بكري حسن صالح .. الرجل الذي أخذ معنى الإنسانية بحقها
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
الفريق أول ركن بكري حسن صالح
الرجل الذي أخذ معنى الإنسانية بحقها
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
في الأثر قول قديم للعرب :
( إذا قُلْت في شيء نعـم فأتمه ، فإن نعم دين على الحرِّ واجبُ
وإلا فقل :
لا ، تسترحْ وتُرِحْ بها لِئلاَّ تقـول النـاسُ إنك كاذبُ )
ولعمري هو ذاك الفريق أول ركن بكري حسن صالح نفسه ،الرجل الذي منذ إعتلى مواقع العمل العام في البلاد .
ما رأيناه إلا مرتقيا أعلى مدارج قيم الإنسانية في صفتها الأعظم ..
وهي صفة الوفاء ،
فالوفاء من الأخلاق الكريمة ،
وصفة من صفات النفوس الشريفة ..
هكذا ظل الفريق أول ركن بكري حسن صالح ، عظيما في عيون الناس .
وجهه الوعد ،
والإنجاز محاسنه ،
إذ لا دين لمن لا عهد له ،
فقد أخذ بكري حسن صالح صفة الإنسانية بحقها .
حمدا لله على السلامة يا سيد الوفاء
فضل الله أحمد عبدالله الدكتور فضل الله أحمد عبدالله إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
ماذا بقي من معنى «حوار الحضارات»؟!
بينما كانت حمم الاحتلال الإسرائيلي تُحيل أطفال غزة إلى رماد، كان العالم يحتفل يوم الثلاثاء بـ«اليوم الدولي لحوار الحضارات»، وكان سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، مايك هاكابي، يصرّح بأن بلاده لم تعد تؤيد قيام دولة فلسطينية مستقلة. لم يكن هذا التزامن صدفة زمنية، ولكنه تجسيد حقيقي لانفصام الخطاب عن الفعل، وانهيار القيم الكونية تحت وطأة المواقف السياسية. ففي الوقت الذي تُرفع فيه الشعارات عن التفاهم والاعتراف المتبادل، تُغلق الأبواب أمام أكثر الحقوق بداهة، وتُختزل الحضارات إلى مجرد خرائط جيوسياسية لا تقيم وزنا للعدالة أو الكرامة ولا إلى المشتركات الإنسانية.
ورغم أن العالم لم يعد مشغولا أو محتفيا كثيرا بأطروحة «حوار الحضارات» كما كان في تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية الجديدة إلا أن الحقيقة في الميدان تدعونا جميعا إلى تلمس خطر التصعيد غير المسبوق بين مختلف الحضارات والذي أفرز عالما متعدد التوجسات. إن هذا الاستقطاب الكبير يقود إلى أخطر لحظة شحن عالمية من شأنها أن تقود إلى الصدام الكبير، والذي إن وقع، فلن يكون محصورا بين «الشرق والإسلام» من جهة و«الغرب الليبرالي» من جهة أخرى، كما توهّم هنتنغتون في أطروحته، بل سيكون انفجارا متعدد الجبهات: صيني ـ غربي، وأوراسي ـ أطلسي، وفارسي ـ أمريكي/ إسرائيلي. وكل جهة تدعي أن لديها مبررات الصدام وهي إلى الاشتعال أقرب من أي لحظة سابقة.
لكن ما يجعل هذه اللحظة أخطر من كل ما سبقها، هو أنها لا تعيش في خانة النظريات أو الدعوات، بل تُمارس على الأرض بتشظٍ كامل في القيم والنماذج، معلنة دخولنا عصر ما بعد التواصل، وما بعد المنطق المشترك. إنها تتجاوز بمراحل كثيرة لحظة صموئيل هنتنغتون ومحمد خاتمي على السواء. وضع الأول أطروحة الصدام على هيئة تنبؤ نُزعت عنه السياسة وأُلبس لباسا حضاريا، بينما جاء الثاني حالما بأن تجتمع الحضارات في قاعة واحدة تستمع فيها كل حضارة إلى الأخرى في سبيل أن تفهمها.
لقد تحوّل الغرب، الذي ادّعى لنفسه موقع الناطق الرسمي باسم الكونية، إلى كيان مزدوج: يدعو إلى الحوار من جهة، ويفرض الحصار والتفوق القيمي من جهة أخرى. في هذا السياق، لا يمكن أن يكون حوار الحضارات مجرد مشروع أخلاقي، ولكن لا بد أن يكون تفكيكا جذريا لبنية القوة، ولخطابات الهيمنة وللدعوة إلى نفي الآخر وإبادته، ولكل البنى الثقافية والفكرية التي تقوم عليها مختلف الحضارات.
فالصراع مع الحضارة الصينية ليس اقتصاديا محضا، بل هو أيضا صراع على أنماط التنظيم الاجتماعي، وعلى تعريف «القوة» و«النجاح» خارج النموذج الليبرالي. والصدام مع الحضارة الأوراسية بقيادة روسيا يتخذ بعدا إمبراطوريا ثقافيا يعيد رسم خرائط النفوذ والميراث المسيحي ـ السلافي في مواجهة الهيمنة الغربية. أما الصدام مع الحضارة الفارسية، فهو أكثر تعقيدا: حضارة قدمت للعالم خطابا باسم «حوار الحضارات» في 1998 على لسان محمد خاتمي، لكنها تُعامل اليوم ككيان يُراد تطويقه ومحو رمزيته.
إن ما يُحتفى به اليوم في الغرب بوصفه «حوار حضارات»، لا يعدو كونه طقوسا شكلية تُقام على ركام النسيان، بينما تُدار السياسات الحقيقية بمنطق الهيمنة والعزل، دون إنصات لصوت الهامش، ودون تفكيك للخطاب الاستعماري ودون إعادة الاعتبار للذاكرة بوصفها حقا أصيلا في السرد، فالحضارة التي لا يُعترف بجراحها، لا يمكنها أن تتحاور؛ لأنها ستبقى في حالة ألم وصراخ.
يحتاج العالم في هذه اللحظة الخطرة أن يتحدث بكثير من الوضوح؛ فالصراع ليس قادما، إنه، هنا، في كل لغة إعلامية تشرعن القتل، وفي كل قراءة مشوّهة للآخر وفي كل تصريح سياسي أو رأي فكري يجيز أو يدعو لإبادة الآخر. وإذا لم يبنَ خطاب جديد يقوم على الاعتراف بالمظلومية وبالكرامة فلن يستطيع العالم في أي وقت من الأوقات الذهاب إلى «حوار الحضارات»، وسيكون السؤال في ذلك الوقت هل ما زالت هناك قيم حضارية باقية.
إننا في أمس الحاجة اليوم إلى نقد جذري جديد يعيد تعريف ما نعنيه بكلمة حضارة، ويمنح كل حضارة الحق في أن تكون فاعلة لا موضوعا يُدرَس أو يُراقَب.
هذا هو التحدي، وهذه هي الضرورة الأخلاقية والسياسية التي تفرض نفسها علينا في هذه اللحظة. وإذا لم يُنجز هذا التغيير، فإن الحضارات لا تنتظر طويلًا قبل أن تُستدعى إلى حروبها الكبرى، ومنطقتنا ليست بعيدة عن قلب هذا الصدام، بل هي مختبره الأول، ما يجعل تبني خطاب حضاري نقدي ضرورة وطنية قبل أن تكون مسؤولية إنسانية.