شهدت الأسواق العالمية في الأشهر الأخيرة تراجعًا ملحوظًا في قيمة الدولار الأميركي، مما أثار تساؤلات حول العوامل المحركة لهذا الانخفاض وأثره على الاقتصاد الأميركي والسياسة التجارية للرئيس  دونالد ترامب. ويأتي هذا التراجع في ظل تصاعد التعريفات الجمركية، الأمر الذي يخالف التوقعات الاقتصادية التقليدية بشأن العلاقة بين التعريفات وقوة العملة الوطنية.

تراجع مستمر للدولار

بحسب مؤشر بلومبيرغ للدولار، انخفضت قيمة العملة الأميركية للشهر الثالث على التوالي، مما يشير إلى مخاوف الأسواق بشأن تبعات السياسات الجمركية الأميركية على النمو الاقتصادي.

وتظهر بيانات بلومبيرغ أن الدولار سجل تراجعًا بنسبة 1.7% خلال الشهر الماضي، في حين انخفض أمام الكرونة السويدية بأكثر من 5%.

وفي سياق متصل، شهدت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) ارتفاعًا إلى مستوى 1.0905 دولار، متجهة نحو أعلى مستوياتها في خمسة أشهر عند 1.0947 دولار. كما ارتفع الين الياباني إلى 148.48 للدولار بعد أن بلغ الأسبوع الماضي 146.5، وهو أعلى مستوى له منذ خمسة أشهر. أما الجنيه الإسترليني، فقد صعد بنسبة 0.26٪ إلى 1.2971 دولار.

الدولار سجل تراجعًا بنسبة 1.7٪ خلال الشهر الماضي (غيتي) التعريفات الجمركية وتأثيرها

ويرى محللون اقتصاديون أن ضعف الدولار يتعارض مع التوقعات التي تفترض ارتفاعه عند فرض تعريفات جمركية، إذ من المفترض أن تؤدي زيادة التعريفات إلى تقوية العملة الوطنية نتيجة ارتفاع أسعار السلع المستوردة. غير أن الأسواق المالية تعكس مخاوف المستثمرين من أن هذه التعريفات قد تضر بالنمو الاقتصادي الأميركي أكثر مما تنفعه.

إعلان

وفي هذا الصدد، أشار وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، إلى أن تراجع الدولار هو مجرد "تعديل طبيعي"، مؤكداً أن الدول الأخرى ذات العملات الضعيفة ستتحمل العبء الاقتصادي الأكبر نتيجة التعريفات الأميركية. وقال بيسنت في مقابلة مع شبكة "إن بي سي": "مصنعو الصين سيتحملون تكلفة التعريفات. أعتقد أن العملة ستتكيف مع هذا الوضع."

المستهلك الأميركي

ومع استمرار إدارة ترامب في تطبيق تعريفات جمركية صارمة، مثل فرض رسوم بنسبة 25٪ على الواردات الصينية ورفعها إلى 50٪ على بعض السلع، تزداد المخاوف بشأن تأثير هذه السياسات على المستهلك الأميركي.

فبينما ترى الإدارة الأميركية أن الشركات الأجنبية ستتحمل تكلفة التعريفات، تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن الشركات الأميركية المستوردة هي من تدفع فعليًا تلك الرسوم، ما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين. وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته بلومبيرغ أن ثقة المستهلكين الأميركيين تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ عامين ونصف، وهو ما يعكس قلقًا متزايدًا حيال المستقبل الاقتصادي للبلاد.

استجابة العملات العالمية

في المقابل، يشهد اليوان الصيني ارتفاعًا ملحوظًا، إذ سجل 7.2332 للدولار، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ أربعة أشهر. كما أن السياسات النقدية في الصين، بما في ذلك الإعلان عن "خطة عمل خاصة" لتعزيز الاستهلاك المحلي، تُعدّ أحد العوامل التي تدعم استقرار العملة الصينية في وجه التعريفات الأميركية.

أما في أوروبا، فقد شهدت الأسواق المالية تطورات إيجابية، حيث أعلنت ألمانيا عن حزمة إصلاحات مالية بقيمة 500 مليار يورو (545 مليار دولار) لتعزيز الإنفاق الدفاعي والبنية التحتية، مما ساهم في ارتفاع اليورو مقابل الدولار.

التراجع الحاد في الدولار يعكس "قلقًا عميقًا بشأن تأثير التعريفات الجمركية" وفق خبراء (رويترز)

 

قلق متزايد بشأن التوجهات الاقتصادية

ويشير رئيس قسم الأبحاث في أميركا لدى بنك آي إن جي، بادهريك غارفي، إلى أن التراجع الحاد في الدولار يعكس "قلقًا عميقًا بشأن تأثير التعريفات الجمركية". وفي مذكرة أرسلها إلى العملاء بتاريخ 11 مارس/آذار، أشار إلى أن التوقعات السابقة بارتفاع الدولار بنسبة 10٪ عند فرض التعريفات لم تتحقق، بل إن الدولار بدأ في التراجع أمام معظم العملات الأخرى.

إعلان أزمة ثقة في الاقتصاد الأميركي

ومع استعداد الإدارة الأميركية لتنفيذ أكبر جولة من التعريفات الجمركية في 2 أبريل/نيسان، تتزايد الشكوك حول مدى فعالية هذه السياسات في تحسين الميزان التجاري الأميركي. ورغم تأكيدات ترامب وفريقه الاقتصادي أن هذه الخطوات تهدف إلى تحقيق العدالة التجارية، إلا أن الأسواق والاستطلاعات تعكس مخاوف واسعة من أن الاقتصاد الأميركي هو الذي سيتحمل العبء الأكبر وفق بلومبيرغ.

وبينما تسعى بعض الدول إلى التكيف مع هذه المتغيرات عبر سياسات اقتصادية جديدة، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى قدرة الاقتصاد الأميركي على الصمود أمام هذه الضغوط، وما إذا كان الدولار سيستعيد عافيته أم سيواصل هبوطه في مواجهة التحديات المتزايدة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان التعریفات الجمرکیة الاقتصاد الأمیرکی ارتفاع ا تراجع ا إلى أن

إقرأ أيضاً:

تمهيدًا للقاء محتمل بين ترامب وشي..أميركا والصين تستأنفان محادثاتهما التجارية في ستوكهولم

مهّدت محادثات جديدة بين الولايات المتحدة والصين في ستوكهولم الطريق للقاء محتمل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في وقت لاحق هذا العام. اعلان

استأنف كبار المسؤولين الاقتصاديين من الولايات المتحدة والصين محادثاتهم في العاصمة السويدية ستوكهولم يوم الاثنين 28 تموز/يوليو، في محاولة لحل النزاعات الاقتصادية العالقة التي تقف في صلب الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مع سعي الطرفين إلى تمديد الهدنة الجمركية القائمة لمدة ثلاثة أشهر إضافية.

وكان وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت ضمن وفد التفاوض الأميركي الذي وصل إلى مقر رئاسة الوزراء السويدية "روزنباد" وسط ستوكهولم بعد ظهر الاثنين. وأظهرت لقطات مصورة نائب رئيس الوزراء الصيني، هي ليفنغ، وهو يدخل المبنى كذلك.

وتواجه بكين مهلة تنتهي في 12 آب/أغسطس للتوصل إلى اتفاق دائم بشأن الرسوم الجمركية مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد أن توصل الطرفان إلى اتفاقات أولية في أيار/مايو وحزيران/يونيو لوقف التصعيد المتبادل في فرض الرسوم ووقف تصدير المعادن النادرة.

وتحدث ترامب عن المفاوضات خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في اسكتلندا، قائلًا: "أود أن أرى الصين تفتح بلادها. نحن نتعامل مع الصين حاليًا ونحن نتحدث".

وحذّر مراقبون من أن عدم التوصل إلى اتفاق قد يعيد سلاسل الإمداد العالمية إلى حالة من الفوضى، مع عودة الرسوم الجمركية الأميركية إلى مستوياتها الثلاثية المرتفعة، ما قد يُشكّل حظرًا تجاريًا فعليًا بين البلدين.

التقدم في ستوكهولم

قال الممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، الذي حضر المحادثات، إنه لا يتوقع "اختراقًا كبيرًا" في هذه الجولة، مضيفًا في تصريح لشبكة CNBC: "ما أتوقعه هو استمرار المتابعة والتأكد من تنفيذ الاتفاق حتى الآن، وضمان تدفق المعادن النادرة بين الطرفين، ووضع الأساس لتعزيز التجارة وتحقيق توازن تجاري في المستقبل".

وجاءت محادثات ستوكهولم بعد يوم واحد فقط من توصل ترامب إلى أكبر صفقة تجارية له حتى الآن مع الاتحاد الأوروبي، تمثلت بفرض تعريفة جمركية بنسبة 15% على معظم صادرات الاتحاد إلى الولايات المتحدة.

وقال محللون تجاريون إن من المرجّح تمديد الهدنة الجمركية وضوابط التصدير التي تم التوصل إليها في منتصف أيار/مايو لمدة 90 يومًا إضافية، ما من شأنه أن يسهل التحضير لاجتماع محتمل بين ترامب والرئيس الصيني شي جينبينغ في أواخر تشرين الأول/أكتوبر أو أوائل تشرين الثاني/نوفمبر.

Related انتقادات للاتفاق التجاري بين أوروبا وأمريكا.. بايرو: يوم مظلم في تاريخ الاتحادترامب يعلن عن التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي وصفه بالأكبر على الإطلاق وعن فرض رسوم بقيمة 15% وسط تصاعد التوتر التجاري.. فون دير لايين تلتقي ترامب في اسكتلندا الأحد

وذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" يوم الاثنين أن الولايات المتحدة جمّدت قيودًا على صادرات التكنولوجيا إلى الصين لتجنب عرقلة المحادثات التجارية الجارية، ولدعم جهود ترامب الرامية لعقد لقاء مع شي هذا العام.

في المقابل، يخطط أعضاء من مجلس الشيوخ الأميركي من كلا الحزبين لطرح مشاريع قوانين هذا الأسبوع تستهدف الصين بسبب انتهاكات مزعومة بحق الأقليات والمعارضين وتجاه تايوان، ما قد يعقّد المحادثات في ستوكهولم.

خلافات أعمق لم تُناقش بعد

وكانت جولات المحادثات السابقة بين البلدين، التي جرت في جنيف ولندن خلال شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو، قد ركّزت على خفض الرسوم الجمركية الانتقامية المرتفعة واستعادة تدفق المعادن النادرة التي أوقفت الصين تصديرها، بالإضافة إلى رقائق الذكاء الاصطناعي H20 من شركة Nvidia الأميركية وسلع أخرى منعت الولايات المتحدة تصديرها.

لكن حتى الآن، لم تتناول المحادثات القضايا الاقتصادية الأوسع، مثل شكاوى واشنطن من أن النموذج الاقتصادي الصيني القائم على التصدير المدعوم من الدولة يغرق الأسواق العالمية ببضائع رخيصة، أو شكاوى بكين من أن ضوابط التصدير الأميركية لأسباب أمنية تستهدف عرقلة نموها الاقتصادي.

وقال سكوت كينيدي، الخبير في الاقتصاد الصيني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "كانت محادثات جنيف ولندن تهدف فقط إلى إعادة العلاقة إلى مسارها الصحيح، حتى يتمكن الطرفان لاحقًا من التفاوض على المسائل الجوهرية التي تقف خلف هذا النزاع منذ البداية".

وكان بيسنت قد لمح بالفعل إلى احتمال تمديد المهلة، مشيرًا إلى أنه يسعى لدفع الصين نحو إعادة التوازن إلى اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على التصدير، وتحفيز الاستهلاك المحلي، وهو هدف ظل يشكّل أولوية لصناع السياسات الأميركيين منذ عقود.

ويرى المحللون أن المفاوضات بين الولايات المتحدة والصين أكثر تعقيدًا بكثير من تلك التي تجريها واشنطن مع دول آسيوية أخرى، وستتطلب وقتًا أطول. وتملك الصين نفوذًا كبيرًا في سوق المعادن النادرة والمغانط عالميًا، وهي مواد تدخل في تصنيع كل شيء، من المعدات العسكرية إلى محركات مسّاحات السيارات، ما يمنحها ورقة ضغط فعالة على الصناعات الأميركية.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • الرئيس التنفيذي لـ «إمستيل»: تأثير محدود للرسوم الجمركية الأميركية على صادرات المجموعة
  • ربط الديون بالذهب خطة ستيف فوربس لكبح سلطة المركزي الأميركي
  • أميركا والصين تتفقان على تمديد الهدنة التجارية
  • بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات.. بن حبريش يشدد على تفعيل الرقابة المجتمعية على ملف وقود كهرباء حضرموت
  • الذهب يتراجع مع انحسار مخاوف الرسوم الجمركية وترقّب اجتماع الفيدرالي
  • تمهيدًا للقاء محتمل بين ترامب وشي..أميركا والصين تستأنفان محادثاتهما التجارية في ستوكهولم
  • انتهاء اليوم الأول من المفاوضات التجارية بين أميركا والصين
  • ترامب يعلن رفع التعريفات الجمركية العالمية إلى 15%-20% كحد أدنى
  • جولة جديدة من المحادثات التجارية بين أميركا والصين
  • أميركا والصين تطلقان محادثات جديدة لتمديد هدنة الرسوم الجمركية