صحيفة الاتحاد:
2025-07-30@00:52:20 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: أن تسافر عنك إليك

تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT

من صيغ التعامل مع المكان أن تسافر منك إليك، ففي فترة «كورونا»، ومع منع السفر الخارجي، تعلم الناس في العالم كله أن يتحولوا عن مفهوم السياحة بوصفها سفراً إلى الخارج إلى مفهوم ٍ جديد حدث قسراً وغصباً وهو السياحة الداخلية، ليتعرفوا بذلك على كنوز بلادهم التي ظلوا ينؤون عنها للبحث عن البعيد، وفي هذا كشوفات لافتةٌ ظل أهلُ كل بلدٍ في العالم يتحدثون عنها باندهاش عجيب، لدرجة أنهم أصبحوا يتكلمون عن جهلهم ببلادهم وكنوز بلادهم.


وهذه مسألة شديدة الوضوح، وهي أيضاً شديدة العبرة، فإن كنا نجهل وجه الأرض فماذا عن جهلنا بباطن النفوس، وما ذا لو جرّبنا السياحة الروحية في نفوسنا لكي نكشف ما نجهله عنا وعن كنوزنا الروحية والنفسية، تلك الكنوز التي نظل نسافر بعيداً عنها ونمعن في الانفصال عنها لدرجة أن البشر صاروا يبذلون الوقت والمال لكي يستعينوا بخبير نفساني لكي يساعدهم للتعرف على نفوسهم، ولو قارنا ما نعرفه عن كل ما هو خارجٌ عنا وبعيدٌ عنا مكاناً ومعنى مقابل جهلنا بنا، لهالنا ما نكشف عن المجهول منا فينا، وكأننا نقيم أسواراً تتزايد كلما كبرت أعمارنا وكلما كبرت خبراتنا التي نضعها بمقامٍ أعلى من كنوز أرواحنا، وكثيراً ما تكون الخبرات كما نسميها تتحول لتصبح اغترابات روحيةً تأخذنا بعيداً عنا، وكأن الحياة هي مشروع للانفصال عن الذات والانتماء للخارج.
وتظل الذات جغرافيةً مهجورةً مما يؤدي بإحساس عنيف بالغربة والاغتراب مهما اغتنينا مادياً وسمعةً وشهادات ومكانةً اجتماعية، لكن حال الحس بالغربة يتزايد ويحوجنا للاستعانة بغيرنا لكي يخفف عنا غربتنا مع أن من نستعين بهم مصابون أيضاً بحالٍ مماثلة في حس الاغتراب فيهم، كحال الفيروسات التي تصيب المريض والطبيب معاً، وقد يتسبب المريض بنقل العدوى لطبيبه والجليس لجليسه مما يحول التفاعل البشري نفسه لحالة اغتراب ذاتي مستمر. والذوات مع الذوات بدل أن تخلق حساً بالأمان تتحول لتكون مصحةً كبرى يقطنها غرباء يشتكي كل واحدٍ همه، ويشهد على ذلك خطاب الأغاني والأشعار والموسيقى والحكايات، وكلما زادت جرعات الحزن في نص ما زادت معه الرغبة في التماهي مع النص، وكأننا نبحث عن مزيد اغتراب ذاتي، وكل نص حزين يقترب منا ويلامسنا لأنه يلامس غربتنا ويعبر عنها لنا.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: الماضي حين نتغنى به د. عبدالله الغذامي يكتب: التعليم بوصفه نسقاً ثقافياً

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟

بينما تتوالى مشاهد إسقاط المساعدات جوا فوق قطاع غزة، تتسع الفجوة بين ما يُروّج له دبلوماسيّا على أنه جهود إنسانية وبين واقع الغزيين المحاصر بالموت والجوع.

تلك المفارقة بين المشهد التلفزيوني وصورة الأطفال الذين ينهارون جوعا تختصر ملامح مقاربة إسرائيلية باتت تستخدم فيها "الدبلوماسية الإنسانية" كأداة سياسية لتخفيف الضغط الدولي من دون أي نية حقيقية لإنهاء الكارثة.

فالحكومة الإسرائيلية -وفق تحليل الكاتب والمحلل السياسي أحمد الحيلة في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث"- لا تسعى فعليا إلى تخفيف معاناة الغزيين، بقدر ما توظف "بروباغندا" الإسقاطات الجوية لتنفيس الغضب الدولي والشعبي ضدها، لا سيما مع تفاقم الاتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية.

هذه المسرحيات الإنسانية، التي تُنفّذ على مرأى العالم، لا تمثّل سوى "قطرة في بحر" الاحتياجات الأساسية لقطاع يتضور جوعا، ويحتاج إلى مئات الشاحنات يوميا وليس حفنات من المساعدات المتساقطة في مناطق خاضعة لسيطرة الاحتلال.

المقاربة الإسرائيلية لا تُقاس هنا بحجم المساعدات بل بغاياتها السياسية، فبدلا من فتح المعابر البرية وتمكين الأمم المتحدة من توزيع المساعدات بفعالية، تلجأ تل أبيب إلى منهج التفاف إنساني يمنحها مظلّة لمواصلة حربها، ويمنع عنها مزيدا من العزلة الدولية.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور بلال الشوبكي يرى أن إسرائيل وجدت في هذه الخطوة وسيلة لتقديم "صورة مقابل صورة"، مقابل صور المجاعة التي حرّكت الضمير العالمي، خصوصا مع بروز مؤشرات على تململ حتى داخل إسرائيل.

وما يبدو ظاهريا مبادرة إنقاذية، يخفي -وفق تحليل الشوبكي- رسالة تفاوضية مزدوجة: مفادها أن إسرائيل ما زالت تمسك بزمام اللعبة، وأنها مستعدة للحديث مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فقط في سياق صفقات الأسرى، وليس لإدارة شؤون غزة أو رفع الحصار.

أدوات تكتيكية

بهذا المعنى تتحول المساعدات إلى أدوات تكتيكية في يد تل أبيب، تُستخدَم حين تشتد الضغوط، وتُسحب حين تنتفي الحاجة إليها.

إعلان

ولا تقف الازدواجية عند إسرائيل، بل تشمل أيضا الموقف الأميركي، الذي يتجلى في تصريحات الرئيس دونالد ترامب، إذ يعرب عن "قلقه" من المجاعة في قطاع غزة، ثم لا يتخذ أي خطوات ملموسة لتسهيل تدفق المساعدات.

ويذهب السفير الأميركي السابق بيتر غالبريث إلى أن الولايات المتحدة -بقيادة ترامب- تتصرف أحيانا بلا انتظام أو معنى، فتارة تشكك في وجود مجاعة، وتارة تطالب بإنهائها، بينما الواقع على الأرض يؤكد استمرار الحصار والتجويع بلا هوادة.

غالبريث اعتبر أن إسقاط المساعدات من الجو وسيلة غير فعالة، بل عبثية، خاصة إذا قورنت بوفرة المساعدات المخزنة خلف المعابر المغلقة، ويحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تعقيد الوضع الإنساني لرفضها التعاون مع الأمم المتحدة وحرمان مسؤوليها من دخول القطاع.

كما أشار إلى أن الإصرار الأميركي على إبقاء ملف المساعدات خارج أيدي الأمم المتحدة يعكس تحالفا ضمنيا مع إسرائيل في إدارة التجويع كوسيلة ضغط سياسي.

وعلى وقع هذه الممارسات، تتنامى مؤشرات التغير في الرأي العام الغربي، فكما يلفت الشوبكي، باتت الصور الآتية من غزة تصنع رأيا عاما مستقرا، لا مجرد موجات غضب مؤقتة، وهو ما قد يؤثر على تشكيل نخب سياسية مستقبلية في دول غربية طالما وقفت خلف إسرائيل.

لكن هذا التحول -رغم أهميته- يفتقر حتى الآن إلى التأطير الفلسطيني والعربي الذي يترجمه إلى ضغط منظم وفعّال على مراكز القرار الدولية.

تعمق الانقسام الداخلي

وبدأت التقارير الأممية والحقوقية بدورها تكسر جدار الصمت داخل إسرائيل، فمنظمة "بتسيلم" ذاتها وصفت ما يجري بأنه إبادة جماعية، في سابقة بالغة الدلالة على عمق الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه بشأن أخلاقيات الحرب.

واعتبر غالبريث أن هذا الموقف من داخل إسرائيل يعكس تصدعا في رواية تل أبيب الرسمية، ويضيف ثقلا أخلاقيا لحملة الاتهامات الدولية الموجهة لها.

ورغم كل هذا الزخم، فلا تزال العدالة الدولية في موقع المتفرج، فمحكمة الجنايات الدولية، ورغم إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق، فلم تتمكن من المضي قدما في تنفيذها.

ويعزو الحيلة هذا العجز إلى المظلة الأميركية التي تمنح نتنياهو الحصانة السياسية، بل وتدفع الكونغرس إلى تقنين العقوبات ضد القضاة أنفسهم، وهذا السلوك، وفق المحلل ذاته، يفضح مدى انحراف واشنطن عن مبادئ العدالة، ويجعل من إسرائيل "دولة فوق القانون" قادرة على ارتكاب الجرائم من دون محاسبة.

وفي حين تبدو الدعوات إلى محاسبة إسرائيل مجرد تكرار لمواقف إعلامية مألوفة، يعكس حديث غالبريث شيئا من الأمل، مستشهدا بتجربة يوغوسلافيا السابقة، إذ تمكنت العدالة الدولية من ملاحقة مجرمي الحرب رغم التشكيك الواسع حينها، لكنه يقر بأن الطريق طويل، وأن النيات وحدها لا تصنع العدالة.

كل ذلك يعيد طرح سؤال أساسي: هل المساعدات فعلا إنقاذ للمدنيين أم غطاء لإطالة أمد المجزرة؟ وتتضح الإجابة مع استمرار القتل اليومي في غزة، فكما يرى الشوبكي، فإن النخب الإسرائيلية الحاكمة لا تكترث لصورتها، بل تؤمن أن "أهداف الحرب" تبرر كل الوسائل، بما في ذلك إدارة المجاعة بحنكة سياسية.

إعلان

وعليه، فإن "الدبلوماسية الإنسانية" لم تعد تعبيرا عن التزام أخلاقي أو قانوني، بل باتت أداة ناعمة في خدمة أجندة عسكرية تواصل سحق قطاع بأكمله، وفق ما خلص إليه محللون في حديثهم للجزيرة.

مقالات مشابهة

  • لحظات كادت أن تتحول إلى كارثة
  • الدبلوماسية الإنسانية.. كيف تتحول الحلول إلى أدوات إطالة لأزمة غزة؟
  • هل تتحول أفريقيا إلى مكبّ بشري للمبعدين من أميركا؟
  • ناشطون يطلقون حملة شعبية لوقف تجويع غزة ورفع الحصار عنها
  • حادثة العلم الفلسطيني في مهرجانات البترون.. هذا ما كُشف عنها
  • وفاء عامر تواجه اتهامات بتجارة الأعضاء ونقابة الممثلين تدافع عنها بقوة
  • تقدم إلى محكمة التعزية الابتدائية نور عبده عنها بالوكالة محمد الطيار مدعياً وفاة مؤرثها
  • هدية قطرية غير مشروطة .. طائرة بوينغ تتحول إلى رئاسية لترمب وتكلفة ضخمة للتحديث
  • موسيقى زياد الرحباني.. حين تتحول النغمات إلى منشور سياسي غاضب
  • القبض على طرفي مشاجرة بالأسلحة نتج عنها إصابة 6 أشخاص في السلام