إعادة تفعيل وقف إطلاق النار، في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي عقب اتصالات هاتفية بكل من رئيس وزراء تايلاند أنوتين تشارنفيراكول ورئيس وزراء كمبوديا هون مانيت.

وتوسطت ماليزيا في وقف إطلاق النار الأصلي في يوليو الماضي، وتم تمريره بضغط من ترامب، الذي هدد بحجب امتيازات التجارة ما لم توافق تايلاند وكمبوديا عليه.

مقالات مشابهة

  • تصاعد العمليات العسكرية بين تايلاند وكمبوديا رغم إعلان ترامب
  • رغم إعلان ترامب.. كمبوديا تكشف استمرار "قنابل تايلاند"
  • كمبوديا تتهم تايلاند بمواصلة إطلاق النار رغم إعلان ترامب عن هدنة
  • عاجل| ترامب: الضربات البرية التي تستهدف تهريب المخدرات ستبدأ قريبا
  • غنائم الانسحاب.. وثائقي للجزيرة يكشف حجم الأسلحة الأميركية التي استولت عليها طالبان
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • ترامب يكشف عن الدول التي يفضل استقبال المهاجرين منها
  • هالاند يشيد بالفوز الثمين في المباراة «الفوضوية»
  • ترامب يكشف موعد إعلان مجلس السلام في غزة
  • أول رد من فنزويلا بشأن إعلان ترامب السيطرة على ناقلة نفط