القدس المحتلة- أثار اعتقال عنصر في جهاز الأمن العام "الشاباك" برتبة مقدم موجة جدل في الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية، إذ اعتقل على خلفية الاشتباه بقيامه بتسريب معلومات سرية لصحفيين ولوزير شؤون الشتات عميحاي شيكلي من حزب الليكود.

بدأت القضية عقب تقرير بثه الصحفي عَميت سيغال في القناة 12 الإسرائيلية، سلط الضوء على وثيقة سرية موقعة من رئيس الشاباك رونين بار، تشير إلى تحقيق داخلي حول "تغلغل جهات كهانية متطرفة" (الجماعات الدينية) في جهاز الشرطة الإسرائيلي.

وكشفت التحقيقات، التي أعقبت نشر التقرير، عن تسريب للوثيقة من داخل "الشاباك"، مما دفع الجهاز إلى فتح تحقيق داخلي في ملابسات الحادثة، وتبين لاحقا أن المسؤول المعتقل، ويشار إليه بالحرف "أ"، عمل ضمن الجهاز لأكثر من 23 عاما قبل انتقاله إلى الاحتياط، واعترف أثناء الاستجواب بتسريب المعلومات بدافع "أيديولوجي يميني"، وفقا لما ذكرته وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة.

وتتعلق الوثيقة التي تم تسريبها، بحسب الموقع الإلكتروني "واي نت"، بتحقيقات الشاباك في خلفيات أمنية، بشأن اختراق منظمات يمينية متطرفة قريبة من فكر الحاخام المتطرف مائير كاهانا، لأجهزة إنفاذ القانون، وتحديدا الشرطة.

إعلان حالة انقسام

تحمل القضية أبعادا تتجاوز مجرد تسريب معلومات، إذ تكشف -بحسب محللين- عن تصدعات داخل بنية المؤسسة الأمنية في إسرائيل، فالتسريب -خصوصا إذا كان بدوافع أيديولوجية- يعكس تصاعد حالة من الانقسام بين مستويات القيادة الأمنية والحكومة، ويشير إلى ما يمكن اعتباره "تسييسا" للأجهزة الأمنية، في ظل تنامي نفوذ التيارات اليمينية المتطرفة.

ويرى محللون أن ما يحدث داخل الشاباك قد يكون جزءا من موجة أوسع من التوترات بين مؤسسات الدولة، خاصة على ضوء الصراع المستمر بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأجهزة إنفاذ القانون والمحكمة العليا، على خلفية مضي الحكومة فيما سمتها "خطة الإصلاحات بالجهاز القضائي".

وأجمعت تقديرات المحللين على أن الأزمة التي تعصف بجهاز "الشاباك"، وإصرار الحكومة على إقصاء رئيس الجهاز رونين بار من منصبه، تعكس أزمة الثقة المتفاقمة داخل المنظومة الأمنية الإسرائيلية، في وقت تواجه فيه إسرائيل تحديات داخلية وخارجية متزايدة، لا سيما في ظل الحرب المستمرة على غزة وتزايد الانتقادات الدولية لانتهاكاتها هناك.

أجهزة مفككة

وفي مقال تحليلي نشر تحت عنوان "تفكيك البلاد لإنقاذ نتنياهو" في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تناول الصحفي الإسرائيلي آفي يسخاروف، التحقيقات الجارية بشأن عنصر"الشاباك" المتهم بتسريب وثائق سرية.

ولفت إلى أن ما يحدث ليس مجرد حادثة معزولة، بل مؤشر على مسار سياسي ممنهج يقوده نتنياهو، لإضعاف جهاز الشاباك، الذي طالما اعتبر أحد أعمدة الأمن القومي الإسرائيلي.

ووفقا له، فإن نتنياهو يتبع نهجا تدريجيا لتحويل مؤسسات الدولة المركزية، من "الشاباك" إلى الشرطة وحتى الجيش، إلى أجسام مثيرة للجدل السياسي، تخضع للانقسام ولا تحظى بالإجماع الوطني كما في السابق.

وأشار إلى أن هذه السياسة تتماشى مع محاولة نتنياهو المستمرة لحماية موقعه السياسي والشخصي، حتى لو كان الثمن هو زعزعة ثقة الجمهور بالمؤسسات الأمنية.

إعلان

ويختم يسخاروف تحليله بالتحذير من أن ما يحدث حاليا من تصدعات داخل الأجهزة الأمنية قد لا يكون إلا مقدمة لتفكيك أوسع في مؤسسات الدولة الإسرائيلية، مما يشكل خطرا ليس فقط على منظومتها الأمنية، بل على بنيتها الديمقراطية ككل.

"نية مبيتة"

وفي مقال بعنوان "إلى الجحيم مع الأمن: بالنسبة لنتنياهو، المعركة المهمة هي رونين بار"، تناول يوآف ليمور، محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يسرائيل هيوم"، قضية تسريب الوثائق الأمنية من الشاباك بقراءة أكثر عمقا من الزاوية العسكرية والأمنية، قائلا إن "ما جرى لا يعد مجرد تسريب عابر، بل جزء من حملة أوسع نطاقا تستهدف رأس الجهاز الأمني، وبار تحديدا".

وبحسب ليمور، فإن العنصر المشتبه به في الشاباك قام بنقل وثائق حساسة من حواسيب الجهاز إلى وزير في الحكومة وصحفيين، في خطوة تعتبر خرقا صارخا للقانون الذي يعاقب بالسجن حتى 5 سنوات على من يفشي معلومات سرية دون إذن رسمي.

ومع أن دور الصحافة هو نشر معلومات تخدم المصلحة العامة، فإن طريقة تسريب هذه الوثائق تدل على نية مبيتة للتأثير على توازن القوى داخل إسرائيل، حسب قوله.

وأشار ليمور إلى أن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها خلال الحرب، فقد سبق أن تم تسريب وثائق سرية من الجيش الإسرائيلي، وصلت إحداها إلى صحيفة بيلد الألمانية، وفي كلتا الحالتين، بدا أن المستفيد الأكبر من هذه التسريبات هو الحكومة ورئيسها، حيث استخدمت المعلومات كجزء من حرب إعلامية تعزز السردية الرسمية على حساب الأمن القومي.

اتهامات

وتحت عنوان "عندما تقوم الحكومة بنشر عملاء في الشاباك، فهذا دليل على بداية التفكك الداخلي في الجهاز"، تناول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، قضية تسريب الوثائق من جهاز الشاباك إلى المستوى السياسي، مسلطا الضوء على دلالات هذه الحادثة وانعكاساتها على المؤسسة الأمنية وعلى المشهد السياسي الإسرائيلي.

إعلان

ويرى هرئيل أن تسريب الوثائق لا يمكن فصله عن الصراع المتصاعد بين نتنياهو وأجهزة إنفاذ القانون، ورغم أن القضية لا ترتبط به مباشرة، فإن الوقائع تشير إلى أن لرئيس الوزراء مصلحة شخصية واضحة في تسريع إقالة رئيس الشاباك، خاصة في ظل التحقيقات، التي يشتبه بتورط اثنين من موظفي مكتب نتنياهو فيها.

ومنذ الكشف عن تسريب الوثائق، بدأت اتهامات توجه ضد بار باضطهاد اليمينيين سياسيا، ضمن محاولة لإضعاف موقعه وضرب شرعيته، ويشير هرئيل إلى أن هذه الاتهامات لا تأتي من فراغ، بل تصب في إطار حملة منسقة يقودها نتنياهو واليمين المتطرف تستهدف مؤسسات الدولة، وتسعى إلى تقويض استقلالها وتوسيع الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي.

ويخلص هرئيل إلى أن قيام الحكومة بنشر عملاء داخل جهاز الشاباك وتسريب وثائق منه، يمثل مؤشرا خطيرا على ما وصفه بـ"بداية التفكك الداخلي في أحد أهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية"، الأمر الذي يهدد بتقويض الثقة في مؤسسات الدولة، ويعكس مدى التوتر بين القيادة السياسية والمؤسسة الأمنية في إسرائيل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات مؤسسات الدولة تسریب الوثائق إلى أن

إقرأ أيضاً:

وقفة غاضبة أمام مقر الحكومة البريطانية تندد بتواطؤ لندن مع العدوان الإسرائيلي

نظم المنتدى الفلسطيني في بريطانيا وشركاؤه في “تحالف التضامن مع فلسطين” ظهر اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025، وقفة احتجاجية طارئة أمام مقر الحكومة البريطانية في “10 داوننغ ستريت”، تزامنًا مع اجتماع مجلس الوزراء البريطاني لمناقشة التطورات المتسارعة في غزة، على وقع العدوان الإسرائيلي المستمر.

ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بوقف فوري لتجويع سكان غزة، ووقف الدعم العسكري والمالي البريطاني لإسرائيل، وسط حضور لافت للناشطين والناشطات من مختلف الجنسيات والخلفيات، عربًا وبريطانيين، مسلمين ويهودًا، اتحدوا جميعًا خلف مطلب واحد: "كفى حربًا على غزة!"

وتميزت الوقفة بأجواء صاخبة استخدم فيها المتظاهرون الطناجر والأواني المنزلية لقرعها بعنف، في محاولة رمزية لإيصال “صوت الجوع القادم من غزة” إلى الحكومة البريطانية. وقد بدت الجموع وكأنها تنقل مشهد العائلات المحاصَرة في القطاع إلى قلب لندن، أمام مقر القرار السياسي

جاءت الفعالية بالتزامن مع انعقاد اجتماع مجلس الوزراء البريطاني، الذي كان من المفترض أن يتناول التصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، حيث يتعرض أكثر من مليوني فلسطيني للحصار والتجويع، وسط قصف متواصل منذ أسابيع.

وقال عدنان حميدان، القائم بأعمال رئيس المنتدى الفلسطيني، في تصريح خاص لـ"عربي21": "نقرع الطناجر لأن غزة جائعة، ولأن الحكومة البريطانية تساهم في تجويعها. صفقات الأسلحة التي تبرمها مع إسرائيل، والصمت السياسي أمام المجازر، تجعل من لندن شريكة في الجريمة".

وشدد بيراوي على أن الوقفة ليست سوى بداية لسلسلة فعاليات شعبية ومؤسساتية تستهدف الضغط على الحكومة البريطانية لاتخاذ موقف واضح ضد الحصار والعدوان.

"توقفوا عن تسليح القتلة!"

رفع المتظاهرون لافتات كتب عليها: "أوقفوا تسليح إسرائيل"، "تجويع غزة جريمة حرب"، "حكومة كير ستارمر: إلى متى الصمت؟".

وشاركت في الفعالية شخصيات من خلفيات متنوعة، من بينها الناشطة اليهودية البريطانية راشيل غرين.

كما حضر الوقفة النائب السابق عن حزب العمال جون ماكدونيل، الذي طالب حكومة كير ستارمر بالتحرك الفوري لوقف تصدير الأسلحة لإسرائيل، قائلاً: “لا يمكن لحكومة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن تواصل تمويل نظام يستخدم طائراتها لقصف الأطفال وتجويع المدنيين.”

الرسالة وصلت.. وستتكرر

رغم أن مجلس الوزراء لم يصدر بيانًا رسميًا بعد بشأن الاجتماع، إلا أن الرسالة التي بعثها المتظاهرون من أمام الباب الأسود الشهير لـ”داوننغ ستريت” كانت واضحة: “لن نصمت، ولن نسمح بأن يُرتكب تجويع غزة باسمنا”.

وأكد منظمو الفعالية لـ”عربي21” أنهم سيتابعون الضغط الشعبي والسياسي، من خلال تنظيم مزيد من الاعتصامات واللقاءات البرلمانية، ومواصلة الحملة الرقمية التي أطلقوها تحت وسم
‏#StopArmingIsrael و*#GazaIsStarving

وتأتي هذه الوقفة الغاضبة في وقت يشهد فيه الموقف البريطاني تحوّلًا لافتًا، إذ أعلنت رئيسة الحكومة كير ستارمر خلال جلسة البرلمان الأخيرة أن المملكة المتحدة ستصوّت لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة خلال سبتمبر المقبل، ما لم تُقدم إسرائيل على وقف الحرب في غزة، وتسمح بإدخال المساعدات الإنسانية، وتتعهد بوقف خططها لضم الضفة الغربية. وهو مؤشر على تصاعد الضغط الشعبي والسياسي في بريطانيا لكبح التواطؤ الرسمي مع العدوان الإسرائيلي، وتبنّي موقف أكثر اتساقًا مع القانون الدولي وحقوق الإنسان.

ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، نحو 206 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.







مقالات مشابهة

  • نتنياهو يفعّل خطة التهجير الطوعي في غزة لإرضاء بن غفير وضمان بقائه في الحكومة
  • عاجل: اللجنة الأمنية بحضرموت تكشف عن رصد عناصر ''مندسة'' تابعة للقاعدة والحوثيين تدفع أموالاً لإثارة الفوضى وتحذر من استغلال المظاهرات
  • الحوثي تكشف أهداف عملياتها الأخيرة ضد الاحتلال الإسرائيلي
  • الأجهزة الأمنية في مهرجان جرش… وجه مشرق للأردن
  • وقفة غاضبة أمام مقر الحكومة البريطانية تندد بتواطؤ لندن مع العدوان الإسرائيلي
  • أيمن سماوي يوجّه الشكر للأجهزة الأمنية: العيون الساهرة على أمن الفرح
  • قل لا للعنف: الجيش صمّام الأمان في وجه الانقسام والفوضى
  • مدير أمن سوهاج يتفقد الشوارع الرئيسية لمتابعة الحالة الأمنية والمرورية
  • بعد فضيحة أخلاقية.. نتنياهو يقرر إعادة السفير الإسرائيلي من الإمارات
  • سعد بحث مع قائد منطقة الجنوب في قوى الأمن الأوضاع الأمنية