بغداد اليوم - كردستان

على وقع التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، يجد الكرد أنفسهم أمام معادلة سياسية شائكة، حيث تتداخل المصالح الخارجية مع الخيارات الداخلية في تحديد مستقبلهم السياسي. في ظل تراجع النفوذ الإيراني في الإقليم، يتعزز الحضور التركي والخليجي من جهة، والدعم الأمريكي والإسرائيلي من جهة أخرى، ليُطرح التساؤل حول أيّ الخيارات سيكون الأنسب لكردستان: نظام إخواني مدعوم من أنقرة وعواصم خليجية، أم نموذج علماني محصّن بمساندة غربية؟ مع هذه الخيارات، تبرز إشكالية الهوية الكردية في علاقتها بالدين والسياسة والتوازنات الإقليمية.


الإسلام السياسي.. بين هاجس التبعية ومخاوف الطمس

لطالما شكّل الإسلام السياسي أحد أوجه الصراع الإيديولوجي في الشرق الأوسط، إلا أن تأثيره في كردستان ظل محدودًا مقارنة بالمناطق العربية. في حديثه لـ"بغداد اليوم"، يرى الباحث سالار تاوكوزي أن الإسلام السياسي في حال تبنّيه في كردستان سيكون عامل تآكل للهوية القومية الكردية، باعتباره أداة لفرض أجندات إقليمية، خصوصًا من قبل تركيا ودول الخليج. ويؤكد في حديثه لـ"بغداد اليوم" أن "وجود الإخوان المسلمين في هذه المعادلة السياسية يعني محو فكرنا القومي وطمس الهوية الكردية تحت غطاء ديني مؤدلج لصالح تركيا والدول الخليجية الداعمة للإخوان، وهذا مرفوض تمامًا".

وأضاف أن "النظام العلماني الحقيقي سواء أكان مدعومًا من أمريكا وإسرائيل أو من الدول الأوروبية سيخدم القضية الكردية في المنطقة، كما سيخدم حرية التدين، وسيؤدي إلى تقدم المجتمع الكردستاني وازدهاره في المستقبل على عكس النظام الإخواني الذي لم يدخل بلدًا إلا وقد أرجعه للوراء ودمره من كل النواحي، والتاريخ شاهد".

وأشار تاوكوزي إلى أن "اختيار النظام العلماني سيكون رد فعل الطرف الآخر إيجابيًا إذا كان النظام محميًا من قبل دولة أجنبية". مؤكدًا أنه "لا شك أن الكرد في هذه المرحلة ليس لديهم خيار آخر، لكن إذا درسوا الأوضاع الراهنة يمكن أن يجدوا حلًا وسطًا، واحتمالية تشكيل نظام سياسي إخواني علماني في كردستان ضعيفة وغير واقعية، لأن هناك تناقضًا فكريًا بين الإخوان والعلمانية. ثم تجربة الإخوان في كردستان وفي بعض الدول العربية أثبتت فشلها".


العلمانية.. بين الإغراءات الغربية والتحديات الداخلية

في المقابل، يرى العديد من السياسيين والمحللين أن العلمانية تمثل خيارًا استراتيجيًا أكثر انسجامًا مع التوجهات الكردية، خاصة في ظل التأييد الذي قد تحظى به من الدول الغربية. فتبني نظام علماني يعني التمتع بدعم أمريكي وأوروبي، واستقطاب الاستثمارات، وضمان انفتاح سياسي يُحاكي النماذج الديمقراطية المتقدمة. غير أن هذا الخيار لا يخلو من تحديات، إذ إنه يثير قلق بعض القوى الإقليمية مثل تركيا، التي تخشى أن تتحول كردستان إلى نموذج سياسي ليبرالي يشجع نزعات الانفصال داخل أراضيها.

كما أن الداخل الكردي نفسه ليس موحّدًا إزاء هذا الطرح، فهناك قطاعات مجتمعية محافظة ترى أن تبنّي العلمانية المطلقة قد يُحدث قطيعة مع الموروث الثقافي والديني للمجتمع، مما يجعل هناك حاجة إلى نموذج سياسي يراعي التوازن بين القومية والانفتاح دون المساس بالهوية الدينية والاجتماعية.


بين المصالح الخارجية وحسابات الداخل.. أي خيار هو الأمثل؟

الاختيار بين الإسلام السياسي والعلمانية في كردستان لا يتوقف فقط على الرغبات الداخلية، بل تحدده معادلات المصالح الإقليمية والدولية. فبينما تسعى تركيا ودول الخليج إلى دعم تيارات الإسلام السياسي لضمان نفوذها، تراهن الولايات المتحدة وإسرائيل على دعم نماذج علمانية تضمن استقرار المنطقة وتكرّس التحالفات مع الغرب. في هذا السياق، يعيش الكرد حالة من الترقب بين الخوف من أن يكونوا ورقة في لعبة النفوذ الإقليمية، والسعي إلى تحقيق استقلال سياسي حقيقي يراعي مصالحهم القومية.


نحو صيغة متوازنة.. هل يمكن تحقيق معادلة مستقرة؟

مع تصاعد الضغوط السياسية، يبقى السؤال الأساسي: هل يمكن لكردستان أن تبتكر نموذجًا سياسيًا يدمج بين القومية والانفتاح السياسي دون الوقوع في فخ التبعية لأي من المحاور المتصارعة؟ يذهب بعض المحللين إلى أن الحل لا يكمن في تبنّي الإسلام السياسي أو العلمانية المطلقة، بل في صياغة نموذج متوازن يستفيد من التجارب العالمية ويحقق الاستقرار الداخلي.

التحدي الأكبر اليوم ليس فقط في اختيار شكل النظام السياسي، بل في قدرة الكرد على تأمين استقلالهم السياسي بعيدًا عن إملاءات القوى الخارجية، والسعي لتأسيس كيان يعكس تطلعاتهم دون أن يكون مجرد أداة في معركة النفوذ الإقليمية.

وفي ظل هذا المشهد، لا يبدو أن كردستان تمتلك خيارات سهلة أو واضحة، فبين مشروع إخواني يهدد هويتها القومية، وعلمانية مدعومة غربيًا قد تصطدم بعقبات داخلية وخارجية، يبقى البحث عن نموذج سياسي متزن هو التحدي الأكبر. مع استمرار التحولات الإقليمية، يبقى مستقبل كردستان رهن قدرتها على صياغة هوية سياسية مستقلة، قادرة على التفاعل مع التحولات الدولية دون التفريط في حقوقها ومصالحها الاستراتيجية.


المصدر: بغداد اليوم+ وكالات

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: الإسلام السیاسی بغداد الیوم فی کردستان

إقرأ أيضاً:

وزير خارجية بلغاريا: نثمن دور مصر وحكمتها في التعامل مع الأزمات الإقليمية

ثمن وزير خارجية بلغاريا جورج جورجييف دور مصر الذي اكتسبته علي مر السنين بفضل نهجها المسؤول والمعتدل وحكمتها في التعامل مع الأزمات الإقليمية وسمعتها الطيبة كركيزة أساسية للاستقرار، مؤكدا أن الحرب الحالية في غزة ليست استثناءً. 

وأعرب جورجييف - في حوار خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الجمعة قبيل مغادرته القاهرة - عن تقدير بلاده بشدة لدور مصر المحوري في تعزيز الاستقرار الإقليمي، مشيدا بجهودها الدؤوبة لتحقيق السلام، فضلا عن الجهود الدؤوبة التي تبذلها الدبلوماسية المصرية في تهدئة التوترات، ومنع امتدادها الإقليمي، وتأمين وقف إطلاق النار– وذلك بالتعاون مع قطر والولايات المتحدة - وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

كما أعرب عن امتنانه للدور المحوري الذي لعبته مصر في إطلاق سراح الرهائن، من بينهم رهائن بلغاريين الذين كانوا محتجزين سابقًا في غزة واليمن.. مقدما الشكر للدعم الذي قدمته المؤسسات والسلطات المصرية في هذا الصدد الذي لا يُقدر بثمن.

وأكد جورجييف أن مصر حافظت في السنوات الأخيرة علي دورها وعززته كشريك استراتيجي حيوي، ليس فقط لبلغاريا، بل للاتحاد الأوروبي ككل ؛وكان قرارنا المشترك برفع مستوى علاقاتنا الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة في مارس 2024 خير دليل على ذلك، مشيرا إلي أنه تم فتح فصل جديد في الحوار السياسي بانعقاد الدورة الأولي للجنة المشتركة للتعاون في فبراير 2024.

وأوضح أن لجنة المشتركة للتعاون مثلت انطلاقًا ناجحًا لآلية تعاون ثنائية جديدة، برئاسة وزيري الخارجية ، حيث حدد الوزراء المشاركون وكبار المسؤولين خارطة طريق لتعاون مثمر في مجالات رئيسية، مثل الدفاع، والنقل والترابط، والاقتصاد والصناعة، والابتكار ، لافتا إلي الجولة الأخيرة من المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية التي عقدت في أبريل الماضي.

وأعرب عن تطلع بلاده باهتمام إلى انعقاد الدورات المقبلة للجنة التنسيقية المشتركة في صوفيا، واللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي في القاهرة هذا العام؛ مثمنا التواصل المنتظم والعلاقات الإيجابية بين الرئيسين المصري والبلغاري، موضحا أن عقد هذه الدورات ستضع أساسًا متينًا للزيارة المرتقبة للسيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى صوفيا.

وذكر أنه تحدث مرتين إلي الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية منذ توليه منصبه ؛ مبينا أن زيارته الحالية لمصر، دليلًا إيجابيًا آخر على الأهمية التي يُوليها كلا البلدين للحفاظ على الحوار السياسي الوثيق والبنّاء.

وعن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، قال جورجييف إن بلغاريا بصفتها دولة عضوة في الاتحاد الأوروبي، تُساهم بنشاط في صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك أدواته ووسائله المختلفة لدعم الشركاء حول العالم، مؤكدا الاهتمام بالارتقاء بتعاوننا الثنائي مع القاهرة ليعكس العمق الاستراتيجي للعلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي.

وأفاد بأن مجالات التعاون الرئيسية مع مصر تشمل الطاقة، والتجارة والصناعة، والاستثمار، والنقل والترابط، ومكافحة الإرهاب، والأمن، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وتنقل العمالة، والأمن الغذائي، والبحث والتطوير، وغيرها .. موضحا أن مصر تعتبر شريكًا موثوقًا وأساسيًا، ونشيد بدورها المحوري في الشؤون الإقليمية وتُوفر هذه العلاقة المُطوَّرة إطارًا استراتيجيًا يُمثِّل مرجعًا لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فضلا عن ذلك تُقدِّم رؤيةً وتوجهًا مشتركا لبناء علاقات ثنائية أوثق وأكثر ديناميكية.

وعن الدعم الأوروبي لمصر ، أشار جورجييف إلي أن مبلغ 4 مليارات يورو يعد جزءًا من حزمة أوسع نطاقًا في إطار الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تصل قيمتها إلى 7.4 مليار يورو ويشمل ذلك عملية مساعدة مالية كلية قصيرة الأجل بقيمة مليار يورو - تم صرفها بالفعل - ومساعدة مالية كلية طويلة الأجل بقيمة 4 مليارات يورو.

وأكد أن هذه المبادرة تهدف إلى تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي مع دعم أجندة إصلاح محلية بالتنسيق مع برنامج صندوق النقد الدولي الجاري ؛ ومن المتوقع أن يتم صرف مبلغ الأربعة مليارات يورو من القروض الميسرة على ثلاث دفعات، كل دفعة منها مشروطة بتحقيق تقدم مُرضٍ في تنفيذ الإصلاحات التي يدعمها صندوق النقد الدولي.. معربا عن ثقته التامة بنتيجة العملية المشتركة بين المؤسسات، وتطلعه إلي صرف شرائح المساعدة المالية بنجاح.

وعن التجارة مع مصر، أكد جورجييف حرص بلاده علي استكشاف فرص جديدة وتوسيع شراكاتنا القائمة حيث بلغت التجارة الثنائية إلي مستوي قياسي العام الماضي حيث بلغت 81ر1 مليار دولار - بزيادة قدرها حوالي 41% مقارنة بالعام السابق من بينها صادرات مصرية لصوفيا بقيمة 378 مليون دولار . 

وأعرب عن تفاؤله إزاء الوجود المتزايد لشركات تكنولوجيا المعلومات وخدمات التعهيد البلغارية في مصر، بالإضافة إلى الاهتمام المتزايد بالاستثمار والإنتاج في قطاعات مثل تصنيع الأغذية والزراعة والمنسوجات .. مشيرا إلي ، بلغاريا نجحت في ترسيخ مكانتها كرابع أكبر مُصدّر للقمح عالي الجودة إلى مصر، حيث زادت صادراتها بنسبة تقارب 60% مقارنة بعام 2023 – من 285 ألف طن إلي ما يقرب من 452 ألف طن بقيمة تزيد عن 110 مليون دولار . 

كما تشارك بلغاريا بنشاط في مبادرة "مسارات التضامن" لتسهيل صادرات الحبوب عبر طرق بديلة وذلك بالتعاون مع رومانيا وتركيا في الجهود الرامية إلى إزالة الألغام وتأمين ممرات البحر الأسود، وضمان وصول الإمدادات الغذائية الحيوية إلى أفريقيا، بما في ذلك مصر، بأسعار عادلة.

وعن المساعدات لقطاع غزة.. قال إن بلاده قدّمت 200 ألف يورو في أبريل 2024 لدعم الشعب الفلسطيني في غزة وذلك من خلال جمعية الهلال الأحمر المصري والهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية .. مضيفا " أننا أعلنا خلال مشاركتنا في مؤتمر القاهرة الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية في غزة عن استعدادنا لتقديم مساعدات إضافية، بما في ذلك مساهمات طوعية لمنظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الإنسانية العاملة في غزة في عام 2025 ".

وأكد أن بلاده تدعم الخطة العربية لإعادة إعمار غزة، وتأمل بصدق أن تُنفّذ بنجاح وتؤكد التزامها الكامل بدعم جميع الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق سلام وأمن واستقرار دائمين في المنطقة.

طباعة شارك بلغاريا مصر الازمات الاقليمية

مقالات مشابهة

  • عاجل.. وزارة الصحة بغزة: 11 شهيدا في قصف إسرائيلي على القطاع منذ فجر اليوم
  • الصبيحي .. العناني يرسب في امتحان الاعلام والسياسة
  • وزارة النفط: نسعى دائماً للعمل مع الشركات الأمريكية لتطوير الحقول النفطية والغازية ولكن تعاملها مع إقليم كردستان بمعزل عنا مخالف للدستور
  • «الشيباني»: دار الإفتاء متقلبة وتتاجر بالدين.. ولم يعد هناك مبرر لوجودها
  • وزارة النفط العراقية: تعامل شركات أميركية مباشرة مع كردستان مخالف للدستور
  • الأمة.. إشكالية هوية ما بعد التاريخ (3)
  • وزير خارجية بلغاريا: نثمن دور مصر وحكمتها في التعامل مع الأزمات الإقليمية
  • عاجل| سعر الدولار اليوم الجمعة 23 مايو 2025 بعد قرار خفض الفائدة
  • رئيس وزراء النيجر يناقش التحديات الإقليمية المشتركة مع الفريق صدام حفتر
  • بدر عبد العاطي: مصر تنتهج مبدأ الاتزان الاستراتيجي في إدارة علاقتها