في سابقة علمية، نجح فريق من الفيزيائيين من جامعة هارفارد من خلال دراسة في اكتشاف سلوك جديد للضوء، أطلقوا عليه اسم "الروتاتوم الضوئي"، وهو نوع متطور من أشعة الضوء الحلزونية، يماثل في حركته شكل بعض الأنماط في الطبيعة مثل الأصداف البحرية والمجرات وحتى الأعاصير.

وقد نُشرت نتائج الدراسة في دورية "ساينس أدفانسيز"، وقاد الفريق الفيزيائي المصري أحمد درة، الأستاذ المساعد في الفيزياء التطبيقية بجامعة آيندهوفن للتكنولوجيا الهولندية، وباحث زائر في كلية جون بولسون للهندسة والعلوم التطبيقية بجامعة هارفارد الأميركية.

يقول درة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت، "رغم أن عملي يرتكز على الفيزياء الحديثة، فإن استكشاف ظواهر مثل الروتاتوم الضوئي يُشبه، إلى حد ما، استكمال مناقشة أقدم بكثير [عبر الأجيال]".

ويضيف "هناك شيء مُلهم في معرفة أن الفضول الذي نُبديه لفهم الضوء وتشكيله اليوم يُعيد إلى الأذهان إرثا ثقافيا لم يعتبر الضوء أداة فحسب، بل رسولا لفهمٍ أعمق. للضوء معنى يكاد يكون سماويا، ليس فقط في الثقافات القديمة، بل في الفيزياء أيضا، ففي النهاية، لا شيء يسافر أسرع من الضوء. لقد لعب هذا المنظور دورا هادئا، ولكن ذو مغزى، في رحلتي كعالِم".

إعلان

ولطالما حمل الضوء معنى عميقا في التراث المصري القديم، إذ احتفى به القدماء المصريون ورسموه على جدران معابدهم، وأبدعوا في تسخيره فنيا للتعبير عن معاني دينية واجتماعية عميقة، مثل تعامد أشعة الشمس على وجه الملك يوم ميلاده، وخلق أوهام بصرية عبر الأحجار للتعبير عن مفاهيم عقائدية معقدة.

صورة تُظهر شكل الحلزون اللوغاريتمي للدوران الضوئي كما في قواقع البحر الحلزونية (مختبر كاباسو) ضوء يدور كالحلزون!

تخيّل أنك ترفع كرة على أصبعك كلاعبي كرة السلة، ثم أخذت تلفها في دفعات متتالية باليد الأخرى لتدور. فإذا حافظت على دفعها بالقوة نفسها، ستظل الكرة تدور بالسرعة ذاتها، لكن لو بدأت في زيادة قوة الدفعات وتتاليها، فستزيد سرعة دوران الكرة أكثر فأكثر، وهذا يعني أنك تغيّر تسارع الدوران.

القوة التي تؤدي إلى دوران الأجسام، في الفيزياء، تسمى عزم الدوران، ولو زاد عزم الدوران أو قل مع الوقت، يسمى ذلك بـ"الروتاتوم" أي تغيّر في تسارع الدوران.

يشرح درة "تحتوي الطبيعة على العديد من الحركات الموجية الدورانية أو المنحنية، مثل دوران الأعاصير أو دوامات المحيطات أو الاستقطاب الملتوي لموجات الضوء. وعندما تتغير هذه الحركات الدورانية بسرعة، مثل عندما يشتد دوران الإعصار فجأة أو يهدأ، أو عندما يتطور انحناء شعاع ضوء مستقطب دائريا على طول مساره، يكون ذلك مشابها للتغير في عزم الدوران. وإذا كان هذا التغيير نفسه يتسارع أو يتباطأ، فذلك في جوهره هو الروتاتوم".

في فيزياء الموجات، خاصة في مجالات البصريات أو ديناميكا الموائع، يساعد الروتاتوم في وصف كيفية تطور قوى الدوران داخل الموجة، مما يؤثر على كيفية تدفق الطاقة، وتشكّل الأنماط ومدى سلاسة انتشار الموجة عبر الوسط.

الروتاتوم يساعد في وصف كيفية تطور قوى الدوران داخل الموجة (بيكسابي) من القواقع والمجرات إلى الضوء

استخدم الباحثون شاشة بلورية سائلة منخفضة التكلفة، إلى جانب شعاع ضوء ضعيف الشدة، وتمت برمجة الشاشة لتشكيل واجهة موجية دقيقة، تمنح الضوء نمطا دوّاميا متغيرا عبر المسافة.

إعلان

بعد ذلك، قام الفريق بقياس التغيرات في بنية الضوء باستخدام كاميرات رقمية وتقنية متقدمة لإعادة بناء الأطوار، مما مكّنه من رصد كيفية تزايد دوران الضوء تدريجيا ليكوّن مسارا حلزونيا يشبه الشكل الطبيعي لقوقعة البحر الحلزونية.

يوضح درة قائلا "عندما يدور شيء ما، والعزم الذي يحركه لا يبقى ثابتا بل يتغير بسلاسة مع الزمن، فإنه يشكّل نوعا خاصا من الحلزونات يُعرف باسم الحلزون اللوغاريتمي. نراه في المجرات، والأعاصير، والأصداف البحرية، بل وحتى في بعض أنواع أشعة الضوء الملتوية. إنه توقيع تفرضه قوانين الفيزياء والطبيعة".

أي أن شعاع الضوء الذي يدور بالروتاتوم ينتشر وفق مسار حلزوني لولبي رياضي يُعرَف باسم "الحلزون اللوغاريتمي". وتتبع النسبة الذهبية مبدأ الحلزون اللوغاريتمي بنسبة 1.618%، أما الحلزون اللوغاريتمي عموما فقد يتبع نسبا أخرى ثابتة أيضا، وبالتالي فإن كل حلزون يكبر بنسبة ثابتة هو حلزون لوغاريتمي.

ما يجعل هذا الاكتشاف مختلفا ليس فقط في محتواه وناتجه الفيزيائي، بل أيضا في وسيلة تحقيقه، فبينما اعتمدت الدراسات السابقة على ليزرات عالية الشدة وتجهيزات ضخمة، تمكّن الفريق من خلق "الروتاتوم الضوئي" باستخدام شاشة بلورية سائلة (إل سي دي) عادية، كتلك المستخدمة في التلفاز المنزلي، بالإضافة إلى شعاع منخفض الشدة.

يوضح درة "السبب في أن طريقتنا تمثل اختراقا علميا هو أن معظم الدراسات السابقة اعتمدت على البصريات غير الخطية، بينما عملنا يتم في نطاق البصريات الخطية".

ويشرح الفرق بين النظامين قائلا "في البصريات الخطية، يسافر الضوء خلال المادة دون تغيير في تردده أو تفاعله مع نفسه. أما في البصريات غير الخطية، فإن المادة تستجيب بشكل دراماتيكي للضوء الشديد، ويمكن للضوء أن يغيّر لونه أو يختلط مع نفسه أو حتى ينتج شعاعا جديدا".

إعلان الروتاتوم الضوئي

من التحكّم في الجسيمات الدقيقة إلى استكشاف الأنظمة الكونية، يفتح الروتاتوم الضوئي آفاقا جديدة في ميادين متنوعة، فالأشعة الضوئية التي تتمتع بخاصية "الروتاتوم" يمكن أن تُستخدم كملقط بصري دقيق جدا، يسمح بالتعامل مع الخلايا أو الجزيئات النانوية، أو حتى لتوجيه العقاقير إلى أماكن محددة داخل الجسم.

يشرح درة "على عكس الدوامات الضوئية التقليدية التي تطبق عزم دوران ثابت، فإن الأشعة ذات الروتاتوم يمكنها أن تطبق عزم دوران متغير حسب الموقع أو الزمن، مما يسمح ببرمجة الدوران والتحكم الدقيق بهياكل بيولوجية حساسة أو مواد نانوية".

وقد يلهم هذا الاكتشاف علماء آخرين لاستكشاف المزيد من الخصائص الخفية للضوء باستخدام أدوات حديثة مثل "السطوح النانوية" وشاشات الكريستال السائل التي يمكنها تشكيل واجهات الموجات الضوئية بطرق غير تقليدية، حسب درة.

ويضيف الكشف عن خاصية "الروتاتوم" بُعدا جديدا لعلم البصريات، ويعزز فهمنا لميكانيكا الضوء في سياقات لم تُدرس من قبل تماما، كما ألهمت الحلزونات في الطبيعة البشر منذ العصور القديمة بأشكالها وانحناءاتها الخلابة. ويختتم درة: "الأمر المثير أيضا هو أننا يمكننا استكشاف أنظمة مشابهة في الطبيعة مثل الثقوب السوداء والمجرات التي تظهر ديناميكيات فيزيائية مماثلة كالحلزون، وكل ذلك من مختبرنا".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

باحث: الحرب في غزة سبب تراجع شعبية نتنياهو

قال محمد مصطفى أبو شامة، مدير المنتدى الاستراتيجي للفكر، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال يشكل رقمًا محوريًا في المعادلة السياسية الإسرائيلية، نظرًا لما وصفه بـ"ازدواجية سجله السياسي"، إذ يُنسب إليه تحقيق عدد من الإنجازات الكبرى لإسرائيل، إلى جانب تحمّله مسؤولية بعض من أكبر إخفاقاتها.

حماس: كارثة تهدد أطفال غزة وسط تفشي التهاب السحايا وانهيار المنظومة الصحيةتقارير إعلامية: حدث أمني صعب في خان يونس جنوب قطاع غزةعماد الدين حسين: تطابق واضح في المواقف المصرية والعُمانية تجاه ملف غزةقصف إسرائيلي يستهدف منزلا في حي الزيتون جنوب شرق غزة

وأضاف أبو شامة، في مداخلة مع الإعلامية فيروز مكي، ببرنامج "مطروح للنقاش"، على قناة "القاهرة الإخبارية"، أن نتنياهو استطاع استغلال فشل تمرير مشروع قانون حل الكنيست في منتصف الشهر الماضي لصالحه، عبر التحرك سياسيًا وإعلاميًا لترويج ما اعتبره "انتصارًا" على إيران، من خلال الهجوم الذي استهدف أراضيها والإشارة إلى تراجع في برنامجها النووي – وهو الملف الذي يشكل أولوية إسرائيلية منذ عقدين.

وأوضح أن هذه التطورات وفّرت لنتنياهو حالة من "النشوة السياسية" المؤقتة، خاصة في ظل الدعم الأمريكي المطلق في عهد الرئيس دونالد ترامب، إلا أن هذه المكاسب لا تلغي التحديات التي يواجهها في الداخل، وأبرزها التحقيقات المستمرة بشأن هجوم 7 أكتوبر، الذي يرى كثيرون أنه كشف عن قصور كبير في أداء الحكومة وأجهزتها الأمنية.

وأشار أبو شامة إلى أن الحرب ضد إيران أسهمت في تحسّن طفيف في شعبية نتنياهو، بحسب استطلاعات الرأي، لكن هذا التحسن سرعان ما بدأ في التراجع مع استمرار الحرب في غزة، وتفاقم الخسائر العسكرية والاقتصادية، إلى جانب تعثّر صفقة تبادل المحتجزين.

واعتبر أن استمرار الحرب في غزة بات عبئًا سياسيًا على نتنياهو، مع تنامي الخلافات داخل الائتلاف الحكومي، وتآكل قدرة الحكومة على تعبئة الرأي العام خلف أهدافها، ما يضع مستقبل نتنياهو السياسي في مهب التفاوضات الجارية في الساعات الأخيرة، والتي قد تحدد مصير هذه الحرب، وبالتالي مصير بقائه في الحكم.
 

طباعة شارك غزة قطاع غزة اخبار التوك شو الاحتلال نتنياهو

مقالات مشابهة

  • تقرير “ميريد” يسلط الضوء على توجهات المشترين لعام 2025 في سوق العقارات الفاخرة في دبي
  • باحث: الحرب في غزة سبب تراجع شعبية نتنياهو
  • بعد نجاح ترند الكركم.. إليك 5 تجارب منزلية تشعل فضول طفلك
  • فيزيائيو أكسفورد يصنعون ضوءا من الفراغ الكمومي
  • جون دوران ينتقل إلى فنربخشة على سبيل الإعارة
  • خلايا شمسية جديدة تولد الكهرباء من ضوء المنازل والمكاتب
  • وكيل أعمال دوران يصل إسطنبول للتفاوض مع فنربخشة
  • دوران يقترب من فنربخشة بعد موافقة النصر المبدئية
  • أحمد موسى: الدولة طورت منظومة السكك الحديدية.. والإعلام المعادي يستغل الحوادث للتشكيك
  • دوران الأرض يتسارع والأسباب غير واضحة إلى الآن