سواليف:
2025-08-01@01:14:09 GMT

خواطر رمضانية

تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT

#خواطر_رمضانية

د. #هاشم_غرايبه

يتميز المفكرون بكونهم النخبة الناقدة والمُصلحة، ولأن فكرهم دائما ما يكون إنسانيا متجاوزا للحدود السياسية وعابرا للقوميات، لذلك فهو يصلح لكل المجتمعات ولجميع الأزمان.
في الوقت الذي يتفق فيه الجميع على أن “سيد قطب” يعتبر من أبرز مفكري القرن العشرين العرب المسلمين الذين كتبوا في التعبير عن عزة الإنسان وكرامته، ومن أفضل الذين قدموا الإسلام بشموله وحيويته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقدرته على الحكم وعلاج مشاكل الحضارة، وتحقيق التوازن بين متطلبات الروح والمادة، إلا أنه من أكثر من أثار جدلا وحقق اصطفافات بائنة بين من يؤيدونه ومن يعارضونه.


ربما كان السبب انتماؤه الى الإخوان المسلمين، فالتحزب السياسي استجلب عداء الخصوم، سواء كانوا من ذوي الإتجاهات العلمانية كالقوميين والناصريين والماركسيين، أو أتباع الفكر المقولب كالسلفيين الاستنساخيين، أو عملاء الأنظمة والغرب كالتكفيريين، أوالمخبرين الذين يرتدون مظاهر التدين للتمويه.
أبناء الأمة المخلصين لعقيدتهم ليسوا من أولئك ذوي الإربة، فلم يلتفتوا الى انتمائه السياسي، ولم يبحثوا في طبيعة الشخص بل في فكره، لذلك لم يتأثر تقديرهم العالي لإبداعاته الفكرية، وخاصة في أهم كتاب صدر في التفسير: (في ظلال القرآن)، فلم يعتادوا أن يغمطوا حق كل من أثرى الفكر الإسلامي رغم الإختلاف السياسي، مثل إخوان الصفا (المعتزلة)، الشريف الرضي (الشيعة)، ابن المقفع (الفرس)، ابن عربي (الصوفية)..الخ.
كان سيد قطب في بداية وعيه السياسي ميالا الى حزب الوفد ومعجبا بكتابات العقاد، وعندما أرسلته الحكومة المصرية في بعثة الى أمريكا عام 1948 لإكمال دراسته العليا، لم ينبهر بالحضارة الغربية، مثل معظم أقرانه الذين درسوا في الغرب، لأنه كان متعمقا في فهم الحضارة الإسلامية، وصاحب رؤية فكرية راسخة مستندة الى ثوابت العقيدة، فكتب مقالة يصف فيها الشعب الأمريكي فيقول: “شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى بل أقل من بدائي”.
وعندما جرى اغتيال حسن البنّا، لم يكن منتميا الى الإخوان، لكنه صدم بمظاهر الابتهاج والفرح بذلك لدى الأمريكيين، مما أثر في نفسيته بعدما رأى بعينيه مدى كراهية الغرب للإسلاميين العرب، فأراد أن يتعرف على هذه الحركة عندما يعود إلى بلده، وعندها بدأ تحوله.
بدأ نشاطه السياسي فور عودته بالإنضمام الى مجموعة الضباط الأحرار، وكان ملهمهم الفكري، وبعد الثورة كان المدني الوحيد في مجلس قيادة الثورة، إلا أنه حينما أحس بخيبة أمله في انتهاجهم الإسلام ابتعد وانضم الى هيئة التحرير، وحاول عبد الناصر استعادته لصفه، لكنه رفض الوزارة وتحول الى صف الإخوان المسلمين حيث تولى ادارة جريدتهم.
اعتقل بعد حادثة المنشية التي افتعلتها المخابرات لسجن آلاف من تنظيم الإخوان، وسجن حتى عام 1964 وعندما قبضوا على أخيه محمد احتج فسجنوه أيضاً، وفبرك له “صلاح نصر” مدير المخابرات (الذي تبين فيما بعد أنه عميل للمخابرات الأمريكية) تهمة تشكيل تنظيم مخالف للدستور والتخطيط لانقلاب، وظل التفاوض معه لإعلان ولائه لعبد الناصر إلا أنه رفض فأعدم عام 1966.
كان يقول: “الإسلام الذي يريده الأميركان وأتباعهم في الشرق الأوسط، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، يستفتى في منع الحمل.. في دخول المرأة البرلمان، ويستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يستفتى أبدا في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنا المالي والسياسي، إنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم، لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى، وسيعلم الشعوب أن طرد المستعمر فريضة”.
أما أعظم ظُلم ناله سيّد بعد موته فكان من بعض المحسوبين على الاتجاهات السلفية من شيوخ السلاطين وأتباعهم، وذلك بتشويه فكره، ضمن حروبهم الممولة بهدف استئصال الفكر الجهادي.
في المقابل عانى تراثه أيضا وخصوصا من عملاء للمخابرات المصرية ومن خصوم للتيار الإسلامي من باحثين وكتاب علمانيين ويساريين، من اتهامه بأنه يُكفِّر المجتمعات المسلمة.
كل ما كان يذكره الحاكمية والجاهلية، وهذا ليس بتكفير، وقد صدرت أبحاث كثيرة أكدت كذب مزاعم منتقديه، وأهمها بحث العلامة الشيخ “عمر الأشقر” الذي أكد أن كتابات سيد لم تَحوِ نصا واحدا يُصرِّح فيه بتكفير المجتمعات والأفراد.
رحم الله المفكر الشهيد، فعنده فقط سيجد العدالة التي افتقدها طوال حياته وبعد مماته.

مقالات ذات صلة بين غزة وغرناطة: دروس من التاريخ 2025/03/23

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: خواطر رمضانية هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: «أليست نفسا» مبدأ إسلامي شامل في التعامل مع الإنسان

استأنف ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" بالجامع الأزهر الشريف، فعالياته الأسبوعية أمس، الثلاثاء، تحت عنوان: “الإسلام وحقوق الإنسان”.

وحاضر  في ملتقى هذا الأسبوع، كل من؛ الدكتور مجدي عبد الغفار، رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية السابق بكلية أصول الدين، والدكتور محمود الصاوي، الوكيل السابق لكلية الدعوة بجامعة الأزهر،  وأدار الملتقى الإعلامي سمير شهاب.

في بداية الملتقى، أكد فضيلة الدكتور محمود الصاوي، أن الإنسان هو خلق الله سبحانه وتعالى، لهذا جاءت الشريعة الإسلامية بضوابط لصيانة حقوقه الكاملة، التي تضمن سير الحياة في سياق منضبط، كما راعى الإسلام الاتزان بين الحقوق والواجبات بين الأفراد، فإذا ما راعى الإنسان منظومة الحقوق كما بينتها الشريعة الإسلامية، وصل المجتمع إلى أرقى المستويات، هذا النموذج الراقي هو الذي جعل المجتمع الإسلامي الأول مجتمعا حضاريا لم تشهد البشرية نموذجا مثله.

وقال إن الحضارة التي وصل إليها المجتمع الإسلامي الأول،  كانت بفضل قيم التعايش والتكافل التي ميزت أفراده، حيث تحول بفضل مبادئ الشريعة إلى مجتمع متحضر وراق، رغم التنوع الثقافي والديني والعرقي الذي كان يتسم به.

وأضاف فضيلة الدكتور محمود الصاوي أن منظومة القيم التي أرستها الشريعة الإسلامية تتميز بشموليتها، فهي تضمن حقوق الإنسان  دون نقصان، حيث تقوم فلسفة هذه المنظومة المتكاملة على مبدأ أساسي وراسخ هو الحيلولة دون أي تعد من فرد على حقوق غيره، سواء كان هذا التعدي ماديا يمس ممتلكاته أو جسده، أو معنويا يمس كرامته وسمعته، من هذا المنطلق، لم تكن القاعدة الفقهية العظيمة "لا ضرر ولا ضرار" مجرد مبدأ نظري، بل هي حجر الزاوية الذي بنيت عليه تشريعات الإسلام، لتكون بمثابة صمام أمان يحمي المجتمع من الفوضى والظلم، ويضمن لكل فرد العيش في بيئة يسودها العدل، هذه القاعدة تعكس جوهر الشريعة في حفظ الحقوق ودفع المفاسد، وتؤكد على أن المصلحة الفردية يجب ألا تتعارض مع المصلحة العامة، وأن الضرر يُزال حيثما وجد، سواء كان ذلك الضرر يقع على النفس أو على الآخرين.

من جانبه، أوضح الدكتور مجدي عبد الغفار، أن القرآن الكريم قد عبر عن حقوق الإنسان بأسلوب راق في العديد من آياته، ويتجلى ذلك في قوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" هذه الآية تؤسس لمبدأ الكرامة الإنسانية كحق أصيل لكل فرد، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو معتقده، كما تتضح هذه الفلسفة في قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، حيث تؤكد هذه الآية على مبدأ المساواة بين البشر، وأن الهدف من هذا التنوع هو التعارف والتعاون لا التنافر والصراع، مما يرسخ أساسا متينا لاحترام حقوق الآخرين.

دعاء النبي عند الحر الشديد .. ردد أفضل 14 تغفر ذنوبك وتدخلك الجنةأجمل دعاء فى الصباح.. ردده يسخر الله لك من يقضي حاجتك ويفرج كربتك

وبين فضيلة الدكتور مجدي عبد الغفار أن النفس البشرية بنيان الله -سبحانه وتعالى- ومن هدمها ملعون، وهو ما بينه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله"، يُظهر هذا الحديث  خطورة  المشاركة في إزهاق الأرواح ولو بشيء يسير وهو جزء من كلمة، فما بالنا بمن يسفكون الدماء ويقتلون الأطفال والناس بغير حق؟ مستخدمين أبشع طرق القتل والتعذيب والتنكيل، إضافة إلى التمثيل بالقتل، فهولاء لا يعرفون للبشرية حقا ولا للإنسانية طريقا.

وذكر فضيلة الدكتور مجدي عبد الغفار، أن النصوص الشرعية، في ترسيخها للأحكام والقواعد الشرعية، استندت إلى ثلاثة مبادئ أساسية: أولا، الوعي قبل السعي، أي الفهم الصحيح للنصوص قبل تطبيقها، فسوء الفهم يؤدي إلى تطبيقها في غير موضعها، ثانيا، الإنسان قبل البنيان، بمعنى أن قيمة الإنسان مقدمة على أي شيء آخر، وهو ما يتجلى في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خير الناس أنفعهم للناس"، وقوله أيضا: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وهذا ما يفسر موقف الإسلام من العنصرية، كما يتضح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما مرت جنازة يهودي: "أليست نفسا؟، مما يؤكد على احترام النفس البشرية بغض النظر عن دينها أو عرقها، ثالثا، الساجد قبل المساجد، أي أن قيمة العابد مقدمة على قيمة مكان العبادة، وهذا يعني أن غاية العبادة هي تزكية النفس وصلاحها، وليس مجرد إقامة الشعائر دون مراعاة لحقوق الإنسان.

وفي ختام الملتقى، شدد الإعلامي سمير شهاب، على ضرورة إدراك حقيقة جوهرية، وهي أن الدين الإسلامي قد سبق جميع الدساتير والقوانين الدولية الحديثة في إقراره الشامل لحقوق الإنسان، ولم يكن الإسلام مجرد سباق زمني، بل كان رائدا في تأسيس منظومة متكاملة ومتوازنة لحقوق الفرد والمجتمع،  بل حمى الإسلام الحقوق الشخصية بكل دقة وتفصيل، مقدما بذلك نموذجا فريدا في صيانة كرامة الإنسان وحريته، بينما جاءت الدساتير والقوانين الدولية لاحقا لتعكس جزءا من هذه المبادئ التي أُرسيت جذورها في الشريعة الإسلامية منذ قرون عديدة.

جدير بالذكر أن ملتقى "الأزهر للقضايا المعاصرة" يُعقد الثلاثاء من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، حيث كان بمسمى "شبهات وردود" وتم تغييره لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، بعد نجاحه طوال شهر رمضان والذي كان يعقد يوميًا عقب صلاة التراويح، ويتناول هذا الملتقى في كل حلقة قضية تهم المجتمع والوطن، والعالَمَين العربي والإسلامي.

طباعة شارك الأزهر للقضايا المعاصرة الإسلام وحقوق الإنسان الجامع الازهر

مقالات مشابهة

  • ضياء رشوان: مظاهرات تل أبيب كشفت ازدواجية الإسلام السياسي ومخططاته ضد مصر
  • يسري عزام: مصر ذُكرت في السنة النبوية ولها مكانة عظيمة في الإسلام «فيديو»
  • بالتعاون مع الأزهر.. «الأوقاف» تنظم ندوات للحفاظ على البيئة بـ 1544 مسجدًا
  • المكتتبون الذين ضيعو كلمة السر للولوج إلى منصة عدل 3..هذه طريقة استرجاعها
  • في فيلم عبر الجدران.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
  • ملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة: «أليست نفسا» مبدأ إسلامي شامل في التعامل مع الإنسان
  • البحوث الإسلامية: إصلاح ذات البين عبادة تتفوق على الصيام والصدقة
  • انطلاق المؤتمر الدولي للأخوة الإنسانية في جاكرتا
  • مُفتي عُمان: نحيي أبطال اليمن المغاوير الأفذاذ الذين حطموا كل أسطورة
  • مفتي عمان ..نحيي أبطال اليمن المغاوير الأفذاذ الذين حطموا كل اسطورة