واتساب تكشف انهيار أخلاق السياسة العراقية
تاريخ النشر: 1st, April 2025 GMT
1 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: شهدت الساحة السياسية العراقية تصعيداً غير مسبوق، حيث تحول نقاش عبر تطبيق “واتساب” بين سياسيين بارزين إلى مواجهة عنيفة انتهت باقتحام مسلح لمكتب أحد الأطراف، مما كشف عن تدهور خطير في مهنية الخطاب السياسي وأخلاقياته.
بدأت الشرارة داخل مجموعة محادثة تضم نخب سياسية وإعلامية، حين علّق السياسي حيدر الملا على قضية حساسة تتعلق بالوقف السني، ليرد عليه رئيس مجلس النواب السابق محمد الحلبوسي بكلمات قاسية، وصلت حد التهديد المباشر.
وتصاعدت حدة التراشق بين الطرفين، لتتحول المجموعة إلى منصة للشتائم والإهانات، ما أثار استياء واسعاً بين الأعضاء الآخرين الذين عجزوا عن احتواء الاشتباك اللفظي.
و تخلل الجدل عبارات نارية من قبل رئيس حزب تقدم محمد الحلبوسي مثل ”السـ.ـاقط” و”الناقص”، وتهديد من مثل: “تأدب لا أطيح حظك، اليوم أسويك عبرة”، ليرد عليه النائب السابق حيدر الملا: “أريد أشوف منو يطلع وراك، لن أنزل لهذا المستوى”، في إشارة مباشرة إلى استعداده لمواجهة أي تصعيد.
الأجواء في المجموعة تحولت إلى ساحة تصفية حسابات، وشهدت تبادل شتائم حادة، وعبارات مليئة بالتخوين والإهانة الشخصية، وسط صدمة باقي الأعضاء، الذين حاولوا عبثًا تهدئة الموقف دون جدوى
وأثارت المحادثات المسرّبة، التي انتشرت كالنار في الهشيم على منصات التواصل، موجة غضب شعبية، حيث عبّر ناشطون عن خيبتهم من مستوى القادة السياسيين. وكتب ناشط: “من يقود البلد لا يملك أدنى مسؤولية، واتساب صارت ساحة لتصفية الحسابات بدل حل مشاكل الشعب”.
وأشار آخرون إلى أن هذا السلوك يعكس أزمة أعمق في النخب الحاكمة.
وأفادت تقارير ميدانية لاحقاً بأن مجموعة مسلحة، يُعتقد أنها مرتبطة بالحلبوسي، اقتحمت مكتب الملا في بغداد، وحطمت محتوياته بالكامل، في خطوة اعتبرها المراقبون محاولة لفرض الهيمنة السياسية بالقوة.
وتساءل محللون عما إذا كانت هذه الحادثة تُنذر بتحول الصراعات السياسية إلى أعمال ميدانية تهدد الاستقرار الهش أصلاً.
ويرى متابعون أن الحادث يكشف انهياراً في القيم المهنية لدى بعض السياسيين، الذين بدلاً من قيادة البلاد نحو التنمية، يغرقون في صراعات شخصية تُظهرهم بمظهر من لا يصلح حتى لمسؤوليات أدنى.
منصات التواصل تحولت إلى أدوات لتأجيج الصراعات بدلاً من الحوار ، ومع استمرار تدني أخلاقيات الخطاب السياسي، يخشى العراقيون من تفاقم الفوضى التي تهدد ما تبقى من استقرار.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author AdminSee author's posts
المصدر: المسلة
إقرأ أيضاً:
السياسة .. كديانة يهودية
حظي موضوع الدعم الأمريكي السخي المطلق لإسرائيل بنقاش واسع منذ أن تنامى بسفور كامل بعد حرب أكتوبر عام 1973، وتعددت مستويات هذا النقاش ومقارباته بين الأبحاث التي تنطلق من مبدأ المصالح الاستراتيجية المشتركة بين الولايات المتحدة ودولة الكيان المحتل، وأخرى تفسّر العلاقة الحميمة بين الطرفـين انطلاقًا من دراسة النشاط التاريخي للمجتمع اليهودي فـي صناعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضايا العالم، وبمزيج من السياسة والمال، بينما يدور النقاش فـي سياقات أخرى حول مقاربة دينية ترتكز على دور المسيحية الصهيونية وتحالفها مع/ أو توظيفها لـ«المسألة اليهودية».
لا نُغفل أيضًا تأثير التناول الإعلامي والشعبوي المسطَّح، خاصة فـي الأوساط العربية، والذي يماهي مماهاة شبه تامة بين السياسات الأمريكية والإسرائيلية فـي الشرق الأوسط، ذاهبًا فـي كثير من الأحيان لصناعة الأساطير وترويجها عن الفئة القليلة التي تحكم العالم من الغرف المظلمة، هناك فـي نيويورك أو واشنطن، أو عبر منظمات الضغط الصهيونية مثل «إيباك» التي صنفتها دراسة لـNational Journal عام 2005 كأقوى اللوبيات الأمريكية فـي واشنطن، متعادلة مع الاتحاد الأمريكي للمتقاعدين.
والحقيقة أن التفكير مليًا بسياسات الدعم الأمريكي المفتوح لإسرائيل، وخاصةً فـي تجلياتها الأبشع بعد السابع من أكتوبر 2023، تصيبنا فعلًا بالعجز عن مقاربة الأمر مقاربةً سياسية تقليدية من المنظور النظري المحدد والمركز لفهم التحالفات والعلاقات الدولية التقليدية.
نعم، لا يمكننا أن نفكر فـي هذه العلاقة دون أن نقع أسرى لمناخها الأسطوري الذي يندر (أو ربما يستحيل) أن نعثر على حالة شبيهة به فـي مجمل سجلات الحركات الاستعمارية، بحيث نصبح فـي موقف لا بأس فـيه أن نجازف -مع بعض الحذر الضروري- باعتبار الدعم الأمريكي اللامشروط لإسرائيل حالةً أسطورية عبر التاريخ بالفعل.
ثمة حقائق مباشرة عن هذا الدعم، وعلى رأسها أن إسرائيل هي «أكبر متلقٍ سنوي للمساعدة الأمريكية المباشرة، الاقتصادية والعسكرية، منذ سنة 1976، وأكبر متلقٍ إجمالي للمساعدة منذ الحرب العالمية الثانية».
جاء هذا فـي دراسة بالغة الأهمية فـي توقيتها عام 2006، نشرتها كلية جون ف. كينيدي التابعة لجامعة هارفرد بعنوان «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية» التي قدّمها جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية البارز فـي جامعة شيكاغو، برفقة ستيفن والت عميد كلية كينيدي. تصف الدراسة الولايات المتحدة بـ«المحسن العظيم» الذي يجازف بمصالحه العليا لمساندة «الديمقراطية اليتيمة فـي الشرق الأوسط» ولإنقاذ داود الواقف وحيدًا فـي مواجهة جالوت العربي العملاق، مع أن واقع القوة على الأرض لا يعكس إلا انقلابًا صارخًا للأسطورة.
مع ذلك، هناك ما يضع العقل بالكف حين نعلم أن السياسيين الأمريكيين كثيرًا ما اشتكوا (بصوت منخفض طبعًا) من تجسس إسرائيل وعملائها على المؤسسات والمصالح الأمريكية؛ إذ تُعتبر إسرائيل الحليف الأكثر تجسسًا على أمريكا، وفقًا لما تشير إليه الدراسة التي سارعت جامعة هارفرد للتنصل منها بإزالة اسمها وشعارها، وذلك بعد أن تلقت تهديدًا صارمًا من قبل جماعات الضغط اليهودية فـي أمريكا التي توعَّدت بحجب التبرعات عن الجامعة فـي حال توانت عن إنزال أشد العقوبات بمؤلفـي الدراسة، وهو ما دعا ستيفن والت لتقديم استقالته من منصبه. وكانت مجلة الدراسات الفلسطينية قد سارعت لنشر نص الدراسة مترجمًا بعد فترة وجيزة فـي عددها 66، ربيع 2006.
ربما يكون الكاتب والصحفـي الأمريكي ستيفن آيزاكس من أوائل من قدّموا كتابًا فـي الموضوع بعد حرب أكتوبر، الحرب التي افتتحت فصلًا جديدًا فـي التبني الأمريكي لإسرائيل وضاعفت من المساعدات العسكرية والمالية لها. فـي كتابه «اليهود والسياسة الأمريكية» الصادر عام 1974، يعلل آيزاكس سطوة اليهود على مجريات الحياة السياسية فـي أمريكا، والتي تنعكس بالتالي على السياسة الخارجية تجاه إسرائيل، من خلال ما وصفه بنشاط اليهود المفرط والاستثنائي فـي السياسة مقارنة بالفئات الأخرى.
إنهم فـي أمريكا، فـي «أول بلد يعاملهم كرجال ونساء قبل أن يعاملهم كيهود»، وفـي أمريكا باتوا يؤمنون أكثر من أي وقت مضى بأن «الإنسان هو صانع التاريخ أكثر مما هو صنيعته»، مع ذلك فهم يتهربون من التعريف بأنفسهم يهودًا، خاصة فـي مجال العمل السياسي كما فـي الأوساط الأكاديمية، لم يعودوا يقولون: «أنا يهودي»، بل يقولون: «أنا ديمقراطي»، «أنا تقدمي»، «أنا أمريكي».
أصبح معظمهم من الليبراليين، متعلمين جدًا، وناجحين فـي المهن والجامعات، وميَّالين للاحتجاج، والنسبة العظمى منهم تصوت لصالح الحزب الديمقراطي ضد الجمهوريين المحافظين، ويتعاملون مع الانتخابات بقلق شديد.
لقد تخلى معظمهم عن الصلاة والابتهال كليًا ليتديَّن بالسياسة، كما لم يحدث قط فـي تاريخ اليهودية عبر آلاف السنين. لقد أصبحت السياسة هي دينهم كما عبر أحد المعبرين الفكريين عن اللجنة اليهودية الأمريكية: «إن حماسة اليهود غير التقليديين للسياسة هي ديانتهم فـي الأمر الواقع. وعلى الرغم من كل ما مروا به من محن، فإن أولئك اليهود ما زالوا يؤمنون بالخلاص الديني، وديانتهم هي السياسة».
سالم الرحبي شاعر وكاتب عُماني