بغداد اليوم -  خاص

في دهاليز السياسة الأمريكية، حيث تُدار الحروب بقرارات رئاسية، ويُرسم مصير الدول بمصالح الشركات الكبرى، يبرز العراق كأحد أبرز الساحات التي تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية.

منذ سنوات، تحولت بغداد إلى نقطة ارتكاز في الاستراتيجيات الأمريكية، ليس كحليف حقيقي، بل كورقة تُستغل كلما دعت الحاجة.

واليوم، تحت إدارة دونالد ترامب، يتعرض العراق لموجة جديدة من الضغوط تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للولايات المتحدة، بينما تُقدَّم على أنها حملة لضبط النفوذ الإيراني.

لكن خلف هذه الإجراءات، تتوارى أزمات داخلية أمريكية خانقة، ومحاولات مستميتة للتغطية على فشل الإدارات السابقة، وعلى رأسها إدارة جو بايدن، التي تركت إرثًا من الإخفاقات في الشرق الأوسط، إلى جانب أزمة اقتصادية تهدد بانهيار غير مسبوق للاقتصاد الأمريكي.


الضغوط الأمريكية.. لعبة سياسية أكثر من مواجهة حقيقية

كل ما يفعله ترامب في الشرق الأوسط، والضغوط التي يمارسها على العراق، لا تعكس بالضرورة استراتيجية أمنية واضحة أو سياسة خارجية ثابتة، بل هي مجرد أدوات يستخدمها لخدمة مصالحه السياسية والاقتصادية.

الأمر الأول: محاولة التغطية على إخفاقات إدارة بايدن، حيث توجد أدلة على أن بايدن، خلال فترة حكمه، تواطؤ مع جهات شرق أوسطية وسمح بتمدد النفوذ الإيراني في العراق، مما جعل الجمهوريين يستخدمون هذا الملف لإظهار ضعف الديمقراطيين في إدارة السياسة الخارجية.

الأمر الآخر: الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب الولايات المتحدة، والتي باتت تُشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار المالي الأمريكي، حيث تظهر أرقام التسريح الجماعي للموظفين في الشركات الكبرى والمؤسسات الصناعية كدليل على حجم الأزمة. ترامب، الذي يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة، يسعى إلى تحويل الأنظار عن الداخل الأمريكي، عبر افتعال أزمات خارجية تشغل الرأي العام، ويأتي العراق في مقدمة هذه الملفات.


مصرف الرافدين في عين العاصفة: اتهامات بلا أدلة

ضمن سلسلة الضغوط، يأتي ملف مصرف الرافدين كواحد من أبرز الأهداف الأمريكية، حيث تتهم واشنطن العراق وإيران بالتورط في تمويل أنشطة مشبوهة ودعم الحرس الثوري، وهي اتهامات لم تستند إلى أدلة قانونية واضحة، بل جاءت في سياق حملة تضييق اقتصادي على بغداد.

الحكومة الأمريكية تدرك جيدًا أن هذه التعاملات تتم ضمن الأطر القانونية والتجارية الدولية، لكنها تسعى إلى خلق حالة من الهلع المالي والاقتصادي داخل العراق، لإجبار بغداد على الخضوع لخيارات أمريكية محددة.

لكن المفارقة هنا، أن الإدارة الأمريكية نفسها لا تملك القدرة على إغلاق هذا الملف، ولا حتى تقديم بدائل اقتصادية للعراق، مما يجعل الضغوط أشبه بأداة ابتزاز سياسي، أكثر منها إجراءً اقتصادياً ذا أثر حقيقي.


الاقتصاد العراقي بين واشنطن والحاجة لدول الجوار

العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز والكهرباء المستوردين من إيران، لم يجد أي خطط بديلة قدمتها الولايات المتحدة، بل تُرك يعتمد على منظومة اقتصادية هشة، جعلته مضطرًا إلى تعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار، رغم الضغوط الخارجية.

الولايات المتحدة، التي كانت تمتلك فرصة تاريخية لإعادة بناء الاقتصاد العراقي على أسس متينة بعد 2003، تركت البلاد متخلفة اقتصاديًا، باستثناء الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.

هذا الفشل الأمريكي في تقديم حلول حقيقية، يجعل أي ضغوط لمنع العراق من التعامل مع إيران أو أي دولة أخرى، أقرب إلى محاولة خنق بغداد اقتصاديًا، دون تقديم بدائل ملموسة.


الملف العراقي: ساحة لخدمة مصالح ترامب الاقتصادية

تحت غطاء مواجهة النفوذ الإيراني، تسعى واشنطن إلى تمرير صفقات اقتصادية لصالح شركات أمريكية مرتبطة بدوائر النفوذ داخل إدارة ترامب. فالضغوط التي تُمارس على الحكومة العراقية لا تهدف فقط إلى عزل إيران اقتصاديًا، بل إلى إجبار العراق على تقديم امتيازات لشركات أمريكية محددة، في قطاعات الطاقة والاستثمار والمقاولات.

الرئيس الأمريكي، الذي يواجه انتقادات متزايدة بسبب سياساته الداخلية، يحاول إعادة فرض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العراق، عبر صفقات تخدم دوائر النفوذ الاقتصادي داخل البيت الأبيض.


ازدواجية المعايير: واشنطن ليست جادة في مواجهة إيران

لو كانت الولايات المتحدة جادة حقًا في محاصرة إيران، لكانت المواجهة مباشرة، بدلاً من استخدام العراق كأداة ضغط. فالواقع يشير إلى أن واشنطن، رغم كل تصريحاتها، لا تزال تدير علاقتها مع طهران وفق حسابات دقيقة، وتستغل العراق فقط كوسيط لتطبيق استراتيجياتها.

الأمر لا يتعلق فقط بفرض عقوبات أو إغلاق ملفات مالية، بل هو جزء من سياسة أمريكية طويلة الأمد، تُبقي العراق في حالة من الفوضى الاقتصادية والسياسية، حتى يظل بحاجة دائمة إلى التدخل الأمريكي.


إلى أين يتجه العراق وسط هذه الضغوط؟

المشهد الحالي يعكس حقيقة واضحة: واشنطن تستخدم العراق كورقة ضغط لخدمة أجنداتها الداخلية والخارجية، دون أن تقدم حلولًا واقعية لمشكلاته الاقتصادية والسياسية. ومع استمرار هذه الضغوط، تجد بغداد نفسها أمام خيارين:

إما الخضوع لهذه السياسات، والاستمرار في حالة الارتهان الاقتصادي والسياسي، أو تبني سياسة أكثر استقلالية، عبر تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على واشنطن، لصياغة معادلة أكثر توازنًا في علاقاتها الدولية.

لكن هذه الخطوة ليست سهلة، إذ تتطلب إجماعًا داخليًا، وإرادة سياسية قادرة على مقاومة الابتزاز الأمريكي، والبحث عن حلول عملية تُخرج العراق من هذه الحلقة المفرغة.


المصدر: قسم التحليل والمتابعة في وكالة بغداد اليوم

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: الولایات المتحدة التی ت

إقرأ أيضاً:

صفقات نجوم أفارقة مع الأندية العراقية

آخر تحديث: 27 يوليوز 2025 - 12:24 م بغداد/ شبكة أخبار العراق- كشفت أندية عراقية عن صفقات وتعاقدات مهمة للاعبين محليين ومحترفين على مستوى عالٍ، أبرزهم من التونسيين، خلال فترة الانتقالات الصيفية الحالية، مما سيُصعّد من شدة التنافس بين فرق دوري نجوم العراق للموسم 2025-2026.وضم نادي أمانة بغداد المدافع الغامبي لامين ساماته إلى صفوفه، قادماً من نادي النجمة البحريني، لتمثيل كرة الأمانة لموسم واحد، فيما شهدت الانتقالات الصيفية إحدى أبرز الصفقات في دوري نجوم العراق، حيث انتقل حمدي العبيدي، لاعب المنتخب التونسي البالغ من العمر 23 عاماً، إلى نادي أمانة بغداد. ويُعد حمدي من بين أبرز المواهب في المنتخب التونسي، ومن المتوقع أن يكون إضافة مهمة لفريق الأمانة في الموسم المقبل.وبدأ العبيدي مسيرته الكروية في الفئات السنية لنادي الإفريقي التونسي، وتدرج ليصبح لاعباً محترفاً ضمن صفوف الفريق الأول منذ عام 2020. وخلال خمسة مواسم قضاها مع الإفريقي، خاض 126 مباراة وسجل 28 هدفاً، مما يعكس قدراته الهجومية.كما تعاقد نادي الزوراء مع المهاجم التونسي هيثم الجويني، فيما تعاقدت الهيئة الإدارية للنادي أيضاً مع المدافع عمر نوري لمدة موسمين، قادماً من نادي الكرخ.ووقّع عمران زكي، حارس المنتخب العراقي الأولمبي وحارس نادي زاخو السابق، على كشوفات نادي الموصل لموسم واحد.إلى ذلك، وقّع المدرب باسم قاسم رسمياً مع إدارة نادي القوة الجوية لإدارة كرة “الصقور” في الموسم الكروي المقبل، وذلك بعد انتهاء عقده مع نادي الطلبة.في المقابل، أعلن نادي أيك لارنكا القبرصي تعاقده مع لاعب المنتخب العراقي يوسف الأمين، قادماً من نادي الوحدة السعودي. ويُشار إلى أن النادي القبرصي يشارك في الدوري الأوروبي، ومن المتوقع أن يتواجد يوسف الأمين اليوم في قبرص لإكمال عقده الذي تصل قيمته إلى أكثر من نصف مليون يورو، بعقد يمتد لموسمين.

مقالات مشابهة

  • العراق.. اعتقال 14 مسلحًا اقتحموا دائرة حكومية في العاصمة بغداد
  • صفقات نجوم أفارقة مع الأندية العراقية
  • التكبالي: واشنطن تسعى لفرض مصالحها على الليبيين بتواطؤ داخلي
  • خبراء وسياسيين:لن يستقر العراق بوجود الحشد الشعبي الإيراني الإرهابي
  • إيران توجه أبنها البار (محمد السوداني) بإخراج القوات الأمريكية من العراق
  • تحذير هام بشأن واقيات الشمس التي تستخدم “مرة واحدة في اليوم”
  • واشنطن تؤكد مقتل الحرداني في الغارة الأمريكية على حلب
  • الحرائق تكشف عورة البنية التحتية وتُوقد غضب الشارع
  • الخزانة الأمريكية: عقوبات جديدة على كوريا الشمالية
  • واشنطن تعلن التزامها بوقف إطلاق النار لتسهيل الجهود الإنسانية في غزة