كيف بنى الاتحاد السوفياتي أقوى قنبلة نووية في التاريخ؟
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
كان صباحا باردا جدا، لا يمكنك أن تتحمله إلا بملابس خاصة. نحن الآن في 30 أكتوبر/تشرين الأول عام 1961، وهذا الطقس معتاد في منطقة نائية تماما هي إحدى جزر أرخبيل نوفايا زيمليا (الأرض الجديدة) الواقع في المحيط المتجمد الشمالي، في شمال روسيا الحالية.
للحظة كان كل شيء هادئا، لكن في جزء من الثانية برزت كرة من النور كان عرضها عدة كيلومترات، شاهدها الناس على مسافة ألف كيلومتر تقريبا وشعروا بأثرها بعد الحدث بثوانٍ قليلة حينما ارتعشت أجسادهم واهتزت جدران منازلهم وتساقطت قطع من زجاج بعض النوافذ.
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، فخلال ثوانٍ قليلة تحولت كرة النور هذه إلى سحابة عرضها أربعون كيلومترا، وسبرت عنان السماء للأعلى على مسافة أكثر من 60 كيلومترا.
لو رأيتها فلا شك أنه سيُخيَّل إليك أنها نهاية العالم، وأن القيامة قد حانت، لكنه ليس إلا اختبارا عمليا أجراه السوفيات لقنبلة القيصر أو إيفان الكبير، أقوى قنبلة في تاريخ العالم ولا تزال، ولفهم هول الحدث يكفيك فقط أن تعرف أن الموجة الصدمية لهذه القنبلة عبرت العالم ثلاث مرات ورُصدت في عدة محطات أرضية، أضف إلى ذلك أن القنبلة تسببت في موجة زلزالية عبرت خلال القشرة الأرضية ودارت حول الكرة الأرضية كلها ثلاث مرات.
إعلان تاريخ قصير لـ"جبروت" السوفياتكانت تلك القنبلة هي أكبر دليل ملموس على أن الجحيم لا قاع له، إذا توصلت إلى ابتكار قنبلة نووية صغيرة فسأبتكر واحدة كبيرة، واذا ابتكرت ما هو أكبر من قنبلتي فسأبتكر ما هو أكبر وأكبر، لا نتحدث هنا بالمناسبة عن عبث أطفال صغار، بل سياسات دول! لكن قبل الخوض في تلك المأساة التي لا تتوقف من تلقاء نفسها، مثلها مثل تفاعل الانشطار النووي، دعنا نرجع بالزمن إلى صباح آخر، نحن الآن في 29 أغسطس/آب عام 1949، قبل تفجير القيصر بنحو اثنتي عشرة سنة.
في تلك الأثناء، كان أحد القطارات في منتصف الطريق بين مدينة أرزاماس غربي روسيا ومدينة سيميبالاتينسك في شرقي كزاخستان، عدة ساعات تبقت على وصول القطار الذي ثبتت عليه أعين رجال القيادة السياسية والعسكرية بالكامل في موسكو، وخاصة إيغور كورتشاتوف، المدير العلمي لبرنامج القنبلة النووية السوفياتي.
وكما هو واضح، لم يُخصَّص هذا القطار لحمل ركاب مهمين أو بضائع، بل حمل أول قنبلة نووية سوفياتية، التي سُمِّيت "آر دي إس-1″، أو كما سمَّاها الغربيون "جو الأول"، من المعامل البحثية إلى منطقة التجارب.
مثل الأميركيين، بنى السوفيات برجا معدنيا عُلِّقت القنبلة أعلاه، وبالإضافة إلى الأدوات التي تقيس قوة القنبلة وشدة الإشعاع، قاموا ببناء منازل خشبية وطوبية وجسور وأنفاق وأبراج مياه بالقرب من البرج، بل ووضعوا حيوانات في أقفاص موزعة على مناطق متفرقة قربا وبُعدا عن البرج، حتى يتمكنوا من دراسة آثار الإشعاع النووي بعمق. مع نجاح التفجير صرخ كورشاتوف على مسافة عدة كيلومترات في غرفة محصنة: "إنه يعمل! إنه يعمل!".
لا نعرف الكثير عن المشروع السوفياتي لبناء القنبلة النووية، لكننا نعرف أن المجتمع العلمي السوفياتي ناقش إمكانية صنع قنبلة ذرية طوال ثلاثينيات القرن الفائت، وقدم أول اقتراح ملموس لتطوير هذا السلاح عام 1940، أضف إلى ذلك أن الفيزيائي الروسي جورجي فلاوروف اشتبه في أن قوات الحلفاء كانت تُطوِّر سرا "سلاحا خارقا" عام 1939. كتب فلايوروف رسالة إلى جوزيف ستالين يحثه فيها على بدء هذا البرنامج خلال ثلاثة أعوام.
إعلانلكن السوفيات تباطؤوا في البداية، وبعد أن علم ستالين بسقوط القنبلتين الأميركيتين على هيروشيما وناغازاكي أمر بتسريع البرنامج علميا واستخباراتيا، حيث اهتم السوفيات بمراقبة مشروع الأسلحة النووية الألماني ومشروع مانهاتن الأميركي عن كثب.
في تلك النقطة يظهر كلاوس فوكس، عالِم الذرة الألماني الأصل الذي قدَّم للسوفيات معلومات مهمة حول تصميم القنبلة والمواصفات الفنية، وخلصت لجنة الكونغرس المعنية بالطاقة الذرية إلى أن فوكس قد أثَّر على سلامة الناس وألحق أضرارا "أكبر من أي جاسوس آخر"، ليس فقط في تاريخ الولايات المتحدة ولكن في تاريخ العالم.
ولعلها مبالغة منهم، لأنه خلافا للاعتقاد السائد، لم يكن هناك "سر كبير" وراء القنبلة الذرية، حيث اكتُشف تفاعل الانشطار النووي عام 1938، وأُعلن على مستوى العالم أن الطاقة الناتجة عن هذه العملية يمكن استخدامها لإنتاج سلاح ذي قوة غير عادية.
ولذلك، عرف فيزيائيون مثل روبرت أوبنهايمر وغيره من العلماء في مشروع مانهاتن أن الأمر مسألة وقت لا أكثر، قبل أن تتمكَّن دول العالم الأخرى من تطوير أسلحتها الذرية الخاصة عبر التجريب والخطأ، وإذا وضعت ميزانية مناسبة للمشروع، لأن المشكلة ليست في التفاعل نفسه، وإنما مواصفات القنبلة وتركيبها وطريقة عملها الداخلية.
وبالطبع كما تعرف، فلن تجد أكثر من السوفيات (والأميركيين بالطبع) مَن يمكن أن يخصص ميزانيات ضخمة لأجل أسلحة لا نعرف كيف يمكن أن تغير حياتنا.
في الواقع، تمكن السوفيات من إجراء أول تفاعل انشطاري متسلسل داخل هيكل من الجرافيت عام 1946، وبعد مواجهة بعض الصعوبات في إنتاج البلوتونيوم وفصل نظائر اليورانيوم على مدار العامين التاليين، تمكَّن العلماء السوفيات من تشغيل مفاعلهم الإنتاجي الأول.
يُعيدنا ذلك إلى جو الأول، القنبلة التي تعادل في قوتها قنبلة ترينتي التي اختُبرت في ولاية نيوميكسيكو الأميركية في 16 يوليو/تموز 1945 بقوة 20 كيلو طن، حيث تفاجأ جنرالات الحرب الغربيون بنجاح الاختبار، فقد قدَّرت المخابرات الأميركية أن السوفيات لن يُنتجوا سلاحا ذريا حتى عام 1953، بينما توقع البريطانيون أن ذلك سيحدث عام 1954، لهذا السبب تحديدا جاءت قضية كلاوس فوكس لتصبح في ليلة وضحاها أهم عملية تجسس على الإطلاق بالنسبة للبعض، رغم أن ما قدمه الرجل يحتمل فقط أنه سرّع من البرنامج النووي السوفياتي الماضي بالفعل في طريقه مدة تبدأ من ستة أشهر إلى عامين بحد أقصى.
إعلان وما العالم إلا سحابة عيش غراب كبرىفي تلك اللحظة لم يعد العالم كما كان، فمع نمو الحرب الباردة بدأ كلٌّ من الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة في "تكبير" قنابلهم. نحن الآن على أبواب تقنية جديدة، في يناير/كانون الثاني 1950، اتخذ الرئيس الأميركي هاري ترومان قرارا بمواصلة وتكثيف البحث وإنتاج الأسلحة النووية، وكان الهدف تحويل القنابل الذرية -ببساطة- إلى سلاح ضعيف أمام سلاح جديد هائل لم يره العالم من قبل: القنبلة الهيدروجينية.
يعمل كلٌّ من الاندماج النووي (الذي يصنع القنبلة الهيدروجينية) والانشطار النووي (الذي يصنع القنبلة الذرية) بمبدأ واحد، هو تحويل قدر يسير جدا من المادة إلى قدر هائل جدا من الطاقة، حسب نظرية أينشتاين النسبية ومعادلته الأشهر على الإطلاق: الطاقة تساوي كتلة المادة في مربع سرعة الضوء (E = mc 2)، والمعيار الأخير من المعادلة هو رقم هائل لن تتمكن حتى من قراءته.
يُنتج السلاح النووي أيًّا كانت طبيعته ما يقرب من 85% من طاقته في صورة انفجار صدمي وطاقة حرارية، أما الـ15% المتبقية فتنطلق إشعاعا نوويا قاتلا، يمتد أثره على مدار سنوات بعد التفجير.
لكنْ هناك فارق كبير في آلية عمل هاتين الطريقتين، وهي أن الانشطار النووي كما يبدو من اسمه يعتمد بالأساس على شطر ذرة كبرى (عادة من نظائر اليورانيوم أو البلوتونيوم) إلى ذرات أصغر مع فقدان قدر من الكتلة لتتحول إلى طاقة، أما الاندماج النووي فهو يعتمد على دمج ذرتين أصغر (نظائر الهيدروجين عادة مثل الديوتيريوم) لتكوين ذرة أكبر، مع فقدان قدر من الكتلة تتحول إلى طاقة.
ورغم أن القنبلة الاندماجية تكون أقوى من الانشطارية بثلاثة إلى أربعة أضعاف، فإن هذا الدمج يحتاج إلى قدر كبير من الطاقة كي يحدث، لأن الذرات تتنافر بطبعها، ولمقاومة هذا التنافر نحن بحاجة إلى عشرات الملايين من الدرجات المئوية من الحرارة. في الواقع إنه التفاعل نفسه الذي يحدث في باطن الشمس، التي تبلغ من الضخامة بحيث لو كانت وعاء لحملت أكثر من مليون كرة صغيرة بحجم الأرض.
إعلانويبدو أن السوفيات امتلكوا الأفكار المبكرة للقنبلة الاندماجية قبل أو بالتزامن مع الأميركيين، حيث تصور مصممو القنابل الاندماجية الروس سنة 1948 أن إضافة غلاف من اليورانيوم الطبيعي غير المخصب حول الديوتيريوم سوف يؤدي إلى نجاح التفاعل، لأن اليورانيوم الطبيعي سوف ينشطر كمقدمة لبناء الحرارة اللازمة لبدء اندماج نووي، أُطلق على تلك القنبلة اسم "سلويكا" أو الكعكة ذات الطبقات، وكانت تُعرف أيضا باسم "آر دي إس 6" (RDS-6S)، التي كانت خطوة حاسمة بين القنابل الانشطارية والقنابل الهيدروجينية.
فُجِّرَ تصميم الكعكة في 12 أغسطس/آب 1953 في إحدى جزر أرخبيل نوفايا زيمليا، في هذا الوقت تقريبا فجَّرت الولايات المتحدة أول قنبلة هيدروجينية في 1 نوفمبر/تشرين الثاني 1952، فيما أُطلق عليه اسم "اختبار مايك"، كان كلٌّ من "آر دي إس 6" ومايك اختبارا بدائيا، تطلب الأمر المزيد من التحسين، لكن السوفيات والأميركيين في سباق تسلح مفتوح، لذلك كانت الموارد غزيرة إلى حدٍّ لا تتصوره.
وفي عام 1954، توصل السوفيات إلى فكرة القنبلة النووية الهيدروجينية ذات المرحلتين، فبدلا من استخدام الحرارة والضغط الناتجين عن عملية انشطار نووي في طبقة من اليورانيوم، استُخدمت قنبلة انشطارية كاملة تطلق موجة إشعاعية تشعل بدورها فتيل التفاعل الاندماجي في المرحلة الثانية بسبب الحرارة الهائلة التي تسببها، وهنا ظهرت "آر دي إس-37″، القنبلة التي اختبرت بنجاح في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1955 وأطلقت طاقة مقدارها أكثر من 4 أضعاف سابقتها (1.6 ميغا طن)، وأكبر بما يقرب من مئة ضعف مقارنة بالقنبلة الذرية السوفياتية الأولى قبل ست سنوات، هنا بات واضحا أن الاتحاد السوفياتي يمكن أن ينافس الولايات المتحدة، بل ويتجاوزها.
يكفيك هنا أن تتأمل التصاعد لتفهم كيف يعمل هذا السباق، الطاقة الناتجة من انفجاري هيروشيما وناغازاكي قُدِّرت بنحو 15-20 كيلو طن فقط (لاحظ أننا في الفقرة السابقة استخدمنا لفظة "ميغا طن" وليس "كيلو طن"). وفي العلوم النووية يُقدَّر حجم الطاقة الخارجة من القنبلة بالكمية المقابلة من مادة "ثلاثي نيترو التولوين" (TNT) (تي إن تي) التي ستولد الكمية نفسها من الطاقة عندما تنفجر.
إعلانومن ثم فإن السلاح النووي الذي يعطي كيلو طن واحدا هو السلاح الذي ينتج كمية الطاقة نفسها في انفجار كيلو طن (ألف طن) من مادة "تي إن تي".
وبالمثل، فإن السلاح الذي تبلغ قوته ميغا طن سيكون له طاقة تعادل تفجير مليون طن من مادة "تي إن تي" (ألف كيلو طن)، ولفهم الأثر الهائل للقنابل النووية يكفيك أن تعرف أن القنبلة اليدوية الشهيرة في الحروب، التي تظهر في كثير من الأفلام، تحتوي فقط على ما مقداره 50-60 غراما من ثلاثي نيترو التولوين.
في هذا الوقت كان الأميركيونبالفعل قد أجروا تجربة "كاسل برافو"، وهو اختبار لقنبلة هيدروجينية أُجري في حلقية بيكيني، وهي عبارة عن شعب حلقي في جزر المارشال في المحيط الهادي، فُجِّرت القنبلة في 28 فبراير/شباط 1954، وأنتجت هذه القنبلة انفجارا انشطاريا بقوة 15 ميغا طن، وهي أكبر قنبلة نووية فُجِّرت في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، تلتها بعد ذلك "كاسل يانكي" (Castle Yankee)، التي فُجِّرت في الخامس من مايو/أيار 1954 في الموضع نفسه، وأصدرت طاقة تعادل 13.5 ميغا طن.
ناحية الجحيملكن الروس بعد تلك المرحلة انطلقوا ناحية الجحيم بلا توقف، وهنا تحديدا تظهر قنبلة القيصر، بطول ثمانية أمتار وعرض مترين ونصف ووزن 27 طنا تقريبا، تتكون قنبلة القيصر من ثلاث مراحل، الأولى قنبلة انشطارية تتسبب في تحويل كمٍّ من "الفوم" الذي يحيط بالقنبلة الرئيسية كلها إلى بلازما (وهي حالة خاصة للمادة في درجات الحرارة العالية)، التي بدورها تُشعل فتيل الاندماج النووي في القنبلة الثانية، الذي بدوره يفعل انشطارا نوويا ثانيا داخله، ويتبادل الاندماج والانشطار التفاعل معا حتى تصل درجة الحرارة إلى 100 مليون درجة مئوية، كل ذلك في كسر صغير جدا من الثانية، ثم تنفجر القنبلة، بطاقة قدرت بـ58 ميغا طن، ولتفهم هذا الرقم فهو يساوي عشرة أضعاف كل القوة الحربية التي استُخدمت في الحرب العالمية الثانية!
إعلانالغريب في الأمر أن القنبلة كانت قد صُمِّمت لإنتاج 100 ميغا طن من الطاقة، لكن السوفيات خشوا من تأثيرها على بلادهم، وعلى كوكب الأرض كله في الحقيقة! فقد كان كل شيء في لحظات كتلك فوضويا، وكان كل احتمال ممكنا، لأنه ببساطة لا أحد جرّب هذا من قبل.
ولا يتوقف الأمر على تفجير القيصر فقط، بل في الفترة بين الخامس من أغسطس/آب إلى 27 سبتمبر/أيلول عام 1962، أجرى الاتحاد السوفياتي سلسلة من 3 تجارب للأسلحة النووية، في المنطقة نفسها التي انطلقت فيها "القيصر"، وسُمِّيت التجارب رقم 173 و174 و147، وأنتج كلٌّ من هذه الانفجارات الثلاثة قوة مقدارها 20 ميغا طن.
وفي 24 ديسمبر/كانون الأول 1962، أجرى الاتحاد السوفياتي ما سُمي "الاختبار رقم 219" في المنطقة نفسها، وكان ناتج هذه القنبلة أقل قليلا من نصف القيصر، أي نحو 24.2 ميغا طن. وتُعَدُّ هذه القنابل الخمس؛ القيصر ثم الاختبار رقم 219 ثم الاختبارات الثلاثة 173 و174 و147، أقوى انفجارات نووية في تاريخ البشرية.
الغرض الرئيسي من كل هذه التجارب لم يكن حربيا، بل سياسي، حيث هدف السوفيات إلى إثبات أن بلدهم كان قادرا على إنتاج مثل هذه الأجهزة، واستخدامها لو اضطر لذلك.
رغم الكثير من التعقيدات السياسية والنفسية، فإن الأمر في جوهره لم يكن أكثر من سباق بين فريقين لكن على مستوى لم تعهده من قبل أو تتصور أنه قد يكون موجودا بالأساس خارج نطاق كرة القدم أو المئة متر حرة مثلا، سباق بدأه أوبنهايمر ورفاقه قبل نحو ثلاثة أرباع قرن ولم يقف إلى الآن، ويمكن لك أن تلاحظ ذلك بوضوح في التلويح بالنووي خلال حرب الروس الحالية مع الناتو في أوكرانيا.
في عالمنا، هناك نحو 12-18 ألف قنبلة نووية، جاهزة للشحن، جاهزة للانطلاق في لحظات، بعضها قنابل هيدروجينية تجعل من قنبلتي هيروشيما وناغازاكي مجرد لعب أطفال، ورغم أنه احتمال ضعيف أن تقوم حرب نووية لأن كل طرف يعرف أنه لا يطلق النار على الأعداء فقط، بل على نفسه كون العدو سيرد قبل أن تصله الضربة، فإن الأمر في النهاية لا يتطلب إلا قرارا مهتزا من بعض الرجال الغاضبين، وما أكثرهم.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أبعاد الاتحاد السوفیاتی الولایات المتحدة قنبلة نوویة أن القنبلة من الطاقة فی تاریخ أکثر من کیلو طن فی تلک کان کل
إقرأ أيضاً:
أي دور لأوروبا في الملف النووي الإيراني؟
عقدت إيران والدول الأوروبية -ممثلة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا- جولة من المحادثات النووية الأسبوع الماضي، في القنصلية العامة الإيرانية بمدينة إسطنبول التركية.
وتعد هذه المفاوضات الأولى في موضوع الملف النووي الإيراني منذ أن شنت إسرائيل والولايات المتحدة هجومًا على إيران في يونيو/حزيران الماضي.
كما تأتي بعد تراجع الدور الأوروبي بفعل سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسعيه إلى التفاوض مع إيران بشكل مباشر بعيدا عن أعين الأوروبيين.
وفي هذا الإطار، تطرأ أسئلة عن أهمية محادثات إسطنبول، وهل هي محاولة أوروبية لاستعادة زمام المبادرة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؟
تتكتم الأطراف المشاركة في محادثات إسطنبول على نتائج جولة المباحثات التي جرت بين وفود من إيران والدول الأوروبية، والتي استمرت خلالها المناقشات المغلقة لأكثر من 3 ساعات، حسب وكالة أنباء الأناضول التركية، ومثل إيران فيها مجيد تخت روانجي وكاظم غريب آبادي نائبا وزير الخارجية.
وفي تقرير عن المفاوضات النووية بين أوروبا وإيران نشره موقع إذاعة دوت شيفيليه الألمانية، اعتبر محلل السياسات الأوروبية كيرستن نيب أن هناك تساؤلات قائمة تحدد الأجوبة عليها مدى أهمية أو جدوى أية عملية تفاوض تتعلق بالملف النووي الإيراني.
وتدور هذه التساؤلات حول الوضع التقني للبرنامج النووي الإيراني بعد الهجمات التي شنتها إسرائيل والولايات المتحدة على منشآت نووية إيرانية، وما إذا كانت إيران قادرة على مواصلة برنامجها أصلاً.
ويستخلص نيب أن المعلومات المحدودة المتاحة لا تدعم مزاعم الرئيس ترامب بأن البرنامج النووي الإيراني قد "دُمّر بالكامل".
وينقل تقرير دوت شيفيليه عن الخبير في شؤون إيران بالمعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية حميد رضا عزيزي أنه من المرجح أن تتمكن إيران من استئناف برنامج التخصيب إلى حد ما على المدى القصير والمتوسط.
إعلانويقدّر عزيزي أن إيران لا تزال تمتلك الكثير من اليورانيوم عالي التخصيب الذي خزّنته خلال السنوات القليلة الماضية، وأن الهجمات لم تشل قدرتها على تخصيب اليورانيوم.
ورغم أنه يؤكد أنه حتى الآن لم تظهر أي مؤشرات على أن إيران اتخذت خطوات فعّالة لاستئناف برنامجها، لكنه يرى أن مثل هذه الخطوة فقط مسألة قرار سياسي، بالإضافة إلى اعتبارات عسكرية وأمنية، أكثر منها مسألة قدرات تقنية.
غير أن مايكل برزوسكا عالم السياسة في معهد أبحاث السلام والسياسات الأمنية بجامعة هامبورغ يعتبر أنه من المرجح أن يكون قد أصبح من الصعب تقنيًا على إيران مواصلة تخصيب اليورانيوم إلى مستوى يكفي لصنع أسلحة نووية.
ويرجح برزوسكا -كما نقل عنه موقع دوت شيفيليه- أن أجهزة الطرد المركزي اللازمة للتخصيب ربما تضررت لدرجة لم تعد معها صالحة للاستخدام، لكنه استدرك قائلا "لا يمكن استبعاد وجود أجهزة طرد مركزي مخفية في مواقع أخرى، إلا أنه لا توجد معلومات حاليًا عن ذلك".
مهلة أخيرة لإيرانوقبيل محادثات إسطنبول، ذكر موقع إكسيوس في تقرير له أن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أجرى اتصالا مع نظرائه في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا منتصف يوليو/تموز، واتفقوا على تحديد موعد نهائي لإيران للتوصل إلى اتفاق نووي.
وحسب الموقع الأميركي، فإن هذا الموعد ينتهي مع نهاية أغسطس/آب المقبل. وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول ذلك الموعد، يخطط الشركاء الأوروبيون لإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة السابقة على طهران تلقائيًا.
ويعتقد المحلل برزوسكا أنه من المحتمل جدا أن تعيد القيادة الإيرانية النظر في إستراتيجيتها الحالية التي أثارت مخاوف الدول الأخرى.
لكن عزيزي يؤكد أن إيران ترسل حاليًا "إشارات متضاربة" موضحًا أن المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم الرئيس ووزير الخارجية، ما زالوا يصرون على أن بلادهم لا تزال منفتحة على الحوار الدبلوماسي.
وفي الوقت نفسه، لا يرى عزيزي أي مؤشر على استعداد إيران لتليين مواقفها بشأن قضايا خلافية أخرى، مثل تخصيب اليورانيوم محليًا أو دعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية في المنطقة.
وخلص الخبير في شؤون إيران بالمعهد الألماني إلى أن القيادة الإيرانية على ما يبدو تحاول كسب الوقت، وتجنب تصعيد جديد حتى تُحدد كيفية معالجة مختلف المشاكل المطروحة.
كانت الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) أول من بدأ مفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي، وذلك عام 2003، كما كانت طرفا فاعلا في اتفاق 2015.
وحافظت الدول الأوروبية بشأن الملف النووي الإيراني على نوع من التمايز عن الموقف الأميركي الذي ظل مدفوعا بهواجس إسرائيل، فكان أكثر عدوانية تجاه إيران.
فبينما اعتبرت الترويكا الأوروبية الاتفاق السابق نجاحا كبيرا وخطوة حاسمة نحو منع الانتشار النووي مع الحفاظ على العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إيران، ما لبثت الولايات المتحدة أن انسحبت من الاتفاق مما أعاد الملف لنقطة الصفر، إذ باشرت إيران تسريع وتيرة تخصيب اليورانيوم، وحدت من وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى محطات التخصيب، معللة ذلك بعدم وفاء الطرف الآخر بالتزاماته.
إعلانوقد بذلت الدول الأوروبية جهودا لإعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق خصوصا في عهد الرئيس السابق جو بايدن، إلا أن تلك المحاولات فشلت في نهاية المطاف.
تدهورت العلاقات الثنائية بين إيران والدول الأوروبية تدريجيًا مع الاتهامات المتبادلة بخرق الاتفاق، حيث تتهم إيران الجانب الأوروبي بالاستمرار في فرض عقوبات غير مبررة، بينما يرى الأوروبيون أن تسريع إيران لوتيرة التخصيب يشكل خرقا للاتفاق السابق.
وتصاعدت التوترات بين الطرفين عقب نشوب حرب روسيا وأوكرانيا حيث اتهم الأوروبيون إيران بتقديم مساعدات عسكرية لروسيا.
وحسب دراسة للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب نشرت في 9 يونيو/حزيران الماضي، فقد ضغطت دول الترويكا الأوروبية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 على وكالة الطاقة الذرية من أجل إعداد تقرير شامل عن الأنشطة النووية الإيرانية ليتسنى للدول الأوروبية إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيعها الاتفاق النووي عام 2015.
وبالفعل أصدر رئيس الوكالة رافائيل غروسي بيانا أعلن فيه أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء تصل إلى (60%) وهو ما يقترب من مستوى (90%) اللازم لإنتاج سلاح، بل قال في تصريحات لاحقة لصحيفة لوموند إن إيران "ليست بعيدة" عن امتلاك القنبلة الذرية.
وتضيف الدراسة أنه تزامنا مع ذلك أصدرت أجهزة الاستخبارات في كل من فرنسا وبريطانيا تقارير مع نهاية العام المنصرم تضمنت تحذيرات قوية من البرنامج النووي الإيراني، واعتباره بات مصدر تهديد للجميع وأن تهديده سيكون أشد خلال أشهر فقط.
وفي يناير/كانون الثاني 2025، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن تسريع البرنامج النووي الإيراني "يقربنا كثيرا من نقطة الانهيار" مضيفا أن شركاء الاتحاد الأوروبي بالاتفاق النووي يجب أن يفكروا في إعادة فرض العقوبات إذا لم يكن هناك تقدم من جانب طهران في معالجة المخاوف.
View this post on InstagramA post shared by قناة الجزيرة مباشر (@aljazeeramubasher)
استبعاد الأوروبيينلكن أوروبا وجدت نفسها فجأة خارج اللعبة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، إذ أعلن ترامب في أبريل/نيسان الماضي عن بدء مفاوضات ثنائية مع إيران بشأن التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي لمنعها من امتلاك سلاح نووي يهدد أميركا وحلفاءها في الشرق الأوسط وخصوصا إسرائيل.
وحتى وهو يختار مدينة أوروبية لاحتضان المفاوضات، اختار الرئيس الأميركي العاصمة الإيطالية التي تحكمها امرأة يمينية ذات علاقة وثيقة بترامب.
وحسب تقرير لموقع إينرجي نيوز بعنوان "الأوروبيون مستبعدون من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة" فإن الدول الأوروبية التي كانت محورية في اتفاق 2015 وجدت نفسها على الهامش مع انطلاق المفاوضات بين واشنطن وطهران وهو ما يمثل تحولا كبيرا على الصعيد الدبلوماسي.
وحسب الموقع فقد اتخذت المناقشات بشأن البرنامج النووي الإيراني اتجاها جديدا في 12 أبريل/نيسان الماضي، عندما بدأت إيران والولايات المتحدة اللتان لا تربطهما علاقات دبلوماسية منذ عام 1980 مفاوضات بوساطة سلطنة عمان.
ويضيف التقرير أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 في عهد إدارة ترامب، فقدت الدول الأوروبية نفوذها بشكل مطرد، حيث تحولت فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا من لاعبين رئيسيين في المفاوضات الأولية إلى مجرد مراقبين دون أي دور مباشر في المفاوضات، بينما اختارت إيران والولايات المتحدة، وبوساطة عمانية، التفاوض في إطار ثنائي، تاركين الأوروبيين جانباً.
وفي تقرير بعنوان "الاتفاق النووي الإيراني: لماذا يغيب الأوروبيون عن المفاوضات"؟ نقلت مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية ماي لو درو عن دبلوماسيين أوروبيين قولهم إن الولايات المتحدة لم تُطلع الدول الأوروبية على المحادثات النووية في عُمان قبل أن يعلنها الرئيس ترامب يوم 2 أبريل/نيسان 2025، رغم أنهم يمتلكون ورقة رابحة في احتمال إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران.
إعلانوشكل إقصاء أوروبا من المفاوضات مع إيران تحديا آخر يشكل استمرارا لتحديات كبيرة واجهتها أوروبا مع رئاسة ترامب الثانية، سواء فيما يخص التحديات العسكرية والأمنية المتعلقة بحلف الناتو وأوكرانيا، أو التحديات الاقتصادية التي تفرضها رسوم ترامب الجمركية المرتفعة على الدول الأوروبية.
يرى مراقبون أن تهميش الأوروبيين في الملف النووي الإيراني يعود لأسباب مختلفة يرجع بعضها لسياسة واشنطن التهميشية، في حين يعود البعض الآخر إلى العجز الذاتي لدى الأوروبيين عن فرض حضورهم.
ويمكننا -حسب التقارير والدراسات التي بين أيدينا- أن نعدد بعض أسباب هذا التهميش:
إستراتيجية الرئيس الأميركي القائمة على الحسم المباشر، إذ لا يرى أهمية كبيرة لإشراك أطراف متعددة في التفاوض، بل يفضل الحوارات الثنائية التي تتيح له فرض أجندته وشروطه. فقدان ثقة الإيرانيين بالأوروبيين، فبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات الثقيلة، طلب الإيرانيون من الأوروبيين مساعدتهم عبر الحفاظ على التبادل التجاري، لكن الشركات الأوروبية فرت من السوق الإيرانية، وهو ما ساهم بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وقوّض مصداقية الأوروبيين لدى إيران. التصدعات داخل الاتحاد الأوروبي، فقد أدى غياب موقف موحد لدول الاتحاد الأوروبي بشأن إيران، واختلاف أولويات الدول الأعضاء، إلى إضعاف فعالية الأوروبيين كطرف تفاوضي. العداء والازدراء الذي يعامل به ترامب الأوروبيين.تعتبر الباحثة الكندية في المعهد البريطاني للخدمات المتحدة داريا دولزيكوفا -في دراسة نشرتها بعنوان "المحادثات النووية الإيرانية: الآفاق ودور أوروبا"- أن مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا) يمكنها أن تلعب دورا مهما في مصير الملف النووي، فهي من يتحكم الآن في فرض أي عقوبات دولية على إيران أو عدم ذلك.
ويتضمن اتفاق 2015 آلية تُعرف باسم "العودة السريعة" والتي تُخول كل طرف من الأطراف الموقعة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، ألمانيا، الاتحاد الأوروبي) صلاحية اتخاذ قرار يُؤدي تلقائيًا إلى إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة على إيران بعد 30 يومًا.
وبعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق عام 2018، في عهد إدارة ترامب الأولى، لم يعد بإمكانها تفعيل هذه الآلية، وهذا ما يفسر ربما لجوء الولايات المتحدة للدول الأوروبية والاتصال الذي أجراه وزير خارجيتها منتصف يوليو/تموز مع نظرائه الأوروبيين الثلاثة لتفعيل آلية العودة للعقوبات الشاملة بحلول نهاية أغسطس/آب إذا لم تستجب إيران للمطالب الغربية.
لكن دولزيكوفا ترى أن التحدي اليوم يكمن في تحديد الوضع الذي ينبغي أن يكون عليه البرنامج النووي الإيراني، مضيفة أنه لا يمكن أخذ أي اقتراح بتفكيك كامل ودائم للبرنامج على محمل الجد، إذ طالما رفضت إيران التخلي عن قدراتها في التخصيب، ومن غير المرجح أن تغير مسارها الآن.
???? وزير الخارجية الإيراني : أي استغلال لآلية "سناب باك" ستكون له عواقب وخيمة
حذر وزير الخارجية الإيراني السيد عباس عراقجي من أن تفعيل آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات سيؤدي إلى عواقب وخيمة، منها إنهاء دور أوروبا في الاتفاق النووي وتصعيد خطير في التوترات. pic.twitter.com/sTXdIeI401
— إيران بالعربية (@iraninarabic_ir) May 12, 2025
ويعتبر برزوسكا أن المحادثات الأوروبية الإيرانية التي استؤنفت باجتماع إسطنبول الجمعة الماضية بالغة الأهمية، فرغم أن العقوبات التي تفرضها أميركا نهاية المطاف أكثر أهمية من منظور إيراني، لكن تفعيل آلية "سناب باك" سيلزم كل دول العالم بفرض عقوبات اقتصادية على إيران.
ولذلك، يخلص عالم السياسة في معهد أبحاث السلام والسياسات الأمنية إلى أنه من المرجح أن تعمل إيران على ضمان عدم إعادة الأوروبيين تطبيق هذه الآلية.
أما الخبير بالشؤون الإيرانية عزيزي فيتوقع أن يتفق الأوروبيون والإيرانيون على تمديد الموعد النهائي لتفعيل آلية "سناب باك" مما يتيح مزيدا من الوقت والتوصل إلى حل دبلوماسي محتمل.