إشكالية الهوية الكردية في علاقتها بالدين والسياسة والتوازنات الإقليمية
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
بغداد اليوم - كردستان
على وقع التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، يجد الكرد أنفسهم أمام معادلة سياسية شائكة، حيث تتداخل المصالح الخارجية مع الخيارات الداخلية في تحديد مستقبلهم السياسي. في ظل تراجع النفوذ الإيراني في الإقليم، يتعزز الحضور التركي والخليجي من جهة، والدعم الأمريكي والإسرائيلي من جهة أخرى، ليُطرح التساؤل حول أيّ الخيارات سيكون الأنسب لكردستان: نظام إخواني مدعوم من أنقرة وعواصم خليجية، أم نموذج علماني محصّن بمساندة غربية؟ مع هذه الخيارات، تبرز إشكالية الهوية الكردية في علاقتها بالدين والسياسة والتوازنات الإقليمية.
لطالما شكّل الإسلام السياسي أحد أوجه الصراع الإيديولوجي في الشرق الأوسط، إلا أن تأثيره في كردستان ظل محدودًا مقارنة بالمناطق العربية. في حديثه لـ"بغداد اليوم"، يرى الباحث سالار تاوكوزي أن الإسلام السياسي في حال تبنّيه في كردستان سيكون عامل تآكل للهوية القومية الكردية، باعتباره أداة لفرض أجندات إقليمية، خصوصًا من قبل تركيا ودول الخليج. ويؤكد في حديثه لـ"بغداد اليوم" أن "وجود الإخوان المسلمين في هذه المعادلة السياسية يعني محو فكرنا القومي وطمس الهوية الكردية تحت غطاء ديني مؤدلج لصالح تركيا والدول الخليجية الداعمة للإخوان، وهذا مرفوض تمامًا".
وأضاف أن "النظام العلماني الحقيقي سواء أكان مدعومًا من أمريكا وإسرائيل أو من الدول الأوروبية سيخدم القضية الكردية في المنطقة، كما سيخدم حرية التدين، وسيؤدي إلى تقدم المجتمع الكردستاني وازدهاره في المستقبل على عكس النظام الإخواني الذي لم يدخل بلدًا إلا وقد أرجعه للوراء ودمره من كل النواحي، والتاريخ شاهد".
وأشار تاوكوزي إلى أن "اختيار النظام العلماني سيكون رد فعل الطرف الآخر إيجابيًا إذا كان النظام محميًا من قبل دولة أجنبية". مؤكدًا أنه "لا شك أن الكرد في هذه المرحلة ليس لديهم خيار آخر، لكن إذا درسوا الأوضاع الراهنة يمكن أن يجدوا حلًا وسطًا، واحتمالية تشكيل نظام سياسي إخواني علماني في كردستان ضعيفة وغير واقعية، لأن هناك تناقضًا فكريًا بين الإخوان والعلمانية. ثم تجربة الإخوان في كردستان وفي بعض الدول العربية أثبتت فشلها".
في المقابل، يرى العديد من السياسيين والمحللين أن العلمانية تمثل خيارًا استراتيجيًا أكثر انسجامًا مع التوجهات الكردية، خاصة في ظل التأييد الذي قد تحظى به من الدول الغربية. فتبني نظام علماني يعني التمتع بدعم أمريكي وأوروبي، واستقطاب الاستثمارات، وضمان انفتاح سياسي يُحاكي النماذج الديمقراطية المتقدمة. غير أن هذا الخيار لا يخلو من تحديات، إذ إنه يثير قلق بعض القوى الإقليمية مثل تركيا، التي تخشى أن تتحول كردستان إلى نموذج سياسي ليبرالي يشجع نزعات الانفصال داخل أراضيها.
كما أن الداخل الكردي نفسه ليس موحّدًا إزاء هذا الطرح، فهناك قطاعات مجتمعية محافظة ترى أن تبنّي العلمانية المطلقة قد يُحدث قطيعة مع الموروث الثقافي والديني للمجتمع، مما يجعل هناك حاجة إلى نموذج سياسي يراعي التوازن بين القومية والانفتاح دون المساس بالهوية الدينية والاجتماعية.
الاختيار بين الإسلام السياسي والعلمانية في كردستان لا يتوقف فقط على الرغبات الداخلية، بل تحدده معادلات المصالح الإقليمية والدولية. فبينما تسعى تركيا ودول الخليج إلى دعم تيارات الإسلام السياسي لضمان نفوذها، تراهن الولايات المتحدة وإسرائيل على دعم نماذج علمانية تضمن استقرار المنطقة وتكرّس التحالفات مع الغرب. في هذا السياق، يعيش الكرد حالة من الترقب بين الخوف من أن يكونوا ورقة في لعبة النفوذ الإقليمية، والسعي إلى تحقيق استقلال سياسي حقيقي يراعي مصالحهم القومية.
مع تصاعد الضغوط السياسية، يبقى السؤال الأساسي: هل يمكن لكردستان أن تبتكر نموذجًا سياسيًا يدمج بين القومية والانفتاح السياسي دون الوقوع في فخ التبعية لأي من المحاور المتصارعة؟ يذهب بعض المحللين إلى أن الحل لا يكمن في تبنّي الإسلام السياسي أو العلمانية المطلقة، بل في صياغة نموذج متوازن يستفيد من التجارب العالمية ويحقق الاستقرار الداخلي.
التحدي الأكبر اليوم ليس فقط في اختيار شكل النظام السياسي، بل في قدرة الكرد على تأمين استقلالهم السياسي بعيدًا عن إملاءات القوى الخارجية، والسعي لتأسيس كيان يعكس تطلعاتهم دون أن يكون مجرد أداة في معركة النفوذ الإقليمية.
وفي ظل هذا المشهد، لا يبدو أن كردستان تمتلك خيارات سهلة أو واضحة، فبين مشروع إخواني يهدد هويتها القومية، وعلمانية مدعومة غربيًا قد تصطدم بعقبات داخلية وخارجية، يبقى البحث عن نموذج سياسي متزن هو التحدي الأكبر. مع استمرار التحولات الإقليمية، يبقى مستقبل كردستان رهن قدرتها على صياغة هوية سياسية مستقلة، قادرة على التفاعل مع التحولات الدولية دون التفريط في حقوقها ومصالحها الاستراتيجية.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: الإسلام السیاسی بغداد الیوم فی کردستان
إقرأ أيضاً:
اعتقال زعيم حركة الجيل الجديد في إقليم كردستان العراق بعد شكاوى قضائية (شاهد)
اعتقلت قوة أمنية في إقليم كردستان العراق مساء أمس الثلاثاء، زعيم حركة الجيل الجديد شاسوار عبد الواحد٬ من منزله في منطقة "القرية الألمانية" بمدينة السليمانية، وسلمته لاحقاً إلى الشرطة، وفق ما وثقته مصادر محلية.
وحصلت وسائل إعلام عراقية على وثيقة رسمية تشير إلى صدور أمر قضائي بتاريخ 3 آب/أغسطس الجاري يقضي باعتقال عبد الواحد، استناداً إلى دعاوى مقدمة من مواطنين بحقه، بموجب المادة 431 من قانون العقوبات العراقي المتعلقة بـ"التشهير".
اعتقال شاسوار عبد الواحد من قبل قوة أمنية في محافظة السليمانية pic.twitter.com/6u6gsOqiPd — إيمان ???????????????? (@Emmann1999) August 12, 2025
تم القبض على شاسوار عبدالواحد بسبب عقوبة الحبس 6 اشهر على ضوء حكم قضائي صادر بحقه من محكمة جُنح السليمانية_الهيئة الثانية
حسب المادة 431 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في ٣-٨-٢٠٢٥ pic.twitter.com/JU0y9gOhh8 — مجتهد كوردستان✹ (@MujtahidKURD) August 12, 2025
وتوضح الوثيقة أن محكمة السليمانية كانت قد أصدرت عام 2019 حكماً بسجن عبد الواحد لمدة ستة أشهر، لكنه رفض المثول أمام القضاء حينها، مما أدى إلى استمرار الإجراءات القانونية ضده.
واستنكرت حركة الجيل الجديد في بيان لها طريقة الاعتقال، وقالت: "داهمت ملثمة تابعة للاتحاد الوطني الكوردستاني منزل شاسوار عبد الواحد واقتادته إلى جهة مجهولة"، مؤكدة انتشار قوة أمنية حول منزل الزعيم السياسي.
من جهتها، أوضحت شرطة السليمانية الأسباب القانونية وراء الاعتقال، مشيرة إلى أن "ذلك جاء بناءً على عدة شكاوى، أحدها يتعلق بأسهم في مشروع جافي لاند، إضافة إلى شكوى من نائب سابق في برلمان كوردستان ضده".
وقال المتحدث باسم الشرطة سركوت أحمد، في مؤتمر صحفي، إن "مذكرة التوقيف الصادرة عن محكمة استئناف السليمانية قضت بإلقاء القبض على عبد الواحد، الذي تم توقيفه مساء الثلاثاء، واتخذت بحقه جميع الإجراءات القانونية اللازمة".
وأكد أحمد أن عبد الواحد سيُعرض على المحكمة في السليمانية موضحاً أن "الزعيم المحتجز يخضع حالياً للإجراءات القانونية، وقد تم مراعاة جميع الضوابط القانونية خلال الاعتقال".
وتشير هذه الخطوة إلى تصاعد التوترات السياسية بين حركة الجيل الجديد والاتحاد الوطني الكردستاني، خاصة في ضوء اتهامات تتعلق بالقضايا المالية والشخصية.
ويأتي اعتقال عبد الواحد في وقت حساس يشهد فيه الإقليم تصاعداً في الصراعات السياسية بين القوى الكردية.