علي جمعة: الأمة في حاجة ماسة إلى تكثيف جهود التقريب بين المذاهب
تاريخ النشر: 23rd, April 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، إن مفهوم "أهل السنة والجماعة" وأهمية التعايش السلمي بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم، مشيرًا إلى أن الاختلافات العقدية بين الفرق الإسلامية قد تسببت في بعض التوترات التي أثرت على وحدة الأمة.
وأكد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، خلال تصريح، أن هذه الاختلافات لا يجب أن تكون سببًا للفرقة بل يمكن أن تكون دافعًا لبناء الجسور وتعزيز الحوار.
وقال: "أهل السنة والجماعة عبر العصور حاولوا أن يجيبوا على العديد من الإشكاليات التي قد تحدث بسبب الاختلافات العقدية، ومثال ذلك ما حدث بيننا وبين الشيعة، حيث شعروا بمظلومية تاريخية بعد مقتل سيدنا الحسين، وكان هذا دافعًا للتوترات بين الطرفين."
وأضاف أن أهل السنة كانوا دائمًا يفتحون أبواب الحوار مع الشيعة من خلال محاولات للتقريب بين المذاهب، مثل المشروع الذي بدأه الشيخ شلتوت في الأربعينيات من القرن الماضي، هذا المشروع كان يهدف إلى إزالة الخلافات العقدية من خلال نشر الوعي والتفاهم المتبادل.
وأضاف: "في عام 1949، أُسست مجلة 'رسالة الإسلام' للرد على الأسئلة الخلافية بين السنة والشيعة، وقد تم التوصل إلى حل للعديد من هذه القضايا، بما في ذلك موضوع سب الصحابة."
وفيما يتعلق بالاختلافات العقائدية حول الصحابة، قال: "علماء الشيعة أكّدوا أنه يمكننا انتقاد الصحابة في آرائهم الفقهية، لكن لا يجوز السب أو التكفير، وهو ما يتفق مع ما قاله علماء السنة"، مشيرا إلى أن هذه الفتاوى جاءت استجابة لمطالب المرجعية العليا في كل من المذهبين، والتي أكدت على أهمية الحوار والتعاون بين المسلمين بعيدًا عن أي تطرف أو تحريض.
أما عن مفهوم "التقية" التي تختلف حولها بعض المذاهب، فقد أوضح جمعة أنه يجب على المسلمين أن يفرقوا بين التقية التي تهدف إلى حفظ النفس وبين الكذب المرفوض شرعًا، مشيرًا إلى أن هذا النقاش قد دار بين علماء الشيعة وأهل السنة، وتم التوصل إلى توافق حوله بعد مناقشات طويلة.
وشدد على أن الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تكثيف جهود التقريب بين المذاهب، معتبرًا أن هذا هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمات التي تمر بها الأمة اليوم، مضيفا: "عندما نقوم ببناء جسور الحوار والتفاهم، فإننا نكون بذلك نساهم في تعزيز الوحدة الإسلامية التي تمثل العمود الفقري لاستقرار الأمة."
كما تحدث جمعة عن قضية تحريف القرآن، وأكد أن القرآن الكريم هو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، مستنكرًا ما يُشاع من ادعاءات بتحريفه، وهذه الأكاذيب لا يمكن أن تكون جزءًا من عقيدتنا، ونحن نرفضها بشدة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور علي جمعة على جمعة التقريب بين المذاهب المذاهب الدينية المذاهب الفقهية المزيد
إقرأ أيضاً:
صفة عباد الرحمن .. تعرّف عليها واحرص أن تكون منهم
كتب الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف منشورًا جديدًا عبر صفحته الرسمية على فيس بوك قال فيه: قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ (الفرقان: 63). فكانت أولُ صفةٍ لعبادِ الرحمن أنهم يمشون على الأرض هونًا.
وأوضح أن الهونُ في اللغة: الرفقُ واللين. ومنه ما جاء في الحديث: «أَحْبِبْ حبيبَكَ هونًا ما، عَسَى أَنْ يكونَ بَغيضَكَ يومًا ما، وأَبْغِضْ بَغيضَكَ هونًا ما، عَسَى أَنْ يكونَ حبيبَكَ يومًا ما» [رواه الترمذي]، أي: حبًّا مقتصدًا لا إفراط فيه ولا تفريط.
ويُروى مُرسَلًا عن مكحول أنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: «المؤمنون هَيِّنون لَيِّنون كالجملِ الأنف: إن قِيدَ انقاد، وإن أُنيخَ استناخَ على صخرة»؛ وذكره البيهقي في [شُعَب الإيمان]، والمراد: أن المؤمن لينٌ سهلٌ.
وبين ان فمعنى الآية: أن مشيَهم على الأرض يكون في لينٍ وسكينةٍ ووقارٍ وتواضع، وهذا كله ضدُّ الكِبر، وهو يتفق مع قوله تعالى: ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا﴾ (الإسراء: 37).
أشار إلى أن عدمُ الكِبر يجعل الإنسانَ يعرف حقيقتَه وأنه محدودٌ؛ فيلتفت إلى وظيفته الحقيقية في هذا الوجود، وهي: عبادةُ الله، وعمارةُ الكون، وتزكيةُ النفس.
ويتفق ذلك مع وصيةِ لقمان لابنه وهو يعظه: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (لقمان: 18).
وقال زيد بن أسلم: كنتُ أسأل عن تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا﴾ فما وجدتُ فيه شفاء، فرأيتُ في المنام مَن جاءني فقال لي: هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض. (القرطبي)؛ وقيل: يمشون بالوقار والسكينة.
وهو معنى جليلٌ نبه إليه كثيرٌ من المفسرين. فقال القشيري: «وقيل: لا يمشون بإفسادٍ ومعصية، بل في طاعة الله، والأمورِ المباحة من غير هوك» (والهوك: الحمق). وقال ابن عباس: بالطاعة والمعروف والتواضع.
وقال الحسن: حلماءُ إن جُهل عليهم لم يجهلوا. وقيل: لا يتكبرون على الناس. وهذه كلها معانٍ متقاربة، ويجمعها العلم بالله، والخوف منه، والمعرفة بأحكامه، والخشية من عذابه وعقابه. (تفسير القرطبي)
ونوّه أن الهونُ هنا صفةٌ لعباد الرحمن، وليس صفةً للمشي وحده؛ لأن الإنسان قد يمشي برفقٍ وفي حقيقته وذات صدره هو ذئب؛ كما قيل:
كلُّهم يمشي رويدًا ** كلُّهم يطلبُ صيدًا
والنبي ﷺ يقول للسيدة عائشة رضي الله عنها: «إنَّ الرفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانَه» (رواه مسلم).
فهذه صفةٌ تحتاج إلى كثيرٍ من ضبط النفس والتربية. وما أحوجَنا إليها في عصرنا الحاضر؛ حتى نخرج من مصائبِ الكِبر الذي ما دخل في أمةٍ إلا أهلكها، ومن مصائبِ الفساد الذي ما شاع في قومٍ إلا أخرجهم من دائرة الرضا والقناعة إلى دائرة الطمع والحمق. فإن أساس الإفساد في الأرض وارتكاب الحرام وظلم الناس إنما هو ذلك الطمع، وما يكتنفه من عنفٍ في طلبه.
قال تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ (القصص: 83).
ونلاحظ هنا أن الله سبحانه وتعالى نهى عن مجرد إرادة العلو، فما بالك بنفس الفعل. وفي الحديث: «ألا أُخبرُكم بأهلِ النار؟ كلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مستكبر» (رواه البخاري ومسلم).
والعُتُلّ: قيل هو الغليظ العنيف، الشديد الخصومة في الباطل، والجَوّاظ: قيل الكثير اللحم المختال في مشيته (وقيل فيه غير ذلك).
ويحتاج الأمرُ منا إلى تتبع مادة "فسد" في القرآن الكريم لرسم ملامح ذلك الفساد المنهي عنه، وكذلك في السنة؛ لأن تحديد المفاهيم أصبح من الواجبات الكبار؛ فكثيرٌ من الناس يرى المنكر معروفًا، والمعروف منكرًا، ويرى الصلاح فسادًا، والفساد صلاحًا. ويمكن تحقيق ذلك بأن نتتبع ما يحبه الله وما لا يحبه في القرآن الكريم حتى نحدد مفهوم الصلاح والفساد.